سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
وفاء صندي
منذ 2015، وبوركينا فاسو، البلد الذي يعتبر من اكثر البلدان فقرا ومعاناة من الجوع في العالم، يتعرض لعمليات إرهابية، كان اخطرها هو الهجوم غير مسبوق الذي تعرضت له بلدة ياغا، شمال البلاد قرب الحدود مع مالي والنيجر، ليلة الجمعة الماضي، وأدى إلى مقتل ما لا يقل عن 160 شخص.
يصنف الهجوم الأخير بأنه الأكثر دموية، لكنه يبقى واحدا من عمليات كثيرة شهدتها البلاد مؤخرا. لم تتبن بعد أي جهة مسؤولية الهجوم، لكن مصادر حكومية أشارت بأصابع الاتهام إلى ما بات يعرف بفرع “تنظيم داعش في الصحراء الكبرى”، الذي نفذ العديد من الهجمات التي أدت إلى مقتل المئات في دول منطقة الساحل. وتشير البيانات إلى أن مالي وبوركينا فاسو والنيجر شهدت منذ بداية العام الماضي، نحو 937 حادثة عنف، بزيادة قدرها 13% عن 2019. بينما تسببت الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو، حسب منظمة الأمم المتحدة في نزوح نصف مليون شخص منذ عام 2020 وحتى الآن.
ازداد الوضع الأمني تدهورا في هذا البلد الفقير خلال شهر مايو الماضي حيث تضاعف عدد الهجمات الإرهابية، خاصة تلك التي تستهدف المدنيين في القرى المعزولة شمال البلاد. هذا الوضع يجدد المخاوف من أن الغرب وحلفاءه قد يخسرون المعركة ضد الجماعات المتطرفة والإرهابية في دول الساحل الفقيرة، التي تشمل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وساحل العاج وتشاد.
في المقابل، تواصل التنظيمات الإرهابية، اختراق الحدود والتمدد في المنطقة. فبعد خسارة داعش لخلافته المزعومة في سوريا والعراق، بدأ يخطط للتوسع في القارة الأفريقية لاسيما في شمال شرق نيجيريا حيث يسيطر على مئات الأميال من الأراضي، وصولا إلى الكونغو وشمال موزمبيق. وقد استطاع التنظيم، مؤخرا، تحقيق مجموعة من الانتصارات منها ما هو مرتبط بحربه الشرسة ضد تنظيم القاعدة؛ حيث يسعى كلا التنظيمان لبسط نفوذهما في إحدى أكثر مناطق العالم اضطرابا. فقد استطاع “داعش” قتل زعيم بوكو حرام “أبوبكر شيكاو”؛ الذي لم تتمكن منه القوات النيجيرية لما يزيد عن عشرة أعوام من المواجهة. وتمكنت قواته من التمدد نحو الشرق حول بحيرة تشاد، بحيث أنها باتت تتمركز حاليا داخل أحراش غابة سامبيسا الشاسعة.
يسعى تنظيم “داعش” لمد نفوذه في الصحراء الكبرى بمنطقة الحدود المشتركة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وبسط هيمنته كتنظيم “جهادي” على الساحل الأفريقي الممتد على طول خمسة آلاف كيلومتر أسفل الصحراء الكبرى ويشمل المسافة من المحيط الأطلنطي إلى البحر الأحمر. ومن اجل تحقيق ذلك، فالتنظيم يستغل موجات الاضطراب السياسي المتتالية بدول الساحل الأفريقي، بدءا بمسلسل الانقلابات الذي تكرر في مالي مرتين في عام واحد، ثم الحرب الداخلية في تشاد والتي أدت الى مقتل رئيسها، الذي كان له، الى جانب مالي، دورا هاما في الحرب ضد الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، وكانا البلدان يقفان كحائط صد امام تمدد “داعش” في غرب ووسط أفريقيا.
انشغال العسكريين في تشاد بقمع حركات التمرد الداخلية، وانشغال اقرانهم في مالي بالسلطة، يعطي لـ”داعش” فرصة لتصعيد هجماته ضد القوات الغربية وضد القوات المحلية والأهالي. وقد اصبح “تنظيم داعش في الصحراء الكبرى” يرتكب مذابح بشعة بحق سكان القرى التي ترفض التعهد له بالولاء، في وقت باتت الحكومات الأفريقية المحلية والمدعومة من قبل قوات التحالف الدولي، غير قادرة على حماية السكان المدنيين. ومع تصاعد نفوذ “داعش”، الذي اصبح على وشك استيعاب مقاتلي بوكو حرام والسيطرة على معاقل الحركة السابقة، بات بينه وبين تحقيق حلمه، بالسيطرة على منطقة أوسع ويستقطب مقاتلين أكثر واسلحة وموارد متنوعة، خطوة وشيكة.
أصبحت الفوضى والإرهاب وانعدام الأمن هي القاعدة في دول الساحل. واصبح الوضع السياسي هشا في مالي التي يعول عليها كثيرا في الحرب ضد الإرهاب، بالإضافة الى ضعف القوات المحلية في المنطقة وانتشار الفساد والتمرد وتزايد التوترات الطائفية والعرقية والشقاق بين الحلفاء، بالإضافة الى تفاقم المشاكل الاقتصادية وضعف الاستثمارات لانتشال ابناء المنطقة من براثن الفقر والاقتتال على الموارد او الانضمام الى الجماعات الإرهابية. كل ذلك سوف يفرز واقعا جديدا يتمثل في تكريس قاعدة جغرافية جديدة يمكن للجماعات الإرهابية، تحديدا “داعش”، بسط سيطرتها عليها ويتم من خلالها التخطيط لشن هجمات في جميع أنحاء العالم. كما من شأن ما تقدم ان يتسبب في زيادة تدفق المهاجرين واللاجئين داخل دول القارة ومنها الى أوروبا للهروب من بلدانهم.
هناك حاجة الى مضاعفة جهود الحرب ضد الإرهاب في إفريقيا وجعلها اكثر شمولية. والحرب الدولية الدائرة حاليا في منطقة الساحل ستبقى دون نتائج تذكر اذا لم تتحول المساعدة العسكرية إلى برنامج شامل للحكم الرشيد لشعوب المنطقة، يعلي سيادة القانون، وتخصيص أموال بشكل أكثر فاعلية في مجالات المساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية في البلدان التي يتزايد فيها خطر الإرهاب.
المصدر: صحيفة الأهرام
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر