سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
على رأس التحديات التي تواجه الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب، المشكلة الإيرانية وسلوكها التخريبي الذي تمارسه في محيطها الشرق الأوسط، وكذا الحال بالنسبة لحالة كوريا الشمالية، ذلك أن كلتا الحالتين تتصلان مباشرة بالأمن العالمي نظرًا لخطورة التهديدات التي يمثلها كلتاهما.
في هذا السياق يقدم الباحثان “جاك كارافيلي” و”سيباستيان ماير”، تقريرًا استراتيجيًا حول التحديات التي تواجه منظومة الأمن القومي الأميركية بقيادة الرئيس ترمب.
يحدد الباحثان مشكلتين سياسيتين رئيستين تتعلقان بقضايا الأسلحة النووية، إذ تحتفظ إيران بخيارات الأسلحة النووية الناتجة عن الاتفاق النووي المعيب متعدد الأطراف لعام 2015. ففي الثامن من شهر مايو 2018 أعلن الرئيس ترمب إنهاء دعم الولايات المتحدة للاتفاق وفرض عقوبات جديدة على إيران، مشعلاً بذلك موجة من الحراك الدبلوماسي في أوروبا والشرق الأوسط. ثم إن التطور السريع والمفاجئ للأسلحة النووية لكوريا الشمالية، وقدرات صواريخها بعيدة المدى، والتحدي المتمثل في التعامل مع التحركات الدبلوماسية الأخيرة لـ”كيم جونغ أون”، كلها يتطلب قرارات حاسمة من الإدارة. ونهج الإدارة هو مواصلة المفاوضات الساعية لإنهاء الطموحات النووية لكوريا الشمالية. وهو أحد أهداف القمة الثنائية التي بدأت بين الرئيسين ترمب و”كيم جونغ أون” في الثاني عشر من يونيو الماضي في سنغافورة.
ويرى الباحثان أن كوريا الشمالية تتفوق على إيران في القدرات النووية، ولذلك فإنه من المؤكد في الوقت نفسه أن الدولتين ستراقبان كيف سيتعامل ترمب وفريقه الأمني الجديد في تحديد نقاط الضعف ومجالات الاستغلال المحتملة.
إيران وكوريا الشمالية .. الشراكة الغريبة
يرى الباحثان أنه على الرغم من أن وضع إيران العسكري والقدرات النووية لكوريا الشمالية جزءًا لا يتجزأ من محيطين إقليميين منفصلين، فإن التحالف العملي بين البلدين أصبح أكثر ترابطًا على مرِّ السنين. فإيران وكوريا تعانيان ولديهما بطبيعة الحال أهدافهما السياسية والاقتصادية المختلفة، وهذا يشير إلى أن الشراكة الثنائية بينهما ليست أكثر من شراكة عملية بحتة.
ففي أعقاب الثورة الإيرانية في عام 1979 والحرب الإيرانية العراقية التي تبعتها في الثمانينيات، كانت كوريا شريكًا لا غنى عنه في دعم الأهداف العسكرية لإيران. فأصبحت خلال تلك الفترة ممرًا مهمًا لإيران تستطيع من خلاله الحصول على كميات كبيرة من المعدات العسكرية، بما فيها صواريخ “سكود بي” الباليستية التي استخدمتها في حربها مع العراق. وكل طرف استفاد من الآخر؛ فإيران لديها الأموال والنفط التي تحتاجها كوريا الشمالية بشدة، وكوريا لديها المعدات العسكرية المتطورة التي ساعدت إيران في رفع مستوى قدراتها الإقليمية.
وفي التسعينيات أنشأت الدولتان ما يسمى بـ”حقول الصداقة” للحوارات الثقافية والدبلوماسية، وفي مبنى السفارة الإيرانية في “بيونغ يانغ” يوجد مسجد يعدُّ من الأماكن القليلة للعبادة في الدولة. هذه المبادرة الرمزية تخفي علاقة أعمق وأخطر.
لقد وصفت إدارة أوباما الاتفاق متعدد الأطراف لخطة العمل الشاملة المشتركة في يوليو 2015 بأنها إنجاز لن يقلل من تهديد البرنامج الإيراني النووي فقط، بل سيساهم في حث الدولة على تبني سلوك أكثر اعتدالاً في الشرق الأوسط وما حوله. وكانت الدول الموقعة على الاتفاقية – المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين – حريصة على اتباع نهج أوباما وتجاهل هذه القضية التي أضعفت استقرار الشرق الأوسط لقرون عدة. وسرعان ما تلاشت طموحات أوباما غير الواقعية التي كانت مدفوعة باعتبارات سياسية تتضمن إحراز نجاح كبير في السياسة الخارجية قبل أن يترك منصبه. وإن إيران من أجل المحافظة على تدفق الأصول المالية لنظامها، كما هو منصوص باتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة، امتثلت على مدد لالتزاماتها المتعلقة بموجب الخطة بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الجهة الرقابية النووية.
ويعدُّ هذا الحكم موضع جدل بالنظر إلى استمرار إيران في الحد من وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع العسكرية التي يحتمل أن يجري فيها أنشطة متعلقة بالأسلحة النووية. وفي الوقت نفسه هناك أسباب كثيرة لاستنتاج أن اتفاقية خطة العمل الشامل هي اتفاقية مليئة بالأخطاء، بغض النظر عن التزام إيران أو عدمه. فعلى سبيل المثال، لا تعالج الاتفاقية أو تفرض قيودًا على برنامج الصواريخ الإيراني الذي يعمل منذ عقود، وتستفيد منه في مجالات مهمة، مثل: التحكم بأنظمة التوجيه والدفع بمساعدة من روسيا وكوريا الشمالية. فهذه نقطة فشلت فيها اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة التي يمكن نسبها إلى وزير الخارجية الأميركي السابق “جون كيري” وفريقه التفاوضي الذي فشل بالضغط بقوة في هذا الأمر. هذا قصور شديد لأن كل دولة حائزة على أسلحة نووية في الوقت الحالي، قد طورت قدراتها من أجل إيصال الأسلحة النووية لأهداف أبعد، وخصوصًا الصواريخ الباليستية.
في حين أن هناك مجموعة من عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على برنامج الصواريخ الإيرانية، ومن المقرر رفعها في غضون 6 سنوات، ما زالت إيران تتبع مسارًا صارمًا في تطوير الصواريخ على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الذي يدعو بكل وضوح إلى وقف العمل في تطوير الصواريخ الباليستية. ولا تتسم هذه الصواريخ بالدقة الكافية لاستخدامها مع الرؤوس الحربية التقليدية باستثناء استخدامها كأسلحة للإرهاب. فإيران ليست في حاجة إلى قدرات بعيدة المدى إن كانت لا تنوي تطوير أسلحة نووية، ولكن ورغم ذلك تستمر إيران في تخصيص موارد كبيرة لبرنامجها الصاروخي، وتقوم الدول بالتصويت بشكل فاعل على مواردها. والأولوية التي تمنحها إيران لامتلاك قدرات صاروخية بعيدة المدى لا يمكن إنكارها وهي بمنزلة تذكير لطموحاتها النووية المستقبلية المحتملة.
ويتطرق الباحثان إلى أن اتفاقية 2015 تكشف الكثير من البنية التحتية النووية لإيران وهي نتاج عقود من التطوير. وستقوم إيران بإغلاق أو إعادة تهيئة المرافق بموجب الاتفاقية، مثل: منشأة المياه الثقيلة في “آراك” التي تدعم بشكل مباشر إنتاج البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة النووية. مع أن هذا تطوير إيجابي، إلا أنه بعيد كل البعد عن ضمان أن إيران لن تحصل على الموارد الانشطارية لأنها تستطيع أن تسلك طرقًا أخرى للحصول على سلاح نووي وتخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة.
وفي قضية أخرى تشتمل على سلسلة من بنود الانقضاء في الاتفاقية النووية التي ستدخل حيز التنفيذ 8 إلى 12 عامًا مقبلة، سوف تتمكن إيران من استئناف الكثير من أنشطتها في تخصيب اليورانيوم. بالإضافة إلى أن إيران ليست ممنوعة من المشاركات البحثية والتطويرية المتعلقة بتخصيب اليورانيوم. فعلى مدى سنوات من الجهد، اكتسبت إيران خبرة واسعة في تخصيب اليورانيوم، وستكون أيضًا قادرة على مدى السنوات القليلة القادمة، في حال رغبتها، على تصميم ونشر أجيال جديدة من أجهزة الطرد المركزي، وهي عبارة عن آلات معقدة تقوم بتخصيب اليورانيوم. ومع وجود اليورانيوم المخصب وبرامج الصواريخ المتقدمة، ستستعد إيران لإكمال نظام أسلحة نووية قادر على ضرب أهداف في جميع أنحاء الشرق الأوسط وما حوله. وفي ظل هذا السيناريو، فإن الشرق الأوسط سيتزعزع استقراره بطرق غير معهودة. فقرار ترمب جريء في مواجهة مشاكل خطة العمل الشاملة المشتركة الآن، وليس بعد انقضاء السنوات.
ولا تزال هناك أنشطة مهمة لإيران في المواقع العسكرية تثير الكثير من علامات الاستفهام، أحد أبرز هذه المواقع يقع في “بارشين” على بعد 30 كيلو مترًا جنوب شرق طهران، والذي أجريت فيه تجارب نفق الرياح المتعلقة بتطوير رأس نووي. وقد تمَّ الضغط على إيران، مرارًا وتكرارًا، من أجل هذه المسألة لسنوات قبل اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكنها لم تقدم أبدًا أي تفسير مقنع للأحداث هناك.
ويخلص الباحثان إلى أن الاتفاق النووي لم يغير السلوك الإيراني الإقليمي، الذي أكد “أوباما” أنه سيكون إحدى أهم نتائج الاتفاق. ووفقًا لوزارة الخارجية الأميركية، فإن إيران تظل الدولة الرئيسية الراعية للإرهاب، ولا سيَّما من خلال قوات طهران بالوكالة المنتشرة، مثل: الحليف الرئيسي اللبناني حزب الله، والمتمردين الحوثيين في اليمن، والرئيس السوري بشار الأسد، الذي تسبب نظامه في قتل أكثر من 450 ألفًا من مواطنيه، وتحول الأمر إلى حرب أهلية لا نهاية لها على ما يبدو، ويستفيد كثيرًا ليس من الدعم الروسي فقط، ولكن من الدعم العسكري والسياسي الإيراني أيضًا. فمثلاً: يعمل “فيلق القدس” الإيراني بشكل وثيق مع الجيش السوري في تطوير أساليب قتالية وتنفيذ هجمات ضد معارضي نظام الأسد. ويعود الفضل في بقاء الأسد في السلطة خلال سنوات الصراع لإيران وروسيا. وتستمد إيران قدرتها من مجموعات القدرات العسكرية الخطيرة التقليدية المتزايدة لديها. وتشمل الصواريخ بعيدة المدى المضادة للسفن والصواريخ البحرية غير المتناظرة التي تمَّ تصميمها من أجل تهديد الشحن والبنية التحتية للطاقة وحركة الملاحة في الخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الأحمر.
إن مغامرات إيران الخارجية تكلف مبالغ مالية كبيرة على النظام، إذ إن تمويلها يجهد اقتصادها الهش، وإنه أثار اضطرابات داخلية واسعة النطاق واحتجاجات ضد النظام بدأت من أواخر ديسمبر 2017م واستمرت حتى عام 2018. ومع ذلك، ورغم استمرار وجودها في سوريا، قامت إيران في تقديم الموارد لدعم العناصر الحوثية في اليمن من أجل تقويض الأمن السعودي والمساهمة في أزمة إنسانية أخرى في المنطقة.
ومع أن كوريا الشمالية لا تشكل نفس التحديات السياسية العديدة التي تواجهها الولايات المتحدة في آسيا كما هو الحال مع إيران، فإن طموحات كوريا الشمالية أكثر إلحاحًا ولغتها التهديدية أوضح. في الخمسينيات لم تنتهِ الحرب على شبه الجزيرة الكورية بشكل قانوني، بل انتهت بهدنة قسمت الكوريتين على خط عرض 38 بالتوازي. ولم تتحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بعد الحرب، بل ازدادت سوءًا بعد سنوات من الجهود الدبلوماسية الفاشلة. وكانت الولايات المتحدة منذ عهد إدارة “بيل كلينتون” تحاول التعامل مع نظام معادٍ سعى إلى استقلاله عن كوريا الجنوبية أقرب حلفائها، واستغل هذا النظام موارده الثمينة في تطوير الأسلحة النووية.
معلومات الكتاب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر