سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تحليل/ لاكلان كولكوهون
“سكوت موريسون” الفائز بمنصب رئيس الوزراء، أخيرًا، هو الخامس في أستراليا خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث جاء “موريسون” في ظل جدل متنامٍ حول مستقبل نظام سياسي غير مستقر في البلاد.
وكما كان متوقعًا، فقد سقط رئيس الوزراء الحالي “مالكولم تيرنبول” من السلطة في صراع داخلي بالحزب الليبرالي الحاكم على إثر سياساته القومية المتشددة وغير المستقرة في حكم البلاد.
ومن المرجح أن يكون انتصار “موريسون” المفاجئ على منافسه المحافظ ورجل الشرطة السابق “بيتر دوتون” في 24 أغسطس، انتصارًا قصير الأجل؛ إذ من المقرر أن تجرى الانتخابات العامة القادمة في شهر مايو من العام المقبل، وربَّما يختار رئيس الوزراء الجديد الانصراف مبكرًا.
في كلتا الحالتين، يرجح أن يتم القضاء على “الائتلاف الليبرالي الوطني” الذي يحكم أستراليا منذ عام 2012 وفقًا للاستطلاعات الأخيرة التي توضح أن ثمة صعوبات كثيرة لصالح زعيم حزب العمال “بيل شورتن” الفائز في الانتخابات.
هنا يثار التساؤل: كيف وصلت دولة متقدمة ومزدهرة ذات اقتصاد جيد إلى هذه الحالة الفوضوية؟
فقد أصبحت النخبة السياسية في “كانبيرا” مختلطين إلى درجة كبيرة وغير منفصلين عن بقية البلاد لدرجة أن الجميع من الناخبين في الضواحي، وحتى الرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات الأسترالية، يصرخون: يكفي هذا.
ويمكن أن يرجع الخلل السياسي جزئيًا إلى الانقسام الكبير في الجانب المحافظ من السياسة التي أدت إلى تراجع “تيرنبول” أخيرًا، وهو السياسي الليبرالي المعتدل الذي كانت شعبيته الشخصية قد تمَّ تجاوزها بشكل منتظم لصالح منافسه العمالي “بيل شورتن”.
لقد كان موقف “تيرنبول” المعتدل يواجه معارضة شديدة من قبل عناصر محافظة داخل حزبه، حيث يدعون استعدادهم لتدمير أي أمل في الفوز بالانتخابات القادمة، طالما أنهم نجحوا في هدفهم، وكما قال أحد المعلقين الإعلاميين حديثًا، فإن “الحكومة تقتل نفسها”.
ويُمَثِّل “تيرنبول” وهو الخبير المصرفي والملياردير، الكثير مما يكرهه المحافظون؛ إذ يؤمن بتغير المناخ، وضرورة القيام بشيء حيال ذلك، كما يؤيد أن تتحول أستراليا إلى جمهورية، ويدعم علنًا قضية زواج المثليين التي تشهد انقسامًا واضحًا في المجتمع الأسترالي.
تمكّن “تيرنبول” من الحصول على تأييد الجناح اليميني بالحزب الليبرالي، إذ أقنعهم بقدرته على تحقيق نصر انتخابي عام 2019. لكن التنازلات التي قدمها ولدت خيبة أمل لدى جمهور الناخبين، وكذلك لدى معارضيه داخل الحزب ممن نفد صبرهم.
فبدلاً من أن تكون “الكنيسة العامة” التي تحملت نقدًا كبيرًا على مر التاريخ بشأن آرائها، يتم دفع الحزب الليبرالي نحو اليمين بشكل أكبر من قبل مجموعة من مؤيدي رجل الشرطة السابق “بيتر دوتون” ورئيس الوزراء السابق “توني أبوت”.
وتعمل هذه المجموعة على تحفيزه بقوة الأيديولوجية المحافظة المتشددة، بالإضافة إلى مجموعة قوية من معارضي تغير المناخ، ذلك أنها تمثل تيارًا معارضًا للطاقة المتجددة وشهدت عشر سنوات من التقاعس السياسي تجاه صناعة الطاقة.
وفيما يخص الاستفتاء على زواج المثليين، فإنه يرى أن ذلك من شأنه أن يقسم الناخبين، فعندما صَوَّت أكثر من ستة من بين كل عشرة أستراليين لصالحهم، أصبحوا يشعرون بالمرارة، كما ألقى الكثيرون باللائمة على “تيرنبول” رغم بساطته في تنفيذ تكتيكهم.
وقد شهد موقف “تيرنبول” المعتدل في هذه الحرب الثقافية، تراجعًا في دعم الحزب الليبرالي لصالح الأحزاب اليمينية، بما في ذلك “بولين مانزون” المتطرف في موقفه نحو الأجانب، وكذلك عناصر أكثر تطرفًا يمثلها السيناتور المستقل “فريزر أننغ”، الذي قاد معارضة شديدة ضد المسلمين والخطاب المناهض للهجرة غير الشرعية في وقت سابق.
وقد تمثل ذلك فيما يطلق عليه “القاعدة التقليدية” التي كان “دوتون” يسعى لاستعادتها في مساعيه لتبوء منصب رئيس الوزراء وتوجيه الحكومة نحو اليمين، وفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة.
ومع الأحداث الأخيرة، يمكن أن ينتهي مشروع “الكنيسة العامة” لصالح الحزب الليبرالي، حيث يمكن أن تتوجه القوى الليبرالية المحافظة الصغيرة في أستراليا نحو التطرف.
أمَّا عن إمكانية تحقق ذلك في ضوء الشروط التي وضعها الحزب بنفسه، فبدون “تيرنبول”، يفتقر التيار المعتدل بالبرلمان إلى القيادة. أمَّا من الناحية الانتخابية، فإن ذلك يعني أن الناخبين الأستراليين المعتدلين، سوف يبتعدون عن الحزب الليبرالي بأعداد كبيرة.
وبالإضافة إلى الاختلال الحالي، ربَّما تطرح أسئلة أخرى حول النظام السياسي الأسترالي والدستور نفسه، الذي فشل بوضوح في تقديم حكومة مستقرة وواعية خلال الآونة الأخيرة.
ويقول حزب العمال إنه إذا فاز بالحكومة، فمن المرجح أن يطلق استفتاء جديدًا حول شكل الحكم في أستراليا ليصبح جمهوريًا بدلاً من وضعه الحالي. فالأمة تتألف من ست ولايات وعدة أقاليم، يُحكم كلٌّ منها بشكل ملكي دستوري برلماني فيدرالي.
وبعيدًا عن مسألة الارتباطات الأسترالية التاريخية مع المملكة المتحدة التي لا تزال لديها التزامات دستورية في أستراليا، فإن الأزمة السياسية الحالية تمثل فرصة للنظر في شأن السلطة التنفيذية.
ويدور حاليًا الكثير من النقاش حول صيغة الحكم الجمهورية وصلاحيات الرئيس وما إذا كان منصبه بالانتخاب أو بالتعيين، حيث يسعى الأستراليون إلى إسقاط النموذج الملكي الذي يتم من خلاله تعيين رأس السلطة التنفيذية من قبل البرلمان.
ولا يعتمد النموذج الرئاسي كثيرًا على المملكة المتحدة، بل على بلد مثل فرنسا، إذ يوجد ذراع تنفيذي قوي وسلطة تشريعية يرأسها رئيس وزراء. أمَّا المؤسسات السياسية الأخرى، فتشهد تطورًا ملحوظًا، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا بداية من جمهوريتها الثانية حتى الخامسة منذ الحرب العالمية الثانية.
وبالنظر إلى حالة الفوضى التي أوجدها النظام البرلماني الحالي بأستراليا، ربَّما يكون الوقت قد حان لأمة تتوخى الحذر الطبيعي لتقبل المزيد من التغييرات السياسية الكاسحة. فالواقع يشير إلى أن الأستراليون بطيئون تقليديًا في تبني التغيير، لكن المستوى الحالي من الغضب تجاه سلوك ممثليهم المنتخبين يمكن أن يقدم دعمًا شعبيًا للتحول الهيكلي في النظام السياسي.
ولعله من المفارقات، أنه إذا كان لدى أستراليا نظام رئاسي، فإن المنتصر الأكثر احتمالاً في أي انتخابات هو “مالكوم تيرنبول” الذي قُضِيَ على منصبه منصبه هذا الأسبوع بسبب برلمان يعاني من خلل وظيفي وخدمي مثقل.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر