سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مدني قصري
ما علاقة حملة المقاطعة ضدّ فرنسا التي أطلقها أردوغان في أعقاب دعم إيمانويل ماكرون لـ “تشارلي إيبدو“، وقطْعِ رأس صمويل باتي، وهجمات نيس وفيينا، والتوسّع التركي في الجزر اليونانية وقبرص، وهجمات أنقرة العسكرية في سوريا والعراق (ضد الأكراد)، وفي ليبيا، إلى جانب دعم القوة الشقيقة المسلمة في طرابلس، ثم في ناغورنو كاراباخ ضدّ الأرمن؟
بالنسبة إلى المحلل ألكسندر ديل فالي؛ فإنّ القاسم المشترك هو الجهاد، الذي تستخدمه تركيا بشكل مباشر في سوريا وليبيا وكاراباخ، ثمّ بشكل غير مباشر في داخل فرنسا، من خلال إثارة تعصّب المسلمين ضدّ “كارِهي الإسلام” الغربيين.
لم يعد هناك أيّ شكّ في أنّ الحملة العالمية الواسعة للمقاطعات والاحتجاجات المناهضة لفرنسا، والتصعيد اللفظي، وحتّى التهديدات والدّعوات بالقتل ضدّ فرنسا أشعلتها تركيا أردوغان.
السؤال هو معرفة ما هو الغرض الذي يجعل عضواً في الناتو و“صديقاً” مفترضاً للغرب، (وما يزال مرشّحاً للاندماج في الاتحاد الأوروبي)، يتجرّأ على تأجيج نيران صِدام الحضارات بين الإسلام و الغرب، حتى مع تأجيج إستراتيجية “جنون العظمة” عند أسوأ القوى الجهادية، التي تصف الغرب باستمرار بأنّه “عدوّ المسلمين“، لتبرير هجماتها البربرية.
يستحقّ هذا السؤال المزيدَ من التساؤل؛ لأنّ الهجمات التي وقعت في الأسابيع والساعات الأخيرة في فرنسا والنمسا، كانت، بالتأكيد، بتحريض من القوَّتين الجهاديتَين الرئيستَين؛ القاعدة (دعوات لاستهداف الفرنسيين والمسيحيين، تمّ بثّها بواسطة “وكالة الثبات“، وداعش (الذي تنتمي إليه جماعة فيينا الإرهابية)، لكنّها جاءت في أعقاب حملة دعواتٍ لكراهية فرنسا وإثارة التعصب المناهض للغرب، التي أطلقتها تركيا أردوغان في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
هذا الأخير غاضب حاقد على فرنسا والنمسا، وكأنّهما، بالصدفة، الدولتان الوحيدتان في أوروبا الغربية اللتان أشارتا في السنوات الأخيرة إلى خطر الشبكات القومية المتطرفة (الذئاب الرمادية التركية)، والإسلاميين الأتراك: مللي جوروش Milli Gorüs)، والجمعية الإخوانية سليمانسي/ نقشباند، ومساجدDTIB ).
الإستراتيجية العثمانية الجديدة
إنّ الصلة بين الإستراتيجية العثمانية الجديدة، المتمثلة في استغلال الشتات التركي الإسلامي في أوروبا، ومناخ جنون العظمة عند هذه المجتمعات الذي تبرئ الجهاديين من ذنوبهم، صلة لا يمكن إنكارها؛ لذلك فإنّ مسؤولية أردوغان فاضحة، وهو يعوّل بالتحديد على هذه القدرة على الإزعاج، أي استعراض القوة، لجعل الأوروبيين، الذين يصفهم، مثل الجهاديين، بالضعفاء والجبناء، والمنقسمين الذين يعيشون في قارة قديمة، وبأنّهم “في طور الانحلال“، سوف ينتصر عليهم الإسلام، عاجلاً أم آجلاً، عن طريق التبشير وعلاقات القوة والديموغرافيا و…إلخ.
حملةُ التخويف العالمية الإسلامية ضدّ فرنسا، التي أطلقها أردوغان، الذي أشاد به الداعية المفضّل للإخوان، يوسف القرضاوي، باعتباره “خليفة جديداً” محتملاً، لم ينخدع بها أحد، لكنّها أرهبت البلدان الأخرى؛ الأوروبيون الذين “دعوا إلى التهدئة“، بقيادة أنجيلا ميركل، التي منعت حتى العقوبات الأوروبية ضدّ أنقرة، وهذا في حدّ ذاته انتصار لأردوغان، الذي بقي بلا عقاب مع استمرار بلادِه في الاستفادة من المساعدات المالية الأوروبية، وتهديدها لثلاث دول أوروبية!
وإضافة إلى الروابط المثبتة (في الماضي، و/أو الحاضر) بين تركيا وثلاث مجموعات إرهابية رئيسة: حماس والقاعدة وداعش، هناك دعاية أردوغان الذهانية ضدّ فرنسا وأوروبا، اللتين يتّهمهما بوضع “خطة” سرّية ” (إلى جانب اليهود والصهاينة والأرمن والأكراد) “لتدمير تركيا“، و“تنصير الدول الإسلامية” (الحملة الصليبية الجديدة)، فمن الواضح أنّ هذه الدعاية غذّت وشرّعت دعوات الجهاديين لضرب الأهداف “الكفار الفرنسيون“، والصليبية اليهودية الأوروبية“، من الواضح أنّ خطاب أردوغان يمكن أن يساهم فقط في زيادة خطر الإرهاب في أوروبا؛ حيث يتّهم الجهاديون باريس والاتحاد الأوروبي بالمظالم نفسها التي تستحق، بحسب “الشريعة“، عقوبة الإعدام.
تمثّل عصبنة/ تفكيك (fanaticization /disassimilation) مسلمي أوروبا الأتراك حجر عثرة حقيقية بين تركيا، التي تدعو إلى الانفصالية الإسلامية، بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، وبين الدول الأوروبية الأكثر اهتماماً بضمان استدامتها واندماج الوافدين الجدد (فرنسا والنمسا على وجه الخصوص).
صحيح أنّه إذا وصل قانون الانفصالية المطروح، الذي تريده الأغلبية الماكرونية، إلى نهاية منطقِه، فإنّ دوائر الإسلام التركي والشبكات الإسلامية الأردوغانية (المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية والحركات الوطنية المتطرفة) في فرنسا هي التي سيتمّ حظرها في النهاية، كما فعلت فيينا منذ عام 2014. ومع ذلك، فهذه مشكلة حقيقية لسلطة حزب العدالة والتنمية في أنقرة، التي تعتمد بشكل كبير على الناخبين الأتراك في الخارج (عدة ملايين)، والتي ترى في تحرّرهم إزاء شبكات أردوغان الإسلامية التركية بمثابة خسارة “نشطاء” وناخبين محتمَلين.
شيطنة فرنسا
لا شكّ في أنّ دعوة أنقرة لمقاطعة المنتجات الفرنسية، وتصريحات السلطان الجديد أردوغان الفاضحة بشأن معاملة المسلمين في فرنسا، ومقارنتها بمعاملة “يهود أوروبا في الثلاثينيات“، تمثّل اتهامات تضليلية، تستهدف شيطنة ثمّ تعريض فرنسا للخطر في العالم الإسلامي، من أجل محاولة ثني باريس عن الاستمرار في سياستها، لإعادة استيعاب المسلمين والأتراك في فرنسا، هذا التهديد بالصدمة الحضارية، وحتى هذه الطريقة لتحفيز “قطع الرؤوس” الجهادي المستقبلي، سيكون مصيره في نهاية المطاف ثني فرنسا والدول الأوروبية الأخرى التي قد تتجرأ على قطع الطريق أمام التوسع العثماني التركي الجديد.
بالطبع، ستهدأ الاحتجاجات والمقاطعات المناهضة لفرنسا في نهاية المطاف، كما رأينا في الماضي خلال الحملات العالمية التي أدّت بالفعل إلى غليان العالم الإسلامي ضدّ الدنمارك (الحالات الأولى لرسوم النبي محمد عليه السلام 2004)، ثم الخطاب الشهير لريجنسبرج للبابا بنديكت السادس عشر، عام 2006، المتّهم بـ “الإسلاموفوبيا“، أو ردود الفعل تجاه فرنسا نيكولا ساركوزي، بمناسبة مشروع قانون الإبادة الجماعية للأرمن، المتضمّن معاقبة إنكار الإبادة.
لكن من الواضح أنّ الآثار المترتبة عن حملة شيطنة الكفار الأوروبيين، التي أطلقتها تركيا، ستظلّ محسوسة لفترة طويلة قادمة، مما سيزرع في الرأي العام العالمي العربي الإسلامي أطروحات الخلافة الجديدة التي يتبناها الإخوان المسلمون والجهاديون، وهذه المرة، مع مباركة دولة إسلامية كبيرة، مثل تركيا.
إنّ الأزمات التي تأججت مؤخراً بين ماكرون وأردوغان حول الرسوم الكاريكاتورية، وعام 2014، بين سلطان تركيا الجديد والنمسا المتهمة بـ “الإسلاموفوبيا“، لحظرها شبكات من الأئمة الأتراك المتعصبّين على أراضيها، يجب تحليلها على أنّها محاولة مزدوجة من قبل رجب طيب أردوغان لتوطيد قيادته الإسلامية /الإقليمية لعموم تركيا، ومن ثمّ “إقناع” باريس وفيينا، من خلال قدرته على إشعال العالم الإسلامي من قبل أنقرة، لوقف معارضة تدخّل أنقرة في الشتات التركي الإسلامي، ثم قبل كلّ شيء مع التوسع التركي العثماني الجديد في البلقان (جيران النمسا)، وفي شرق البحر المتوسط (الجشع للغاز البحري للقبارصة اليونانيين)، في سوريا وليبيا.
الذئاب الرمادية
سعياً منه لجعل الناس ينسون خيبات أمله الانتخابية الأخيرة، والتقليل من حجم الصعوبات الاقتصادية لبلاده، وهما مشكلتان رئيستان في ضوء انتخابات 2023 المستقبلية؛ فإنّ أردوغان محكوم عليه بالعزف في آنٍ على وتر القومية الإسلامية المتعصبة والضحية (باسم تاريخ الخليفة التركي العربي المشترك)، والعزف على القومية التركية الأكثر عنصرية وفاشية، والتي تعززت منذ عام 2017، ثم التحالف الانتخابي لحزب العدالة والتنمية التركي مع حزب الحركة القومية لـ “الذئاب الرمادية“؛ فمن خلال هاتين الرؤيتين الجيوسياسيتين التوسعيّتين، ينشر السلطان الجديد التركي سياسة التأثير الإقليمي والعالمي، بهدف الظهور أولاً على أنّه “الحامي” / زعيم العالم السنّي، وذلك في سياق التنافس مع الإسلاموية الثورية الإيرانية الشيعية، والمحور الوهّابي السعودي، والمحور المصري الإماراتي (العدوّ اللدود للإخوان المسلمين الآن)، ثمّ بصفته الزعيم القومي الذي يدافع في “كلّ مكان عن الإخوان الأتراك والتركمان حيثما يتعرضون للخطر“.
هذا التوليف العدواني “القومي” لأردوغان، يعمل الآن في القوقاز، من خلال المساعدة التركية والجهادية لـ “الإخوة الأذريين المهدَّدين” من قبل الأرمن المسيحيين في ناغورنو كاراباخ، الذين يصفهم الرئيس التركي نفسه، ونظيره الاذربيجاني ألييف بـ “أسوأ خطر في المنطقة“.
في العالم العربي (العراق، سوريا)، حيث تقصف أنقرة المواقع الكردية بحجة “الدفاع عن التركمان المعرّضين للخطر“، أو أيضاً في ليبيا، حيث يصف أردوغان الحكومةَ الموالية لتركيا في طرابلس وميليشيات مصراتة الإسلامية التي تدافع عنها (المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين)، بـ “أحفاد الأتراك العثمانيين“.
المساعدات التركية للجهاديين
هناك عدة معوقات خطيرة تواجه تركيا وفرنسا، ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى: بالنسبة إلى التدخّل التركي في سوريا؛ فإنّ العائق الرئيس هو المساعدات التركية المتكررة للجهاديين والمجازر بحقّ الأكراد في شمال غرب البلاد، على يد الميليشيات الإسلامية الموالية لتركيا وجيش أنقرة، وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، باريس هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي استنكرت بشدة عمليات التنقيب عن الغاز التركية غير القانونيّة، على حساب مياه اليونان وقبرص الإقليمية، وهو الحفر الذي يهدّد أيضاً مشاريع شركة “توتال” الفرنسية، و“ENI” الإيطالية، والشركات القبرصية اليونانية، وحتى مشاريع مصر والدول العربية المجاورة الأخرى.
في ليبيا؛ تنقسم تركيا وفرنسا إلى معسكرَين متعارضَين تماماً؛ يدعم أردوغان قوة طرابلس التي تدافع عنها الميليشيات الإسلامية في مصراتة، والتي تقاتل قوات المشير حفتر وبرلمان طبرق، المدعومَين من فرنسا والإمارات ومصر وروسيا.
أخيراً؛ يُثبِت إرسال جنود ومرتزقة إسلاميين موالين لتركيا إلى ليبيا وناغورنو وكاراباخ، الذي دانته فرنسا وأتباعها اليونانيون والقبارصة والأرمن، لعبةَ أنقرة الغامضة مع الإرهاب الإسلامي؛ كان هذا التحالف في ذروته بين عامَي 2014 و2016 خلال ذروة قوة داعش، الذي كان يتغذى على مبيعاته من منسوجات ونفط ممنوع لتركيا (ثم من المساعدة اللوجستية من قبل الجيش التركي والمخابرات التركية التابعة لجهاز الاستخبارات الوطنية التركية).
وتعرب باريس عن أسفها؛ لأنّ هذه المساعدات من أنقرة للجهاديين، والتي لم تتوقف فعلياً منذ سقوط الدولة الإسلامية، مستمرةٌ في تجنيد آلاف الجهاديين العرب والتركمان من سوريا، من قبل وكالة المرتزقة التركية سادات، برئاسة الجنرال الأردوغاني، عدنان تانريفيردي، والذين أرسِلوا بالآلاف إلى ليبيا، منذ نهاية عام 2019، وإلى أذربيجان منذ سبتمبر 2020.
الواضح أنّ تموضع تركيا رجب طيب أردوغان في البحر المتوسط ضدّ دولتَين عضوين في الاتحاد الأوروبي، وفي القوقاز ضدّ الأرمن، ثمّ لعبة أنقرة المزدوجة مع القاعدة وداعش، تشكّل مشكلة خطيرة بقدر ما هي غير مسبوقة بالنسبة إلى الأمن الجماعي لدول الناتو، التي ترى الآن تركيا، ثاني أكبر جيش في الحلف من حيث العدد والتي تضمّ 50 رأساً نووياً أمريكياً على أراضيها، كـ “شريك” غير عادل يهاجم الحلفاء الأكراد للقوات الغربية في سوريا، وبالتالي يساعد بشكل واضح، داعش هناك، ثم يهدّد المصالح الإستراتيجية الحيوية والجيوطاقوية للاتحاد الأوروبي “مشروع التيار الشرقي” (East Stream)، واليونان وقبرص، حيث تريد تركيا الاستيلاء فيها على 40٪ من احتياطيات الهيدروكربون البحرية بشرق البحر المتوسط.
أطماع تركيا في النفط الليبي
تطمع أنقرة أيضاً في النفط الليبي، وتنشئ قواعد عسكرية وجيوباً جهادية موالية لتركيا على أبواب الاتحاد الأوروبي، أي في غرب ليبيا، التي ينطلق منها المهاجرون غير الشرعيّين، والإرهابيون المحتملون الذين يستخدمون شبكات التهريب نفسها، وإدراكاً منه لهذا الوضع تحدّث إيمانويل ماكرون عن “المسؤولية التاريخية والجنائية لتركيا” (ليبيا، سوريا، ناغورنو كاراباخ)، وأكّد جان إيف لودريان؛ أنّ “القوات الجهادية السورية المرافقة لمناورات الوجود التركي مخترقَة من قبل قادة سابقين للجماعات الجهادية التي دعّمت الأتراك في إدلب“، كما برّر لودريان الدعم الفرنسي لحفتر في ليبيا، في وقت مبكّر من عام 2015، بدافع أنّ الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، المدعوم من البرلمان الليبي الشرعي في طبرق، كان يحظى “بالاعتراف الدولي لقتاله ضدّ داعش“.
أكّدت حقائق عديدة لعبة أردوغان المزدوجة مع أسوأ الجهاديين: دعمت تركيا المتمردين الإسلاميين المناهضين للأسد منذ بدء الحرب الأهلية السورية تحت غطاء كتائب إسلامية موالية لتركيا (حمزة، سلطان مراد، سلطان سليمان، منتصر بالله)، تدرّبت على يد وكالة المرتزقة التركية “سادات” (SADAT)، المرتبطة هي نفسها بالجهاديين، في قتالهم ضدّ الأكراد ضدّ داعش.
حافظ الجيش التركي على عدد من مراكز اختيار وتدريب المرتزقة الإسلاميين المهيئين للجهاد الليبي، انطلاقاً من القواعد التركية في سوريا، في عفرين (شمال حلب)، بإشراف الجبهة الشامية وكتائب المعتصم في المحمودية، والشامل، وكذلك كتائب تركمانية سورية، سلطان مراد وسليمان شاه، كما قامت مجموعات أخرى من الإسلاميين المقاتلين المؤيدين لأنقرة، مثل فيالق صقور الشام، بدمج جهاديين أوروبيين ودوليين، منبثقين عن تنظيمَي داعش والنصرة.
أما جماعة فيلق الشام (4000 رجل)، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المصرية؛ فهي من ركائز جهاز المرتزقة الإسلاميين في خدمة التوسع العثماني الجديد، وهكذا تمّت “إعادة تدوير” العديد من هؤلاء الجهاديين، وتبييضهم، تحت الزيّ التركي، ثم نقلهم إلى إدلب، آخر معقل كبير لجهاديي القاعدة وداعش السوريين تحت “المسؤولية التركية“، في إطار اتفاقات أستانا وسوتشي، التركية الروسية الإيرانية، التي عهدت بهذه المنطقة إلى جيش أنقرة مع مهمة تدمير الجماعات الجهادية، لكنّ أنقرة لم تحترم الاتفاقيات.
عشرة آلاف جهاديّ من تنظيم القاعدة
يُذكر أنّ عشرة آلاف جهاديّ من تنظيم القاعدة ما يزالون موجودين في الشمال الغربي (إدلب)، في “المنطقة التركية“، التي أصبحت أرضاً خصبة تنطلق منها “سادات“ لتزويد طرابلس بـ “مقاتلين موالين” لصالح معسكر فايز الإسلامي، التابع للسراج في غرب ليبيا.
نذكر أيضاً أنّ تنظيم داعش كان مسلّحاً سرّاً بمساعدة وتمويل مجموعة “سادات” والجيش التركي والمخابرات التركية التابعة لجهاز الاستخبارات الوطنية التركية، كجزء من صراع أنقرة المهووس على السلطة ضدّ الأكراد السوريين، ووفق المعارضة التركية؛ فقد تمّ إرسال ما يقرب من 50000 جهادي بهذه الطريقة إلى تركيا للتدريب هناك، منذ عام 2014، كجزء من إرسال الجهاديين الليبيين إلى سوريا، في البداية، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 بالاتجاه المعاكس (6000 جهادي على الأقل).
الخطوط الجوية التي قدّمت عمليات النقل هي الخطوط الجوية الأفريقية، وخطوط الأجنحة التي كان مالكها جزءاً من تنظيم القاعدة في العراق؛ الليبي عبد الحكيم بلحاج، الذي أصبح “الحاكم العسكري لطرابلس” بعد سقوط القذافي، عام 2011.
بلحاج هو حلقة الوصل بين الإخوان المسلمين والجهادية العالمية، إضافة إلى كونه قناة نفوذ تركيا، حيث يقيم بانتظام، وأصبح بلحاج ثرياً أيّما ثراء، منذ سقوط القذافي، من خلال تهريب المهاجرين، فجمع ثروة تقدر بملياري دولار.
ويجدر التذكير أيضاً بأنه في بداية الحرب الأهلية السورية، كان الجيش السوري الحر قد غُذِّي في الاتجاه المعاكس بجهاديين ليبيين من قبل الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا (GICL) التابعة لبلحاج، المذكورة أعلاه. اللعبة المزدوجة لتركيا أردوغان، الذي يريد أن يكون المدافع عن حكومة السراج “المعترف بها من قبل الأمم المتحدة“، وهي العضو في الناتو والمرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، من ناحية، والتي تدعم من ناحية أخرى الإسلاموية العالمية والجهادية على مسارح عمليات عديدة، هي لعبة أكثر من مجرد لعبة إشكالية.
الخليفة التركمانيّ الجديد لداعش
الحقيقة التي غالباً ما يتم تجاهلها؛ أنّ زعيم داعش، مير محمد سعيد السلبي المولى، الملقب بأبي عمر التركماني، غالباً ما يتمّ تقديمه على أنّه “عراقي–عربي“؛ لأنّه “سليل النبي محمد“، ينحدر من أقلية العراق التركمانية، المدعومة بشدة منذ عقود، من قبل الدولة التركية، هذا الرفيق السابق في الزنزانة لـ “الخليفة” السابق لداعش، البغدادي، في سجن بوكا الأمريكي، مثير للاهتمام، لأنّه لعب دوراً رئيساً في إبادة الإيزيديين في العراق، وفي تهريب عبيد جنس إيزيديين، إلى جانب الجهاديين التركمان، وكلاء أنقرة، ثمّ بالتعاون بين الاستخبارات التركية وداعش، عندما باع داعش ذهبَه السود السوري والعراقي، والقطن لتركيا، مقابل دعمٍ لوجستي ضدّ الأكراد في العراق وسوريا (2014 و2016)، فإذا تعافى تنظيم داعش في العراق في الأشهر الأخيرة؛ فذلك لأنّه محميّ من قبل القوات التركمانية المعادية للأكراد المدعومين من أنقرة، وكما كشفت “الجارديان“؛ فإنّ الأخ الأكبر لهذا “الخليفة” التركماني العراقي، هو نفسه لاجئ في تركيا، على رأس “جبهة العراق التركمانية” (ائتلافٌ من الجماعات الإسلامية التركمانية، تأسّس عام 1995، بدعم من أنقرة) الذي لا يمكن إلا أن تكون له صلات مع شقيقه، ومع الدولة التركية العميقة، والشبكات الإسلامية في أنقرة.
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر