سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
برايس ريتشارد
في إطار الاستجابة لأزمة المناخ المتزايدة، ظهرت موجة من التقنيات الخضراء والخبرة ومصادر الطاقة.
نتيجة لذلك، فإننا نلاحظ ظهور الاقتصاد الأخضر، الذي يسخر الاختراع البشري لمعالجة القضايا الوجودية لكوكب الأرض، ويوفر المحرك للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في المستقبل. لكن ما هو الاقتصاد الأخضر بالضبط؟ ما هو حجمه؟ وما هي إمكاناته؟ وهل يمكن أن ينتج ازدهارًا شاملاً جنبًا إلى جنب مع الاستدامة البيئية التي نحتاجها بشكل عاجل؟
للإجابة عن هذه الأسئلة فقد كرَّس فريق متخصص من علماء المناخ والاقتصاديين والخبراء على مدار الاثني عشر شهرًا الماضية جهدًا كبيرًا للتعامل مع إشكالية المناخ، وصولاً إلى إطار عمل استراتيجي لمساعدة الحكومات والشركات والمستثمرين والمجتمعات على فهم فرص الاقتصاد الأخضر وحجمها، وأهم من ذلك اغتنامها.
تم الاعتراف بأهمية إزالة الكربون منذ عقود، وأُحرِز تقدم كبير. لكن الاقتصاد الأخضر يدور حول أمور أكثر من ذلك بكثير.
فالأمر يشمل كافة الآثار الأولية والثانوية للالتزامات العالمية التي تم التعهد بها في قمة الأمم المتحدة للمناخ رقم 21 “كوب 21” COP21 والتي تابعتها النسخ التالية، وبخاصة تلك التي كانت في 2021 تحت مسمى “كوب 21” COP26، والتي ركزت على توسيع وتعميق فهم الاقتصاد الأخضر بشكل كبير.
تعريف الاقتصاد الأخضر
يعد الاقتصاد الأخضر نموذجًا اقتصاديًا لا يقلل فقط من تأثير الإنتاج والاستهلاك على البيئة، ولكنه يخلق علاقة حميدة بين النمو الاقتصادي والرفاهية البيئية. إنه اقتصاد يلبي أهدافًا بيئية محددة كهدف أساسي، وفي إطار ذلك يخلق ازدهارًا إضافيًا ومزايا اجتماعية (هدف ثانوي).
إن الاقتصاد الأخضر في الواقع يعتبر أكثر من مجرد خفض للانبعاثات. ثم إنه يبني قدرتنا على التكيف مع تغير المناخ، وتطوير أنظمة دائرية وتقليل النفايات واستهلاك المواد؛ إذ يؤدي إلى إعادة استخدام أكبر للمواد والترويج لمزيد من التنوع البيولوجي وليس فقط الحماية.
لكن يمكن للاقتصاد الأخضر، بل وينبغي له أن يوفر مزايا اقتصادية واجتماعية أيضًا، بما يهدف إلى تعزيز ازدهار أكبر، وتعزيز النمو المحلي والابتكار وتعزيز القدرة التنافسية، فضلاً عن توفير مجتمع أكثر عدلاً وشمولية.
ما وراء الامتثال
لقد أدى صعود التمويل الأخضر والصفقات الجديدة إلى تطوير التصنيفات الخضراء. ذلك أن العديد من هذه “التصنيفات” الخضراء تجري حاليًا بقيادة الاتحاد الأوروبي والصين وكوريا الجنوبية مع 20 دولة أخرى. ومع ذلك، يتم تطوير العديد من التصنيفات الخضراء من عقلية الامتثال المالي البحت. فمع تحقيق ذلك، نجد أن هناك إضافة التصنيف “خضراء” من أجل مساعدة الحكومات على تحديد الصناعات الخضراء الاستراتيجية التي يجب تطويرها، وذلك من أجل تعزيز النمو الأخضر وخلق فرص العمل.
إننا بحاجة إلى تعريف للاقتصاد الأخضر بشكل يساعد على دفع السياسة الاقتصادية الاستراتيجية، بدلاً من الامتثال المالي فقط. ولمعالجة ذلك، فقد تم تطوير تعريف شامل حقًا للاقتصاد الأخضر من أجل صنع السياسات الاستراتيجية، بناء على تحليل تفصيلي للنتائج البيئية والاقتصادية والاجتماعية. وقد جاء على رأس ذلك الجهد تصنيف لأكثر من خمسمئة نشاط أخضر تستوفي هذه المعايير. وبالاستناد إلى التصنيفات الحالية بتفاصيل أكبر بكثير، تم بناء رؤية شاملة لما يبدو عليه الاقتصاد الأخضر والأنشطة التي تدعم تطوره. وعلى ذلك يتم تقديم التصنيف النهائي في التقارير التي كان من المرتقب أن يتم إطلاقها في نهاية نوفمبر 2022.
حجم الاقتصاد الأخضر
إن الاقتصاد الأخضر ليس ركنًا صغيرًا من السوق، يركز على إزالة الكربون من الصناعات الملوثة. إنه نظام بيئي واسع من الأنشطة التي تتخلل جميع جوانب الاقتصاد، وتؤثر في جميع جوانب البيئة.
لقد انتقل العلماء إلى التركيز على عالم مستدام بيئيًا بحلول عام 2050، ليس فقط من حيث تكاليف تدابير التخفيف من آثار تغير المناخ، ولكن أيضًا من الفرص التي قد يخلقها تخضير الاقتصاد العالمي. وفي ضوء ذلك تم تحديد ثلاثة أنواع رئيسية من الفرص:
أولاً: الفرص التنافسية الجديدة التي تظهر في عملية اضطراب الصناعة، مع تحرك بعض الشركات بسرعة لاعتماد تدابير خضراء، يمكن لمشغليها الاستفادة من مزايا المحرك الأول، وتسجيل براءات اختراع لاكتشافات جديدة وإنشاء مراكز مهيمنة في السوق.
ثانيًا: من المتوقع أن تظهر أسواق خضراء جديدة، إذ يؤدي الطلب على الطاقات المتجددة والتقنيات الخضراء إلى إنشاء أسواق جديدة للسلع والخدمات الخضراء، مما يخلق “تأثيرات متدفقة” في جميع مراحل سلسلة التوريد.
ثالثًا: ستتحقق مكاسب الإنتاجية، لأن المناطق تتأثر سلبًا بتغير المناخ والاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية، مما يؤدي إلى اقتصاد عالمي مبني على أساس أكثر استدامة.
بجانب ذلك، هناك توقعات بأن تخلق هذه الأنشطة الخضراء الجديدة فرصة بقيمة 10.3 تريليون دولار إلى 2050 للناتج المحلي الإجمالي العالمي، بأسعار 2020، أو 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في ذلك العام. كما أن النصيب الأكبر من ذلك يرتبط بتصنيع السيارات الكهربائية وتوليد الكهرباء المتجددة، بالإضافة إلى سلاسل التوريد الواسعة.
دوافع لا مفر منها
من المعتقد أن الخطاب البيئي قد هيمن عليه بشكل مفرط حتى الآن من خلال التركيز على تجنب المخاطر والامتثال والتكاليف. ومع ذلك، فقد تم التركيز بطريقة أو بأخرى على الجانب الإيجابي للعمل الأخضر، والقيمة المضافة للاقتصاد، والوظائف التي تخلقها الأنشطة الخضراء الجديدة، وقوة العمل المستدام لدفع الابتكار، والخبرة الجديدة، والقدرة التنافسية الأقوى. ونظرًا لمخاوف السوق من الاستثمار في الأصول المتعثرة في السنوات الأخيرة من عصر الوقود الأحفوري، فإننا نشهد ثقة أكبر في أن الاقتصاد الأخضر، المدعوم من مصادر الطاقة المتجددة، سيبدأ الآن في التطور والنمو.
إن تبني الاقتصاد الأخضر أمر منطقي لأسباب أخرى:
الاتفاقيات العالمية تعاقب الصناعات التقليدية: ومنها آلية تعديل حدود الكربون التابعة للاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى منع الشركات أو البلدان من نقل انبعاثاتها إلى الخارج. فلم يعد الأمر يتعلق بـ(ما إذا كان)، ولكن عندما ينتقل الاستثمار إلى قطاعات أكثر اخضرارًا.
تقنيات وابتكارات خضراء أرخص بشكل متزايد: إن منحنيات التكلفة ليست فقط هي الطاقات المتجددة الحالية، ولكن التقنيات الجديدة الناشئة من احتجاز الكربون إلى أنظمة إدارة المياه المتكاملة، ومن الهيدروجين إلى تقاطعات الشبكة الذكية؛ تعمل على تحويل معادلة التكلفة للتنفيذ على نطاق واسع، وخلق الطلب والأسواق للمنتجات والخدمات الخضراء.
التعافي من صدمات أسعار الطاقة في عام 2022: فقد تضرر المستهلكون والأسر في جميع أنحاء العالم بشدة من ارتفاع تكلفة الطاقة والزيادات المفاجئة في أسعار الفائدة على الاقتراض. ونتيجة لذلك، سيتضرر النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل والازدهار العام بشدة في عام 2023. ويمكن أن يوفر دعم القطاعات الخضراء دفعة مهمة للنمو على المدى القريب.
الابتكارات المالية المتنامية بسرعة: بما في ذلك تجارة الكربون والتمويل الأخضر وآليات الاستثمار المستدام، تؤدي دورًا حاسمًا كعناصر تمكين للتحول الأخضر، مدعومة بنشاط المستثمرين ومنتجات مالية خضراء جديدة.
اقتصاد هادف
ثمة اعتقاد أن المشكلات التي نراها اليوم لا يمكن حلها من دون تعزيز الرؤية الأخلاقية للواقع الاقتصادي الخام. على هذا يتزايد الاهتمام بتسخير وتشكيل الجيل القادم من النمو الاقتصادي لحل قضايا التنمية العالمية طويلة الأمد. فعادة ما يكون الأشخاص الأشد فقرًا وضعفًا هم الذين يتأثرون ماديًا في سبل عيشهم ومنازلهم.
وعليه، يجب أن يُبنى اقتصاد النمو الأخضر بشكل أساسي على رؤية للاستقرار والشمولية. فهذه هي الأسس المنطقية ويمكن تحقيقها من خلال الحوافز والتنظيم والحكم الرشيد. والعمل البيئي يجب أن يعمل ببساطة من أجل الجميع.
أخيرًا، فإن العديد من الخدمات والتقنيات والخبرات الخضراء الجديدة تتطور بسرعة. إذ لم يعد الاقتصاد الأخضر يعتمد على الطاقة المتجددة لمجرد إطالة أمد الممارسات الإنتاجية قبل 30 عامًا. ولم يعد يتم تعريف الاقتصاد الأخضر من خلال تجنب المخاطر وتخفيف التهديدات.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Arup
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر