سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ماهر لطيف
ملخص تنفيذي:
يعمل هذا البحث على تسليط الضوء على حادثة استهداف الفرقاطة الإيرانية كوناراك خلال التدريبات التي قامت بها البحرية الإيرانية منذ أيام في خليج عمان، كما يحاول دراسات السيناريوهات المختلفة التي أدت لوقوع هذه الحادثة، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 40 جنديا وضابطا من الجيش الإيراني.
حيث قدمنا في العنصر الأول من العمل فرضيتين إحداهما تُفيد حقيقة بوجود خطأ حاصل في هذه التدريبات كما زعم الاعلام الإيراني، أما الفرضية الثانية فتُفيد بوجود عملية استهداف مُتعمّدة من طرف الحرس الثوري لقيادات عسكرية ترفض خطة المرشد الأعلى القائمة على إلحاق عناصر الجيش الوطني بقوات الحرس الثوري وإدماجهما ضمن جيش موحد يكون الولاء فيه للمرشد لا الدولة الإيرانية.
وتعرضنا في العنصر الثاني إلى حقيقة الصراع الدائر بين الحرس الثوري والجيش الوطني الإيراني،ومحاولات المرشد المتكررة لإضعاف قدرات هذا الأخير وتقوية جهاز حرس الثورة خوفا من الانقلاب على نظام ولاية الفقيه.
أما في العنصر الثالث والأخير فقد بينا فيه كيفية استغلال نظام ولاية الفقيه للبروباجندا الإعلامية وتوظيفها ضمن أطر الحرب النفسية لتصوير انجازات عسكرية وهمية متعلقة بصناعة الصواريخ والمنظومات الدفاعية والطائرات المقاتلة والأقمار الصناعية ولتلميع صورة النظام في الداخل والخارج تزامنا مع كثرة الاحتجاجات الشعبية وتفشي فيروس كورونا وخسارة أبرز قيادييها وهو قاسم سليماني.
أسئلة الدراسة:
تحاول هذه الدراسة تحري الإجابة عن عدد من الأسئلة في هذا المضمار:
1ـ هل تندرج حادثة استهداف الفرقاطة كوناراك ضمن تكرار مسلسل الاخفاقات الإيرانية تحت ذريعة نيران صديقة أم هي من قبيل تصفية حسابات؟
2ـ وماهي معالم الصراع الدائر بين الجيش الإيراني والحرس الثوري؟
3ـ وإلى أي مدى استطاع نظام ولاية الفقيه توظيف البروباجندا الإعلامية لصالحه؟
تقديم:
تخيّلوا أنّ إيران تُريد أن تمتلك أسلحة وتكنولوجيا نووية بينما عنوانها الفشل والتخبّط على جميع المستويات، حيث تتوالى المهازل والتجارب الفاشلة في هذا البلد.
فقد فشلت طهران في إدارة ملف فيروس كورونا الذّي كشف عن سوء تصرّف وتخبط في اتخاذ القرارات وعن غياب النجاعة والحرفية في التدّخل إضافة إلى نظام صحّي مُنهار، يُرافقه فشل ذريع في إدارة البلاد التي ترزح تحت وقع العقوبات الأمريكية والاحتجاجات الشعبية.
ويظلّ الفشل ملازما لها حتّى في علاقاتها مع جيرانها وفي إدارة الدول التّي تدور في فلك ولاية الفقيه الشيعية من سوريا إلى اليمن والعراق ولبنان. وأمّا في ما يخُصّ التصنيع العسكري فحدّث ولا حرج.
كل يوم تُطالعنا السلطات الإيرانية على أحدث إنجازاتها في هذا المجال من أقمار اصطناعية محمولة على صواريخ غالبا ما تنفجر قبل وصولها إلى مدارها، إلى صواريخها بعيدة المدى التّي تُطلقها على الأعداء فتسقط في أراضيها، إلى الطائرة الأوكرانية التّي أسقطها الحرس الثوري خطأ وقضى على كلّ ركابها، إلى مُستودعات أسلحتها المكشوفة في العراق وسوريا أمام الطيران الحربي الإسرائيلي الذّي دمّر معظمها، وصولا إلى كارثة استهداف سفينة الدعم “كوناراك” خلال مُناورات بحرية في خليج عمان بنيران صديقة وإبادة كل طاقمها وعساكرها.
ولو أردت تعداد هذه الحوادث فلن تكفيني هذه المُقدّمة ولا حتّى المقال بأكمله، فهذه هي قدُرات إيران التّي لا تستح وهي تتباهى وتتفاخر بها أمام الأمم، فلم يفلح نظام الملالي إلاّ في سرقة أموال الشعب الإيراني وتجويعه وصرفها على مشاريع الخُردة هذه والمُسمّاة عبثا سلاحا وعلى مشاريع التخريب في أوطاننا العربية، وما هذه الاستعراضات التّي تنفذها طهران في البحر إلاّ رسالة للأمريكان بأن لا تأخذونا كثيرا على محمل الجدّ، ولسان حالها يقول شتان بين الثُرى والثُريّا فلا تخسرونا في لعب أدوار تخدمكم في مياه الخليج.
والحقيقة التّي تبرز اليوم للعيان أنّ إيران كصاحب البيت الذّي يكتب على جدار منزله “انتبه هنا كلب” ليُخيف المارّة ولا وجود للكلب في الحقيقة، وهنا نقف لنتساءل مرة أخرى ماذا يكون الوضع لو امتلكت إيران أسلحة نووية؟ ما سبب هذه الأخطاء العسكرية المُتكررّة؟ هل السبب يعود لقلّة الكفاءة والخبرة أم أنّ المنظومة العسكرية الإيرانية مُخترقة؟ وهل تُعتبر هذه الأخطاء طبيعية وتحصل في كل البلدان؟ أليست الأخطاء واردة في كلّ العلوم العسكريّة؟ هل أن ما جرى هو قصف أمريكي والسُلطات تكذب على شعبها أم أنّ الأمر لا هذا ولا ذاك وكل ما في الأمر أنّه تصفية عسكرية لقادة وضُبّاط حاولوا العصيان والتمرّد على نظام ولاية الفقيه؟ وما الذّي صدّرته إيران للعالم سوى مليشيات وعصابات خارجة عن القانون يضاف إليها أسلحة قديمة وصناعات رديئة؟
1ـ هل تندرج حادثة استهداف الفرقاطة كوناراك ضمن تكرار مسلسل الاخفاقات الإيرانية تحت ذريعة نيران صديقة أم هي من قبيل تصفية حسابات؟:
أـ سيناريو النيران الصديقة:
تُشير حادثة استهداف الفرقاطة “كوناراك” إلى وُجود فرضيتين احداهما تُفيد حقيقة بوجود خطأ حاصل في هذه التدريبات كما زعم الاعلام الإيراني، فتحت نفس الذريعة “نيران صديقة” وبالخطأ نفسه الذّي أُسقطت فيه الطائرة الأوكرانية يناير الماضي، ضُربت فرقاطة الدعم الإيرانية كوناراك أثناء مُناورات إيرانية في خليج عمّان، وقد علّل الجيش الإيراني الحادثة خلال بيان نشره على موقعه الرسمي بقُرب الفرقاطة من أحد الأهداف خلال التدريبات، ويُقال أنّ البارجة كوناراك كانت مُكلّفة بنقل هدف في نطاق لإطلاق النار واختبار إطلاق صاروخ كروز، وأصيبت بعد اتمام مُهمّتها بصاروخ أُطلق من الفرقاطة جماران نظرا لعدم ابتعادها بمسافة كافية عن الهدف.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية بأنّ الحادثة وقعت قرب ميناء “جاسك “على بعد 1270 كيلومترا جنوب شرقي طهران في خليج عمان، وأنّ المُدمّرة (جماران) أصابت سفينة الدّعم (كوناراك) بصاروخ C802، وتجري إيران بانتظام تدريبات في المنطقة المُغلقة التّي تطلّ على مضيق هرمز الاستراتيجي والذّي يمرّ منه 20 بالمئة من نفط العالم.
وسُحبت السفينة بعد الضربة الصاروخية إلى ميناء جاسك بعد أن دُمّرت بأكملها، وقد قُتل في هذا الحادث أكثر من 40 عسكري إيراني من بينهم ضُبّاط كبار(1)
ومن المُؤكّد أنّ الجيش الإيراني يحرص على عدم تسليط الضوء على مثل هذه المآسي المُحرجة خاصّة وأنّها الثانية بعد أشهر قليلة من استهداف الحرس الثوري للطائرة الأوكرانية إضافة إلى كونها تمسّ من هيبة وقُدرات البحرية الإيرانية.
قبل التعمّق في البحث يجب علينا تصحيح بعض المفاهيم فمُصطلح نيران صديقة يُطلق على حدوث أخطاء أثناء المعارك العسكرية من خلال ما يُسمّى بالحروب المشتركة بين عديد الجيوش والفرق، وأضرب مثال على ذلك في غزو العراق عامي( 1990 ـ 1991) وفي حرب أفغانستان حدث أكثر من 30 خطأ بنيران صديقة، ولكنّ هذه الأخطاء الحاصلة كانت بين قُوّات وتشكيلات عسكرية مُختلفة لديها وسائل اتصالات مختلفة وتقوم على قواعد وأسس تدريب مُتباينة ولديها رموز ومصطلحات مُغايرة لبعضها البعض، ونفس الأمر حصل في سوريا حينما ضربت مقاتلات روسية بالخطأ قُوّات سورية بريّة. لكن حينما نتحدث عن مُناورات فالأمر مُختلف جدا حيث تختلف المناورة عن المعركة، إذ يكون العامل الأساسي والرئيسي فيها هو معيار الأمان والسلامة ولا يوجد فيها حديث عن مُخاطرة بما أنّ التشكيلات المُشاركة فيها من نفس البلد.
وتنطلق المُناورة من تحديدات الأمن ومن ثمّة تُوضع سيناريوهات للتمرين تُدرس وتُراجع عديد المرّات بحيث لا يكون هناك مجال للخطأ، ولكن عندما نربط ما حدث في هذا المناورة بما قبلها من أحداث مُشابهة ومُتكرّرة نكتشف بوضوح أنّ السبب الرئيسي فيها هو وجود تقنيات مُتدنية وتدريبات مُتواضعة لا تصل إلى الحرفية المطلوبة.
فعندما تقوم مُدمّرة بضرب فرقاطة تشترك معها في النفس التمرين العسكري فهذا يدّل صراحة على المُستوى المُتدنّي للبحرية الإيرانية وعلى ضعف الاعداد والتكوين الذّي لا يرقى أن يكون تدريبا لجيش وطني بل لعصابات ومليشيات صغيرة رغم حجم البروباجندا الاعلامية الكبيرة التّي تتغنّى دوما بانجازات عسكرية وتصنيع لصواريخ وأنظمة دفاعات جوية مُتطوّرة كشفت لنا الأيام والأحداث المُتتالية أنّها غير دقيقة ولا أساس لها من الصحّة، فقط هي من باب استعراض عضلات وأبواق دعائية لتلميع صورة نظام الولي الفقيه الهرم والمُتآكل.
ب ـ سيناريو تصفية حسابات بين الجيش الإيراني والحرس الثوري:
أما الفرضية الثانية فتُفيد بوجود عملية استهداف مُتعمّدة من الحرس الثوري لقيادات عسكرية، ويُعتبر هذا السيناريو الأقرب للواقع، حيث تتحّدث بعض الأخبار من داخل أروقة الحكم في إيران عن استهداف هذه الفرقاطة من قبل زورق “توندار” التابع للحرس الثوري الإيراني بواسطة صاروخ ” نور” وليس “كروز” كما تحدّث الإعلام.
والهدف من هذا الاستهداف من وجهة نظري يعود إلى أمرين: الأمر الأوّل يُفيد بوجود اختلافات عميقة بين الحرس الثوري والجيش الإيراني، إضافة إلى ترتيبات حثيثة لضمّ قوات الجيش الإيراني إلى صُفوف الحرس الثوري، وهذه التحرّكات موجودة وبمُباركة من خامنئي. وقد يكون هذا الاستهداف لإضعاف قُدرات الجيش الإيراني وتصفية القيادات المُعارضة لهذا المشروع.
أمّا الأمر الّثاني فيُشير إلى أنّ الحرس الثوري الإيراني يُحاول من خلال هذا الاستهداف ارسال رسالة إلى الدول العربية والولايات المتحدة مفادها أنّ لدى الزوارق الإيرانية القُدرة على استهداف السفن الحربية وناقلات النفط التّي تمرّ عبر الخليج العربي أو بحر عمّان وهذا هو الخطير في الأمر. وأنّ التهديد الإيراني لا يزال قائما ضدّ أمن الملاحة الدولية خُصوصا وأن طهران تمتلك ترسانة من الصواريخ هي في حقيقة الأمر نسخا من صواريخ كورية وصينية.
وقد سعى المرشد الخميني ومنذ توليه زمام السُلطة في إيران إلى اضعاف قُدرات الجيش الإيراني حتّى لا يُشكّل خطرا على مشروعه القائم على ولاية الفقيه أو يقوم بانقلاب عليه، وبناء على ذلك قام بإعدام المئات والآلاف من كبار ضُبّاط القُوّات البحرية والجوّية والبرّية، وأنشأ الحرس الثوري لمراقبة الجيش الوطني وخصّص له ميزانية كبيرة وأوكله بتأمين الخليج الفارسي بينما أوكل للجيش الإيراني بمراقبة مواقع ثانوية كبحر عمّان ومدخل المُحيط الهندي.
ورغم أنّ عدد قُوّات الجيش الإيراني ضعف عدد الحرس الثوري بمرتين أو أكثر إلا أنّ ميزانية ومُستحقات مُنتسبي وزارة الدفاع ضعيفة جدّا مُقارنة بأجور ضبّاط الحرس الثوري، كما أنّ إمكانياته العسكرية قديمة وتجاوزها الزمن ولم يقع تحديثها منذ أيّام الشاه.فالفلسفية الخُمينيّة تقوم أساسا على تكوين العصابات والمليشيات التّي تُصرف عليها مبالغ خرافية مقابل إضعاف الجيوش النظامية، وتخلّت عن تطوير قُدراتها العسكرية لصالح بناء الحُشودات الولائية في المناطق التّي تتبع ولاية الفقيه وتُهدّد عبرها وبالوكالة الولايات المُتحدة الأمريكية وجيرانها العرب وليس عبر خوض حُروب عسكرية مباشرة.
وآخر مُواجهة لإيران كانت مع العراق وتكبّدت فيها خسائر فادحة في الجنود والعتاد قال حينها الإمام الخميني جُملته الشهيرة “أنّها هزيمة قاسية لإيران جعلتها تتجرّع السُم”، واليوم بعد تجربة كاملة من نشر الثورات تبين لنا أنّ الثورات الدعائية شيء وبناء الدولة والمُؤسّسات شيء آخر.
فلم تتمتّع إيران بالنفاذ إلى الأسلحة الحديثة منذ سقوط الشاه، في المُقابل قوات دول الخليج العربي مُجهّزة بأحدث الأسلحة المُتاحة والفعّالة المُستوردة من الولايات المتحدة وأوروبا بالإضافة إلى توفر دعم استراتيجي من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في أي طوارئ حربية خطيرة، لكنّ في الوقت نفسه أحرزت إيران تقدّما كبيرا في تعزيز ترسانتها الصاروخية البالستية والقذائف البحرية وقُدرات أخرى يمكن أن تُهدّد خصوصا سفن الشحن في جميع أنحاء الخليج، وفي خليج عمّان والبحر الأحمر.
ولم تخض إيران على أراضيها أي حرب تقليدية مُباشرة منذ الحرب العراقية الإيرانية أي منذ نحو 30 عاما، ما عدى مُشاركتها في حروب بالوكالة في عدد من صراعات المنطقة في سوريا واليمن والعراق ولبنان. وعلى الأرجح أنّ مثل هذه الصراعات التّي شاركت فيها قوات إيرانية وخُصوصا في معارك غير تقليدية أشبه بحروب العصابات أكسبتها خبرات قتالية ميدانية إلا أنّها تفتقد على الرغم من جهود التطوير إلى تقنيات الحرب الحديثة وخُصوصا على مُستوى محدودية امتلاك قوّة جوّية وبحرية مُتطوّرة(2).
خُلاصة القول إنّ حوادث الصواريخ المُضادة للسفن والتّي غالبا ما تعمل بشكل مُستقلّ بعد إطلاقها ليست جديدة، ولكنّ الخطأ في مثل هذه المنطقة المُتوتّرة والتّي يمرّ عبرها خُمس نفط العالم قد يُؤدّي في أي لحظة إلى اندلاع صراع كبير يصعب إيقافه.
ويأتي هذا الحادث وسط أشهر من التوتّرات المُتزايدة بين إيران والولايات المتحدة منذ انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 وفرض عقوبات صارمة على إيران مرورا بعملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق وسلسلة الهجمات على القواعد الأمريكية وقصف مُستودعات ومُعسكرات قوّات الحشد الشعبي في العراق وسوريا، وآخرها احتكاك بين زوارق حربية إيرانية مع حاملات طائرات أمريكية في مياه الخليج.
2ـ صراع خفي بين الجيش الإيراني والحرس الثوري:
يُعتبر جهاز الحرس الثوري” وفرعه الخارجي “فليق القدس” من أهمّ الركائز التّي يقوم عليها نظام ولاية الفقيه، بهدف إنشاء استراتيجية عسكرية دفاعية ضدّ أي هجوم على إيران وزيادة الهيمنة والنفوذ والتمدّد في الداخل والخارج على حدّ السواء.
وبالتالي فإنّ نهج طهران التوسعي القائم على برنامج تصدير الثورة كان وراء فكرة إنشاء الحرس الثوري الذّي يتولّى حماية النظام والحفاظ على الثورة الخُمينية وإخماد أي ثورة داخلية قد تُشكّل خطرا على النظام الحاكم. والهاجس الأكبر وراء تأسيس الحرس الثوري يعود إلى مخاوف الخُميني من انقلاب عسكري.
وعلى الرغم من أنّ المادة 143 من الدستور الإيراني تنصّ على أنّ القوات المسلحة الإيرانية مُكلّفة أولا وقبل كل شيئ بالدّفاع عن استقلال إيران وسيادتها، ولكنّها مسؤولة أيضا عن حماية “الجمهورية الإيرانية الحاكمة”، إلا أنّ المادة 150 من الدستور الإيراني أكّدت بشكل غامض أنّ الحرس الثوري الإيراني يحمي الثورة الوليدة وإنجازاتها المستقبلية، كقُوّة مُوجّهة نحو القيم الاجتماعية السياسية لقيادة الثورة.(3)
رأينا كيف كرّس الدستور الإيراني لنظام ولاية الفقيه دور قُوّات حرس الثورة التّي تأسست مع بداية انتصار الثورة، وجعل هذا الكيان ثابتا ودائما، ومُكوّنا جوهريا من مُكوّنات النظام، بل الحصن الحصين لنظام ولاية الفقيه ومبادئها، وقد حدّد الدستور الطبيعة العقائدية لتكوين القُوّات المُسلّحة بحيث تكون جيشا عقائديا مذهبيا، وتكون مُهمّتها غير مُقتصرة على مسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تشمل الجهاد في الخارج في سبيل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم، وبأبسط القول، فإنّ هذه المُهمّة دينية مذهبية،ـ وتأخذ كثيرا منحى طائفياـ فوق قومية ترتبط بمبدأ تصدير الثورة ونُصرة الشعوب الإسلامية ودعم حركات التحرّر العالمية(4)
عمل الحرس الثوري بتعليمات من المُرشد الأعلى للثورة الإسلامية على إقصاء العناصر العديدة المُسلّحة اليسارية والملكية والشيوعية والإثنية المحسوبة على الشاه، والتّي تُعارض الأيديولوجيا الجديدة للجمهورية الإيرانية وقام بحملة اعتقالات وإعدامات كبيرة للجنود والضباط بتهمة مُناهضة الثورة الإسلامية.
وتوتّرت العلاقة بين الحرس الثوري والجيش الإيراني أكثر خلال الحرب العراقيةـ الإيرانية حيث شككّ الحرس في ولاء الجيش بينما اتهم الجيش الايراني الحرس الثوري بافتقاده للكفاءة المهنية والتعدّي على دور الجيش، وهو ما ساهم بشكل كبير في هزيمة إيران.
واتسع حجم الهُوّة أكثر بينهما بعد أن تحصّل الحرس الثوري على مُخصّصات تبلغ ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه الجيش الإيراني وهو ما كرّس الاختلاف والتفاوت وعدم التوازن بين القُوّتين.
وبات الحرس الثوري اليوم المُسيطر الوحيد والفعلي على كامل مفاصل الدولة الإيرانية من خلال امتلاكه لترسانة كبيرة من الصواريخ وأسلحة مُتطوّرة وإمكانات لوجستية ومالية جعلته يتفوق على كل منافسيه وأيضا من خلال إداراته للملف النووي، مكّنته من تأسيس إمبراطورية أعمال تضخ مليارات الدولارات ليُسيطر على ثلث الاقتصاد الإيراني، وقد صرّح النائب الإصلاحي “بهجة نبافي” أنّ الحرس الثوري يمتلك 60 في المائة من الثروة الحكومية من خلال المنظمات الأربع التي تتبعه، من بينها شركة “خاتم الأنبياء” التّي تُعتبر الذراع الاقتصادية للحرس الثوري و”مُنظّمة تنفيذ أمر الإمام الخميني” التّي تضمّ بعض البنوك وشركات النفط والاتصال، و”مؤسسة المحرومين” وأساسها هو الثروة المُصادرة من مُوظفي نظام الشاه، وفي الأخير “مؤسسة عتبة الإمام رضا” التّي تضم أكثر من خمسين شركة ومصنعا(5)
وبناء على ذلك تحوّلت إيران إلى دولة مليشياوية عسكرية مثل بورما حيث بات الحرس الثوري يُسيطر على الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية كما يتكفّل بحماية النظام من المعارضين في الداخل والخارج، وتكمن قوّته في عمق اختراقه للسلطة الإيرانية وفي تجاوز نفوذ الجيش والسياسيين والنواب حتى بات ينافس نفوذ المرشد الأعلى نفسه.
وعلى الرغم من الالتزام بأوامر الولي الفقيه واعتبارهم القوة المسلحة المُخلصة له، فإن هناك بعض التقارير التّي تتحدّث عن أنّ قوة حرس الثورة السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية تجعل قيادته الحاكم الفعلي للبلاد وتدفع المرشد نفسه إلى أخذها في الحسبان، وبالتالي فإنّ نفوذ الحرس علي خامنئي ومكتبه يكاد يُوازي نفوذ الأخير على “حرس الثورة”.ولئن كانت ثمة مبالغة في ذلك التقدير اليوم في ظلّ ولاية خامنئي المُرشد المخضرم منذ نحو 20 سنة، والمُمسك بتلابيب السلطة دينيا ودستوريا وواقعيا، فإنّ الخبراء يُرجّحون أن يكون حرس الثورة هو الناخب الأوّل في اختيار خليفة للمرشد خامنئي في حال وفاته، وهو الضامن لاستمرار النظام عن طريق قمع أيّ مُعارضة داخلية.(6)
وعلى الرغم من تعدّد وتنوع مراكز صُنع القرار في إيران من منصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية ومجلس الخبراء ورئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس الشورى ومجمع تشخيص النظام ومجلس صيانة الدستور ومجلس الأمن القومي، فإن الواقع يدلّ وبدون شك أن السلطة الفعلية والوحيدة في البلاد هي في يد المرشد وفي جهازه الأمني المكلف بحراسة الثورة وأنّ جميع الأدوار الأخرى هي ثانوية لا ترق ولا تُشكل خطرا على مكانة المرشد، كما يتحكم العامل الديني والأيديولوجي على الدوام في اختيار السياسيين وفي تحديد السياسات الداخلية وفي تصدير الثورة الإسلامية خارجيا، ومن ثمّة تأتي العوامل الأخرى كالعامل القومي والعامل النفعي البراغماتي.
وبالتأكيد فإن هذه القرارات البراغماتية التّي يتخذها النظام لها مُبرراتها الفقهية والشرعية تحت عناوين المصلحة والإجازة والضرورة التّي تقتضي الحفاظ على النظام الشيعي الإثنا عشري والأمّة الإيرانية ومصالحها القومية، والمشروع الإسلامي الأعلى الذّي أصبح مشروعا أمميا عابرا للحدود والدول والأوطان و القارات، يتجاوز الشيعة ليشمل كافة المسلمين حتّى وإن كانت هذه القرارات على حساب القوانين ومبادئ حقوق الإنسان.
ولا نعجب إذ رأينا إيران الشيعية تقف مع أرمينيا المسيحية في حربها ضدّ أذربيجان الشيعية، التّي تُعدّ جزءا تاريخيا من إيران بسبب التقارب السياسي مع أرمينيا والخلاف السياسي مع اذربيجان، فقد اتسمت السياسات الإيرانية خلال العقدين الأخيرين ببراغماتية شديدة في بعض القضايا، مع استمرار شعاراتها الأيديولوجية الطائفية والثورية، وتشدّدها الديني والمذهبي في مسائل أخرى”(7)
3ـ نظام ولاية الفقيه القائم على بروباجندا إعلامية لإنجازات عسكرية وهمية:
يكتسب الإعلام الإيراني أهمية كبرى سواء لجهة نشر الرسائل وتعضيد السياسات، أو في العمل ضدّ الخطط التي تقوم بها بعض القوى الإقليمية والدولية، لاستهداف الدولة أو النظام في طهران، فالإعلام أحد أهمّ وسائل القُوّة الناعمة. وتمتلك إيران إمبراطورية إعلامية هي الأكبر على مُستوى المنطقة وواحدة من أكبر الإمبراطوريات الإعلامية في منطقة آسياـ المحيط الهادئ والعالم.(8)
حيث يعمل النظام الإيراني منذ نجاح الثورة الإسلامية على صناعة رأي محلي وعالمي للتأثير على الدول من أجل تغيير قناعاتها السياسية والإستراتيجية حيال إيران، لأنه يُدرك جيدا أهمية الحرب النفسية والإعلامية. وهو يستغل البروباجندا الإعلامية لنفخ آلته العسكرية وتضخيم صورة النظام الحاكم من خلال التهويل من قدراته الصاروخية وإمكاناته التصنيعية المتطورة عبر ترويج معلومة مغلوطة لا أساس لها من الصحة للتغطية على حالته المتردية جدا لمؤسساته العسكرية، وأوضاع قواته المتأزمة وأسلحتها التقليدية البالية التّي لم تُطوّرها منذ أيام الشاه.
وتُسيطر إيران على هذه العملية من خلال إنشاء قسم خاص في وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيراني، والذّي يُعرف باسم التضليل، حيث يُستخدم هذا القسم في عمليات الحرب النفسية والتضليل الإعلامي والدعائي ضدّ الجمهورية الإسلامية، كما أنّ هذا القسم أيضا، يقوم بتوظيف الحرب النفسية من أجل التلاعب بوسائل الإعلام والأجهزة الاستخباراتية الأجنبية، التي تسعى للحصول على معلومات حول الأجهزة المخابراتية الإيرانية أو القدرات العسكرية الإيرانية.(9)
ويُضيف الدكتور عماد الدين الجبوري بأن التدليس الإيراني في تزييف وتضخيم قدراتها في التصنيع العسكري، تكشفه حقائق الواقع الميداني، إذ هناك فرق شاسع مابين امتلاك التقنية المُتقدّمة بشكل بناء ذاتي والعمل التقليدي باستنساخ تلك التقنية بطريقة الاقتباس الصوري، فالأولى تعني التقدم والتطور العلمي الناتج عن عقود طويلة من الجامعات والمختبرات والصناعات وفق أبعادها المهنية والفنية والعلمية، أمّا الأخرى فهي مُحاكاة للتقنية الأصلية ليس إلاّ، وشتّان ما بين الإثنين(10)
أ ـ الأكاذيب الإيرانية في مجال الصواريخ والأقمار الصناعية:
تحدث الإعلام الإيراني طويلا عن النجاحات الإيرانية في تصنيع إيران لصواريخ مُتطوّرة ومنظومات دفاعية جوية، ويمكن أن نُقدم لكم نبذة مُختصرة عن أكاذيب إيران في هذه الصناعات، مثلا خرج الرئيس روحاني ليُعلن عن فخر الصناعات الإيرانية وهي منظومة الصواريخ باقر 373 المتنقلة سطح ـ جو وزعم بأنّها بديل عن منظومة الصواريخ الروسية المتطورة s300 بل وتضاهي s400، وقد أعلنت إيران عن تدشين هذه المنظومة أكثر من 3 مرّات لكن على أرض الواقع لا يوجد شيء، بل أثبتت الحقائق بأنّ هذه المنظومة الصاروخية هي منظومة روسية قديمة من أيّام الاتحاد السوفياتي، تحاول إيران تجميلها وتلميعها.
والأمثلة على هذه الأكاذيب كثيرة، ففي عام 2016 صرّحت إيران بأنها نجحت في صنع منظومة صواريخ “ذو الفقار”، وفي عام 2017 عرضت وسائل إعلام إيرانية فيديو يوضح عملية استهدفت فيها هذه الصواريخ مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وقتلت أكثر من 250 ارهابيا، لكن المصادر العسكرية كذبت هذه الأخبار وأكدت أن هذه الصواريخ لم تصل سوريا وإنما سقطت بعد إطلاقها بقليل على الحدود العراقيةـ السورية (في دير الزور).
وعلى سبيل المثال عمدت إيران في أكتوبر 2019 إلى إطلاق خمسة صواريخ قالت أنها تغطي 70 في المئة من آسيا، لكن اثنين من هذه الصواريخ سقطتا بعد ثواني قليلة من إطلاقهما على مدينة كرمن شاه الإيرانية بينما كانت في الحقيقة مُوجّهة لشمال شرقي سوريا(11)
ولا ننس حادث قصف قاعدة عين الأسد الأمريكية والتّي كانت ردا على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، حيث أعلنت إيران عن إطلاقها أكثر من 60 صاروخا لكن جُلّ هذه الصواريخ سقط في إقليم كردستان العراق والجزء الأخر سقط خارج القاعدة الأمريكية مخطئا الهدف بينما لم تصل إلا صواريخ قليلة.
ويتواصل مسلسل الدعاية الإيرانية الوهمية حتى في مجال الصناعات الفضائية، وتباهت السلطات الإيرانية مُؤخرا بنجاحها في إطلاق القمر الصناعي نور1 المعدّ للصناعات العسكرية، وعدّته فخر الصناعة الفضائية الإيرانية لكنّ الواقع أثبت أنّ هذا القمر صغير جدا وأنّ الصُور التّي يُرسلها غير دقيقة ومفكسلة..
ب ـ الأكاذيب الإيرانية في مجال صناعة الطائرات:
وفي هذا الجزء من المقال سنذكر نبذة مُختصرة عن أكاذيب إيران في تصنيع الطائرات وعلى سبيل المثال لا الحصر، ادّعت إيران في 2009 صناعتها طائرة مُسيّرة تحت اسم “شاهد 285” مُخصّصة للدوريات البحرية بينما تبيّن لنا أنّها نسخة معدلة من المروحية الكندية bill206.
وزعمت إيران في 2010 عن نجاحها في تصنيع طائرة “توفان 2” ولكنّها نُسخة مُعدّلة من الطائرة الأمريكية كوبرا، وفي 2012 بثّ الإعلام الإيراني تقريرا عن صناعة إيران لطائرة “النبي الأعظم” وهي طائرة من دون طيّار، ولكنّ الخبراء العسكريين أكّدوا بأنّها مُستوحاة من الطائرة الأمريكية predator. Mq1
وفي سنة 2013 زعمت إيران نجاحها في صُنع طائرة شبحية مُتطوّرة أسمتها “قاهر 313” تتميّز بقُدرتها على التخفي من الرادار، وأظهرت الوقائع بأنّ هذه الطائرة لم تنجح في الإقلاع أصلا، إضافة إلى صغر حجمها ورداءة تصنيعها.
أمّا في سنة 2014 فقد زعمت إيران تمكّنها من صُنع طائرة من دون طيّار من نوع rk-170 واُضطرت إيران إلى أن تعترف بأنّ هذه الطائرة مُجرّد تقليد لنموذج طائرة أمريكية سقطت داخل الأراضي الإيرانية.
وقبل ذلك روّجت تقارير إعلامية إيرانية لإطلاق مقاتلة إيرانية سمّتها “كوثر”، وزعمت أنّها تحتوي على أحدث ما توصلت له التقنيات الحربية في العالم، ليتبيّن لاحقا أنّ تلك المقاتلة ما هي إلاّ طائرة f5الأمريكية، والتّي أعاد الحرس الثوري طلائها ليُضلّل بها الشعب الإيراني وليُهوّل من قُوّته المكذوبة، خُصوصا وأنّ الإيرانيين يُدركون أنّ القوات المسلحة المحيطة بإيران أكثرا تطورا و أفضل تسليحا من القُوّات الإيرانية المُتهالكة التّي أنهكتها العقوبات الأمريكية القاسية.
وفي هذا السياق أوضح المُحلّل السياسي عبد الجليل السعيد أنّ إيران تُتقن الإنجازات الوهمية لأنّها جزء رئيسي من تكوين أدبيات ثورة الخميني،مُبينا أنّه ينساق خلفها أتباع الولي الفقيه الذّين ينظرون لإيران على أنهّا دولة قوية، بينما هي دولة فاشلة صنفتها الأمم المتحدة على مدار 10 سنوات من أكثر الدول فقرا بحسب تقارير منظمة الغذاء العالمي إضافة إلى انتشار المخدرات تحت إدارة الحرس الثوري، ودولة متهالكة تعليميا إذ لا وجود لجامعات إيرانية كبيرة، لأنّ التعليم أمر لا يُلقي له بال مرشد الثورة الإسلامية عدا التعليم الحوزوي الديني.(12)
نجحت إيران عبر سنين طويلة في تضخيم صناعاتها العسكرية في مُحاولة لردع خصومها في الخارج وإثبات أنّ إيران لا تتأثّر بالعقوبات المفروضة عليها، وأنّها ستتعامل بندية مع قرارات المجتمع الدولي، أمّا في الداخل فيعمل النظام على إيصال رسائل تطمينية لشعبه بأنّه قادر على تطوير القُدرات التصنيعية والتسليحية وأنّه نظام قوي ومتماسك، وأن اقتصاده مقاوم لا يرضخ للشروط والإبتزازات الأمريكية والدولية، وذلك بالاعتماد على سياسة الحرب النفسية التّي جنبته الخوض في حروب، من خلال امتلاك إيران لشبكة كبيرة من القنوات والصحف التّي تعمل على صُنع هالة إعلامية كبيرة للشخصيات الإيرانية على غرار قاسم سليماني وأحمدي نجاد وإسماعيل قاآني.
ويُمكننا القول بأنّ الآلة الدعائية الإيرانية تأثرت وبشكل كبير بالخطاب الثوري للإمامين الخامنئي والخميني، وقد لاقى هذا الخطاب نجاحا وانتشارا داخل إيران وخارجها من الحواضن الشيعية بسبب المُزواجة بين العقيدة الثورية والعسكرية وتقديم إيران نفسها كحامي للشيعة ـالمُضطهدة حسب زعمهاـ، ومُساندتها لحركات التحرّر ضدّ قُوى الشرّ وأجهزة الاستكبار العالمي تحت شعار “الموت لأمريكا والموت لإسرائيل”.
ولا بُدّ هنا من التأكيد على أنّ الدعاية العسكرية الإيرانية ترتكز على أبعاد رئيسية هي “شخصنة العدو”و”تضخيم التهديد” و”نظرية المؤامرة” وهي أبعاد تستطيع من خلالها إدامة الزخم لخطابها الشُعبوي الديني الثوري، القادر على تسخير الحواضن الاجتماعية القريبة منها، وبالشكل الذي يجعلها في حالة استعداد دائم لمواجهة الأعداء. شكلت تلك الأبعاد بدورها الأساس الذي انطلقت منه إيران في تبرير برنامجها النووي وتحديث برنامج صواريخها البالستية، وشرعنة تدخلها في العراق وسوريا واليمن، بل والأكثر من ذلك قمع المعارضة الداخلية المُندّدة بسياساتها الخارجية.(13)
صفوة القول، إن تفكير النظام قديم ومؤسساته الخدمية متآكلة، ولا يزال يمارس سياسته بنفس الأساليب والأدوات البائسة، القتل والخطف والتنظيمات العميلة وأيديولوجيا التطرف الطائفي، لهذا ليس غريبا أن يفقد السيطرة، يُسقط طائرة بالخطأ، ويخسر أهم قادته العسكريين، وتنهار قدراته التموينية الضرورية لحياة الناس، ويعجز عن بيع بتروله في السوق العالمية، ورغم ذلك يريد أن يواجه قوة ضخمة كالولايات المتحدة والسيطرة على أربع دول عربية.(14)
خاتمة:
هكذا نرى أنّ حادثة استهداف “الفرقاطة كوناراك” تطرح تساؤلات جدية حول مخاطر السلاح الإيراني على منطقة الشرق الأوسط، صحيح أنّ الحادثة مؤسفة ولكن المشكلة الأساسية بأنها ليست الأولى التي تحدث في إيران وإنما هو تسلسل درامي تراجيدي قد يدفع ثمنه الشعب والجيش الإيرانيان. وبالنهاية نستطيع كمراقبين أو محللين للشأن الإيراني أن نقول بأن الترسانة العسكرية هي ترسانة مهترئة نتيجة مرور الزمن عليها ولم يتم تحديثها.
تخلت إيران عن قدرتها العسكرية لصالح بناء الحشودات الولائية الشيعية التّي تُدين بمشروعها الإسلامي ولاية الفقيه في المنطقة، وبالتالي فهي تُهدد خُصومها من خلال هذه الأذرع وليست من خلال المواجهة المباشرة مع الجيوش.
وبغض النظر عن التخمينات والتحليلات والسيناريوهات المتعددة لحادثة استهداف الفرقاطة كوناراك، لا بُدّ من اخذ اعتبار واحد وهو عنوان الفشل تلو الفشل، من خلال عديد التجارب الصاروخية الفاشلة ومن خلال الترسانة الصاروخية البالية ومن خلال حادثة اسقاط الطائرة الأوكرانية وقصف قاعدة عين الأسد ردا على مقتل قاسم سليماني، ولكن المفارقة هنا تكمن في أن الدعاية الإيرانية تُصوّر الفشل دائما على أنّه انتصار على الامبريالية ومحور الشر من خلال لعبها على نقطة الشعور المذهبي ومظلومية الطائفة الشيعية لتسيطر من خلالهما على المنطقة بأكملها، وفي تقديم نفسها كجزء من محور المقاومة الإسلامية.وبالتالي صحيح حينما وُصفت إيران بأنّها نمر من ورق وأنّها تجرح، ولكنها تجرح فقط من خلال أذرعها ومليشياتها الممتدة بامتداد الهلال الشيعي من طهران إلى بغداد إلى صنعاء ودمشق وبيروت.
ولكن هذا كلّه لا يجعلنا ننكر بأنّ إيران أحدثت منذ الثورة الإسلامية ومنذ حرب الخليج الأولى نُقلة نوعية كبيرة جدا في تطوير معداتها العسكرية وخاصة في منظومة الصواريخ لكن رغم ذلك لا يمكن مقارنة الصواريخ الإيرانية بالصورايخ الروسية أو الصواريخ الأمريكية أو الصواريخ الصينية فهذا حديث سابق لأوانه.أيضا لا نستطيع أن نقارن القدرات الصاروخية الإيرانية بالترسانة الصاروخية الكورية فكوريا تمتلك صواريخ عابرة للقارات وتحمل رؤوس نووية واستطاعت مؤخرا تفجير القنابل الهيدروجينية.
ربما أن إيران أنجزت الكثير من خلال امتلاكها لصواريخ يصل مداها إلى 2600 كلم لكن الفشل هنا في مواصفات هذه الصواريخ التي لم تنضج بعد وتحمل عديد العيوب، والخطر يكمن في عدم دقة هذه الصواريخ خاصة إذا ما تم توجيهها لأهداف في مناطق مأهولة بالسكان والتي قد تسقط على مدرسة أو جامعة أو بيوت المدنيين.
فلم يكتمل بعد تطوير الأسلحة الإيرانية من خلال التطوير التقني ومستوى التدريب الخاص باستعمال هذه التقنيات التي أظهرت حجم الفشل الإيراني في عديد الأحداث.
المصدر: المركز العربي للبحوث والدراسات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر