مقومات نهوض الأسواق في زمن الجائحة | مركز سمت للدراسات

مقومات نهوض الأسواق في زمن الجائحة

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 15 فبراير 2022

باري آيكنجرين

 

يضيف انتشار المتحور أوميكرون (Omicron) عنصراً جديداً في التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي. ولكن ذلك لن يكون عقبة أمام الاقتصادات المبدعة ومن بينها مجموعة مهمة من الأسواق الناشئة، إذ تُـجمِـع وجهات النظر على أن آفاق هذه البلدان لا تزال مشرقة.

تتوقع مؤسسة جي بي مورجان للبحوث العالمية أن ينمو مجموع الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة بنسبة 4.6% هذا العام. وكانت مؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيفات العالمية أشد تفاؤلاً، فتوقعت أن تتوسع الاقتصادات الناشئة بنسبة 4.8%.

اللافت للنظر أن أرقام النمو هذه مطابقة تقريباً للتوقعات لعام 2022، الصادرة عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2019. ومن المؤكد ان التركيز على إيجاد الحلول الخلاقة الناجعة المفضية إلى إيجاد الحلول التي تحفظ نشاط الأسواق وتضمن ضخ روح متجددة فيها، هو ما يساعد على الخروج من أية اخطار ومخاوف تدهور. وهذا لم يفلح به سوى الذين يعملون بتخطيط محكم ومثابرة مستمرة.

لكن، وفي العموم، هناك مجموعة مسائل واعتبارات يجدر على الأسواق الناشئة أن تنظر إليها بتمعن وتعالجها بعمق، كي تضمن عدم قبوع اقتصاداتها عاجزة امام التحديات، وخاصة منها تلك الأسواق التي لا تستطيع الإبداع في تخطي المشكلات، ومن بين تلك المسائل:

القدرة على التحكم بأعباء وإفرازات الديون. إذ إنه سيكون من الضروري التركيز على سداد الديون مع الاعتناء بالموارد المالية التي تكرس للرعاية الصحية والتعليم والبنية الأساسية، وهذا فعليا يحدث في عدد من هذه الأسواق التي تتميز بالقوة والمرونة.

ولكن نحتاج إلى ان تلتزم به تلك التي تتسم بعدم المرونة والتكيف. وهنا لا بد أنه يتنبه البنك الفيدرالي الامريكي إلى عدم الإضرار باقتصادات الدول العالمية المتنوعة، وخاصة في الأسواق الناشئة، من خلال زيادة العبء عبر التسبب بالسياسة النقدية الأكثر تشديداً وإحكاماً التي ينتهجها.. كما علينا التنبه والحذر من قضية ندرة رأس المال في مختلف أنحاء العالم وأثر ذلك في زيادة الضغوط المفروضة على أسعار الفائدة.

ولا بد ان تراعي الأسواق الناشئة نقطة حيوية تتمثل في مخاطر العمل في أماكن مكتظة بعيدة عن الأتمتة (الاعتماد على الآلات في التشغيل المتسارعة في الاقتصادات المتقدمة)، وهنا عليها ان تكون صاحبة مبادرات مهمة وإسهامات نوعية مثمرة.

ورغم أن هذه الصناعات لا تتطلب استثمارات ضخمة أو عمالة عالية المهارة، فإنها تجعل العمال معتادين على انضباط المصانع، وتعمل على تمكين التعلم بالممارسة، وتعويد الشركات على المنافسة في الأسواق العالمية، وتوليد النقد الأجنبي. إن الاقتصادات الناشئة بتركيزها على هذه الحقول ستوفر الكثير من المداخيل والبدائل وستكون قادرة بقوة على منع وضعها داخل أية أسوار.

وهنا لا بد ان نلفت إلى تخوف عالمي يشمل جميع الدول، فمكمن الخوف هنا هو أن تُـنتَـج هذه المصنوعات قريباً بواسطة روبوتات وطابعات ثلاثية الأبعاد في ذات البلدان المرتفعة الأجور حيث تُـبـاع. ويعزز هذا الاحتمال المخاوف الراسخة حول «تراجع التصنيع قبل الأوان».

إننا مطالبون بحلول عاجلة لاقتصاد العالم في هذه المسألة بالتحديد، إذ شهدت سلاسل التوريد العالمية التي تشكل أهمية بالغة للاقتصادات ارتباكات كبرى بسبب الجائحة، مما دفع الشركات إلى البحث عن المدخلات في أماكن أقرب إلى مقارها. واستشهدت حكومات البلدان المتقدمة بالنقص والمخاوف المتعلقة بالأمن الاقتصادي كمبرر لخلق الحوافز للشركات لزيادة الإنتاج الصناعي في الداخل.

من منظور الأسواق العالمية لم تكن التأثيرات السلبية مختلفة عن تلك الناجمة عن تسارع الأتمتة. تبدأ العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بمهام التجميع الأبسط قبل أن تنتقل إلى عمليات التصنيع الأكثر تعقيداً. وسوف تتناقص هذه الفرص إلى الحد الذي يحمل الاقتصادات المتقدمة على تنفيذ المزيد من مهام التجميع في الداخل.

ربما تستفيد المكسيك من الجهود التي تبذلها الشركات الأمريكية لتقصير سلاسل التوريد التي تعتمد عليها. وقد تستفيد اقتصادات أوروبا الشرقية من رغبة مماثلة من جانب بلدان الاتحاد الأوروبي. لكن هذه السياسات يجدر ان نحتاط منها لكي لا تؤدي إلى عزلة الكثير من الأسواق والإضرار بالتالي بالسوق العالمية إجمالا.

في المقام الأول من الأهمية، هناك التأثير الناجم عن جائحة (كوفيد 19). على الرغم من كون هذه التأثيرات سلبية في كل مكان، فإنها من المرجح أن تكون شديدة بشكل خاص في بعض الأماكن أكثر من سواها. الواقع أن قِـلة من الأسواق تمتلك تكنولوجيا النطاق العريض عالي السرعة اللازم لتمكين التعلم عن بُـعد بشكل فَـعّـال.

وسوف يعني تباطؤ وتيرة التطعيم استمرار إغلاق المدارس والتغيب عن الدراسة. وفقاً لتقرير صادر عن البنك الدولي، من المتوقع أن ترتفع نسبة الأطفال في مجموعة من الأسواق والبلدان النامية غير القادرين على قراءة وفهم نص بسيط بحلول سن العاشرة من 53% إلى 63% بسبب الجائحة.

الحجة المضادة الأكثر قوة في هذا الصدد هي أن الأسواق من هذا القبيل ستستفيد من الاقتصاد العالمي فائق النشاط. كان نمو الإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة، والذي كان يميل نحو الانخفاض لعدة عقود من الزمن، قوياً أثناء الجائحة، وخاصة في الولايات المتحدة. والآن من الممكن أن تعمل التغيرات التكنولوجية والتنظيمية التي حفزتها الجائحة على إدامة هذا التسارع. ومن شأن النمو الأسرع في البلدان المتقدمة أن يخلق طلباً إضافياً على صادرات الأسواق تلك.

هذه حجة افتراضية بحتة في هذه المرحلة. إذ يُـعـزى الانتعاش الأخير في نمو الإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة بالكامل إلى عوامل تتعلق بدورة الأعمال ــ وفي الآونة الأخيرة إلى شركات تستخدم مواردها بشكل أكثر كثافة مع انتعاش الاقتصادات بعد المستويات الدنيا التي سجلتها في عام 2020. الواقع أن اتجاه الإنتاجية يبدو مشابهاً بدرجة كبيرة لما كان عليه في فترات التعافي الدورية السابقة ــ وهذا يعني أنه لا يوجد دليل يؤكد حدوث أي تسارع دائم.

لكن ليس كل شيء على هذه الدرجة من الكآبة والشؤم. فعلى النقيض من فترات الركود السابقة، كانت البنوك المركزية والحكومات قادرة على الاستجابة بطرق عملية على تثبيت الاستقرار في الأسواق، بما يعكس نجاحها في بناء المصداقية. حتى وقتنا هذا، كانت حالات فشل البنوك والحوادث المالية التي تتخلل مثل هذه الأحداث على مدار التاريخ قليلة ومتباعدة، كما بدأت وتيرة إنتاج اللقاحات وتسليمها تتزايد.

 

المصدر: صحيفة البيان

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر