سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مايكل ليليفيلد
فُوجئت الحكومة الصينية بنقص الطاقة، الذي كشف عن تصدعات في سياسات الطاقة في البلاد وخطط التعافي الاقتصادي. وقد ظهرت أولى بوادر الاضطرابات في قطاع الطاقة الصيني في نوفمبر الماضي، إذ قفز استهلاك الكهرباء بنسبة 9.4%، مدفوعًا بارتفاع الإنتاج الصناعي وبدء موسم التدفئة الشتوي، إذ ارتفع توليد الطاقة بنسبة 6.8% فقط. وفي أوائل ديسمبر، دفعت مطالب الطاقة في مقاطعة هونان بجنوب الصين مسؤولي شبكة الدولة للتحذير من أن النقص سيستمر حتى الربيع، وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية.
ومنذ ذلك الحين، فقد جاء الطقس البارد غير المعتاد مع انخفاض إمدادات الفحم وتراجع أعمال سلاسل الإمداد إلى نقصٍ في الطاقة في جنوب شرق جيانغشي ومقاطعات تشجيانغ الشرقية، وكذلك منغوليا الداخلية. كما أفادت وكالة “رويترز”، هذا الأسبوع، بأن أحمال الطاقة في 20 شبكة إقليمية ارتفعت بمعدلات من رقمين. وقد استشهد المسؤولون بسلسلةٍ من العوامل المساهمة التي اجتمعت في نفس الوقت لتقليصِ الإمدادات. وفي مدينة تشانغشا عاصمة هونان، ألقى مسؤول محلي في الكهرباء باللائمة على الحكومة في النقص، وذلك لانخفاض مخزونات الفحم، وانخفاض مستويات المياه للطاقة الكهرومائية، وانخفاض إمدادات الطاقة من مناطق أخرى، ومشاكل طاقة الرياح في ظروف التجمد، حسبما أفادت وكالة أنباء “ياكاي” العالمية Yicai Global News في 16 ديسمبر.
وردًا على ذلك، أمَرَت السلطات المحلية بالتقنين وفرض مجموعة من القيود على الاستهلاك لإعطاء الأولوية لإمدادات الطاقة للمنازل.
وشملت الإجراءات تحويل إنتاج المصانع إلى خارج ساعات الذروة، وإغلاق المصاعد، وقطع الإضاءة الخارجية، وحظر استخدام مكيفات الهواء ثنائية الغرض لتدفئة المكاتب ما لم تنخفض درجات الحرارة عن 3 درجات مئوية (37.4 درجة فهرنهايت). وقالت أخبار سوق شنغهاي للمعادن في مقاطعة تشجيانغ، إن مصانع الصلب خفَّضَت أو أوقفت عملياتها، في حين كانت مصانع المعالجة مطالبة بوقف الإنتاج من 17 ديسمبر حتى نهاية العام. وفي 19 ديسمبر، قال “لين بوكيانغ”، مدير مركز الصين لأبحاث اقتصاديات الطاقة بجامعة شيامن، إن إمدادات الطاقة ستستقر خلال “أسبوع إلى أسبوعين”، حسبما ذكرت صحيفة “جلوبال تايمز” التابعة للحزب الشيوعي.
في 28 ديسمبر، قالت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح (NDRC) إن التقنين الإقليمي قد تمَّ تخفيفه. لكن وكالة التخطيط الحكومية حدَّدت أيضًا إجراءات جديدة لتعزيز إمدادات الغاز والفحم والطاقة. كما جدَّد المركز الوطني للأرصاد الجوية، الإنذار البرتقالي من موجة برد أخرى في الأجزاء الوسطى والشرقية من البلاد، مما رفع تحذيره إلى ثاني أعلى مستوى في 29 ديسمبر. وشدَّدت “جلوبال تايمز” Global Times على أن النقص “لا علاقة له” بالحظر الحكومي على واردات الفحم الأسترالي، والذي كان يهدف إلى معاقبة كانبيرا على سلسلة من الخلافات السياسية بدءًا من وصول تكنولوجيا الجيل الخامس إلى المطالبات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي.
لكن مساهمة حظر الفحم لا يمكن أن يأتي في وقتٍ أسوأ من ذلك بالنسبة للصين، إذ تأثرت الحكومة بجداول الأعمال المتضاربة وأجبرت على اتخاذ تدابير الحفاظ على الفحم، بينما أشادت بارتفاع استهلاك الكهرباء في بعض المقاطعات كعلامةٍ على الانتعاش والتعافي من “كوفيد – 19”. لقد أصيبت اللجنة الوطنية للإصلاح بشكل مفاجئ بسبب أزمة النقص، التي أدت إلى ارتفاع تكاليف الفحم وعزَّزت الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المسال (LNG) في آسيا خمسة أضعاف. وقالت “رويترز” إن أسعار الفحم القياسية في الصين قفزت إلى أعلى مستوى لها في ثماني سنوات، في حين أن أسعار الغاز الطبيعي المسال هي الأعلى في ست سنوات.
ضمانات الاستقرار
في 21 ديسمبر، قال الأمين العام للمجلس الوطني للتنمية “تشاو تشين شين”، في مؤتمر صحفي، إن إمدادات الكهرباء “مستقرة إلى حد كبير”، وإن الاستهلاك الأسري لم يتأثر. وبشكل عام، فإن قدرة الصين على ضمان إمدادٍ مستقرٍ للطاقة لا تمثل مشكلة كما قال “تشاو” لصحيفة نيويورك تايمز. لكن ذلك بدا بالكاد مناسبًا لمعالجة تناقضات السياسة بين الاستهلاك الذي يحركه الحوافز ونقص الطاقة الذي يحدث في الشتاء. كما أن الحجة القائلة بأن أزمة الطاقة نتجت عن التقاء عوامل أسوأ حالاً، من غير المرجح أن تؤثر على المصالح الصناعية واستهلاك الأسر، إذ إن لجنة تسوية المنازعات الوطنية مطالبةً بأخذ مثل هذه الظروف في الاعتبار. إن اللجنة الوطنية لديها تاريخ من مشكلات نقص الطاقة في فصل الشتاء نتيجة لأخطاء التخطيط والسياسات. ففي شتاء 2017-2018، تعرضت العديد من المنازل والمدارس والمصانع لموجةٍ من البرد عندما حاولت اللجنة الوطنية للإصلاح حظر استخدام الفحم في التدفئة في المدن الشمالية قبل بناء شبكات الغاز والكهرباء.
وفي أواخر عام 2010، قطعت اللجنة الوطنية أيضًا إمدادات الطاقة عن المنازل والمصانع والمستشفيات في محاولة لتلبية أهداف كفاءة الطاقة الحكومية لمدة خمس سنوات. وقد اعتذرت الوكالة عن أفعالها في كلتا الحلقتين ووعدت بأن مثل هذا النقص لن يحدث مرة أخرى. وخلال الأزمة الأخيرة، جاءت تأكيدات “تشاو” المؤهلة بعد ثلاثة أيام من إعلان شركة “ستيت جريد كورب” State Grid Corp عن خطة من ثماني نقاط لمعالجة مشاكل إمدادات الطاقة، بما في ذلك زيادة قدرة النقل. وقال “فيليب أندروز سبيد”، الزميل الرئيسي في معهد دراسات الطاقة بجامعة سنغافورة الوطنية، إن قدرة النقل ليست مصدر مشاكل الطاقة في الصين.
كذلك قامت شركة “أندريا سبيد” Andrews-Speed، بالاستشهاد بـ22 خطًا من خطوط الضغط العالي التي تمَّ بناؤها بالفعل ابتداء من يونيو من هذا العام، إذ قالت إنه “ربما يكون هناك ما يكفي من الأسلاك”. ومن المرجَّح أن تكون مشاكل التنظيم والسياسة من العوامل الأكثر أهمية في معالجة نقص الطاقة في المقاطعات. كما لاحظ الكثيرون خلال السنوات الماضية، أنه لا يزال النظام يعمل على أساس الموافقة على المبيعات السنوية، والمقاطعات بشكل عام مترددة في الموافقة على الواردات الكبيرة التي تقوض صناعات الطاقة الخاصة بها. كما أنه بالنظر لوجود فائض إجمالي في طاقة توليد الطاقة، مع امتلاك الصين نظامٍ وطنيٍ لنقل الكهرباء عبر البلاد في وقت قصير، فإنه من الممكن حل هذا النقص المحلي.
مستقبل الفحم
من غير الواضح إن كان نقص الكهرباء سيؤثر على قرار الحكومة بشأن السماح ببناء المزيد من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم خلال السنوات الخمس المقبلة. فقد حثَّ المدافعون عن البيئة الحكومة على وقف مشاريع الفحم الجديدة من المضي قدمًا من أجل الحفاظ على تعهد الرئيس “شي جين بينغ” في سبتمبر للوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 وتحقيق “صفر” من الانبعاثات بحلول عام 2060. وكانت وكالة الطاقة الدولية، ومقرها باريس، قالت في تقريرها السنوي عن الفحم الذي صدر هذا الشهر: على الرغم من سنوات الطاقة الزائدة ومعدلات الاستخدام المنخفضة، فقد تعهدت الصين بتوليد 21 جيجاوات من الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020.
وقالت وكالة الطاقة الدولية إن أكثر من 100 جيجاوات من مشروعات الفحم الجديدة في مراحل مختلفة من التطوير. فخلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام، تمت الموافقة على 27 جيجاوات من السعة الجديدة، بزيادةٍ حادةٍ عن 8 جيجاوات المسموح بها في عام 2019، وفقًا لتقرير الوكالة. وكانت المصانع الجديدة مدفوعة إلى حد كبير من قبل الحكومات الإقليمية والمحلية التي تسعى إلى تعزيز مشاريع التحفيز الاقتصادي لتوفير فرص العمل، سواء كانت مربحة أم لا.
بجانب ذلك، فإن موجة نقص الطاقة في المقاطعات قد تدعم الحُجَج الوطنية القائلة بضرورة بناء المزيد من المحطات في المدى القريب، بغض النظر عن أهداف “تشي” المناخية لعامي 2030 و2060. لكن سياسة الحكومة المركزية بشأن المشاريع الجديدة قد لا تكون معروفة حتى أصدرت خطتها السنوية الخامسة عشر (2021-2025) في مارس المقبل. كما أنه من المرجح أن تؤثر استراتيجية “التداول المزدوج” التي يتبعها “تشي” على القرار، نظرًا لأنها تعتمد على الاستهلاك المحلي كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.
و”كالعادة، فإن هناك توترًا بين النمو الاقتصادي واستخدام الطاقة مع تقليل انبعاثات الكربون. وكما قال “أندروز سبيد”، فإن هذا الواقع سيتفاقم بسبب سياسة التداول المزدوج والدعوات لتعزيز إنتاج الطاقة المحلي.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
مصدر: راديو آسيا الحرة
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر