نكسة أردوغان تحبط خطط الإصلاح الاقتصادي المزعومة في تركيا | مركز سمت للدراسات

نكسة أردوغان تحبط خطط الإصلاح الاقتصادي المزعومة في تركيا

التاريخ والوقت : الجمعة, 12 أبريل 2019

علي كوكو جوسمن

 

أدت الخسائر التي مُنِي بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات المحليةِ إلى تلاشي آمال المستثمرين في أن تتبنى تركيا إصلاحات مؤلمة، كانوا يعتبرونها ضرورية بالنسبة لاستقرار الاقتصاد في الوقت الذي يتحرك فيه أردوغان لدعم قاعدته السياسية.

وقد أظهرت النتائج الأولية أن حزب العدالة والتنمية (AKP) الذي يتزعمه أردوغان، والذي يتولى السلطة منذ عام 2002، فَقَدَ سيطرته على العاصمة أنقرة ومركز الأعمال إسطنبول في الانتخابات التي أُجريت في 31 مارس الماضي. وقد طالب حزب العدالة والتنمية بإعادة فرز الأصوات في كلتا المدينتين.

ومن المتوقع أن يعلن وزير المالية التركي “بيرات البيرق”، وهو صهر أردوغان، هذا الأسبوع للمستثمرين الأجانب خطته بشأن الإصلاحات الهيكلية التي يأمل أن تعيد إحياء الاقتصاد الذي يعاني من ارتفاع معدل التضخم والعملة الهشة، وفقًا لوكالة أنباء الأناضول المملوكة للدولة.

وبعد أزمة العملة التي شهدتها تركيا العام الماضي، والتي أدت إلى انخفاض الليرةُ ما يقرب من 30% من قيمتها، يقول الخبراء الاقتصاديون إن تركيا بحاجة إلى تقديم المزيد من التزامات طويلة الأجل من أجل زيادة الصادرات، وتخفيف الأعباء عن الشركات التركية المثقلة بالديون، وكذلك تحرير البنك المركزي للقيام بعمله.

أردوغان الذي شارك بقوة في الحملة الانتخابية خلال الأيام السابقة للانتخابات، قال إنه سيعيد التركيز على الاقتصاد، لكن العديد من المحللين يشككون في فُرَص وضع خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي، وخاصة بعد النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الأخيرة، ويخشون أن يلجأ حزب العدالة والتنمية، بدلاً من ذلك، إلى تدابير تحفيز قصيرة الأجل يصعب التعامل معها، بل إنها ربَّما تؤدي إلى تعميق نقاط الضعف في الاقتصاد التركي.

وكما يقول “غيوم تريسكا”، الخبير في استراتيجيات الأسواق الناشئة ببنك “كريدي أجريديكول”، “إن قاعدة حزب العدالة والتنمية تتجه نحو المزيد من التدابير المعززة للنمو، وكذلك المزيد من الإجراءات المالية، التي تستهدف خفض معدل التضخم. وهو ما فعله حزب العدالة والتنمية بالفعل قبيل الانتخابات، مما يفرض عليه الحفاظ على شعبيته، إلا أن الواقع يؤكد صعوبة تحقيق إصلاحات ملموسة، إذ سيقتصر الأمر على مجرد كلمات”.

وشهدت تركيا في خضم الأزمة الاقتصادية، خلال السنوات السابقة، انتعاشًا في التمويل الأجنبي الذي أدى إلى طفرةٍ مُعَزَّزةٍ في الاقتصاد التركي. إلا أنه بمجرد انهيار الليرة، لم تستطع الشركات سداد ديونها وعرّضت مقرضيها وموظفيها للإفلاس.

ومع تحول الاقتصاد التركي إلى حالة الركود العام الماضي، استقر وضع الليرة وتراجع مستوى التضخم قليلاً عن أعلى مستوى وصل إليه خلال الخمسة عشر عامًا الماضية وهو 25%، مما وفر له حالة من الاستقرار النسبي.

إلا أن سلسلة التدابير التي اتخذتها تركيا، أخيرًا، أثارت مخاوف المستثمرين، فبدت غير ملتزمة تمامًا بتعهداتها تجاه تحرير سعر عملتها، أو السماح للبنك المركزي بالإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة بنسبة 24% منذ سبتمبر، طالما كانت هناك حاجة للوصول بالتضخم إلى أقل من 20%.

ولمساعدة الأتراك الذين واجهوا ضغوطًا شديدة هذا العام، أطلقت الحكومة عروضًا لبيع الفواكه والخضروات، وتخفيضات ضريبية على بعض السلع. وللتعامل مع انهيار الليرة الشهر الماضي، وجهت البنوك بتخفيض تمويل الليرة لسوق العملات الأجنبية في لندن والاستفادة من احتياطيات البنك المركزي.

والواضح أن هدف أردوغان هو البقاء في السلطة مدى الحياة، كما يقول “نيهات بولنت جولتكين”، محافظ البنك المركزي السابق، الذي يعمل حاليًا أستاذًا بجامعة بنسلفانيا؛ ويستبعد أن يكون لدى الحكومة التركية أية أهداف طويلة الأجل، ما يتطلب منها تركيزًا مستمرًا على الاقتصاد طوال الفترة الطويلة المقبلة.

والواقع أن “بيرات البيرق” لم يقدم سوى القليل من التفاصيل حول الإصلاحات المزعومة، التي قال إنها ستعالج مجموعة واسعة من القضايا. فقد استقرت الليرة خلال الأيام الأخيرة بعد تقلبها قبل الانتخابات، وفي الوقت نفسه يقول المراقبون إن خطة “البيرق” سوف تساعد في تحديد التقلبات السابقة إن كانت ستعود مرة أخرى أم لا.

وهناك من يشير إلى أن السوق ينتظرها اتخاذ تدابير ملموسة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية المصحوبة بجدول زمني، وفقًا لما يقول “بيتر ماتيس”، خبير أسواق العملات الأجنبية بالأسواق الناشئة في مؤسسة بنك “رابو”. وهو ما يتسق مع ما تذهب إليه وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني التي ترى أن مصداقية وفعالية الإصلاحات التي أعلن عنها “البيرق” ستكون حجر الزاوية بالنسبة لملف الائتمان في تركيا، إذ لجأت “موديز” إلى تخفيض توقعاتها بشأن تركيا، وعززت ذلك بأن ثمة مخاطرة من أن تبدأ الحكومة في برامج تحفيز أكثر تكلفة، لأنها تدرك مدى أهمية الانكماش الاقتصادي.

ومن ثَمَّ، يرى المستثمرون أن أنقرة باتت في حاجة إلى خطة لإعادة رسملة البنوك التي تعمل على إعادة هيكلة الشركات المتعثرة، والتي قد تعاني المزيد من الضعف هذا العام. وهو ما يفرض المزيد من تعزيز قطاعات التصدير التنافسية، مثل صناعة السيارات والنسيج من أجل خفض العجز السنوي في الحساب الجاري، وهو ما يجعل الاقتصاد أكثر اعتمادًا على التدفقات الأجنبية. وينطوي ذلك على حاجة ماسة لتوفير التدريب المناسب والدعم المناسب، لأن الإصلاحات تستغرق بعض الوقت، لكن ذلك سيصحبه ثمن باهظ يتكبده الاقتصاد التركي عند تغيير هيكل الإنتاج، ما يعني المزيد من العاطلين عن العمل، بحسب “سيلفا ديميرال” الأستاذ بجامعة “كوك” في إسطنبول.

ربَّما يكون ذلك أمرًا صعبًا على أردوغان والأتراك ممن يخشون الركود الذي يتوقع له الاستمرار خلال النصف الثاني من عام 2019، إذ يتوقع الاقتصاديون عودة بطيئة للنمو، فقد ارتفع معدل البطالة بالفعل أكثر من 13%.

ورغم ضعف احتمالات لجوء أردوغان إلى صندوق النقد الدولي، فإن هناك من بين الخبراء من يقول إن الإصلاحات المزمعة من جانب “البيرق” ينبغي أن يشرف عليها صندوق النقد الدولي بشكل مثالي حتى تعود ثقة المستثمرين.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: رويترز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر