مكاسب متنوعة.. حصاد جولة “لافروف” الأفريقية | مركز سمت للدراسات

مكاسب متنوعة.. حصاد جولة “لافروف” الأفريقية

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 9 أغسطس 2022

نسرين الصباحي

 

سعت موسكو لفك العزلة الدبلوماسية والعقوبات الغربية، وحل أزمة إمدادات الغذاء والنفط والغاز العالمية، وارتفاع تكاليف الشحن جراء الحصار البحري على الموانئ الأوكرانية بسبب الحرب الأوكرانية، وكانت الدول الأفريقية الأكثر تضررًا من تبعات هذه الحرب.

وفي خضم هذا المشهد، قام وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” بجولة خارجية شملت أربع دول أفريقية (مصر، وأوغندا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا) خلال الفترة 24-28 يوليو 2022، وكانت مصر أولى محطات جولته باعتبارها الشريك الأفريقي الأول، ثم انتقل لبقية الدول الأخرى للتأكيد على ضرورة حل قضايا الأمن الغذائي، والرغبة في تعزيز الاستثمار والشراكات التجارية والاقتصادية، وإيجاد أسواق جديدة في دول القارة الأفريقية التي أصبحت أبرز استراتيجيات الدول لتوسيع مناطق نفوذها خارج نطاقها الجغرافي من خلال استغلال الإمكانيات الواعدة في القارة.

سياقات ضاغطة من التنافس الروسي-الغربي-الأميركي على أفريقيا 

في إطار نشاط دبلوماسي مكثف في أفريقيا من قبل قادة روسيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأميركية، لكسب تأييد مواقفهم بشأن الحرب الأوكرانية؛ جاءت زيارة “لافروف” في أعقاب الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى منطقة الشرق الأوسط، ومشاركته في قمة جدة للأمن والتنمية، وقمة الأعمال الأمريكية-الأفريقية في مراكش بالمغرب، وخلالها أعلنت واشنطن عن خطة إنمائية جديدة للقارة الأفريقية، تحت شعار “لنبني المستقبل معًا”، بهدف عمل شراكات أعمال ثلاثية مع المغرب والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأفريقية. وبالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، لدول (الكاميرون، وبنين، وغينيا بيساو) خلال الفترة من (25-28 يوليو 2022) بالتركيز على أزمة الغذاء ومكافحة الإرهاب، زار المبعوث الأمريكي الخاص بالقرن الأفريقي “مايك هامر” مصر وإثيوبيا والإمارات خلال الفترة (24 يوليو 2022- 1 أغسطس 2022)، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن مساعدات إنسانية لإثيوبيا بقيمة 488 مليون دولار أمريكي للتغلب على أزمة الجفاف، وتلبية الاحتياجات العاجلة للشعب الإثيوبي.

ومع تغير ملامح النظام الدولي وظهور تحديات وأزمات عالمية؛ الغذاء، والطاقة، والتغير المناخي، والأوبئة، مع الاهتمام الدولي المتزايد بثقل وأهمية الدول الأفريقية في التشابك مع هذه القضايا والتحديات العالمية؛ إذ تتمتع الدول الأفريقية بفرصة لتجنب وموازنة علاقاتها بين الأقطاب الدولية نظرًا لما تمتلكه من موارد وثروات اقتصادية، وأهميتها الجغرافية الاستراتيجية، وكتلها التصويتية في الأمم المتحدة مثل تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس 2022، حيث انتهجت معظم هذه الدول “المسار المستقل”، في الامتناع عن الانضمام إلى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية لمعاقبة روسيا.

 وفي هذا السياق، تتجه الدول الأوروبية نحو القارة الأفريقية كمحاولة للحد من الاعتماد على النفط والغاز الروسي، في إطار جهود القارة لتأمين إمدادات الغاز البديلة، بما في ذلك من غرب وشمال أفريقيا، حيث قامت الحكومة الجزائرية مؤخرًا بإحياء خط أنابيب الغاز العابر للصحراء، بقيمة 30 مليار متر مكعب سنويًا من نيجيريا إلى الجزائر، ثم إلى أوروبا. كما تشهد الدول الأفريقية التي اكتشفت مؤخرًا كميات كبيرة من الغاز البحري، بما في ذلك موزمبيق وتنزانيا والسنغال، اهتمامًا متجددًا من المستثمرين الأجانب، ويمكن أن تساهم أزمة الطاقة العالمية في تعزيز نهضة الطاقة الأفريقية، مع الاهتمام وزير الخارجية الإيطالي “لويجي دي مايو” بزيارة دول أنجولا والكونغو للتوقيع على صفقات جديدة للغاز الطبيعي المسال، كما سافر المستشار الألماني الحالي “أولاف شولتس” إلى السنغال لإجراء محادثات بشأن الغاز، وما يمكن أن تقدمه مشاريع الغاز الطبيعي من انتقال عادل لمصادر الطاقة التي تخدم دول وشعوب القارة الأفريقية.

أهداف متباينة وملفات متعددة 

على مدى العقد الماضي، انخرطت روسيا في مجموعة من التحركات لكسب النفوذ داخل القارة الأفريقية، بما في ذلك تصدير المعدات العسكرية، بما يقرب من نصف واردات أفريقيا من المعدات العسكرية من روسيا، وتشمل الأسلحة الكبيرة (دبابات القتال، والسفن الحربية، والطائرات المقاتلة، والمروحيات القتالية) والأسلحة الصغيرة (المسدسات والبنادق الهجومية مثل بندقية كلاشنكوف الجديدة AK-200). وتشهد العلاقات بين روسيا وأفريقيا مرحلة جديدة في ضوء جولة “لافروف” وتمت مناقشة مجموعة واسعة من القضايا الدولية والإقليمية والثنائية بالتركيز على تشكيل أجندة دولية جديدة متعددة الأقطاب، وبحث الآفاق الحالية والمستقبلية للعلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية والعلمية والتكنولوجية والإنسانية في ظل الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وأفريقيا، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

• تعزيز المكانة في السوق العالمية للطاقة: يحدد تقرير حالة الطاقة الأفريقية للربع الثاني من عام 2022 مستوى غير مسبوق من اكتشافات النفط والغاز الجديدة في القارة الأفريقية، ولكن أكثر من نصف سكان أفريقيا جنوب الصحراء يفتقرون إلى الكهرباء، مع توقع أن يتجاوز عدد سكان أفريقيا ملياري نسمة بحلول عام 2040، وستحتاج قدرة التوليد إلى الضعف بحلول عام 2030 ومضاعفة خمسة أضعاف بحلول عام 2050. ولذا، توجد ضرورة توسيع إنتاجية الطاقة في أفريقيا لضمان فرص الوصول العادل والتخفيف من فقر الطاقة من خلال استراتيجية قائمة على الشراكة والشفافية والحوكمة الرشيدة لخلق بيئة مواتية للنمو الاقتصادي وتحسين البنية التحتية، والاستفادة من دور الشركات الروسية في مشاريع الطاقة الأفريقية، ولا سيما مشروع الضبعة النووية في مصر.

• تأمين إمدادات الحبوب: تعتبر أوكرانيا أكبر مصدري القمح والذرة وزيت عباد الشمس في العالم، لكن بسبب الحصار البحري للموانئ أوقف الشحنات وسلاسل الإمدادات الغذائية، وتم نقل بعض الحبوب الأوكرانية عبر أوروبا عن طريق السكك الحديدية والطرق البرية، وبعد شهرين من المفاوضات المكثفة، وقعت روسيا وأوكرانيا على وثيقة “مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية”، لإزالة العقبات أمام حركة السفن من موانئ البحر الأسود وإنشاء ممرات شحن آمنة لتصدير الحبوب لثلاثة موانئ أوكرانية، وتسهيل صادرات الحبوب الروسية، للتخفيف من حدة أزمة الغذاء العالمية، في ظل حظر ما بين 20- 25 مليون طن من الحبوب في الموانئ الأوكرانية منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، وتعهد روسيا بمساعدة الدول الأفريقية للوصول إلى السلع الغذائية ولا سيما الحبوب، وتمويل العديد من المشاريع لتعزيز أفضل الممارسات الزراعية واستكشاف الإمكانيات الواعدة في قطاع الزراعة.

وترتيبًا على السابق، لعب الصراع والجفاف أيضًا سببًا رئيسيًا في أزمة الغذاء، فوفقًا للبنك الدولي اعتبارًا من 1 يونيو 2022، ارتفعت أسعار الذرة والقمح بنسبة 42٪ و60٪ على التوالي، مقارنة بشهر يناير 2021، وأدت أزمة الغذاء العالمية إلى تعرض حوالي 300 مليون أفريقي لانعدام الأمن الغذائي، في ظل اعتماد القارة الأفريقية على روسيا وأوكرانيا في أكثر من 50% من وارداتها من القمح. كما حذر تقرير مشترك من منظمة أوكسفام وصندوق إنقاذ الطفولة في مايو 2022، من أن شخصًا واحدًا يموت جوعًا كل 48 ثانية في كينيا وإثيوبيا والصومال بسبب أزمة الجفاف، ووفقًا لبرنامج الغذاء العالمي من المتوقع معاناة 345 مليون شخص من الجوع الحاد وعلى شفا المجاعة، حيث تعمل الحكومات الأفريقية لاحتواء ارتفاع الأسعار، لكن لا توجد احتياطيات كبيرة لدعم القوة الشرائية للمواطنين ودعم الكثير من السلع.

• بناء تحالفات جديدة: تعمل موسكو على تعبئة أصوات غير غربية والحصول على دعم الدول الأفريقية، والاستفادة من موجة التعاطف التي أظهرتها العديد من هذه الدول لتعزيز مكانتها داخل القارة، حيث امتنعت 17 دولة أفريقية عن إدانة روسيا بشأن الحرب الأوكرانية، ولم تفرض أي دولة أفريقية عقوبات على روسيا، كما فعلت دول عديدة في أوروبا وأمريكا الشمالية، وتعول موسكو على ذلك لتنويع علاقاتها مع دول القارة التي اقتصرت على المجال الأمني والعسكري والدفاعي والصناعات الاستخراجية، وتكثيف الشراكات العسكرية مع الدول الأفريقية، بنسبة تعادل نصف السوق الأفريقية مقارنة بالصين والولايات المتحدة الأمريكية معًا، وخطط موسكو بشأن بناء قواعد عسكرية في ست دول أفريقية. في حين تعتبر الصين صاحبة الحضور الأكبر من ناحية الشراكة التجارية مع الدول الأفريقية، وفقًا لاستطلاع حديث أجراه الشباب الأفريقي من مؤسسة عائلة إيتشيكويتز (Ichikowitz Family Foundation)، حيث قال 76% من المشاركين في الاستطلاع إن لبكين تأثير إيجابي، وتصورات نفوذ الولايات المتحدة في أفريقيا أقل بنسبة 67٪ عام 2020. كما بلغ حجم التجارة عام 2021 بين الصين والدول الأفريقية 250 مليار دولار، بينما في حالة الولايات المتحدة كانت 64.33 مليار دولار فقط.

• التمهيد لعقد القمة الروسية-الأفريقية الثانية: من المقرر أن يتم عقدها في أكتوبر عام 2023 بغرض تعزيز اتفاقيات التجارة والدفاع بين روسيا والدول الأفريقية وتحقيق السلام والاستقرار في دول الكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى والكاميرون وتشاد، وخلال زيارة “لافروف” تم الاتفاق مع إثيوبيا على وثائق إضافية تمهد الطريق لحوار أكثر كفاءة في مجال مبيعات وعقود الدفاع. وفي إطار انتهاج سياسة القمم المتنافسة، تخطط الولايات المتحدة الأمريكية لعقد قمة مع الدول الأفريقية خلال الفترة (13-15 ديسمبر 2022)، ستتناول أجندة واسعة لتعزيز العلاقات الاقتصادية، وترسيخ الديمقراطية، وتحقيق السلام والأمن، ومعالجة القضايا العالمية وتهديدات الصحة وأزمات التغير المناخي والأمن الغذائي.

 • إصلاح هيكل مجلس الأمن: تتمحور المشكلة الرئيسية للدول النامية وخاصةً أفريقيا في التمثيل الناقص في مجلس الأمن الدولي، ولا بد من وجود تمثيل أكبر لدول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ويعكس الأعضاء الخمسة الدائمون؛ الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، ورسيا، وفرنسا، وبريطانيا، هيكل القوة الدولية في نهاية الحرب العالمية الثانية، والمقاعد العشرة الأخرى يتم التناوب عليها من أعضاء الأمم المتحدة لمدة عامين، وهناك ضغوط من القادة الأفارقة من أجل تمثيل أفريقيا الدائم في مجلس الأمن، ودعوة الاتحاد الأفريقي لتوسيع عضوية المجلس إلى 26عضوًا بستة مقاعد دائمة إضافية، مع اثنان لأفريقيا مع حق الفيتو، وخمسة مقاعد غير دائمة لأفريقيا، وإعراب موسكو عن دعم توجهات أفريقيا لإصلاح مجلس الأمن، وتوسيع استخدام العملات الوطنية لتعزيز التبادل التجاري مع الدول الأفريقية، وإعادة تعريف المعايير الدولية من الجهات الدولية الفاعلة التي تصدر نموذج الحوكمة المحلي الخاص بها، في ظل الحراك الدولي لتشكيل عالم متعدد الأقطاب، مع تحول المصالح بين القوى الكبرى.

وختامًا، كشفت الحرب الأوكرانية مدى احتياج روسيا لأفريقيا من حيث الدعم الجيوسياسي الذي تقدمه، ولكن لا تزال جهود الاستثمارات الروسية محدودة، ووجود الشركات الروسية ضعيف في القارة الأفريقية، ولا يوجد حافز للجهود المبذولة لتوطين إنتاج المعدات وتعزيز الشراكة التكنولوجية في قطاع الطاقة، وتحتاج السياسة الخارجية لروسيا توضيح ودمج احتياجات التنمية للبلدان الأفريقية، في محاولتها لكسب مزيد من النفوذ في مواجهة الغرب، وتصحيح صورة روسيا بأنها تصدر الجوع لأفريقيا، استنادًا إلى الدور التاريخي للاتحاد السوفيتي السابق في تحرير الدول الأفريقية من الاستعمار وتحديدًا دول جنوب القارة، وظهر ذلك في امتناع دول أنجولا، وموزمبيق، وزيمبابوي، وناميبيا، عن التصويت على قرار الأمم المتحدة بشأن الحرب الأوكرانية، لاعتبارات الصداقة التاريخية، ومحاولة تحقيق التوازن بين تكتلات القوى المختلفة.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر