سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أثار الإعلان عن مقتل أبوم صعب البرناوي زعيم تنظيم “بوكو حرام” الإرهابي، في 15 أكتوبر الجاري (2021)، الكثير من الجدل والتساؤلات حول ما يعنيه مقتل زعيم التنظيم الإرهابي الذي صُنِّف خلال السنوات الأخيرة على أنه الأكثر وحشية على مستوى العالم.
وهو أحد التنظيمات الموالية لتنظيم “داعش” الإرهابي. فهل مقتل البرناوى يزيد من احتمال بانتهاء وتصفية التنظيم الإرهابي، وما يترتب عليه من تقليص حضور “داعش” في إفريقيا، أم أن هناك عوامل تعزز من استمراره وتساعده على احتواء خسائره وتدعيم مركزه في إقليم غرب إفريقيا ومنطقة الساحل.
بالعودة إلى المسارات والتطورات التى شهدها تنظيم “بوكو حرام” منذ صعوده على واجهة الأحداث في عام 2009، يمكن مناقشة مجموعة من الظواهر للوقوف على المستقبل المنتظر لهذا التنظيم.
شهد تنظيم “بوكو حرام” انشقاقات مبكرة منذ عام 2011، بسبب خلافات بين بعض عناصره وقائده أبو بكر شيكاو، مما دفع هؤلاء، وعلى رأسهم حبيب يوسف (ابن مؤسس التنظيم محمد يوسف) ومامان نور، إلى طلب المساعدة من تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، الذى قدم لهم التدريب والدعم وكونوا جماعة إرهابية أطلقوا عليها “أنصار المسلمين فى بلاد السودان (أنصارو)”. وعلى الرغم من عودة هؤلاء العناصر للانضمام إلى التنظيم مرة أخرى، إلا أن الخلافات ظهرت من جديد فى أعقاب اتجاه أبوبكر شيكاو في مارس 2015 لمبايعة تنظيم “داعش”، وتفضيل أبوبكر البغدادي في أغسطس 2016 لحبيب يوسف الملقب بأبي مصعب البرناوى كقائد للتنظيم، حيث أطلقوا على “بوكو حرام” تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا” أو “ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” (ISWAP).
ونتيجة لرفض تنظيم “داعش” قيادة شيكاو لـ”بوكو حرام” (الموالية لهم)، انقسمت الجماعة إلى فصيلين: جماعة أبو بكر شيكاو والتى عادت إلى اسمها القديم “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” (JAS)؛ و”ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” (ISWAP) بزعامة البرناوي ومامان نور. وقد زعم قادة ISWAP أن هذا الانقسام جاء نتيجة لاستراتيجية “بوكوحرام” فى التعامل مع المدنيين، حيث اشتهرت الجماعة بالعمليات الانتحارية التي تستهدف المدنيين، في حين تركزت عمليات ISWAP على مخيمات الجيش ومناطق التنقب عن النفط.
وتولى أبومصعب البرناوي قيادة “ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” منذ أغسطس 2016 برفقة مساعده المقرب مامان نور، وهو عسكري يملك خبرة كبيرة، وكان يوصف بأنه القائد الفعلي للتنظيم خلال فترة قيادة البرناوي، لكن نور تم اغتياله فى عام 2018 على يد عناصر من الجماعة أكثر تطرفاً ليبدأ سقوط البرناوي وعزله، وهو الذي يتهم بأنه “معتدل” أكثر من اللازم، حين ركز هجمات الحركة على الجيش والمراكز الحكومية، كما يتهم أعضاء في التنظيم البرناوى بالتفاوض مع الحكومة النيجيرية بعد خطف مائة تلميذة فى عام 2018، والاحتفاظ بالفدية لنفسه.
وتحدث بعض الخبراء الأمنيين في مارس 2019 عن حدوث انقلاب أبيض داخل فصيل “ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” (ISWAP) أدى إلى عزل أبومصعب البرناوى وتولى قائد يسمى أبو عبد الله بن عمر البرناوي كان يعمل إماماً لأحد المساجد في منطقة باغا التي تضم ميناء صيد استراتيجياً على ضفاف بحيرة تشاد، وقد أكدت القوة المشتركة لمحاربة “بوكوحرام” هذه المعلومات.
من أهم الأدوات التى اعتمد عليها تنظيم “بوكو حرام” منذ صعوده الدراماتيكي في عام 2009، كسب ثقة وتعاطف السكان المحليين، وقد تمكن من الحصول على جزء كبير من هذا التعاطف من جراء الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الشرطة النيجيرية والإعدام الجماعى لعشرات من الموالين والقريبين منه وتصوير هذه العمليات عبر شاشات التليفزيون، إلا أن هذا التعاطف لم يستمر بعد تركيز عمليات التنظيم على استهداف المدنيين واستخدام النساء والأطفال فى العمليات الانتحارية (ما يقرب من 20% من العمليات) وكذلك خطف 276 فتاة من مدرسة شيبوك فى شمال نيجيريا فى عام 2014.
ومع الانشقاقات التى تعرض لها التنظيم فى عام 2016، وانقسامه إلى مجموعتين، عمل تنظيم “ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” (ISWAP) فى سعيه للهيمنة على مزيد من الأراضى والمقاطعات فى دول غرب إفريقيا، على كسب ثقة وتعاطف السكان المحليين، على ضفاف بحيرة تشاد، من خلال القيام بالأدوار التى تعزف عنها حكومات الإقليم، وتقديم الخدمات للمواطنين، فقد أقام التنظيم علاقة تكافلية إلى حد كبير مع سكان منطقة بحيرة تشاد، وتعامل مع المدنيين المسلمين المحليين بشكل أفضل مما تعامل التنظيم الأم لـ”بوكوحرام” بزعامة أبوبكر شيكاو (أهل السنة للدعوة والجهاد JAS)، وبطريقة ما أفضل مما فعلته الدولة والجيش النيجيريان منذ بدء التمرد في عام 2009. كما قام تنظيم “ولاية غرب إفريقيا” بحفر الآبار وضبط سرقة الماشية وتوفير قدر ضئيل من الرعاية الصحية وفي بعض الأحيان تأديب موظفيه الذين يرى أنهم أساءوا معاملة المدنيين بشكل غير مقبول. ويقول محللون إن “ولاية الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا” تمتلك قوة قوامها ما بين ثلاثة وخمسة آلاف مقاتل وهو نحو ضعف ما لدى “بوكوحرام” أو “أهل السنة للدعوة والجهاد”[2].
وتؤكد الجذور العميقة لـ”ولاية غرب إفريقيا” ISWAP في البيئة المحلية أن حكومات غرب إفريقيا لا يمكنها النظر إلى الوسائل العسكرية البحتة لضمان هزيمتها الدائمة. بدلاً من ذلك، يجب أن تسعى هذه الحكومات إلى إضعاف روابط ISWAP مع السكان المحليين من خلال إثبات قدرتها على سد الثغرات في الخدمات ومعالجة الأزمات التى يعانى منها المواطنون على الأقل في المناطق التي تسيطر عليها، مع الاهتمام بمكافحة التمرد بطريقة إنسانية قدر الإمكان وبطريقة تحمي المدنيين.
وكذلك يجب أن تعمل هذه الحكومات على تطبيق سياسات عدم الإفلات من العقاب في أوساط الأجهزة الأمنية، بتفعيل لجان التحقيق فى انتهاكات الأمن، ومن هذه اللجان اللجنة التي عينها الرئيس النيجيري محمد بخاري في عام 2017 للتحقيق في الانتهاكات العسكرية وتنفيذ التوصيات التي تعزز المساءلة. كما يجب عليها تعزيز السلامة العامة في البلدات الخاضعة لسيطرتها في بورنو والولايات المجاورة حيث يبنى تنظيم “ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” ISWAP نفوذه.
كما يجب أن تحرص هذه الحكومات فى سعيها لقطع وصول ISWAP إلى الأسواق المحلية على ألا تحاصر السكان المحليين من خلال تقييد قدرتهم على ممارسة الأنشطة التجارية. وعلى الرغم من أن المفاوضات لإنهاء الأعمال العدائية قد لا تكون احتمالاً واقعياً في هذا الوقت، إلا أنها تحرص- في رؤية اتجاهات عديدة- على إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة مع تنظيم “ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” ISWAP، مع التركيز على القضايا العملية مثل كيفية الحصول على المزيد من المساعدة الإنسانية للمجتمعات المحلية.
من المؤكد أن هذه الاستراتيجيات لا تضمن انتصار سلطات الدولة على ISWAP، لكنها يمكن أن تساعد في مواجهة المصادر المهمة لقوة التنظيم، وتُكمِّل الجهود الجارية لتقويضها عسكرياً، وفي نفس الوقت تساهم في توجيه دعم مهم للمجتمعات في المنطقة التي تبدو في أمس الحاجة إليها[3].
خلال عام 2021، تعرضت التنظيمات الإرهابية الموالية لـ”داعش” فى إفريقيا للكثير من الانتكاسات. ففضلاً عن تكثيف العمليات العسكرية ضد التنظيمات فى معاقلها، فقد فقدت هذه التنظيمات العديد من قادتها سواء فى إطار المواجهات الداخلية، أو عبر استهداف القوات الفرنسية أو الجيوش الوطنية لهم، حيث قتل أبوبكر شيكاو زعيم “بوكوحرام” أو “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” فى مايو الماضي، كما اغتيل أبوالوليد الصحراوى زعيم “تنظيم الدولة الإسلامية فى الصحراء الكبرى” (ISGS) فى سبتمبر الفائت، وقتل أبومصعب البرناوى زعيم الفصيل الثانى من “بوكوحرام” أو “ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” خلال الأيام الأخيرة وفقاً لإعلان الجيش النيجيرى.
وقد أدى مقتل القادة الرئيسيين فى التنظيمات الإرهابية الموالية لـ”داعش” فى أقاليم إفريقيا جنوب الصحراء إلى طرح العديد من السيناريوهات حول مستقبل هذه التنظيمات، وقدرة تنظيم “داعش” على الاستمرار فى استغلالها لتأمين وجوده فى إفريقيا. وفي هذا السياق، طرح سيناريوهان رئيسيان هما:
1- اندماج تنظيمات “داعش” فى إفريقيا: وهو ما أثارمخاوف من اتساع نطاق سيطرة التنظيم. فبعد مقتل أبوبكر شيكاو ونهاية التنافس العنيف بين فصيلى “بوكوحرام”، يمكن لـ”ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” (ISWAP) استيعاب مقاتلي “بوكوحرام” وتعزيز سيطرتها على الأراضي في شمال شرق نيجيريا، مما يؤدى إلى تركيز ISWAP اهتمامها على الحكومة والجيش، اللذين تتدهور جهودهما الحربية. وفى أعقاب مقتل أبوالوليد الصحراوى فى سبتمبر الفائت، اتجهت التحليلات إلى احتمالات اندماج تنظيم “الدولة الإسلامية فى الصحراء الكبرى” تحت مظلة “ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” بقيادة أبومصعب البرناوى.
وتشير اتجاهات عديدة إلى أن استبدال القيادات في هذه التنظيمات مسألة أقرب ما تكون للروتين، ولا ينتظر أن يكون لها تأثير يذكر، حيث أن قوة التنظيم تمر بحالات تمدد وانكماش بحسب الرقعة الجغرافية التي ينشط فيها “داعش”، غير أن منطقة الساحل تعتبر من مناطق النفوذ القوية للتنظيم، بما يعني أن “داعش” وغيره من التنظيمات أصبحت أمراً واقعاً في منطقة الساحل وليس طارئاً، وبالتالي فالقصاء عليها يزداد صعوبة يوماً بعد يوم4]. وتتوقع التقارير الأمنية والاستخباراتية أن التنظيمات الإرهابية الداعشية المتواجدة في الساحل والغرب الإفريقى ستتوحد في الأغلب تحت قيادة ما بات يعرف باسم “ولاية داعش في غرب إفريقيا”، مما سيزيد من صعوبة مواجهة التنظيم الإرهابي هناك، لاسيما مع استعداد القوات الفرنسية للانسحاب من مالي مطلع العام المقبل.
2- مساعدة التنظيمات الأخرى: من السيناريوهات المطروحة أن تسعى التنظيمات الإرهابية الموالية لـ”داعش” فى إفريقيا إلى تقديم الدعم والمعونة لـ”ولاية غرب إفريقيا الإسلامية”، بل قد تسعى تنظيمات قاعدية إلى تقديم هذه المساعدة على الرغم من الصراعات التى تنشب من حين لآخر بين هذه التنظيمات ونظيرتها الداعشية، إلا أن اختفاء الأخيرة من مسرح الأحداث فى أقاليم إفريقيا قد يعمل على تركيز عمليات مكافحة الإرهاب على التنظيمات التابعة لـ”القاعدة”، ويزيد من محاصرة هذه التنظيمات ويعيق وصولها إلى الموارد، والتمويل الذاتى لأنشطتها.
فى أعقاب الهزيمة الإقليمية لتنظيم “داعش”، اتجه الأخير إلى الخارج، وبدأ في توسيع نطاق نفوذه الجغرافي بشكل فعّال وإعادة تسمية نفسه كحركة جهادية عالمية. ومنذ عام 2019، عزز “داعش” عملياته في آسيا الوسطى وغرب إفريقيا، حيث وفرت الأزمات التى يعانى منها مواطنو دول الساحل وغرب إفريقيا (فقر- بطالة – استبداد …الخ) بيئة جاذبة لهيمنة التنظيمات التى قامت بمبايعة “داعش”.
وتكونت ثمانى خلايا تابعة لـ”داعش”، وفى أعقاب تعهدها بالولاء له، تطورت بشكل مستقل في الغالب، باستخدام شعارات “داعش” كوسيلة لتدعيم قوتها، فكان للانحدار النسبي لـ”داعش” المركزي تأثير ضئيل على المنتسبين إليه في إفريقيا، والذين من المرجح أن يظلوا ملتزمين بقضية الخلافة في المستقبل المنظور[5].
ومن بين مناطق أخرى، أثار توسع “داعش” في غرب إفريقيا الكثير من القلق، حيث يقوم التنظيم بسرعة بتعزيز وجوده من خلال فروعه الإقليمية: تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا” (ISWAP) و”الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” (ISGS).
وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2020 (GTI)، فعلى الرغم من التراجع العام لتنظيم “داعش” في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد أصبح التنظيم بارزاً بشكل خاص في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وقد أدى ذلك إلى تصاعد الإرهاب، مع وجود سبعة من أصل 10 دول شهدت أكبر زيادة في الإرهاب في غرب إفريقيا والساحل وهى: بوركينافاسو وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا ومالي والنيجر والكاميرون.
وفي عام 2018، أفاد مركز غرب إفريقيا لمكافحة التطرف (WACCE) أن ما يصل إلى 6000 من غرب إفريقيا الذين قاتلوا مع “داعش” عادوا إلى ديارهم من العراق وسوريا بعد انهيار الخلافة التي أعلنها التنظيم.
وفى دراسة أجراها معهد الدراسات الأمنية فى جنوب إفريقيا فى أعقاب مقتل أبوبكر شيكاو فى يونيو الماضى، تناولت الدراسة الخطط التى تبناها التنظيم الإرهابى لإعادة هيكلته، وتحدثت الدراسة عن إعادة انتشار لتنظيم “داعش” بإنشاء 4 ولايات لخلافة إفريقيا في منطقة بحيرة تشاد، تحت قيادة مركزية في ولاية بورنو شمال شرقى نيجيريا.
وللإشراف على أنشطة هذه الخلافات في منطقة حوض بحيرة تشاد وخارجها، وبحسب ما ورد تم اقتراح خطط لتكوين خلافات (ولايات) جديدة في بحيرة تشاد، وسامبيسا، وتمبكتو، وتومبوما. وسيكون لكل منها والي وهيكل حكومى خاص بها.
ومع ذلك، ستكون جميع الخلافات الأربعة تحت سيطرة نواة تنظيم “داعش” بقيادة أبوإبراهيم الهاشمي القرشي، مما يشير إلى سيطرة مركزية لـ”داعش” على “بوكوحرام”. لذلك ستظل بعض المناصب مركزية في حوض بحيرة تشاد ولن يتم تكرارها في كل خلافة.
وتشمل هذه المناصب مجلس الشورى وأمير الجيش (قائد عسكري). وسيكون لكل خلافة ممثلان اثنان على الأقل في مجلس الشورى وقادة عسكريون. وسيقدمون تقاريرهم إلى أمير الجيش، الذي سيشرف على جميع الأنشطة العسكرية في المنطقة، وكان من المتوقع أن تتم ترقية زعيم “ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” ISWAP أبومصعب البرناوي لرئاسة مجلس الشورى الجديد، قبل مقتله[6].
وتشير هذه الدراسة الى أن ما يقرب من 80 من مقاتلى “داعش” قد عادوا منذ شهر إبريل 2021 من ليبيا الى نيجيريا، وإن هناك دفعات جديدة من الإرهابيين قد تصل إلى نيجيريا، تقدر بنحو 120 مسلحاً، من بينهم أصحاب جنسيات عربية، سيتمركزون بشكل دائم في منطقة الساحل والصحراء. وكشفت بعض المعلومات أن المقاتلين العائدين – النيجيريين والماليين – كانوا جزءاً من “ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” ISWAP الذي هاجم سامبيسا في مايو الماضى، مما أدى إلى مقتل شيكاو.
كما يناصر تنظيم “داعش” الإصلاحات داخل “ولاية غرب إفريقيا” ISWAP لإرضاء مقاتليه وتأمين ولائهم. وهذا يشمل اتخاذ خطوات لضمان معاملتهم بإنصاف من قبل القادة. كما يمكن للمقاتلين الآن أيضاً اختيار ما يجب فعله بنصيبهم في غنائم الحرب، مما يزيد من الحافز الاقتصادي للقتال من أجل المجموعة.
وتشمل الإصلاحات أيضاً حماية ودعم سبل عيش المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها. إذ يُنظر إلى هذه المهمة على أنها استراتيجية، حيث تُترجم سبل العيش المحلية الأفضل إلى مزيد من الإيرادات من خلال الضرائب. كما أنها تضفي مزيداً من الشرعية على الجماعة وأنشطتها. ويقدم “داعش” نفسه للمدنيين باعتبارها الحكومة الأفضل لتحصل على الشرعية والمصداقية .
ختاماً، على الرغم من حالة الارتباك التى أصابت التنظيمات الإرهابية الموالية لـ”داعش” فى أقاليم إفريقيا جنوب الصحراء وأهمها تنظيم “بوكوحرام”، كنتيجة لمقتل القادة الرئيسيين فى تنظيمات الساحل وغرب إفريقيا، إلا أن اهتمام تنظيم “داعش” بجذب التنظيمات الإرهابية فى القارة إليه ومحاولة التدخل بشكل مباشر لإعادة هيكلة هذه التنظيمات، كلها عوامل تشير إلى إصرار التنظيم الإرهابى على إعادة التمركز فى القارة الإفريقية .
ويحذر مسئولو مكافحة الإرهاب الغربيون من أن “داعش” قد وجد فى إفريقيا طرقاً ليس فقط للبقاء على قيد الحياة ولكن للانتشار. كما أن الأزمات التى تعانى منها دول وحكومات القارة الإفريقية، وعجز هذه الدول عن الوفاء بواجباتها وتوفير الحد الأدنى من الأمن الإنسانى، مع عدم قدرة هذه الدول على السيطرة على كامل إقليمها، يقدم فرصاً ثمينة لقوى الشر المختلفة، سواء التنظيمات الإرهابية أو تنظيمات الجريمة المنظمة، للاستقرار واستغلال أراضى وموارد القارة فى تنفيذ أهدافها وتحقيق طموحاتها الشيطانية.
يأتي ذلك فى الوقت الذى لا يمكن أن تعول الدول الإفريقية على القوى الدولية والإقليمية فى تقديم الدعم والمساندة لتحقيق الحماية والتخلص من تهديدات التنظيمات الإرهابية فى القارة، فى ظل تركيز هذه القوى على إعطاء أولوية لمصالحها، مما يؤدى إلى نتائج كارثية على حياة السكان فى الدول المتضررة من الإرهاب، وخير مثال على ذلك حالة “الهرولة” الفرنسية للهروب من إفريقيا بعد ثمانية أعوام من التواجد العسكرى لقواتها التى تدخلت لمكافحة الإرهاب، إلا أن أراضى القارة تحولت إلى مركز رئيسى لنمو وانتقال التنظيمات الإرهابية.
وربما يساعد تركيز الجيوش الوطنية، ومنها الجيش النيجيرى، على تكثيف عملياتها ضد تنظيم “بوكوحرام”، وخاصة فى ظل حالة الارتباك التي يواجهها، في القضاء على خلايا هذا التنظيم التى تشير بعض التقديرات إلى أنها تبلغ ما بين 50- 60 خلية، وخاصة فى ظل استسلام آلالاف من عناصر “بوكوحرام” للجيش النيجيرى بعد مقتل أبوبكر شيكاو، وافتقاد التنظيمات الإرهابية لمبادئ الولاء، حيث يتخلص تنظيم “داعش” من قادة التنظيمات الإرهابية المواليه له دون وجود اى اعتبارات للولاء وكذلك تقوم العناصر شديدة التطرف بالتخلص من المعارضين لها.
فقد ذكرت مصادر في تنظيم “داعش”، أنه أبلغ “ولاية غرب إفريقيا الإسلامية” ((ISWAP بأن موقعه على جزر بحيرة تشاد سيجعل التوسع الهادف أمراً صعباً، وأن الأفضل هو التواجد في سامبيسا- معقل شيكاو ومخبأه- وأن السيطرة على سامبيسا ستتطلب القضاء على شيكاو. ولذلك قام أبومصعب البرناوى الزعيم السابق لـ”ولاية غرب إفريقيا” بمهاجمة سامبيسا وقتل الأخير.
فضلاً عن ذلك، فإن التعاون الإقليمي، سواء فى إطار القوة متعددة الجنسيات لمحاربة “بوكو حرام” أو في سياق الاتحاد الإفريقي أو الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، قد يؤدى إلى مزيد من النجاحات فى القضاء على العناصر فى الجيوب المختلفة للتنظيمات الإرهابية. ولكن لكى تنجح هذه الترتيبات لابد أولاً من أن تتحمل كل دولة أفريقية مسئولياتها فى مكافحة الإرهاب، ولا يكون العبء ملقى فقط على كاهل الدول المتضررة منه، كما يجب أن تتوصل الدول الإفريقية إلى حلول للمشكلات المالية والخلافات التي تتصاعد فيما بينها والتي تنعكس سلباً على كفاءة العمليات المشتركة لمكافحة الإرهاب.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر