سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمد الدخاخني
يقول المسنّ وهو يمسك بالبندقيّة البالية: “اعتاد أجدادنا استخدام هذا السلاح لاصطياد الحيوانات”.
ويتابع وهو يحمل بعض الأعشاب: “يطلق قطّاع الطّرق النّارَ علينا ببنادق آي كي-47 إس وآي كي-49 إس وأنواع أخرى من المدافع الرّشاشة. لكن الرّصاص لا يخترق أجساد هؤلاء الحرّاس الأهليّين المجهّزين جيّداً بجذور العشب”.
مصطفى (35 عاماً)، الّذي غُيّر اسمه للحفاظ على هويّته، محارب مخضرم في قوّة الأمن الأهليّة المحلّيّة في ولاية النّيجر، وهي منطقة كبيرة يغلب عليها الطّابع الرّيفيّ في شمال غرب نيجيريا. ومع قيام قوّات الأمن الفيدراليّة المُنهَكة بالتّعامل مع التّحديّات الأمنيّة الّتي لا تُعدّ ولا تُحصى في نيجيريا، يقف الحرّاس الأهليّون المحلّيّون، من أمثال مصطفى، في الخطوط الأماميّة لمعركة ضبابيّة مع ما يسمّى بقطّاع الطّرق الّذين تسبّب عنفهم في مقتل آلاف الأشخاص وتشريد عدد أكبر في الشّمال الغربيّ خلال العقد الماضي. يقوم مصطفى ورجاله بدوريات في الأدغال ببنادق صيد قديمة وتمائم محمّلة بعبق البخور يُعتقد أنّها توفّر قوى روحانيّة، ويواجهون مجرمين مدجّجين بالسّلاح تبدو هجماتهم بشكل متزايد شبيهة بهجمات المتمرّدين المنظّمين.
ألقى تمرّد بوكو حرام المستمرّ منذ عشرة أعوام في شمال شرق نيجيريا بظلاله على الأزمة الأمنيّة المتزايدة في شمال غرب البلاد. ازدادت عمليّات الخطف من أجل الحصول على فدية وسرقة الماشية والعنف الشّبيه بالإرهاب – وهي أشياء تُجمَع معاً وتُوصَف من قِبل الحكومة ووسائل الإعلام النّيجيريّة على حدّ سواء بـ “قطع الطّرق” – بشكل كبير في المنطقة منذ منتصف عام 2010. هاجم قطّاع الطّرق قوّات الأمن بجرأة في كافّة أنحاء الرّيف ونهبوا قرى بأكملها. ومن جانبه، يستجيب الجيش، غير القادر على تأمين المنطقة الرّيفيّة الشّاسعة سيراً على الأقدام، عن طريق القوّات الجويّة. (في ولاية كادونا، نُفّذت 150 مهمّة جويّة في الرّبع الأول من عام 2021 وحده).
لا يبدو أنّ دوافع العنف في الشّمال الغربيّ ذات طبيعة دينيّة، بالرّغم من أنّ هذا لم يمنع الجهاديين النّيجيريّين من محاولة الاستفادة من عدم الاستقرار. وهناك أدلّة متزايدة على أنّ الجهاديين كانوا على اتّصال مع قطّاع الطّرق لشقّ طريقهم إلى الشّمال الغربيّ ذي الأغلبيّة المسلمة، وهو ما من شأنه أن يعكس الأساليب الّتي ينشرها الجهاديّون في أماكن أخرى من غرب إفريقيا. لكن من غير الواضح مدى نجاح مبادرات الجهاديّين. في الواقع، لا يزال الوضع في الشّمال الغربيّ غامضًا، حيث أعرب مسؤولون عن عدم اليقين بشأن هويّات العديد من قطّاع الطّرق وعلاقاتهم وأهدافهم.
وكما قال أحد المسؤولين النّيجيريّين: “في الشّمال الشّرقيّ، نعلم أنّ العدوّ هو بوكو حرام. في الشّمال الغربيّ [يبدو الأمر] مثل ‘الغرب الجامح'”.
نشأت أزمة قطع الطّرق من عدّة عوامل مترابطة، من بينها النّزاعات على استخدام الأراضي والماشية، وقطاع الأمن المنهك والّذي غالبًا ما يكون مُسيئًا، وتدفّق أسلحة عادةً ما تستخدمها الجيوش من ليبيا ومنطقة السّاحل.
وينتمي العديد من قطّاع الطّرق إلى مجتمع الفولاني الرّعويّ، بالرّغم من أنّ بعضهم ينتمون أيضاً إلى أغلبيّة الهوسا في شمال نيجيريا بينما لا يزال البعض الآخر يشتبه في كونهم نيجريّين أو ماليّين استغلّوا الحدود النّيجيريّة الّتي يسهل اختراقها. لطالما كانت سرقة الماشية مشكلة بين مجتمع الفولاني، وعلى مدار العقد الماضي، بدأ السّارقون في الانخراط في عمليّات اختطاف مربحة للحصول على فدية أيضاً، ولا سيما استهداف الطّرق السّريعة. يتّهم العديد من أبناء الفولاني نخبة الهوسا في الشّمال الغربي بحرمانهم من ماشيتهم، والبناء على طرق الرّعي، ممّا دفع شباب الفولاني إلى العوز والإجرام.
أصبحت عمليّات الخطف واسعة النّطاق لعشرات أو حتّى مئات الأشخاص، بما في ذلك اختطاف أكثر من 130 طالباً في ولاية النيجر في 30 أيار (مايو)، أسهل مع تزايد تدفّق الأسلحة من شمال إفريقيا ومنطقة السّاحل منذ الحرب الأهليّة في ليبيا في عام 2011. ويشكو المسؤولون من أنّ قطّاع الطّرق غالباً ما يكونون أفضل تسليحاً من قوّات الأمن المحلّيّة. وفي رحلة قمتُ بها مؤخّراً إلى كادونا، رأيت مخزناً نموذجيّاً للأسلحة استولت عليه الشّرطة من قطّاع الطّرق وتضمّن كميّات كبيرة من المدافع الرّشّاشة والذّخيرة المضادّة للطّائرات.
وقام بعض قطّاع الطّرق أيضاً بشراء أسلحة من رجال الشّرطة والجنود، إمّا بشكل مباشر أو من خلال وسطاء السّوق السّوداء، كما فعلت بوكو حرام تاريخيّاً في الشّمال الشّرقيّ. لطالما عرقل الفساد الموجود غالباً لدى الرّتب العليا جهود نيجيريا لمكافحة انعدام الأمن. هذا، وقُدّم مستشار سابق للأمن القوميّ وقائد سابق للقوّات الجويّة، من بين آخرين، إلى المحكمة بتهمة الاختلاس في الحرب ضدّ بوكو حرام.
إنّ قوّات الأمن في الشّمال الغربيّ مُنهَكة وغالباً ما تفشل في الرّدّ على الهجمات. ويلقّي المسؤولون بالّلوم على نقص القوى العاملة والتّمويل، خاصّة بين الشّرطة، بالرّغم من تفاقم ذلك بسبب تخصيصات مشكوك فيها للموارد الموجودة. يتركّز العديد من رجال الشّرطة في عواصم الولايات، حيث يقومون بحراسة المكاتب الحكوميّة وكذلك كبار الشّخصيّات والشّركات الّتي يمكنها تحمّل تكاليف الحماية. وتحملت وحدات الجيش الكثير من عبء تسيير الدّوريات (بالتّنسيق أحياناً مع الشّرطة والقوّات شبه العسكريّة) بالإضافة إلى شنّ هجمات على جيوب قطّاع الطّرق. ومع انتشار نَشِط في ما يقرب من 30 ولاية من أصل 36، يمكن للجيش توفير عدد قليل من الرّجال في الشّمال الغربيّ. وفي كادونا، استُدعيت وحدات من القوّات الجويّة الخاصّة لتعزيز الوجود العسكريّ المحدود.
ولاية النّيجر، أكبر ولاية في نيجيريا من حيث المساحة، فيها 4,000 ضابط شرطة فقط، مع 10 فرق تتركّز في عاصمة الولاية. يسافر قطّاع الطّرق على درّاجات ناريّة على طول ممرّات غير معروفة للماشية، ممّا يمنحهم قدراً أكبر من الحركة مقارنةً بمركبات الشّرطة والجيش الثّقيلة. في عاصمة ولاية كادونا، حيث اختطف قطّاع الطّرق مؤخّراً 39 طالباً جامعيّاً على الطّريق من أكاديميّة الدّفاع النّيجيريّة، يشعر العديد من السّكان منذ فترة طويلة بالقلق من التّنقل في أنحاء المدينة. وتقول مقيمة تُدعى آن موتواه: “كان من المعتاد أن يسمح الآباء لأطفالهم بالخروج والّلعب طوال اليوم دون أي إشراف. الآن، لا نثق حتّى في سائقي الأوكادا [تاكسي الدرّاجات النّاريّة]”.
كما أدّت الانتهاكات وسوء السّلوك من جانب قوّات الأمن إلى تفاقم الوضع الأمنيّ في الشّمال الغربيّ. وخلال تدخّل في ولاية زامفارا الّتي تضرّرت بشدّة في عام 2016، ورد أنّ الجيش شارك في العديد من عمليّات القتل خارج نطاق القانون. ووفقاً لجنرال متقاعد طلب عدم الكشف عن هويّته، فإنّ هذه العمليّة قوّضت حاكم زامفارا آنذاك، عبد العزيز ياري، في أعين السّكان المحلّيّين وساعدت في دفع بعض أفراد عائلات أولئك الّذين قُتلوا إلى حظيرة قطّاع الطّرق سعياً للانتقام. لن تكون هذه هي المرّة الأولى الّتي يؤدّي فيها استخدام القوّة المفرطة إلى نتائج عكسيّة على الحكومة النّيجيريّة، ممّا يدفع المجتمعات المتعاونة المحتملة لدعم المسلّحين بدلاً من ذلك.
تكثر التّكهّنات والإشاعات حول دوافع قطّاع الطّرق. يشتبه العديد من النّيجيريّين، بمن فيهم كبار المسؤولين، في أنّ السّياسيّين أو رجال الأعمال في الشّمال الغربيّ يرعون قطّاع الطّرق بطريقة أو بأخرى، سواء من أجل الإثراء الشّخصيّ، أو للإضرار بمصالح الخصوم السّياسيّين، أو لإجبار السّكان على التّصويت بطريقة معيّنة، أو لمكافأة رعاة مجتمع الفولاني على دعم سياسيّ سابق. (وغالبًا ما اتّهم الحاكم ياري بإجراء مثل هذه الحسابات). ويشتبه المسؤولون أيضاً في وجود صلة بين قطّاع الطرق وأنشطة تعدين الذّهب غير القانونيّة في الشّمال الغربيّ.
يحاول الجهاديّون النّيجيريّون أيضاً استغلال أزمة قطع الطّرق لصالحهم. لم تواصل بوكو حرام عمليّاتها في الشّمال الغربيّ منذ 2014، أي قبل عامين من انقسامها إلى فصيلين. وحاول زعيم أحد الفصيلين، أبو بكر شكوي (الّذي قيل إنّه قُتل في أيار (مايو ) على يد الفصيل المتحالف مع تنظيم داعش)، استمالة مجتمع الفولاني كوسيلة لإعادة تأكيد وجوده في الشّمال الغربيّ. نجح فصيله في تشكيل ترتيب – مهما كان مؤقّتاً أو تبادليّاً – مع مجموعة واحدة على الأقلّ من قطّاع الطّرق الّذين اختطفوا عدداً من التّلاميذ في ولاية كاتسينا، في عمليّة في كانون الأوّل (ديسمبر) 2020 أعلن شكوي مسؤوليّته عنها. “قُتل العقل المدبّر لعمليّة الاختطاف هذه على يد عصابات منافسة في شباط (فبراير)”.
في ولاية النّيجر، تشير شهادات القرويّين النّازحين إلى أنّ فصيل شكوي قد يكون له موطئ قدم في الولاية. علاوةً على ذلك، فإنّ جماعة أنصارو، الّتي انشقت في السّابق عن بوكو حرام والمرتبطة بالقاعدة، لديها خلايا في الشّمال الغربيّ ويُشتبه في ضلوعها في بعض عمليّات الاختطاف. وكان دوجو جيد، أحد قادة قطّاع الطّرق ويعمل في ولايات النّيجر وكادونا وزامفارا، على اتّصال بفصيلي بوكو حرام لمناقشة تشكيل تحالف عمليّ، وفقاً لاثنين من كبار المسؤولين الحكوميّين راجعا اعتراضات الاتّصالات ذات الصّلة، وفضلا عدم الكشف عن هويّتهما.
ويقول مسؤولون إنّ مقاتلي بوكو حرام السّابقين انضمّوا إلى قطّاع الطّرق، رغم أنّ دوافعهم قد تكون مادّيّة وليست أيديولوجيّة. وقد أخبرني أحد كبار المسؤولين أنّ بعض قطّاع الطّرق اشتبكوا مع جماعة أنصارو في كادونا لأنّ الجهاديّين “حاولوا فرض دينهم عليهم”. وأقرّ إس دي دانمان، وهو قائد شرطة في ولاية النّيجر، بأنّ الشّرطة غير قادرة على التّمييز بين مسلّحي بوكو حرام وقطّاع الطّرق، لكنّه ذكر “أنّ قطع الطّرق فرع من جماعة بوكو حرام”.
وبغض النّظر عن أيديولوجيّتهم، فمن الواضح أنّ قطّاع الطّرق تتملّكهم بالجرأة. في زامفارا، استولى قطّاع الطّرق على قرى وورد أنّهم جنّدوا السّكان للعمل في مزارع قادة قطّاع الطّرق. وعبر الشّمال الغربيّ، يهاجمون المجتمعات الّتي تقاوم إرادتهم أو تتعاون مع السّلطات المحلّيّة. وفي مطلع العام الماضي، أحبط أهالي قرية كيراوا في كادونا محاولة خطف. وبعد ذلك بوقت قصير، عاد قطّاع الطّرق وقتلوا 57 قرويّاً.
أصبح قطع الطّرق موضوعاً جاذباً للاهتمام في السّياسة النّيجيريّة المستقطبة بشكل دائم. ينظر العديد من النّيجيريّين إلى قطّاع الطّرق ورعاة مجتمع الفولاني العاديّين على أنّهم وجهان لعملة واحدة، مشيرين إلى انتشار العنف بين المزارعين والرّعاة في كافّة أنحاء البلاد كدليل على عدوان الفولاني أو حتّى قيامهم بالإبادة الجماعيّة. (غالباً ما تُتَجاهل حقيقة وقوع الفولاني ضحيّة لأعمال قطّع الطّرق).
وكثيراً ما يُتغَاضى عن الأبعاد المحلّيّة المعقّدة للعنف حيث تترسّخ رواية مفادها أنّ مجتمع الفولاني يتآمر لأسلمة البلاد، ربما بدعم من الرّئيس النّيجيريّ محمّد بخاري، الّذي هو نفسه من الفولاني. يثير زعيم إنفاصليّ من جماعة إيجبو، الّتي ألقت الحكومة بالّلوم عليها في سلسلة من الهجمات الأخيرة في جنوب شرق البلاد، المخاوف من الجهاد الفولاني لتبرير تشكيل دولة بيافرا الانفصاليّة.
ومع ذلك، يرى أولئك الأقلّ ميلاً إلى نظريّات المؤامرة أنّ عجز الحكومة عن وقف انعدام الأمن دليل على فشل الدّولة، وينتابهم القلق بشأن تعميق الانقسامات الإثنيّة والدّينيّة. وفي العاصمة التّجارية الصّاخبة لاغوس، السّكان بعيدون عن صراعات الشّمال، ومع ذلك فمن الشائع أن تسمع أشخاصاً من جميع مناحي الحياة يتنبّأون بشكل عرضيّ بحرب أهليّة مقبلة.
إنّ المخاوف من الانهيار الوشيك لنيجيريا قديمة قدم الدّولة نفسها، وهذا سبب كافٍ لتهدئة أكثر التّوقّعات تشاؤماً. لكن لا توجد حلول سريعة لانعدام الأمن في البلاد، كما تشهد أزمة قطع الطّرق. وكشفت الحكومة النّيجيريّة عن خطة طموحة لإنشاء مزارع ماشية خاصّة للتّخفيف من عنف المزارعين والرّعاة، والّتي يعتقد معظم النّاس أنّها المفتاح للحدّ من أعمال قطع الطّرق.
ويأمل المسؤولون أن تقلّل مناطق الرّعي المحدّدة من الاتّصال وبالتّالي الاحتكاك بين المزارعين والرّعاة أثناء تحديث صناعة الثّروة الحيوانيّة في نيجيريا وتعزيز التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة لمجتمع الفولاني من خلال المدارس والعيادات الصّحّيّة – وهي أشياء غالباً ما يفتقر إليها السّكان شبه الرُّحَل.
لكن الخطّة تواجه العديد من التّحديّات، بما في ذلك حقيقة أنّ الرّعاة يبدون متردّدين في التّخلّي عن رعيهم التّقليديّ. ويقرّ توكور مامو، وهو صحافيّ مقيم في كادونا ووسيط عرضيّ بين الحكومة وقطّاع الطّرق، بأنّها ستكون “عمليّة تدريجيّة للرّعاة لمعرفة فوائد المزارع”.
في غضون ذلك، من غير المرجّح أن يشهد شمال غرب نيجيريا السّلام.
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر