سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
قبل عشرة أعوام، كابد العالم واحدة من أسوأ الأزمات المالية في التاريخ الحديث، لكن هذه الكارثة الاقتصادية قد تطل مجددًا في السنوات القادمة وسط توقعات بأن تسوء الأوضاع في 2020، مما يتطلب اتخاذ إجراءات وقائية للتقليل من التداعيات.
وبحسب استطلاع خاص أجرته جريدة “وول ستريت جورنال”، فإن 59% من الاقتصاديين يرون أن الانتعاش الحالي في الاقتصاد الأميركي سوف ينتهي بحلول عام 2020، وقال 22% آخرون إنه سينتهي في العام الذي يليه، أي في 2021، في حين ترى مجموعة قليلة من الاقتصاديين أن الركود القادم سوف يبدأ في 2022.
الأزمة المالية التي اجتاحت العالم سنة 2008 تمَّ احتواؤها تقريبًا، لكن الأخطر والأدهى بكثير هو الأزمة الاقتصادية المقبلة. وعلى الأرجح، وكما حصل في السابق، سوف تبدأ هذه الأزمة في الولايات المتحدة.
أسباب الأزمة المقبلة
“العالم أصبح أكثر تقلبًا من الناحية السياسية، وأكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية مما كان عليه في عام مضى”، بهذه الكلمات وصفت مجلة “الإيكونوميست”البريطانية في إصدارها السنوي التوقعات والتغيرات الاقتصادية التي ستطرأ عالميًا، خلال عام 2019.
وبالحديث عن أهم أسباب الأزمة الاقتصادية المقبلة، نجد أن أغلبها يرجع إلى الولايات المتحدة، بوصفها مركز الأزمة المتوقعة، ومن هذه الأسباب تحول الولايات المتحدة إلى دولة مستوردة للنفط بعد استهلاك معظم إمكاناتها، وبالتالي الاقتصاد الأكبر في العالم سيتأثر بنتيجة هذا التناقص، وسيتبع ذلك تأثير كبير على الاقتصاد العالمي ككل.وهناك أسباب أخرى للأزمة مثل ارتفاع أسعار الفائدة وتأثيرها على الأسواق المالية والحرب التجارية التي تقودها واشنطن ضد العالم وفي مقدمتها الصين. الآثار السلبية للحروب التجارية بين واشنطن وبكين، وواشنطن وطوكيو، قد تكلف العالم خسائر لا تقل عن تريليون وثلاثمئة دولار في العقد المقبل.
إن الحرب التجارية مع الصين ودول أخرى، إلى جانب القيود المفروضة على الهجرة والاستثمار المباشر الأجنبي ونقل التكنولوجيا، سيكون لها تأثيرات عميقة على سلاسل الإمداد العالمية، مما يزيد من خطر الركود التضخمي.
أيضًا، تراكم الديون على القطاعين الخاص والحكومي في البلدان المتقدمة والاقتصادات الناشئة في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ودول أخرى، ما قد يؤدي إلى عجز الحكومات والقطاع الخاص عن إعادة تسديد ديونهم، خصوصًا إذا استمرت أسعار الفائدة في الارتفاع.
من ناحية أخرى، ظلت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة سطحية ضحلة، وهناك مخاطر إضافية مرتبطة بظهور أشكال أحدث من الديون، ومن ضمنها العديد من الأسواق الناشئة، حيث كان قسم كبير من الاقتراض مقومًا بعملات أجنبية. ومع تقييد قدرة البنوك المركزية على الاضطلاع بدور الملاذ الأخير للإقراض على نحو متزايد، أصبحت الأسواق المالية غير السائلة عُرضة للانهيارات السريعة، وغير ذلك من أشكال الانقطاع.
ومن مؤشرات الأزمة الاقتصادية المقبلة أيضًا، أن الفارق بين عوائد السندات الأميركية لأجل عامين والأعوام العشرة أصبح سالبًا لأول مرة منذ 12 عامًا، بعدما حدث انقلاب في منحنى العائد قبل كل ركود أميركي واحد منذ الخمسينيات. كما انخفضت معنويات المستهلك الأميركي إلى أدنى مستوى شهدناه في عام 2019.وهو ما يحمل تأثيرًا سلبيًا على الاقتصاد، خصوصًا أن 70٪ من الاقتصاد الأميركي يعتمد على إنفاق المستهلك. فوجود ثقة عالية للمستهلك دون وجود أداء يدعمها قد يؤدي إلى حدوث فقاعة مالية مدمرة.
كذلك تراجع الإنتاج الصناعي الأميركي إلى منطقة الانكماش، وانخفض حجم شحنات الشحن الأميركية على أساس سنوي لمدة 8 أشهر على التوالي. وارتفع عدد طلبات الإفلاس في الولايات المتحدة بشكل مطرد، وارتفع5% أخرى خلال شهر يوليو، وانخفض مؤشر مديري مشتريات التصنيع في (IHS Markit) إلى أدنى مستوى منذ سبتمبر 2009.
وبخلاف الظروف الأميركية، فلا تزال هشاشة النمو في الصين المثقلة بالديون وبعض الأسواق الناشئة تشكل مصدرًا للقلق، وكذا المخاطر الاقتصادية والسياسية والمالية ومخاطر السياسات في أوروبا، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة. فأداء الاقتصاد الصيني – مثلاً – يعاني التباطؤ وظهور أرقام سلبية، خصوصًا بعد رصد أكثر من 700 مليار يوان صيني ديونًا سيئة أو معدومة، ما ينبئ بعدم قدرة هذا الاقتصاد على تحقيق الطفرة المتوقعة.
ويجب أن لا نغفل أيضًا الزيادة السكانية في العالم، وبالذات في دول جنوب شرقي آسيا، التي تشكل ضغطًا سلبيًا يلتهم أي عوائد للاقتصاد. الهند – مثلاً – تعدُّ نموذجًا مخيبًا للآمال في مسألة التنمية، فهي تعاني من خطر الضغط الديموغرافي، ولا يمكن لأي اقتصاد يزيد سكانه على 1800 نسمة في الساعة، مثل الهند، أن يحقق أي تقدم حقيقي.
وأسوأ من ذلك أن صندوق أدوات السياسات في مختلف الاقتصادات المتقدمة لا يزال محدودًا فيما يتصل بالاستجابة للأزمة ولا يمكن تطبيق نفس التدخلات النقدية والمالية وأشكال دعم القطاع الخاص التي استخدمت بعد الأزمة المالية في عام 2008 ببساطة على نفس المنوال اليوم.
ويجب ألا نغفل الأسباب السياسية التي ستساهم في الأزمة الاقتصادية وربَّما تفاقهما، فالرئيس الأميركي ترمب وشعار “أميركا أولًا”أديا إلى تنامي السياسات الحمائية دوليًا، بينما فرض عقوبات أوروبية وأميركية على روسيا أدى إلى مزيد من التمزق في آلية التنسيق الاقتصادي. كما أن دول أوروبا الكبرى التي قامت تقليديًا بدور أساسي في إدارة الاقتصاد العالمي مكبلة الأيدي حاليًا. فالمملكة المتحدة غارقة بأزمة الخروج من الاتحاد الأوروبي “بريكسيت”، وستبقى منشغلة بها خلال العام المقبل على أقل تقدير. أمَّا ألمانيا وفرنسا، فلديهما أزمات سياسية مختلفة تشغلهما داخليًا من دون إعطاء فرصة لبناء تحالفات دولية تحمي القارة الأوروبية من الاضطرابات السياسية المتوقعة.
إن حالة الهلع الاقتصادي التي يعاني منها العالم، وحالة الارتباك الحالية سوف تخلق آثارًا سلبية جدًا على اقتصادات العالم في ظل عدم تكون رؤية سياسية ناضجة في هذا العصر.
كما أن ما سيجري في عام 2020 بُعيد الانتخابات الأميركية التي من المتوقع أن يفوز بها الرئيس دونالد ترمب، أن تُقوي التيارات الشعبوية والقومية في دول العالم، ما يزيد من ظاهرة الأحزاب المتطرفة واليمينية في كافة الدول، وهو نفس سيناريو الحربين العالميتين الأولى والثانية حيث تصاعد المد الشعبوي والقومي الذي دفع إلى اندلاع الحربين.
وهناك سوء “تنمية سياسية” في إدارة أزمات العالم، الذي يعاني من قادة يعانون الارتباك السياسي ويمارسون تكتيكات سياسية بلا استراتيجيات نهائية، يؤدي – حكمًا- وبالضرورة إلى حالة من الاضطراب المالي والاقتصادي. العلاقة حيوية وتبادلية بين إدارة السياسة والاقتصاد، وبين نمو أو انتكاس الاقتصاد على مستقبل واستقرار الحكم والحكومات.
النشاط الاقتصادي في كثير من الدول سيستمر على الأرجح في العام المقبل، لكن الظروف السياسية العالمية ستخلق بيئة حاضنة للركود الاقتصادي مع قرب انتهاء حزم التحفيز العالمية. فسيشهد العالم تذبذبًا كبيرًا ونزاعات تجارية بين أكثر من دولة على غرار النزاع الأميركي الصيني، ما يخلق عبئًا على الاقتصادات مع ارتفاع في أسعار الفائدة التي تتخذ الآن مسارًا تصاعديًا.
ومع تربع الولايات المتحدة في المرتبة الأولى اقتصاديًا والصين ثانيًا، فإن كليهما لم يتمكنا في السنوات العشر الأخيرة من تحقيق موازنة ما بين الدين والناتج المحلي الإجمالي. فقد ارتفع الدين العام الأميركي بواقع 107٪، كما أن الدين العام الصيني ارتفع بنسبة171٪.
ملامح الأزمة وتوقيتها
لا تكمن المشكلة في حدوث أزمة اقتصادية مقبلة فقط، ولكن في توقيت وقوعها أيضًا. فغالبًا، وبالاعتماد على زمن انفجار الأزمة القادمة، سيكون من الممكن تحديد مدى عمقها. ولا تزال إمكانية حدوث ركود في سنة 2019 أمرًا قائمًا، قد يكون نتيجة لحادث ائتمان وهو سيناريو مماثل لما حدث سنة2007، عندما كان الاقتصاد العالمي مثقلاً بالديون مما جعله عرضة لنوبات من الذعر في السوق. وفي الأشهر الأخيرة، تزامنت موجات التوتر الأولى مع بداية التقلبات التي كانت بمثابة وسيلة لاختبار أعصاب المستثمرين. وفي الوقت الحالي، تجسد نوبات الذعر من خلال حلقات لم تدم سوى بضع ساعات، لكن إذا استمرت لعدة أيام، يمكن أن تولد مناخًا من التوتر، ما من شأنه أن يزيد من تعقيد الوضع بمرور الوقت.
تتمتع البنوك المركزية بهامش هائل للاستمرار في العمل، نظرًا للمحفزات التي قامت بنشرها خلال الأزمة، والتي سرعان ما بدأت في سحبها. في هذه الأثناء، لا يزال البنك المركزي الأوروبي بصدد توسيعها، ونتيجة لذلك لن يتبقى سوى القليل من الوسائل لمحاربة أزمة الائتمان، ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع. على أية حال، أظهرت البنوك المركزية مدى قدرتها على التخفيف من موجات التوتر في السوق، كما أظهرت سياستها الخارجية التي تعتمد على مبدأ “التحفيز إلى الأمام”، أنها فعالة جدًا في تهدئة الوضع في صفوف المستثمرين، ومن المتوقع أن يسمح ذلك بتمديد آجال المرحلة التوسعية بهدف جعلها تستمر مدة سنة أخرى، إلى غاية سنة 2020 تزامنًا مع تحقق مرحلة الركود.وهذا السيناريو يعتبر الأكثر احتمالاً ومرجحًا بنسبة 50 بالمئة.
علاوة على ذلك، فإن التضخم سيشهد ارتفاعًا كبيرًا انطلاقًا من النصف الثاني من سنة 2019، نتيجة للنمو الذي تجاوز المستوى المطلوب لتحقيق التوازن.كما أن التضخم لم يختفِ تمامًا، وإنما في حالة سبات، حيث يعد بمثابة مؤشر متأخر مقارنة بالدورة الاقتصادية. وفي هذا السياق، لا يتطلب الأمر سوى اندلاع الشرارة الأولى، التي يمكن أن تشمل الأجور أو المساكن أو الأصول الأخرى، لإثارة خوف الوكلاء الاقتصاديين من زيادة الأسعار.
وإذا كان من المتوقع أن تكون الولايات المتحدة هي مصدر الأزمة المالية القادمة بسبب تدفق رؤوس الأموال من البلدان النامية إليها، فهذا يعني انخفاض أسعار الصرف في تلك البلدان، وبالتالي ارتفاع نسب التضخم والفوائد وانخفاض النمو. وهو ما يشير إلى أنه على المدى البعيد لن تكون تلك الدول قادرة على تمويل استثماراتها.
نتائج متوقعة للأزمة
من المتوقع أن تستمر الضائقة الاقتصادية الجديدة لسنوات، وسيكون لها الأثر الكبير في الغرب، مسببة ركودًا كبيرًا ومؤدية لإفلاس حوالي خمسة بلدان أوروبية في العام المقبل، وهذا لا يعني “إقفال دكاكينها”، لكنها ستشهد تراجعًا في قدراتها على توفير الخدمات للمواطنين. ولكن سيتم الحفاظ على عملة اليورو الموحدة.
على الجانب الآخر، ستكون الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند، أكثر قدرة على التكيف مع الأزمة، ومن المتوقع أن تزدهر مقارنة مع اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا. ومن الممكن أن تتعامل الصين بشكل أفضل مع أي أزمة من هذا النوع، نظرًا لأن الدولة تمتلك النظام المصرفي وتسيطر عليه، حيث ستقوم الحكومة بالتفاعل أو اتخاذ إجراءات استباقية من أجل التعامل مع أي تأثير سلبي من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، خاصة أنها لم تصل بعد إلى تحقيق كامل إمكانات نموها.
وإن دولاً مثل البرازيل، وروسيا، والهند، وكوريا سوف تنمو بمعدلات ثابتة خلال السنوات العشر القادمة. كما أن إفريقيا، وخلال الفترة نفسها، ستكون على نفس مستوى البلدان المتقدمة من حيث النمو الاقتصادي لتصبح ما كانت عليه أوروبا منذ 50 عامًا.
وستواصل اقتصادات المنطقة الخليجية وتيرة نموها الحالي بفضل عائداتها النفطية. ورغم ذلك، فإن دول الخليج مطالبة باستثمار كل الموارد المتاحة، دون الاعتماد على النفط وتصديره فقط، وبالتالي تحقيق أكبر فائدة لمصلحة البنى التحتية لتكون موازية لمثيلاتها الأوروبية.
منذ 10 سنوات، استخدمت الولايات المتحدة عملية شجّ الصخور أو fracking(الاسم الشائع للحصول على النفط والغاز من الأرض عن طريق حقن سائل بضغط مرتفع في بئر عادية). لكن العملية توقفت بحلول عام 2017لعدم قابليتها للتطبيق؛ وبناء على ذلك، أصبحت الولايات المتحدة مستوردة للنفط العادي.
حُمّى الاقتصاد هذه، إلى جانب نقص النفط الأميركي المتوقع في أوائل عام 2020، ستدفع بأسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة قد تصل إلى 150 دولارًا للبرميل، ما سينعكس تضخميًا على الاقتصادات العالمية الرائدة. وعليه، سيرجع بنا التاريخ إلى الصدمة النفطية عام 1973.
لقد فقدت الدول في كل أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا، ثقتها بقدرة الولايات المتحدة على القيادة في القضايا المتعلقة بالسياسات الدولية المالية والتجارية والعسكرية. وقد أخذت هذه الدول تتخلى شيئًا فشيئًا عن تحالف دام مداه سبعة عقود مع الولايات المتحدة الأميركية، وبدأت بتبنّي منظومات بديلة للتجارة الثنائية.
علاوة على ذلك، يستمر الدولار الأميركي في فقدان أهميته، ولسنوات عدة الآن، أمام عملات أخرى. ووفقًا لـ”مارك كارني”، محافظ بنك إنجلترا، في يناير 2019، فإنه “في نهاية المطاف، سوف يكون لدينا عملات احتياطية أخرى غير الدولار الأميركي”.
إن انهيار الدولار – وهو أمر ربَّما يكون به بعض المبالغة لو صدقناه بالمعنى الحرفي – سوف يعني ازدياد الأسعار، وارتفاع متواصل في معدل البطالة مع انخفاض مستمر في الأجور الحقيقية طوال عام 2020، وسوف تؤدي الانقسامات المحلية إلى اشتباكات عنيفة ومناقشات مسببة خلافات غالبًا حول قضايا رمزية أخرى لا قيمة لها.
إن العالم يواجه خطر الانزلاق نحو أزمة مستقبلية، يجب أن ننتبه انتباهًا شديدًا للمخاطر المتصاعدة، ولكننا نعيش في عالم بلا قيادة؛ التعاون الذي رأيناه في 2008 لن يكون ممكنًا في الأزمة المقبلة من حيث عمل البنوك المركزية والحكومات معًا، كل ما سنفعله هو إلقاء اللوم على بعضنا البعض بدلاً من حل المشكلة.
نحن أمام أزمة اقتصادية عالمية ستؤدي إلى ركود تضخمي، وربَّما تتحول الحروب الثنائية التقنية والتجارية والاقتصادية وحقوق الملكية الفكرية والمالية والعسكرية إلى صراع شامل بين العملاقين الأميركي والصيني. هذه الأزمة، وما سيتمخض عنها من صراعات، قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة بين الصين والولايات المتحدة. نتيجة للحرب، سيجتمع الطرفان المتحاربان، أميركا والصين، لبحث وقف تلك الحرب. ستنتهي الحرب باتفاقية ينتج عنها قيام نظام عالمي جديد.
الأزمة في الشرق الأوسط
من المتوقع أن تكون هذه الأزمة أصعبَ من الأزمة المالية العالمية عام 2008، ولكن تأثيرها على دول العالم لن يكون متشابهًا، إذ ستختلف نسبة الأضرار بين الدول المصدرة للنفط وبين غيرها من الدول.
وإذا سلَّطنا الضوءَ على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فستكون أكثر الدول تضررًا هي الدول العربية غير النفطية، وستجد نفسَها عاجزة عن الاقتراض، ومضطرة لرفع أسعار الفوائد، مما سيزيد نسب البطالة والفقر المدقع، الآخذ في الازدياد أصلاً في الوطن العربي.
هناك دول عربية كثيرة ستكون مرشحة لمزيد من التوترات الداخلية، ولَربَّما إلى حدوث هزات سياسية كبيرة، ومن هذه الدول تونس والمغرب والسودان ولبنان والأردن، بالإضافة إلى تعطيل عملية البناء وإعادة الإعمار في كل من سوريا والعراق واليمن – في حال وصلت هذه الدول إلى مرحلة الهدوء السياسي – وهذا أمر مستبعد الآن.
إجراءات احترازية خليجية
إن الركود العالمي المتوقع سوف يطال جميع اقتصاديات دول العالم، والنظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي تزداد سوءًا في ظل تصاعد الحرب التجارية. ورغم أنه من الصعب العثور على النقاط المضيئة في الاقتصاد، وإذا كانت هناك إمكانية للتعافي، فإن هناك مجموعة من الإجراءات الاحترازية التي من الممكن أن تساهم في تصدي الاقتصادات الخليجية للأزمة المقبلة.
أول هذه الإجراءات يتمثل في أن تواصل الحكومات الخليجية تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد بنسبة كبيرة على عائدات النفط، مع تعزيز قدرات القطاع الصناعي والتحول من دول مستهلكة إلى منتجة. أمَّا المحور الثاني، فيتعلق بضرورة تطوير أداء وصقل رأس المال البشري وفق وظائف المستقبل والاستعداد للغزو التكنولوجي لجميع القطاعات الاقتصادية.
ويجب العمل على تعزيز قدرات التصدير والمنافسة في الأسواق الخارجية، ولن يحدث ذلك قبل تشجيع ودعم المنتجات المحلية وتعزيز تنافسيتها في الأسواق الخارجية، والعمل على توليد الفرص الوظيفية التي تعتمد على الجوانب الإنتاجية والتقنية بعيدًا عن الاعتماد على المشاريع التي لا تضيف قيمة مضافة للاقتصاد الكلي.
ومن الضروري استمرار الحكومات الخليجية في رفع وتعزيز الإنفاق العام على المشروعات الكبرى والبنى التحتية، وضرورة الاستمرار في تطوير القطاع المالي والدخول في أسواق المال العالمية مثلما فعلت السعودية وانضمت إلى عدة مؤشرات خلال الفترة الماضية.
ولا نغفل أهمية الاستمرار في تحقيق تنمية وموارد اقتصادية مستدامة عبر مشروعات كبرى ذات جدوى اقتصادية على المدى المتوسط والبعيد. وضرورة أن تعمل الحكومات الخليجية على تعزيز عائداتها من القطاع السياحي واستغلال الفرص والإمكانيات العربية والخليجية المتاحة. وأخيرًا، على الحكومات العربية والخليجية أن تفسح المجال للقطاع الخاص للعب دور أكبر في تحقيق معدلات التنمية المطلوبة.
وختامًا، فإن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني من العديد من المشكلات الهيكلية، على رأسها انخفاض الإنتاجية، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، كما لا تزال الدول المتقدمة تعاني من المشكلات المالية. هذا، فضلًا عن انخفاض التصنيع وارتفاع معدلات الديون في الدول النامية. وهو ما يحتاج من القادة الاقتصاديين في العالم إلى التكاتف مع الحكومات الوطنية من أجل مواجهة أي احتمالات لأزمة مالية عالمية جديدة.
ولا ننسى أن التاريخ الاقتصادي يعلمنا أن الأزمات المالية نادرًا ما تكون متوقعة، أو على الأقل لا يمكن التنبؤ بها على نحو دقيق، وفي الوقت المناسب.ومن ثَمَّ، فإن الأمر يتطلب من جميع المؤسسات الاقتصادية، وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التعاون مع المصارف المركزية والشركات الدولية للعمل على حل مشكلات الاقتصادات المتقدمة والنامية، لأن تجاهل تلك المشكلات أو التقليل منها يعني أن احتمالات حدوث الأزمة المالية العالمية تزداد يقينًا.
الأزمة الاقتصادية.. أسباب ونتائج واحترازات
1 – العالم على شفا أزمة اقتصادية متوقعة ستفوق في نتائجها الأزمة الحاصلة في 2008، سيكون مصدرها الولايات المتحدة.
2 – 59% من الاقتصاديين يرون أن الانتعاش الحالي في الاقتصاد الأميركي سينتهي عام 2020، وقال 22% آخرون إنه سينتهي في العام الذي يليه، أي في 2021، في حين ترى مجموعة قليلة من الاقتصاديين أن الركود القادم سوف يبدأ في 2022.
من أسباب الأزمة المقبلة
1 – تحول الولايات المتحدة إلى دولة مستوردة للنفط بعد استهلاك معظم إمكاناتها، وبالتالي ستفرض شروطها على الأسواق بحكم قوتها العسكرية للهبوط بالأسعار.
2 – ارتفاع أسعار الفائدة وتأثيرها على الأسواق المالية.
3 – الحرب التجارية التي تقودها واشنطن ضد العالم وفي مقدمتها الصين.
4 – القيود المفروضة على الهجرة والاستثمار المباشر الأجنبي ونقل التكنولوجيا.
5 – تراكم الديون على القطاعين الخاص والحكومي في البلدان المتقدمة والاقتصادات الناشئة.
6 – ظلت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة سطحية ضحلة، وهناك مخاطر إضافية مرتبطة بظهور أشكال أحدث من الديون.
7 – الفارق بين عوائد السندات الأميركية لأجل عامين والأعوام العشرة أصبح سالبًا لأول مرة منذ 12 عامًا.
8 – انخفضت معنويات المستهلك الأميركي إلى أدنى مستوى شهدناه في عام 2019.
9 – تراجع الإنتاج الصناعي الأميركي إلى منطقة الانكماش، وانخفض حجم شحنات الشحن الأميركية على أساس سنوي لمدة 8 أشهر على التوالي.
10 – ارتفع عدد طلبات الإفلاس في الولايات المتحدة بشكل مطرد، وارتفع 5%أخرى خلال شهر يوليو.
11 -انخفض مؤشر مديري مشتريات التصنيع في (IHS Markit) إلى أدنى مستوى منذ سبتمبر 2009.
12 – لا تزال هشاشة النمو في الصين المثقلة بالديون وبعض الأسواق الناشئة تشكل مصدرًا للقلق.
13 – المخاطر الاقتصادية والسياسية والمالية ومخاطر السياسات في أوروبا.
14 – ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والزيادة السكانية في العالم.
15 – الرئيس الأميركي ترمب وشعار “أميركا أولاً”أديا إلى تنامي السياسات الحمائية دوليًا.
16 – دول أوروبا الكبرى التي قامت تقليديًا بدور أساسي في إدارة الاقتصاد العالمي مكبلة الأيدي حاليًا.
17 – تزايد التيارات الشعبوية والقومية في دول العالم ما يزيد من ظاهرة الأحزاب المتطرفة واليمينية في كافة الدول.
ملامح الأزمة وتوقيتها
1 – لا تكمن المشكلة في حدوث أزمة اقتصادية مقبلة فقط، ولكن في توقيت وقوعها أيضًا. فغالبًا، وبالاعتماد على زمن انفجار الأزمة القادمة، سيكون من الممكن تحديد مدى عمقها.
2 – لا تزال إمكانية حدوث ركود في 2019 أمرًا قائمًا، نتيجة لحادث ائتمان وهو سيناريو مماثل لما حدث في 2007، عندما كان الاقتصاد العالمي مثقلا بالديون.
3 – وفي الوقت الحالي، تجسد نوبات الذعر من خلال حلقات لم تدم سوى بضع ساعات، لكن إذا استمرت لعدة أيام، يمكن أن تولد مناخًا من التوتر.
4 – تتمتع البنوك المركزية بهامش هائل للاستمرار في العمل، نظرًا للمحفزات التي قامت بنشرها خلال الأزمة، والتي سرعان ما بدأت في سحبها.
5 – لن يتبقى سوى القليل من الوسائل لمحاربة أزمة الائتمان، ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع.
6 – أظهرت البنوك المركزية مدى قدرتها على التخفيف من موجات التوتر في السوق وتهدئة الوضع في صفوف المستثمرين.
7 – ومن المتوقع أن يسمح ذلك بتمديد آجال المرحلة التوسعية بهدف جعلها تستمر لمدة سنة أخرى إلى 2020.
8 – التضخم سيشهد ارتفاعًا كبيرًا انطلاقًا من النصف الثاني من سنة 2019، نتيجة للنمو الذي تجاوز المستوى المطلوب لتحقيق التوازن.
نتائج متوقعة للأزمة
1 – من المتوقع أن تستمر الضائقة الاقتصادية الجديدة لسنوات وسيكون لها الأثر الكبير في الغرب.
2 – خمسة بلدان أوروبية سوف تتعرض للإفلاس في العام المقبل.
3 – ستكون الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند أكثر قدرة على التكيف مع الأزمة،
ومن المتوقع أن تزدهر مقارنة مع اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا.
4 – ستتعامل الصين بشكل أفضل مع أي أزمة من هذا النوع، نظرًا لأن الدولة تمتلك النظام المصرفي وتسيطر عليه.
5 – دول مثل البرازيل، وروسيا، والهند، وكوريا سوف تنمو بمعدلات ثابتة خلال السنوات العشر القادمة.
6 – إفريقيا، وخلال الفترة نفسها، ستكون على نفس مستوى البلدان المتقدمة من حيث النمو الاقتصادي لتصبح ما كانت عليه أوروبا منذ 50 عامًا.
7 – ستواصل اقتصادات المنطقة الخليجية وتيرة نموها الحالي بفضل عائداتها النفطية،
وإذا تمَّ تصدير كل النفط اليوم، فلن يكون ذلك في مصلحة البنى التحتية الموازية لمثيلاتها الأوروبية.
8 – نقص النفط الأميركي المتوقع في أوائل 2020، سيدفع بأسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة قد تصل إلى 150 دولارًا للبرميل.
9 – في نهاية المطاف، سوف يكون لدينا عملات احتياطية أخرى غير الدولار الأميركي.
10 – ازدياد الأسعار، وارتفاع متواصل في معدل البطالة مع انخفاض مستمر في الأجور الحقيقية طوال عام 2020.
11 – تؤدي الانقسامات المحلية إلى اشتباكات عنيفة ومناقشات مسببة لخلافات غالبًا حول قضايا رمزية أخرى.
12 – التعاون الذي رأيناه في 2008 لن يكون ممكنًا في الأزمة المقبلة من حيث عمل البنوك المركزية والحكومات معًا.
13 – ربما تتحول الحروب الثنائية التقنية والتجارية والاقتصادية وحقوق الملكية الفكرية والمالية والعسكرية إلى صراع شامل.
14 – قد نشهد حربًا عالمية ثالثة بين الصين والولايات المتحدة، ستنتهي باتفاقية ينتج عنها قيام نظام عالمي جديد.
الأزمة في الشرق الأوسط
1 – ستكون الدول الأكثر تضررًا هي الدول العربية غير النفطية، وستجد نفسَها عاجزة عن الاقتراض، ومضطرة لرفع أسعار الفوائد، مما سيزيد نسب البطالة والفقر المدقع.
2 – هناك دول عربية مرشحة لمزيد من التوترات الداخلية، وحدوث هزات سياسية كبيرة، مثل تونس والمغرب والسودان ولبنان والأردن.
3 – ستعطل عملية البناء وإعادة الإعمار في كل من سوريا والعراق واليمن في حال وصلت هذه الدول إلى مرحلة الهدوء السياسي.
4 – من المتوقع أن الازدهار القائم في منطقة الخليج، سيجعل من الاستثمارات في العالم العربي هي الأكثر أمانًا.
إجراءات احترازية خليجية
1 – مواصلة الحكومات الخليجية تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد بنسبة كبيرة على عائدات النفط.
2 – تعزيز قدرات القطاع الصناعي والتحول من دول مستهلكة إلى منتجة.
3 – ضرورة تطوير أداء وصقل رأس المال البشري وفق وظائف المستقبل والاستعداد للغزو التكنولوجي لجميع القطاعات الاقتصادية.
4 – تعزيز قدرات التصدير والمنافسة في الأسواق الخارجية، ولن يحدث ذلك قبل تشجيع ودعم المنتجات المحلية وتعزيز تنافسيتها في الأسواق الخارجية.
5 – توليد الفرص الوظيفية التي تعتمد على الجوانب الإنتاجية والتقنية بعيدًا عن الاعتماد على المشاريع التي لا تضيف قيمة مضافة للاقتصاد الكلي.
6 – استمرار الحكومات الخليجية في رفع وتعزيز الإنفاق العام على المشروعات الكبرى والبنى التحتية.
7 – تطوير القطاع المالي والدخول في أسواق المال العالمية مثلما فعلت السعودية وانضمت إلى عدة مؤشرات خلال الفترة الماضية.
8 – تحقيق تنمية وموارد اقتصادية مستدامة عبر مشروعات كبرى ذات جدوى اقتصادية على المدى المتوسط والبعيد.
9 – على الحكومات الخليجية تعزيز عائداتها من القطاع السياحي واستغلال الفرص والإمكانيات العربية والخليجية المتاحة.
10 – على الحكومات العربية والخليجية أن تفسح المجال للقطاع الخاص للعب دور أكبر في تحقيق معدلات التنمية المطلوبة.
وحدة الدراسات الاقتصادية*
المراجع
1 – The World in 2019 – The Economist –
2 – صندوق النقد يخفض توقعاته للنمو العالمي في 2019. سكاي نيوز عربية.
3 – كيف يرى البنك الدولي الاقتصاد العالمي في 2019؟
.CNN – https://cnn.it/2MEgopy
4 – إلى أين تتجه التوقعات حول الاقتصاد العالمي عام 2019؟ المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
5 – القلق يعتري الاقتصاد العالمي.. ومنتدى دافوس يختصر المشهد. سكاي نيوز عربية.
6 – صندوق النقد يخفض تقديرات نمو الاقتصاد العالمي لأدنى مستوى منذ 2008. فرانس 24
7 – مخاوف من أزمة مالية عالمية جديدة.. وبنك يتوقع موعد الكارثة. سكاي نيوز عربية.
.
8 – أحوال العالم واقتصاد العرب في 2019. الشرق الأوسط.
9 – حتمية الأزمة الاقتصادية العالمية 2020. صحيفة الرأي.
10 – الأزمة الاقتصادية 2020.. والحرب العالمية الثالثة. صحيفة البيان.
11 – ما هي الدولة العربية الأكثر عرضة للانهيار في ظل الأزمة المالية العالمية؟ روسيا اليوم. http://bit.ly/31JLdND
12 – طلال أبو غزالة: أزمة مالية متوقعة في 2020 تستمر 4 سنوات. العربية.نت.
13 – الاقتصاد العالمي يتجه لأسوأ وضع منذ الأزمة المالية. الشرق الأوسط.
14 – هل يتحمل العالم الأزمة الاقتصادية المقبلة؟ الشرق الأوسط. http://bit.ly/31EHVva
15 – 10 إجراءات احترازية تدعم الاقتصاد الخليجي في مواجهة الأزمة المالية. إندبندنت عربية. http://bit.ly/33WBRjm
16 – 11 سببًا لاندلاع أزمة مالية عالمية في 2020. بوابة العين الإخبارية.
17 – هل يواجه الاقتصاد الدولي أزمة مالية عالمية جديدة؟ المركز العربي للبحوث والدراسات. http://www.acrseg.org/41033
18 – الركود الاقتصادي المرتقب في 2020. شبكة النبأ المعلوماتية.
19 – صندوق النقد: 3 مخاطر تهدد الاقتصاد العالمي. معلومات مباشر.
– 20أزمة مالية عالمية خلال 36 شهرًا.العين الإخبارية.https://bit.ly/2Pcv2ph
21- أكبر مخاطر تهدد العالم! بوابة الوطن نيوز.https://bit.ly/2LPbOUq
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر