نيويورك ولندن وهونغ كونغ.. هل فقدت عواصم المال العالمية بريقها؟ | مركز سمت للدراسات

نيويورك ولندن وهونغ كونغ.. هل فقدت عواصم المال العالمية بريقها؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 16 أغسطس 2022

 Anjani Trivedi

 

تفقد عواصم المال العالمية ألقها، فقد خبا سطوع أضواء نيويورك فيما أفقدت مشكلات لندن من تضخم وسياسات الفوضوية ومنازل غير معدّة للطقس الحار ومطار دولي مختل، أما هونغ كونغ فأصبحت ظلاً واهياً لما كانت عليه فباتت مستعمرة بريطانية سابقة تعج بأباطرة أعمال ومليارديرات انحسرت فيهم الروح الحرة المتوثبة التواقة لعقد الصفقات.

كما لا تتمتع منافساتها مثل طوكيو وسنغافورة وشنغهاي بذات جاذبيتها السابقة. فمن يبقى إذاً؟

عادةً ما كانت المراكز المالية تخضع لإشراف تنظيمي جيد وأسواق رأسمالية عميقة. وبالطبع، ينشأ نظام بيئي للعمال في هذا الإطار لجذب المهنيين مثل المصرفيين والمحامين والمحاسبين وشركات التوظيف.

تُسهل عوامل، مثل معدلات الضرائب والقدرة على جذب رأس المال والديون، الأعمال التجارية وتعزز القدرة التنافسية للمدينة. هناك طرق مختلفة لقياس ذلك مثل حجم أسواق رأس المال وعمقها والمؤشرات المفصلة والمرجحة التي تأخذ في الاعتبار كل شيء من معدلات الضرائب إلى إشغال المكاتب والولاية القضائية القانونية.

تتجاهل هذه المقاييس رأس المال البشري، وهو عامل لا يحظى بالتقدير الكافي لكنه يزداد أهمية في حقبة ما بعد كورونا. لم يعد بإمكاننا قياس العمال بناءً على عوامل أحادية البُعد مثل مستوى التعليم أو شريحة الدخل. أين يريد أن يعيش الناس؟ وأين يمكن للمهنيين أداء وظائفهم بسلاسة، وبالتالي بنجاح؟ لقد تغير كل ذلك منذ أن قلب فيروس كورونا عالمنا رأساً على عقب.

معايير التقييم

وضعت أحدث تصنيفات لمؤشر المراكز المالية العالمية كل من نيويورك ولندن وهونغ كونغ وشنغهاي على رأس القائمة، وذلك استناداً إلى 150 مقياساً كمياً وما يقرب من 75,000 تقييم للمدن، إضافة إلى حوالي 12,000 مشارك في الاستطلاع. كان رأس المال البشري أكثر مجالات القدرة التنافسية ذكراً، وذلك بسؤال المشاركين في الاستطلاع عن الأمر الذي اعتبروه الأكثر أهمية.

كان تطور القطاع المالي، خلافاً للمفهوم الشائع، هو الأدنى في تلك القائمة، حيث أظهر العمل عن بُعد وسهولة الخدمات الرقمية خلال الوباء أنه توجد طريقة مختلفة للقيام بالأعمال. لكن ما ينبغي التنبيه إليه هو الحاجة إلى “نظام بيئي موثوق وجدير بالثقة”.

حان الوقت لإعادة تعريف المراكز المالية العالمية بناءً على معايير أكثر موضوعية. لكن من أين تبدأ؟ تساعد تكلفة المعيشة وجودتها، على سبيل المثال، في وضع أساس لتقييم المدن التي تساعد في جذب الكفاءات أو تنفيرها.

ما تزال هونغ كونغ أغلى مدينة، في ظل إيجاراتها المرتفعة وتدابير فيروس كورونا التي جعلت تكلفة الخدمات اللوجستية والحياة باهظة بشكل عام. ارتفعت أسعار الجعة أيضاً هناك. تحتل هونغ كونغ المرتبة 71 في مؤشر جودة المعيشة لشركة “ميرسر” (Mercer) الاستشارية، بينما تتصدر أماكن مثل فيينا وزيورخ المراتب الأولى. تحتل لندن المرتبة 41، بينما تأتي نيويورك، المركز المالي الأول في العالم، في المركز 44.

يأتي الاتصال فيما بعد. أصبح السفر من وإلى أيٍ من المراكز المالية الثلاثة الأولى في حالة من الفوضى في الوقت الحالي، فيما وصفه المسؤولون التنفيذيون بأنه أكثر المواسم ازدحاماً على الإطلاق. بالكاد توجد رحلات جوية في هونغ كونغ، فدعونا لا نبدأ الحديث عن نظام الحجر الصحي الخاص بها، في حين لا تستطيع لندن التعامل مع الركاب وتظل نيويورك مزدحمة ويشوبها تأجيل الرحلات.

عوامل متنوعة

تسهل معرفة سبب ترك الناس في الولايات المتحدة وغيرها لوظائفهم سعياً لوظيفة أفضل. كان مفهوم “الاستقالة الكبرى” (Great Resignation) يدور حول قيام الأشخاص بما يريدون دون أن أن يقيدهم العمل، إضافة للعوامل الاقتصادية الأخرى التي سمحت به. يختار الناس العيش في المدن الكبيرة لأن العمل في عالم التمويل أو النظام البيئي المحيط به مربح، لكن العيش في هذه المناطق وفيما حولها مُكلف.

ضع في الحسبان ما يحدث للوظائف في قطاع التقنية، وهو أول مجال اتجه عاملوه نحو العمل عن بعد، وذلك من حيث رواتب ذوي الياقات البيضاء في الولايات المتحدة فهي متقاربة في جميع أنحاء البلاد، بغض النظر عما إذا كانوا في مركز رئيسي أو بعيداً عن المقر. تداني الأجور في العاصمة تلك الموجودة في منطقة الخليج.

سيتعين على الشركات تغيير أساليبها للاحتفاظ بالكفاءات وجذب الأفضل والأذكى. ليس الأمر صعباً وهذا ظهر في افتتاح مكاتب “بلاك آند روك” و”غولدمان ساكس” في أماكن مثل ويست بالم بيتش وبرمنغهام. يمكن لنشر الكفاءات عبر الأماكن التي توفر مستويات معيشية أفضل وسفراً سهلاً وساعات عمل مرنة لتتناسب مع المناطق الزمنية وساعات التداول، أن يعين بقوة في حل مشاكل العمل الحالية وتكلفة رأس المال البشري في النهاية.

هذا لا يعني أنه يجب على الشركات السماح للعمال بالتوجه إلى الجزر النائية مع شبكة واي فاي متقطعة وبنية تحتية سيئة. بل يتعلق الأمر بالاعتراف بأن الأماكن التي يُنظر إليها بشكل تقليدي على أنها مراكز للعاملين من ذوي الياقات البيضاء في مجال التمويل لم تعُد كذلك.

بروز دبي

على الصعيد العالمي، يوجد الآن عدد قليل من الأماكن التي يرغب أخصائيو التمويل في العالم بأن يقيموا فيها. تُعدّ دبي، على سبيل المثال، أحد المراكز التي تبرز بسرعة. لقد عشتُ في كل من نيويورك ولندن وهونغ كونغ، وانتقلت أخيراِ إلى دبي. لا يتعلق الأمر فقط بتدفق الوافدين الفارين من أنظمة أخرى أقل ودية مثل سنغافورة وهونغ كونغ، بل إن رأس المال يتدفق إليها أيضاً. وضعت إمارة دبي تدابير لجذب الكفاءات من خلال برامج التأشيرات والإسكان والحوافز لمديري الأصول لبدء أعمالهم. توجد وفرة في المدارس كما أنها في تحسن متزايد. كما قامت أبوظبي بما يشابه ذلك أيضاً.

لا شك أن هناك أوجه قصور، مثل خطوة دبي لحماية مشغل الاتصالات على حساب المستهلكين. فلا يمكنك، على سبيل المثال، استخدام تطبيقات مثل “واتساب” و”فيستايم” لإجراء مكالمات صوتية أو مكالمات فيديو.

يُظهر التاريخ أن المراكز المالية بإمكانها أن تتطور بسرعة، كاسرة قوالبها التقليدية. ظهرت مراكز تتنافس على الأهمية في أعقاب الأزمة المالية العالمية مثل دبي وشنغهاي وساو باولو رغم أن بعضها لم يرتق لمستوى وعوده.

كان أحد أهم التغييرات هو تطور التقنية المالية، التي أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت ستلغي أهمية وجود المراكز المالية لتشغيل الاقتصاد العالمي في النهاية.

تُظهر هذه التغييرات، فضلاً عن قدرة الموظفين وأصحاب الأعمال على التعايش معها وإنجاح الأمر، أنه قد حان الوقت لإعادة تقييم.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر