سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
صلاح خليل
أثار إعلان الجيش الموزمبيقي، في 6 مارس 2022، اعتراض طائرات بدون طيار تابعة لتنظيم داعش في شمال موزمبيق، العديد من التساؤلات المشروعة بشأن استخدام الجماعات الجهادية الدرونز كاستراتيجية جديدة وأداة متطورة في حربها التي تشنها على الجيش الموزمبيقي في شمال البلاد.
في مايو 2021، كشف وزير الداخلية الموزمبيقي أمادي مويكيد، أن المتمردين والجماعات الإسلامية في منطقة (كابو ديلغادو) الغنية بالغاز، استعرضوا طائرات مسيرة كآلية جديدة في مراقبة القوات الحكومية، وأيضًا بهدف استهداف بعض المواقع التي يتمركز فيها الجيش الحكومي.
هذا وتشهد القارة الإفريقية في السنوات الماضية استخدامًا واسع النطاق للطائرات المسيرة من قبل الجماعات الإرهابية، وتمثل تلك الظاهرة تحولًا نوعيًا للحركات والجماعات الإسلامية في علاقاتها الخارجية، وتعتبر حركة الشباب المجاهدين في الصومال أول تنظيم في القارة الإفريقية استخدم طائرات الدرونز لأغراض المراقبة وتصوير مواقع حساسة، ثم لاحقًا قام بتنفيذ عمليات تفجيرية وانتقامية ضد قوات الحكومة الصومالية في أجزاء متفرقة من الصومال.
وكشف قادة الجيش الموزمبيقي أن الطائرات المسيرة التي تم إسقاطها كانت تستخدم أنظمة RF Technologies MCTECH الإسرائيلية، وكان الغرض من تلك الطائرات جمع المعلومات الاستخباراتية، وأيضًا شن هجوم على الجيش في شمال البلاد الذي تنشط فيه الجماعات الإسلامية المتشددة.
ما حدث في موزمبيق يظهر لأول مرة التطورات الهائلة للأسلحة التي أصبحت تمتلكها الجماعات الجهادية في إفريقيا، ولا سيما في مجال التكنولوجيا العسكرية. هذه المنظومة قدمتها MCTECH للجيش الموزمبيقي، بهدف توفير أنظمة تكتيكية طراز MC-Horizon D360BP V3 للجيش الموزمبيقي في نهاية عام 2021. وهو عبارة عن أنظمة تفاعلية يحملها أفراد الجيش الموزمبيقي، من خلالها يكتشف تلقائيًا وجود الطائرة بدون طيار على مدى يتجاوز 2.5 كيلومتر، ويتم تحييدها قبل أن تصبح تهديدًا حقيقيًا لقوات الجيش الموزمبيقي. وقد تم في وقت سابق تصميمها كأنظمة لحماية الفرق أو القوات المناورة في الميدان، والسماح لها بحرية العمل دون التعرض لخطر الهجوم أو التعرض من قبل الطائرات المسيرة التي أصبحت تمتلكها الجماعات الجهادية في موزمبيق.
لا شك أن انتشار تكنولوجيا الطائرات بدون طيار في جميع أنحاء إفريقيا ارتبط بتوسيع العمليات الإنسانية والتنموية والتجارية والعسكرية بشكل كبير، لكن ظهور هذه التقنيات في أيدي الجماعات الإسلامية المتشددة والجماعات المسلحة من غير الدول، يشكل تهديدًا كبيرًا.
وفي تطور لإحداث نقلة في ميزان القوة، لجأ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلى تطوير تكتيكاته وتعزيز قدراته الميدانية من خلال استخدامه الطائرات المسيرة في خطوة مهمة لتعزيز قدراته العسكرية ضد الجيش في موزمبيق بشمال البلاد. تلك الخطوة التي اتخذتها الجماعات الجهادية تعد توسيعًا لنطاق المناطق التي يريدون السيطرة عليها، وليس فقط في شمال البلاد، فقد امتدت وعززت حركة الشباب شبكاتها خارج موزمبيق حتى تنزانيا والضفة الشمالية لنهر (روفوما)، كما أن لها صلات بقوات متحالفة معها تسمى الدولة الإسلامية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجندت مقاتلين من تنزانيا وجنوب إفريقيا، وذلك على الرغم من أن القوات المشتركة استعادت ميناء (موسيمبوا) الاستراتيجي ومدينة (بالما) في شمال البلاد في ديسمبر 2021.
إن الجماعة الجهادية المعروفة باسم الشباب أصحبت تنتشر في العديد من الأقاليم في موزمبيق، بدءًا من إقليم (كابو ديلجادو) حتى المناطق الأخرى المجاورة. ويأتي ذلك على الرغم من تدخل القوات الإنمائية لجنوب إفريقيا كالقوات الرواندية والجنوب إفريقية والموزمبيقية.
تمكنت تلك الجماعات الإرهابية من اختراق قوات حفظ السلام الأممية المنتشرة في إفريقيا والحصول على هذا النوع المتطور من تشكيل الطائرات بدون طيار، وبالفعل على وشك أن تصبح جزءًا من ترسانة الجماعات المتشددة. وهناك أدلة واضحة على قيام تلك الجماعات الإرهابية بالحصول على الطائرات المسيرة في منصات إفريقية عديدة، جراء عمليات الفساد داخل أروقة البعثات الأممية في إفريقيا، على الرغم من النفي المتكرر للبعثة الأممية العاملة في إفريقيا.
كما تحصل جماعة الشباب على طائرات الدرونز من خلال علاقاتها القوية مع رجال الأعمال والشخصيات الدينية المهمة في موزمبيق، بالإضافة إلى عمليات الفساد المنتشرة في البلاد التي تسمح لهم بالحصول على الزي العسكري الرسمي للجيش الموزمبيقي من خلال الفساد داخل مؤسسات الدولة في موزمبيق.
وبالأساس تعتمد جماعة الشباب على التمويل من خلال تجارة الهيروين القادم من أفغانستان عبر إيران إلى شمال موزمبيق، وما بعده إلى جنوب إفريقيا المجاورة، وهي أكبر سوق استهلاكي للهيروين في منطقة الجنوب الإفريقي ونقطة عبور رئيسية للتهريب إلى أوروبا والولايات المتحدة، كما يمر الكوكايين الذي منشؤه البرازيل وبعض دول أمريكا اللاتينية بشكل أساسي عبر شمال موزمبيق ومنه إلى أستراليا.
كما يموّل التنظيم نفسه من خلال المطالبة بأموال الحماية من الشركات المحلية، ونهب الأموال والأسلحة والبضائع أثناء الهجمات. كما تجمع الجماعة الإرهابية الأموال من خلال الخطف والمطالبة بفدية للإفراج عن الأشخاص.
بعد أكثر من 8 شهور من التدريبات المشتركة بين الجيش الموزمبيقي والقوات العسكرية الأجنبية التي تقودها جنوب إفريقيا ورواندا، بالإضافة إلى الخبراء العسكريين الأمريكيين والأوروبيين الذين يتولون مهمة تدريب القوات العسكرية للدول الثلاث، وذلك ضمن مهمة خاصة للحد من تغلغل الجماعات الجهادية المسلحة إلى مناطق الغاز والبترول التي تستحوذ عليها شركة توتال الفرنسية في موزمبيق؛ فاجأت الجماعات الجهادية الجميع بهجمات استخدمت فيها الطائرات المسيرة، الأمر الذي يشعل الصراع والمواجهة. وفي الوقت الذي يمنح فيه الجماعات الجهادية مزايا في المواجهة فإنه يفرض تحديات عديدة.
فضلاً عن ذلك يواجه الجيش في موزمبيق تحديًا صعبًا في التمييز بين الجماعات الجهادية التابعة لتنظيم الدولة والسكان الأصليين، لأنهم من سكان المدن في شمال البلاد، وأيضًا بسبب بسهولة اندماج الجماعات المتشددة مع السكان. وتستغل الجماعات الإرهابية المزارعين والصيادين في تجنيدهم والانخراط كمقاتلين في صفوفهم، مستفيدة في ذلك من العداوة والغضب اللذين يشعر بهما هؤلاء السكان نتيجة عدم استفادتهم من الاستثمارات الأجنبية الضخمة في مناطقهم منذ أن اكتشفت شركة توتال الفرنسية في مياه البحر احتياطيات ضخمة من البترول والغاز الطبيعي (المسال) منذ أكثر من 5 سنوات، خاصة في شبه جزيرة (أفونجي) التي تبعد 80 كم إلى الشمال، ويعتبر هذا المشروع من أكبر المشاريع الاستثمارية في إفريقيا، وتمتلك فيه شركة توتال أكبر الأسهم المالية.
ولا شك أن امتلاك المتطرفين سلاحًا نوعيًا كهذا بمثابة تهديدٍ يجب أن تكون الدول الإفريقية مستعدة له كما يحدث حاليًا في موزمبيق. وعند استغلال فوائد التكنولوجيا التحويلية، يجب على الدول الإفريقية أن تكون على دراية بالمخاطر المحتملة، وأن تضع استراتيجيات لتتبع وتعقب انتشار طائرات الدرونز بسبب خطورة استخدامها من قبل الجماعات الخارجة عن القانون.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر