سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سوبراتا ماجومدير
إن الحوافز المالية الضخمة التي قدمها رئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” لإنقاذ المستثمرين اليابانيين في الصين، ودعوتهم بسحب استثماراتهم والانتقال إلى اليابان ودول أخرى، كانت هي الخطوة الأولى من نوعها بين دول العالم لعزل الصين، والتي طغت على العالم بأسره بسبب الهالة الناتجة عن جائحة فيروس “كوفيد ـ 19”. فتشير تلك الخطوة إلى محاولة التقليل من الاعتماد على الصين في ميدان سلاسل التوريد وفتح فرص جديدة لمصادر بديلة، وذلك رغم أن تلك الخطوة ستثير نزاعًا جديدًا بين البلدين. كما تطلق هذه الفرصة العنان أمام الهند لتكون جزءًا من البدائل المتاحة وتصبح شريكًا استراتيجيًا للصين. فالهند تعد خامس أكبر وجهة للمستثمرين اليابانيين في دول الآسيان، كما أن اليابان هي ثالث أكبر مستثمر فيها.
فمع وجود ثروة مالية للمستثمرين اليابانيين تبلغ 2.2 مليار دولار أميركي، فإن دعوة المستثمرين اليابانيين للانسحاب من الصين تمثل تنبيهًا للدول التي تعتمد بشكل مفرط على الصين في سلسلة التوريد العالمية. ولا تعدُّ الهند استثناء من ذلك، فأكثر من ثلث واردات منتجاتها الإلكترونية والكهربائية يأتي من الصين، وخير مثال على ذلك النمو المتسارع في مجال تصنيع الهواتف المحمولة. فمن خلال شركتين عاملتين في تصنيع الهواتف المحمولة بدأت عام 2014، أصبحت الهند تمتلك 268 شركة لتصنيع الهواتف وملحقاتها في عام 2019. ويعتمد عدد كبير من وحدات التصنيع على الصين في سلاسل التوريد.
بجانب ذلك، فإن الهند تبدو على حافة التحول في أنشطة التصنيع. فشل عرض “صنع في الهند”Make in India في الارتقاء بالأنشطة التصنيعية. وتحت وطأة الضرورة، دعا المسح الاقتصادي 2019-2020 الهند لتكون المركز العالمي للتجميع. كما أكد على ضرورة دمج التجميع في الهند للعالم تحت شعار “صنع في الهند” في المسح. وبعبارة أخرى، يجب إعطاء نظرة جديدة لشعار “صنع في الهند” في الفترة الثانية لحكم رئيس الوزراء “مودي”، مع مراقبة لسلسلة التوريد العالمية، إذ فقدت الزخم المحيط بها مع استمرار الهند في الاعتماد بشكل أكبر على صناعات قاعدة الموارد، مثل المنسوجات والفولاذ والمعادن الأساسية وغيرها في إطار الحملة. كما تمَّ تطوير الصناعات الحديثة، مثل الإلكترونيات والكهرباء في حلقة مترابطة. لكن، لم يتم التركيز كثيرًا على تطوير سلسلة التوريد. فهذه الصناعات هي قاعدة المكونات وتضمن الترابط الوثيق بين صُنَّاع المكونات الوسيطة، والمعروفة باسم “الصناعات الداعمة”. ونتيجة لذلك، فشلت الصناعات التقليدية، التي تمَّ التأكيد عليها كركائز لشعار “صنع في الهند”. وعلى الصعيد العالمي والمحلي، تطورت الصناعات الحديثة بشكلٍ أسرع من الصناعات التقليدية، نتيجة لزيادة الطلب على الرقمنة والأتمتة.
وبالنظر إلى الوضع المصاحب لانتشار فيروس كورونا بشكلٍ غير مسبوقٍ، يمكن النظر إلى درسين مستفادين: الأول أن الاستثمار الأجنبي أصبح ضرورة للتصنيع في الهند، حيث كان الاستثمار المحلي متخلفًا. أمَّا الثاني فإنه من الواجب الاعتماد المفرط على الصين في سلسلة التوريد.
ووفقًا لتقرير “الأنكتاد”UNTACD في أبريل 2020، فإن فيروس كورونا سيؤدي إلى انخفاض بنسبة 40% في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم. وقال إن الإغلاق في معظم البلدان سيكون له تأثير مدمر على جميع الاقتصادات، بغض النظر عن روابطها بسلسلة التوريد العالمية. ومع الانتشار السريع لفيروس كورونا، تعطلت سلسلة التوريد العالمية إلى حد كبير، مما تسبب في انخفاض الطلب. وستكون الصدمة المزدوجة لوباء الصحة والركود العالمي كارثية للدول النامية.
وفي الهند، كان الاستثمار المحلي بطيئًا بسبب الخوف من عودة التشوهات إلى السطح. ومع ذلك، كان المستثمرون الأجانب غير منزعجين واستمروا في ضخ الأموال في البلاد، معتمدين على مسار النمو المرتفع للاقتصاد وسط الركود العالمي. وفي نهاية المطاف، أصبح الاستثمار الأجنبي المباشر هو المصدر الرئيس للاستثمار في مرحلة ما بعد التشويه.
وإزاء هذه الخلفية، فإن التحفيز المالي لرئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” للمستثمرين اليابانيين في الصين من أجل الاستراتيجية الصينية، يمكن أن يثبت أنه ملائم للهند لجذب المستثمرين اليابانيين.
وللتغلب على التأثيرات الناجمة عن أزمة كورونا، دعا “ماكينزي” إلى ست خطوات لتجاوز الانقطاع في سلسلة التوريد. من بينها ثلاث مهمة، أولها اقتراح تحديد المكونات الحيوية والمصادر البديلة. وثانيها، تقدير المخزون المتاح للمكونات، بما في ذلك مخزون ما بعد البيع، كجسر للحفاظ على الإنتاج قيد التشغيل وتمكين عمليات التسليم للعملاء. أما الثالثة فهو تحديد وتأمين القدرات اللوجستية.
وفي حالة الخطوة الأولى، فإن أي محاولة للعثور على مصادر بديلة، يمكن للهند أن تكون نقطة انطلاق لزيادة الأمل لدى المستثمرين لتغيير مرافق التصنيع الخاصة بهم. وقد تجاوزت الهند الصين في تلك الأزمة من خلال التصنيع منخفض التكلفة، كما أن لديها ميزة استخدام قدرة أكبر لخدمات تكنولوجيا المعلومات الهندية. وبالفعل فقد شهدت صناعة السيارات، غياب المستثمرين اليابانيين ما أثر على استخدام موهبة تكنولوجيا المعلومات الهندية، حيث يبدو أن غالبيتهم جادون في محاولات تطوير المهارات الهندية وتحويلها كمركز لصناعة السيارات.
لقد أقامت الهند بالفعل قوتها التصنيعية، عندما دقت جرس الإنذار أمام الصين التي توشك على فقدان قدرتها التنافسية. فقد كان المستثمرون الأجانب في عجلة من أمرهم لتفكيك منشآتهم التصنيعية إلى بلدان منخفضة التكلفة. وتحقيقًا لهذه الغاية، أصبحت الهند وفيتنام وجهة جذابة للمستثمرين.
إن قرار أكبر شركة مصنعة للهواتف الذكية في العالم، وهي شركة أبل الأميركية، بإخلاء سلسلة الإنتاج في الصين والانتقال إلى الهند خير مثال على ذلك. فقد قررت شركة “فوكس كون”Foxconn، وهي شركة تايوانية متعددة الجنسيات بصفتها شركة تصنيع تابعة لشركة “آبل”Apple ، ضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار أميركي في الهند. ومع تحول آبل، انتقل عمالقة التكنولوجيا الآخرون إلى الهند، مما رفع مرتبة الهند إلى المركز الثاني في تصنيع الهواتف المحمولة على مستوى العالم.
وتعهدت الهند مثل اليابان بتقليص اعتمادها المفرط على الصين. ومن المفارقات، بعد تولي حكومة “مودي” السلطة، حوَّلت الهند عدوها إلى صديق في مجال جذب الاستثمارات الصينية. وكانت أهدافها الرئيسية هي تقليل العجز التجاري المتزايد من خلال زيادة الاستثمار الصيني. حيث قاد تفشي فيروس كورونا البلاد إلى التفكير في الاستثمار الصيني.
إذ قامت الهند بتقييد الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني من خلال المسار التلقائي. وقد تأثرت الاستثمارات الصينية بعد تفشي فيروس كورونا بحركة مفترسة للاستيلاء على الشركات الهندية الضعيفة. كما أن الهند تعمل على رسم استراتيجية للوصول إلى مستثمري العالم للعمل في قطاعات مختارة لتقليل الاعتماد على الاستيراد. ووفقًا للمصادر، فقد حددت وكالة الاستثمار الحكومية “إنفست إنديا” Invest India، مئة شركة عالمية، كانت على تواصل معها كجزء من الاستراتيجية الصينية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر