سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. تركي آل رشيد
في العام 1989م كانت الناقلة النفطية “إكسون فالديز” التابعة لشركة إكسون موبيل الأميركية تبحر من سواحل ألاسكا تجاه السواحل الجنوبية في كاليفورنيا حيث وقع لها الحادث الكبير، وكانت حينها تحمل قرابة 250 ألف برميل نفطي.
اصطدمت الناقلة بشعب مرجاني كبير تحطمت على أثره السفينة وتسرب النفط بكميات كبيرة في عرض البحر، مما جعل الشركة تواجه أزمة كبيرة تمثلت في تلوث مياه البحر، وتدمير الحياة البحرية، وتلوث المدن الشاطئية.
حاولت الشركة التعامل مع الأزمة بفاعلية ولكنها لم تستطع، فلم يكن لديها القدرة على الرد بمهنية على وسائل الإعلام ولم تصدر بيانات إعلامية كافية لطمأنة عملائها حول ما حدث، وكثرت الشائعات والأخبار المغلوطة التي جعلت الشركة تعيش أيامًا سوداء لم تُنسَ إلى يومنا هذا.
يعود سبب فشل الشركة في التعامل مع الأزمة إعلاميًا واتصاليًا إلى عدم وجود خطة اتصالية لمواجهة الأزمات التي قد تحدث للشركة. فرئيس الشركة قبل هذه الحادثة رفض مبادرة أحد موظفيه، والتي قدم فيها فكرة مشروع خطة إعلامية واتصالية لمواجهة الأزمات. وكان رد رئيس الشركة حينها لهذه الفكرة هو “أن الشركة لا تحتاج إلى مثل هذه الخطط التي ستكلف الشركة أموالاً كبيرة لاعتمادها وتنفيذها، ونحن في شركة إكسون موبيل نعمل وفقًا لإجراءات مهنية عالية ولن تحدث لنا أزمات، ولو حصل أي مكروه للشركة فلن نخسر سنتًا من الدولار”.
وفي الواقع، هذه الأزمة عصفت بالشركة وجعلتها تخسر عشرات المليارات من الدولارات وتأثرت سمعتها واهتزت صورتها الذهنية محليًا وعالميًا.
الكثير من الصحفيين والباحثين الأميركان كتبوا عن الفشل الذريع للشركة ومسؤوليها في إدارة هذه الأزمة، وكيف لشركة كبيرة أن تعمل ولا يتوافر لديها خطة لمواجهة الأزمات.
في المقابل، هناك أمثلة رائدة لأزمات كبرى تمت إدارتها بفاعلية وكفاءة، بل كانت فرصة لتلك المؤسسات في تجاوز المشكلات وإبراز إمكانياتها الهائلة. وهذا ما حدث بالفعل لشركة أرامكو التي تعاملت مع الهجوم الصاروخي الذي حدث لها في العام 2019، واستهدف معامل النفط في بقيق وخريص، والتي تنتج أكثر من 5 ملايين برميل يوميًا؛ مما أثر على العمليات الإنتاجية حينها، وتأثر سوق الأسهم السعودي، وجعل سمعة أرامكو في خطر حقيقي كونها الشركة النفطية الأكبر والأهم في العالم.
قامت الشركة بردة فعل احترافية ومهنية للتعامل مع الأزمة. وأصدرت بيانات إعلامية عاجلة توضح الحادثة، وأكدت أنها ملتزمة بتسليم شحنات النفط لعملائها في وقتها المتفق عليه، وراهنت على إصلاح الأضرار الكبيرة التي سببها الهجوم خلال أسابيع قليلة؛ رغم أن العديد من المختصين في الشؤون النفطية حول العالم أشاروا إلى أن نوعية الأضرار التي طالت معامل أرامكو تحتاج الشركة إلى سنة على الأقل من أجل إصلاحها حتى يعود أداء الشركة الطبيعي. ولكن حدث عكس ذلك، وفاجأت أرامكو العالم بإصلاح الأضرار في فترة وجيزة، وذلك بأيادي كفاءاتها، وتفاجأ عملاء أرامكو بالقدرة الهائلة للشركة في التعامل مع هذا الحادث الخطير وعدم تأثر عملياتهم التشغيلية والتجارية؛ وهذا زاد من موثوقية الشركة وتكونت صورة ذهنية براقة وسمعة إيجابية عنها. هي الأزمة التي قال عنها وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بأنها “فرصة يجب أن نستغلها استغلالاً أمثل، وهو أن نبيِّن للعالم أنه رغم ما تعرضنا له، فنحن قادرون على العودة كما كنا عليه”، وأشار سموه إلى “أننا بإعلاننا هذا، ستزيد الموثوقية تجاه أرامكو والسعودية بشكل عام. وهذا ما حدث بالفعل”.
كل هذا يشير إلى أهمية إقرار الخطة الإعلامية والاتصالية والإدارية للأزمات، وهي التي تساعد على تحجيم أثر الأزمة، وضمان استمرارية العمل، وحماية السمعة، وزيادة الموثوقية تجاه المنظمة، والامتثال للمتطلبات المهنية والتنظيمية.
ختامًا، هناك مثل صيني يقول: “الأزمة هي فرصة تحمل رياحًا خطيرة”.
أستاذ الإعلام والاتصال المساعد*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر