سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سكوت كونتس وإليشيا براون
أدت جائحة كوفيد-19 إلى تركيز الاهتمام بالعمل عن بُعد، فقد عزَّز هذا التحول احتمالات أن يصبح العمل عن بُعد أمرًا شائعًا، بالنسبة للعديد من وظائف الاقتصاد الرقمي، التي يتم إنجازها عبر أجهزة الكمبيوتر لإنتاج سلع وخدمات رقمية. ومع ذلك، قد يؤدي التركيز على ترتيبات العمل اليومية إلى تفويت فرص أكبر مثل إمكانية زيادة العمالة في قطاعات الاقتصاد الرقمي.
يعد انتقال الموظفين إلى ما يسمى بمدن “النجوم الصاعدة” مثل مدينة “سولت ليك”، أو “ميامي”، أمرًا مختلفًا؛ لكن إدراك الناس في جميع أنحاء العالم فجأة أنهم قادرون أيضًا على المشاركة في أعمال الاقتصاد الرقمي إنما هو شيء آخر تمامًا. وقد يكون التأثير المجتمعي عميقًا لأن إزالة الحواجز الجغرافية تفتح فرص عمل في الاقتصاد الرقمي لمزيد من الأشخاص من أماكن أكثر.
وحتى يكون لظهور العمل عن بُعد مثل هذا التأثير الواسع، ينبغي أن يحدث تحول على جانبي سوق العمل، إذ يجب أن تتبنى الشركات العمل عن بُعد. ويجب أن تنمو العمالة المحتملة في مجالات الاقتصاد الرقمي وتنتشر جغرافيًا. فمن المعروف أن الشركات قد أصبحت أكثر أريحية مع العمل عن بُعد نتيجة الجائحة؛ إذ باتت بعض الشركات البارزة، مثل “تويتر” Twitter و”إيربنب” Airbnb، تقدم العمل عن بُعد بدوام كامل. وعمومًا، فقد أظهر تحليل تم إجراؤه لمنشورات الوظائف على موقع “لينكد إن” LinkedIn أنه في فبراير 2020، تم عرض 2.3% فقط من وظائف شاغرة مدفوعة الأجر في الولايات المتحدة للعمل عن بُعد، واجتذبت تلك الوظائف 2.9% من جميع الطلبات المقدمة خلال ذلك الشهر. وبحلول فبراير 2022، تم تقديم 19.5% من الوظائف الشاغرة مدفوعة الأجر في الولايات المتحدة للعمل عن بُعد، وجذبت 49.7% من طلبات التوظيف.
هنا، نقدم دليلاً على أن جانب العرض، الذي لم يكن ينل شهرة فيما سبق بسوق العمل في الاقتصاد الرقمي، يتوسع ليس فقط في المدن الكبرى، ولكن أيضًا في المدن متوسطة الحجم والمناطق الريفية. وسيكون لهذا آثار كبيرة على المجتمع والشركات والباحثين عن عمل.
تزايد الاهتمام بوظائف الاقتصاد الرقمي بعد ظهور الوباء
لقياس مدى الاهتمام بوظائف الاقتصاد الرقمي السائدة في قطاعات الأعمال والتمويل والفن والعلوم وتكنولوجيا المعلومات والهندسة المعمارية والهندسة، فقد أجريت تحليلات مكثفة لعمليات البحث عن الوظائف على محرك بحث “بيج” Bing، الذي يمثل أكثر من ربع عمليات البحث على الإنترنت في الولايات المتحدة، إذ تم تحديد وتصنيف أكثر من 100 مليون استفسار للبحث عن وظيفة في قطاعات التوظيف بحسب الشهر والمقاطعة الأميركية، وتمت مقارنة الاتجاهات الزمنية خلال أزمة التوظيف أثناء أزمة كوفيد-19 في الفترة من مارس 2020 حتى فبراير 2022 مقارنة بفترة مماثلة ما بين يناير 2018 وفبراير 2020. وقد تضمنت أمثلة عمليات البحث عن مهنة “مهندس برمجيات”، وظيفة “اختصاصي التأمين الطبي”، وظائف “الكتابة المستقلة للمبتدئين”.
وتظهر عمليات البحث عن مثل هذه الوظائف على موقع “بينج” اهتمامًا كبيرًا ومتزايدًا بهذا العمل. ففي العامين السابقين للجائحة، كان الاهتمام بوظائف الاقتصاد الرقمي ثابتًا تقريبًا؛ إذ بلغ معدل النمو 1% من جميع عمليات البحث عن الوظائف كل 14 شهرًا تقريبًا. ونتيجة للوباء، تزايد الاهتمام بوظائف الاقتصاد الرقمي بنسبة % حيث كان للجائحة تأثير كبير جدًا، فزاد معدل النمو في عمليات البحث هذه على ضعف معدلات ما قبل الجائحة. علاوة على ذلك، تُظهر التطبيقات الإجمالية للوظائف عن بُعد، والتي تشمل عمومًا وظائف الاقتصاد الرقمي، مستويات مماثلة من النمو. وتُظهر البيانات الواردة من موقع “لينكد إن” أنه في فبراير 2020، تقدم 1.4% فقط من المتقدمين للوظائف عن بُعد حصريًا، وبحلول فبراير 2022، تقدم 24.6% من المتقدمين بشكل حصري للوظائف عن بُعد.
التنوع الجغرافي لعمليات البحث عن الوظائف في الاقتصاد الرقمي
تقلصت الفجوة في الاهتمام بين المقاطعات الريفية والحضرية إلى 30% فقط مما كان عليه قبل الجائحة. فبحلول فبراير 2022، كان الباحثون عن عمل من جميع المقاطعات، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية، بنفس مستوى الباحثين عن وظائف في الاقتصاد الرقمي من المقاطعات في المدن المتقدمة (أي مراكز التكنولوجيا الراسخة مثل سان فرانسيسكو وسياتل) في بداية الجائحة. وفي حالة استمرار معدلات النمو الحالية، فإن بقية البلاد سوف تلحق بمستويات الاهتمام بالاقتصاد الرقمي من قبل أولئك الموجودين في مقاطعات المدن المتقدمة في حوالي سبع سنوات، حيث تمثل عمليات البحث عن وظائف في الاقتصاد الرقمي أكثر من 50% مقارنة بعمليات البحث عن الوظائف على “بينج”.
علاوة على ذلك، أصبحت عمليات البحث عن الوظائف أقل تركيزًا من الناحية الجغرافية. فعلى سبيل المثال، نجد أنه في فبراير 2020، شكلت عمليات البحث عن الوظائف في الاقتصاد الرقمي أكثر من ثلث جميع عمليات البحث عن الوظائف في 44% فقط من المقاطعات الحضرية والريفية الصغيرة. وبعد ذلك بعامين، أي في فبراير من 2022، قفزت هذه النسبة إلى 72%. وفي المقاطعات التي تضم مناطق حضرية أكبر، قفزت من 52% في فبراير 2020 إلى 87% في فبراير 2022.
وتتمثل أكبر نتيجة مجتمعية فردية للاتجاهات المزدوجة لقبول الشركات للعمل عن بُعد واهتمام الناس المتزايد بوظائف الاقتصاد الرقمي في الانتشار الجغرافي المحتمل للفرصة. إذ يمكن أن يعزز هذا الاتجاه تركيز وظائف الاقتصاد الرقمي في المدن الكبرى.
فقد قدرت مجموعة “كامب إي آي إي” CompTIA لتكنولوجيا المعلومات، توفر نحو مليون وظيفة شاغرة في تكنولوجيا المعلومات بالولايات المتحدة في عام 2019، ويقدر مكتب إحصاءات العمل الأميركي أن توظيف مطوري البرمجيات سوف ينمو بنسبة 22% من عام 2020 إلى 2030، وهو ما يفوق بكثير الصناعات الأخرى. وبشكل قطعي، ونظرًا لهذا النقص في العمالة في الاقتصاد الرقمي، من غير المتوقع أن يتم تنفيذ ذلك في لعبة محصلتها صفر بالنسبة للعمالة، حيث سيتم شحن الوظائف من مدن مثل: سان فرانسيسكو إلى مدن مثل بويز.
تشير هذه الاتجاهات إلى أن حجم العمالة في الاقتصاد الرقمي يمكن أن يزداد وينتشر جغرافيًا، مما يفتح فرص عمل بالاقتصاد الرقمي لملايين الأشخاص الذين لولا ذلك ما كانوا جزءًا من هذا الاقتصاد.
وسيؤدي نشر وظائف الاقتصاد الرقمي في جميع المدن إلى جعل الاقتصادات المحلية أكثر قوة في مواجهة الانكماش الاقتصادي الإقليمي، حيث يسمح بتنويع القوة العاملة. وسيتمكن الأشخاص من الوصول إلى نفس الوظائف المحلية التي كان بإمكانهم الوصول إليها سابقًا بجانب وظائف الاقتصاد الرقمي. لذلك، فإذا كانت هناك صدمة في صناعة واحدة، فلا يزال بإمكان الاقتصاد المحلي الاعتماد على الإنفاق وعائدات الضرائب من تلك الموجودة في الصناعات الأخرى. وأظهر دراسة للبروفيسور “إنريكو موريتي” أن هناك تأثيرًا مضاعفًا لكل وظيفة في الاقتصاد الرقمي يتم إنشاؤها، إذ تُخلق وظائف محلية إضافية في مجموعة متنوعة من قطاعات التوظيف الصحية اقتصاديًا، بما في ذلك قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والغذاء والضيافة بجانب أمور أخرى.
إضافة إلى ذلك، ربما تؤدي القوى العاملة الأكثر تنوعًا جغرافيًا إلى قوة عاملة أكثر تنوعًا ديموغرافيًا، والتي ثبت أنها مرتبطة بزيادة الإبداع وحصة السوق للشركة. وبطبيعة الحال، سيتعين على شركات الاقتصاد الرقمي التي تتبنى الانتشار الجغرافي للمواهب والاهتمامات، إعادة التفكير في تكاليف التشغيل والبنية التحتية التقليدية، والإنفاق على تكنولوجيا الاتصالات وتنفيذها، والممارسات للحفاظ على ثقافة الشركة في بيئة بعيدة وهجينة.
هل يتم تعويض التكاليف من خلال زيادة المواهب وجودة العمل؟
بالنسبة للموظفين المحتملين، ينبغي أن يؤدي الانتشار السريع لإعلانات الوظائف عن بُعد إلى زيادة فرص العمل. فقد أظهر تحليل منشورات الوظائف على “لينكد إن” أنه بحلول فبراير 2020، كان 6.0% فقط من الشركات الأميركية لديها وظائف مفتوحة تقدم العمل عن بُعد، وقد زادت إلى 34.2% في فبراير 2022.
إن أولئك الذين يعيشون في مناطق لم تشارك تقليديًا في الاقتصاد الرقمي سيكونون قادرين على إيجاد شبكة أوسع عند البحث عن عمل، مما يجعل التوظيف الذي لم يكن من الممكن الحصول عليه سابقًا أمرًا ممكنًا. فأولئك الذين لديهم المهارات لوظائف الاقتصاد الرقمي، بجانب الكهرباء والوصول إلى الإنترنت، سوف يحصلون على فرص مربحة في الاقتصاد الرقمي. أمَّا من لا يفعل ذلك فسيكون عرضة لخطر التخلف عن الركب، وهو ما يقدم فرصة كبيرة للشركات للمساعدة في رفع مهارات الناس في هذه الوظائف، وللبلديات وشركات النطاق العريض لمساعدة السكان في الحصول على الوصول إلى الإنترنت الذي يحتاجون إليه.
إن العديد من التطورات التي شهدتها تكنولوجيا الاتصالات في الماضي مثل التلغراف، والهاتف، والفاكس، والإنترنت وغيرها لم تنتج مثل هذا التغيير الكبير في نسبة الأشخاص الذين يعملون عن بُعد. إن ما يختلف هذه المرة له علاقة أقل بالتغيرات التكنولوجية التي أحدثتها الجائحة، حيث تتركز غالبية التغيير في المجالات الاجتماعية. فقد تغيرت المعايير الخاصة بالعمل، وأصبحت الشركات أكثر استعدادًا لتوظيف عمال عن بُعد، إذ تكشف البيانات أن المزيد من الأشخاص من العديد من الأماكن باتوا مهتمين بالعمل الذي يمكن القيام به عن بُعد. لقد أتاحت هذه التحولات في سوق العمل فرصة لمستقبل أفضل حيث بات بإمكان جميع الأشخاص أن يشاركوا في الاقتصاد الرقمي.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Harvard Business Review
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر