سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مايكل ليليفيلد
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الصينية لإنعاش الاقتصاد، فإنها تبتعد حتى الآن عن الإنفاق المفرط على البنية التحتية، على أمل أن تتجنب آثار سياسات الماضي. فقد أعقبت سنوات من نمو الديون والأضرار البيئية خطة الحكومة الضخمة البالغة، 4 تريليونات يوان (566 مليار دولار أميركي) والتي أعلن عنها في نوفمبر 2008 بهدف التغلب على تأثيرات الأزمة المالية العالمية.
وقد نجح الإنفاق المدعوم بالديون على الإسكان والطرق السريعة والمشاريع الأخرى، في الحفاظ على النمو الاقتصادي خلال فترة الأزمة. لكن العديد من الاستثمارات كانت غير ضرورية وغير منتجة أيضًا؛ مما أدى إلى عقدٍ من الاستهلاك العالي للطاقة والتلوث والنفايات. لقد استجابت الحكومة هذا العام للتحدي الاقتصادي الذي فرضته أزمة “كوفيد – 19” بمجموعة مختلفة من الأدوات. إذ ينصب التركيز حتى الآن على التحفيز المالي مع زيادة مخططة في عجز الميزانية من 2.8% إلى 3.6%، وقد تمَّ استكمال التخفيضات الضريبية، وتخفيضات أسعار الفائدة المستهدفة، وزيادة الإقراض المصرفي بإذن لإصدار 3.75 تريليون يوان (530 مليار دولار أميركي) من سندات الحكومة المحلية.
وقد قامت وزارة المالية الشهر الماضي بطرح حصة قدرها 1 تريليون يوان من سندات الحكومة المحلية ذات الأغراض الخاصة للبنية التحتية بسبب تسارع وتيرة عمليات الاقتراض. كما أعلنت الحكومة أنها ستصدر سندات خزانة خاصة بقيمة تريليون يوان هذا العام. وذكرت مؤسسة “بلومبيرغ نيوز” أن السندات الخاصة تستخدم لجمع الأموال من أجل سياسة أو مشكلة معينة. وأضافت أنها توفر التمويل خارج الميزانية الرسمية ولا يتم تضمينها في حسابات العجز.
تأثير محدود على السيولة
لقد جاءت خطط السندات مع مجموعة المضاعفات الخاصة بها. فقد سارعت وسائل الإعلام الحكومية إلى طمأنة السوق بأن الشرائح الأولى من العروض سيكون لها تأثير محدود على السيولة، فقد طارد المستثمرون العائدات العالية وانخفاض أسعار السندات. إذ يتوقع المحللون أن يستجيب “بنك الشعب الصيني” بضخ المزيد من الأموال في النظام المالي.
وقالت وزارة المالية الصينية، إنه من المتوقع أن تصل النفقات العامة للحكومات المركزية والمحلية لاحتواء الوباء واستقرار الاقتصاد إلى 24.79 تريليون يوان (3.5 تريليون دولار أميركي) هذا العام، كما جاء في صحيفة “تشاينا ديلي” الرسمية الناطقة باللغة الإنجليزية. وفي هذا الشهر، جاء في تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية للبنك الدولي، أن الاستجابات النقدية والمالية للصين للآثار الاقتصادية لـ”كوفيد – 19″ بلغت حتى الآن 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن الترخيص لسندات الحكومة المركزية والمحلية الإضافية يعادل 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي.
وكما جاء في التقرير، فإن إجمالي نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ارتفع بنحو 17 نقطة مئوية في الربع الأول من العام. إذ تبدي الحكومة المركزية الصينية حرصًا على التمييز بين استراتيجياتها المالية للتغلب على الأزمة الحالية وتفاقم الإنفاق لعام 2009؛ لأن الحكومات الإقليمية والمحلية لا تزال تكافح من أجل دفع رواتبها القديمة.
الديون
وقال “إيفان تشونج”، المحلل في وكالة موديز “إنفستورز سيرفيس” Investor Serviceفي هونغ كونغ: “لقد كنا نشاهد بعض المناطق التي تعتبر تقليديًا ذات قدرة ضعيفة على السداد في حين هي قادرة على إصدار سندات جديدة أخيرًا”.
وفي الشهر الماضي، قال مجلس الدولة على مستوى الوزراء إن الإدارات الحكومية والشركات الكبيرة المملوكة للدولة، قد قامت بتسوية أكثر من 70% من مدفوعاتها المستحقة بحلول نهاية عام 2019، حسبما أفادت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست” South China Morning post. وقال مجلس الدولة إن الحكومات الإقليمية دفعت أكثر من نصف مدفوعاتها المتأخرة المستهدفة، دون تحديد المبلغ. فمن بين مميزات السندات ذات الأغراض الخاصة، أنه من المتوقع أن يتم دفع الفائدة من دخل مشروع معين بدلاً من الإيرادات المالية.
مشاريع “البنية التحتية الجديدة”
تعمل الحكومة المركزية أيضًا على تعزيز استخدام سندات الحكومة المحلية من أجل مشاريع “البنية التحتية الجديدة”، مثل شبكات اتصالات الجيل الخامس 5G، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI)، ومحطات شحن مركبات الطاقة الجديدة (NEV)، بدلاً من الأبنية التقليدية المكثف للطاقة للطرق والجسور.
يبقى أن نرى ما إذا كانت مشاريع البنية التحتية المحلية الجديدة تمثل بداية قفزة تكنولوجية ستولد عوائد كافية، أو ما إذا كانت مجرد مجموعة من الكلمات الطنانة الحديثة التي يمكن للحكومات المحلية استخدامها لبيع السندات.
ويقول المحللون إن الميزة الرئيسية للسندات المحلية هي أنها توفر شفافية أكبر من بديل “أدوات تمويل الحكومة المحلية”. إذ يحاول منظمو الحكومة المركزية إغلاق “الظل المصرفي” للإقراض المصرفي خارج السجلات لسنوات.
وقال “جاك يوان”، نائب رئيس وكالة “موديز”: “يمكنك أن ترى بالضبط مقدار التمويل الجديد الذي تتخذه الحكومات المحلية”.
لكن الحكومات المحلية كانت سريعة في القفز على مسيرة البنية التحتية الجديدة بكل حماسة، والتي أعقبت برنامج إقراض الانفجار الكبير بين عامي 2008 و2009.
وفي هذا الشهر، أعلنت مدينة “قوانغتشو”، عاصمة مقاطعة “قوانغدونغ” الساحلية، عن خطط لمشاريع تبلغ قيمتها حوالي 500 مليار يوان (70.7 مليار دولار أميركي) لهذا العام في مجالات تشمل شبكات الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات الكبيرة، حسبما أفادت وكالة أنباء “شينخوا” الرسمية. وأعلنت “شينخوا” عن التوقيع على اتفاقيات شملت 73 مشروعًا كبيرًا بقيمة 180 مليار يوان (25.4 مليار دولار) في مايو الماضي بـ”قوانغتشو”.
وقد أفادت “شينخوا” بأن شنغهاي تخطط لاستثمار 270 مليار يوان (38.1 مليار دولار أميركي) في سلسلتها الأولى التي تضم 48 مشروعًا جديدًا في السنوات الثلاث المقبلة، مع التركيز على “شبكات الجيل الجديد، والبنية التحتية المبتكرة، ومنصات الذكاء الاصطناعي والمحطات الذكية”.
وتدعو الخطط الإضافية إلى 100 ألف من أكوام الشحن الذكية لمركبات الطاقة الجديدة، والمصانع، وخطوط الإنتاج، وورش العمل غير المأهولة.
وأعلنت مقاطعة “قوانغدونغ” عن 1230 “مشروعًا كبيرًا” لهذا العام باستثمارات تبلغ 5.9 تريليون يوان (835 مليار دولار أميركي) في شبكات الجيل الخامس، والنقل بين المدن وغيرها من المجالات.
وتتجاوز خطط الإنفاق في “قوانغدونغ” وحدها حصة الحكومة المركزية لسندات الحكومة المحلية بأكثر من 57%. كما أنها تعادل 70% من جميع سندات الحكومة المركزية والمحلية المتوقع إصدارها هذا العام، بناءً على أرقام وزارة المالية.
وفي تعليق لبرنامج “الطاقة الصيني” التابع لمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة، نقلاً عن تقرير متخصص، إنه حتى مطلع مايو كانت مقاطعات الصين قد وضعت بالفعل خططًا متعددة السنوات لاستثمار أكثر من 40 تريليون يوان (5.6 تريليون دولار أميركي) في البنية التحتية الجديدة والتقليدية. ولحسن الحظ بالنسبة للمالية الصينية، فإنه من غير المرجح أن تتحقق أرقام ضخمة مثل تلك الموجودة في خطط “قوانغدونغ”.
وقال “ديريك سيزورز”، الخبير الاقتصادي والباحث المقيم في معهد “أميركان إنتربرايز” بواشنطن: “الجانب الأكثر طمأنة في خطط الإنفاق المحلي أنها ربَّما تكون مزيفة. فلأسباب واضحة تريد كل من الحكومات المركزية والمحلية أن تقول إن المزيد من الإنفاق في الطريق وسيحل كل شيء”.
وقد يكون تحول الحكومة المركزية في التركيز على تمويل مشروعات التكنولوجيا الفائقة، علامة على التفكير الجريء في إعادة توجيه أو إعادة تعريف الإنفاق التحفيزي، ولكن النتيجة ستبدو أشبه بنبيذ قديم في زجاجات جديدة. فالبنية التحتية التكنولوجية وليس التقليدية تعدُّ تطورًا ممتعًا، ولكن المشكلة نفسها لا تزال قائمة، ذلك أن المشاريع الجديرة بالاهتمام لا تتحقق من فراغ عندما ترتبط بخطط إنفاق جديدة.
وتتناقض الزيادات في خطط الإنفاق الحكومية المحلية مع ضبط النفس النسبي في الإقراض المصرفي باليوان الجديد. فقد أفادت “رويترز” بأن القروض المصرفية الجديدة التي بلغت 1.48 تريليون يوان (208.9 مليار دولار أميركي) في مايو، انخفضت أكثر من المتوقع مقارنة بالشهر الذي سبقه، بانخفاض 13% (1.70 تريليون يوان) في أبريل، على الرغم من ارتفاع الإقراض بنسبة 25% (1.18 تريليون يوان) قبل عام. فقد حدثت قفزة في شهر مايو في مبيعات السندات المحلية تبعث على القلق، لكن وتيرة ذلك من المرجح أن تستقر بمرور الوقت. فإذا تمَّ إنفاقها، فسيضيع المال. لكن من المرجح أن يتباطأ الاقتراض المحلي في النصف الثاني من هذا العام، قبل أن يبدأ في رحلة فشل مشابهة كما حدث أثناء عمليات الإقراض التي شهدتها في 2009.
وكما ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا”، يوم الخميس الماضي، فإن بنك الشعب الصيني استجاب لدعوات السيولة ببيانٍ وعد بإبقائه “عند مستوى معقول وكافٍ في النصف الثاني من العام”. ومن المتوقع أن تصل القروض الجديدة هذا العام إلى ما يقرب من 20 تريليون يوان (2.82 تريليون دولار أميركي)، بزيادة 19% عن عام 2019. ومن المتوقع أن يتجاوز إجمالي التمويل الاجتماعي، وهو مقياس واسع للائتمان والسيولة، 30 تريليون يوان (4.23 تريليون دولار أميركي)، بارتفاع 17.2%، حسبما قال محافظ بنك الشعب الصيني “يي قانغ”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: راديو آسيا الحرة
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر