سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أحمد كامل البحيري
سعت التنظيمات الإرهابية إلى تنفيذ عمليات إرهابية نوعية فى الاتحاد الروسى وآسيا الوسطى خلال الربع الأول من العام الجاري 2021، حيث تمكنت أجهزة الأمن الروسية من إحباط العديد من هذه العمليات قبل تنفيذها من جانب عناصر تابعة لكل من «داعش» و«هيئة تحرير الشام»، بعد أن نجحت، فى 28 مايو 2021، فى منع هجومين إرهابيين في إقليم «ستافروبول» شمال القوقاز الروسي، عبر استخدام عبوة حارقة يدوية الصنع ومواد متفجرة وذخائر صغيرة، ومكونات قنبلة يدوية الصنع، وذلك بعد يومين من إحباطها محاولة إرهابية أخرى فى مدينة «نوريلسك» بسيبيريا، كان من المقرر أن ينفذها موالون لـ»داعش». ويشير ذلك بوضوح إلى أن التنظيمات الإرهابية تحاول تأسيس أفرع جديدة لها بديلة للمناطق التقليدية التى تأسست وتوسع نطاق نفوذها فيها خلال الفترة السابقة. ويعتمد تنظيم «داعش» فى هذا السياق على العناصر المتبقية من جماعة الإرهابى شاهبان غسانوف، الذى قتل فى عملية أمنية نفذتها السلطات فى مدينة خسافيورت غرب جمهورية داغستان، فى مارس 2015.
هذه التحركات المستمرة من قبل «داعش» لا تختلف عن تحركات تنظيم «القاعدة» بمنطقة القوقاز والاتحاد الروسي، حيث كشفت أجهزة الأمن الروسية أيضا عن سعى بعض التنظيمات القريبة من فرع «القاعدة» الموجود فى سوريا إلى إعادة التموضع فى بعض المناطق الروسية عبر العمل على إعادة بعض العناصر الإرهابية من جنسيات جمهوريات الاتحاد الروسى إلى دولها الأصلية، مثل عناصر تنظيمات (التوحيد والجهاد وأجناد القوقاز وجيش المهاجرين والأنصار)، وهى تنظيمات قاعدية الفكر وبعضها مدعوم من تنظيم «هيئة تحرير الشام»، وهو الفصيل الإرهابى الأقوى فى شمال سوريا.
ويطرح ذلك فى مجمله تساؤلات عديدة حول المناطق التى يسعى التنظيمان- «داعش» و»القاعدة»- إلى تعزيز وجودهما فيها بخلاف مناطق النفوذ والتمركز الحالية فى بعض دول الشرق الأوسط، لاسيما الدول التى تواجه أزمات سياسية وأمنية مثل العراق وسوريا، وهى المناطق التى لم تتبلور ملامحها بعد، لدرجة يمكن أن يطلق عليها «المناطق المظلمة» التى يستهدفها التنظيمان خلال المرحلة المقبلة خارج نطاق منطقة الشرق الأوسط. ويقصد بـ»المناطق المظلمة» أو «غير المرئية»، تلك المناطق البعيدة عن اهتمام القوى الدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب، وتتسم بالعديد من الخصائص السياسية والاقتصادية والجغرافية الملائمة لتمركز التنظيمات الإرهابية.
لم يكن سقوط ما يسمى بـ«دولة الخلافة» الداعشية فى الباغوز فى مارس 2019، والقضاء على الكثير من قيادات تنظيم «القاعدة» فى بعض دول الإقليم، إلا بداية لإستراتيجية جديدة من قبل تنظيمى «القاعدة» و«داعش»، اعتمدت على إعادة البحث عن بؤر تمركز خارج نطاق مناطق الارتكاز التقليدية تكون قاعدة تحكم أو نقطة قيادة مؤقتة، حيث سعى تنظيم «القاعدة» إلى البحث عن مناطق جديدة للتمركز من أجل الهروب من نتائج اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة «طالبان» واشتراط الأولى لنجاح واستمرار الاتفاق، فك الارتباط بين الحركة والتنظيم.
وعلى الجانب الآخر، يحاول تنظيم «داعش» البحث عن مناطق تمركز جديدة وتأسيس بؤر متعددة لعملياته الإرهابية بخلاف مناطق التمركز الأربع عشرة التقليدية التى أسس فيها فروعا وخلايا داخل بعض الدول، حيث عبر التنظيم عن هذا التكتيك الجديد فى إعلانه لإستراتيجية ما بعد سقوط الباغوز، وهى الإستراتيجية التى أطلق عليها «فترات عدم التمكين»، والتى تعتمد على تبنى أسلوب حرب العصابات مع توسيع نطاق العمليات الإرهابية بدول العالم من خلال اللجوء إلى مناطق بعيدة عن دائرة الضوء والاهتمام الدولي. ومن دون شك، فإن الهدف الأساسى من ذلك هو تعويض الخسائر البشرية والمادية التى منى بها التنظيم بسبب الضربات القوية التى تعرض لها فى الفترة الماضية، فضلا عن انخراطه فى مواجهات عسكرية فى مواقع ومناطق متعددة أدت إلى استنزاف قدراته وتشتيت صفوفه.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن ثمة ثلاث مناطق بديلة من المحتمل أن يتجه تنظيما «داعش» و«القاعدة» إليها خلال المرحلة القادمة، وهي: القوقاز ووزيرستان وطاجكستان.
على الرغم من ضعف قدرات العناصر الإرهابية الموجودة فى منطقة القوقاز مقارنة بالعناصر التى تنتمى إلى مناطق أخرى وذلك لاعتبارات عديدة أبرزها تراكم خبرات العناصر الأخيرة نتيجة مشاركتها فى عمليات إرهابية ومواجهات عسكرية مختلفة، إلا أن تنظيمى «القاعدة» و«داعش» أبديا اهتماما ملحوظا بتوسيع نطاق دورهما فى هذه المنطقة، فخلال عام 2020، سعت عناصر تابعة لتنظيم «القاعدة» إلى إعادة التموضع مرة أخرى بمناطق القوقاز وبعض مناطق الاتحاد الروسي، وهو ما أكده النائب الأول لرئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب الروسى إيغور كولياغين، فى 20 أبريل 2021، بقوله: إن «قوات الأمن أحبطت 44 عملا إرهابيا فى روسيا خلال عام 2020، بنسبة 96 فى المائة من الهجمات التى كان يخطط لها المجرمون وهى فى مرحلة التحضير، حيث تم إحباط 72 هجوما من أصل 75، واعتقال أكثر من 800 من العناصر المتطرفة والمتواطئين معهم، وتم تدمير 156 مخبأ للأسلحة والذخيرة».
وخلال العام الجاري، أحبطت قوات الأمن الروسية عمليات إرهابية عديدة كان سيتم تنفيذها فى جمهوريات الاتحاد الروسي. ويعنى ذلك فى المقام الأول أن التنظيمين يحاولان فى الوقت الحالى الرد على العمليات الأمنية التى تشنها روسيا ضدهما، لاسيما أن الأخيرة تتبنى ما يمكن تسميته بـ»سياسة الضربات الاستباقية»، التى تعتمد على تصفية العناصر الإرهابية التى تنتمى إلى منطقة القوقاز، والتى انخرطت فى الصراع السورى بعد تصاعد حدته منذ مارس 2011، قبل أن تعود مرة أخرى إلى دولها الأصلية من أجل رفع كُلفة تلك العمليات عبر محاولة تهديد أمن واستقرار روسيا بشكل مباشر.
وقد أشار وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو، فى الذكرى الخامسة للتدخل الروسى فى سوريا، فى 29 سبتمبر 2020، إلى أن القوات العسكرية الروسية ومنذ عام 2018 وحتى مارس 2021 نجحت فى قتل أكثر من 133 ألف إرهابى سورى منذ أن شنت روسيا عملياتها فى البلاد، وكان من بين القتلى 4500 شخص من الاتحاد الروسى ودول رابطة الدول المستقلة، إضافة إلى 865 من قادة التنظيمات الإرهابية.
ركز تنظيم «داعش» فى مرحلة ما بعد سقوط الباغوز فى مارس 2019 على تعزيز نشاطه فى بعض دول آسيا الوسطى، وهو ما يمكن تفسيره فى ضوء اعتبارات عديدة، أبرزها افتقار أغلب دول هذه المنطقة إلى فرص العمل والتعليم، بالإضافة إلى التوترات المتصاعدة بين الجماعات العرقية، فضلا عن الاضطرابات السياسية، وانتشار الفساد، على نحو أسهم فى زيادة معاناة قطاع واسع من السكان من أزمات معيشية واقتصادية واجتماعية عديدة، وهو ما يوفر بيئة خصبة لدعم نشاط التنظيمات الإرهابية.
لكن إلى جانب ذلك، ثمة دوافع استراتيجية يمكن من خلالها تفسير هذا التوجه «الداعشي»، تتمثل فى حرص التنظيم على تعويض خسائره وهزائمه الكبرى فى سوريا والعراق، عبر تأسيس ما أطلقت عليه اتجاهات عديدة «الهلال الداعشي»، حيث يرى التنظيم أن وجوده فى هذه المناطق، يمكن أن يعزز من قدرته على استهداف المصالح الأمريكية فى أفغانستان وباكستان ودول آسيا الوسطى وبالتالى رفع كُلفة العمليات الأمنية التى يتعرض لها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وكان أبرزها العملية التى شنتها فى محافظة إدلب السورية وأدت إلى قتل قائده السابق أبو بكر البغدادى فى 27 أكتوبر 2019. وربما يفسر ذلك، إلى حد ما، أسباب ارتفاع عدد العمليات التى يقوم بها فرع التنظيم فى أفغانستان، والذى يطلق عليه «ولاية خراسان»، حيث تأتى أفغانستان فى المرتبة الرابعة من حيث عدد العمليات بعد كل من العراق وسوريا وغرب أفريقيا.
ووفقاً لمقال كتبه كل من Kumar Bekbolotov و Robert Muggah وRafal Rohozinski ونشرته مجلة «Foreign Policy»، فى 11 نوفمبر 2020، بعنوان «الشبكات الجهادية تتعمق فى وسائل التواصل الاجتماعى فى آسيا الوسطي»، فإن نشاط التنظيمات الإرهابية يتنامى بصورة واضحة فى دول آسيا الوسطى ومنها طاجكستان، حيث تسعى تلك التنظيمات، ومنها تنظيم «داعش»، إلى استقطاب عناصر من المقاتلين الشباب من هذه الدول عبر شبكات مواقع التواصل الاجتماعى من خلال جيل جديد ممن يعرفون بـ«المتطرفين الرقميين» فى آسيا الوسطي، حيث وصل عدد القنوات على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقا لما جاء فى التقرير، إلى ما يقرب من 500 قناة وموقع تستخدمها التنظيمات المتطرفة فى آسيا الوسطى على «تليجرام»، بالإضافة إلى «فيسبوك» و«إنستجرام» و«تويتر» و«يوتيوب» والمنصتين الروسيتين الشهيرتين VKontakte وOdnoklassniki.
وقد نجح تنظيم «داعش» بالفعل فى تجنيد شباب من دول آسيا الوسطى الذين كانوا يقيمون فى بعض الدول الأوروبية وذلك بهدف تأسيس خلايا إرهابية لتنفيذ عمليات جديدة، وبشكل خاص من شباب طاجكستان، وهو ما كشفت عنه السلطات الألمانية، فى 15 فبراير 2021، بعد أن قامت بالقبض على 5 عناصر طاجيكيين من تنظيم «داعش»، كانوا يستعدون للتحضير لهجمات إرهابية فى ألمانيا. فبحسب بيان النيابة العامة الألمانية، فإن «هدف أعضاء الخلية الذين كانوا على تواصل مع قياديين من تنظيم داعش فى أفغانستان وسوريا، يتمثل فى أن يقوموا بتنفيذ عمليات ضد أفراد يعتبرهم تنظيم داعش كفارا». وكشفت التحقيقات أن العناصر الإرهابية الخمسة كانوا على علاقة مع منفذ هجوم فيينا الذى وقع فى 2 نوفمبر 2020 وأسفر عن قتل 4 أشخاص، ويعمل قائد الخلية الإرهابية الداعشية عضوا فى شبكة طاجيكية-روسية على الإنترنت، يقوم من خلالها بتجنيد العناصر المؤيدة لتوجهات التنظيم.
يعتبر إقليم وزيرستان «قاعدة الجهاد المحتمل لتنظيم القاعدة» فى حالة الخروج من أفغانستان، على ضوء اتفاق الدوحة الذى تم توقيعه بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة «طالبان» فى 29 فبراير 2020، حيث يعتبر إقليم وزيرستان- الذى يقع فى شمال غرب باكستان على الحدود مع أفغانستان- منطقة جبلية ومركزا للقبائل التى تديرها بوصفها منطقة حكم شبه ذاتي، وهو ما يوفر أيضا فرصا للتنظيم من أجل توسيع نطاق نشاطه فى تلك المنطقة، خاصة فى ظل قربها من أفغانستان، فضلا عن تأمين ظهير قبلى يمكن أن يساعد فى استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية لتعويض الخسائر التى تنجم عن الانخراط فى مواجهات مع قوات الأمن والجيش، وفى إخفاء تلك العناصر بعيدا عن رقابة أجهزة الأمن. واللافت فى هذا السياق أيضا، أن الإقليم بات يحظى باهتمام خاص من جانب تنظيم «داعش»، الذى حاول بدوره منافسة تنظيم «القاعدة» على توسيع نطاق النفوذ فيه.
فى النهاية، يمكن القول إن التنظيمات الإرهابية، وبشكل خاص تنظيميا «القاعدة» و«داعش»، تعمل على الوصول إلى مناطق جديدة بهدف توسيع نطاق عملياتها الإرهابية والبحث عن نقاط ارتكاز بديلة يمكن أن تساعدها على إعادة تنظيم صفوفها وشن هجمات إرهابية لا مركزية، لتعويض الإخفاقات التى تعرضت لها خلال الأعوام الأخيرة.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر