مقاربات واشنطن وواقع التحالف الدولي ضد إيران | مركز سمت للدراسات

مقاربات واشنطن وواقع التحالف الدولي ضد إيران

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 22 مايو 2018

 

 على غرار التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، جاء الإعلان الأميركي، والمتمثل في سعي الرئيس دونالد ترمب، لصياغة ما أسماه تحالفًا دوليًا لمواجهة برنامج إيران النووي وأدوارها الإقليمية.

 

وبعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، اعتبرت إيران أن الاتفاق النووي المُبرم مع الدول الست، بات في حالة “موت سريري”،[1]وتعكس تصريحات المسؤولين الإيرانيين صعوبة التعامل مع مرحلة ما بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق المُبرم عام 2015، على الرغم من نيات إيجابية أبداها الاتحاد الأوروبي، ومحاولاته كبح توجّه شركات في القارة إلى تجميد استثماراتها في إيران. وسارع الاتحاد وطهران، أخيرًا، إلى نفي تقرير أفاد بأن أوروبا والصين وروسيا ستناقش، قريبًا، اتفاقًا جديدًا يعرض على إيران مساعدة مالية، في مقابل تقليص برنامجها الصاروخي وتدخلاتها الإقليمية.

وفي مقابل ذلك، أعلنت اﻹدارة اﻷميركية، على لسان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الاثنين 21 مايو 2018، استراتيجية واشنطن عقب انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران بسبب الأخطاء التي شابته، منبهًا إلى أن طهران خدعت العالم بالاتفاق، وقبيل عرض استراتيجية بلاده تجاه طهران، نوه إلى تسبب فقرات من الاتفاق النووي في تأجيل حصول إيران على أسلحة نووية بعد 2025، أمَّا بعدئذٍ فستكون إيران حرة في الحصول على أسلحة نووية، وهو ما سيفضي إلى تنافس محموم على التسلح، وأن من دعموا الاتفاق النووي زعموا أن توقيعه سيجعل منطقة الشرق الأوسط أكثر استقرارًا، لكن شيئًا من ذلك لم يحصل؛ إذ زادت طهران وتيرة عدائها بعد الاتفاق، واستغلت ما حصلت عليه من أموال لتأجيج الأوضاع في الشرق الأوسط. “بومبيو” أقر بالدعم المستمر الذي قدمته إيران لميليشيات حزب الله الإيرانية وتدخلها في الأزمة السورية، مما أدى إلى نزوج ولجوء الملايين السوريين. وبناء عليه، تتضمن الاستراتيجية الجديدة: عدم السماح لإيران، بعد الآن، بأن تكون مطلقة اليد للهيمنة على الشرق الأوسط، وملاحقة العملاء الإيرانيين وأتباعهم في حزب الله حال قررت إيران أن تعود إلى برنامجها النووي.[2]

ما سبق يدفعنا لطرح عدد من التساؤلات حول هذه الخطوة، أهي مجرد أداة لتعزيز الضغوط على طهران ودفعها نحو التسوية، أم أن هناك تحولاً جذريًا في الاستراتيجية الأميركية سيؤدي إلى تغيير في دينامكية المنطقة وملفاتها المختلفة، لا سيَّما الملف الإيراني.

 

مقاربات جديدة   

بتتبع المشاهدات العامة، نجد أن جميعها تفضي إلى أنه يمكن اختصار مقاربة إدارة ترمب، بأنها تسعى لوقف تدفق الأموال التي تحصل عليها طهران نتيجة “الاتفاق النووي”، وإجبارها على التفاوض على اتفاق دولي أوسع يوقف برنامجها النووي بشكل نهائي، ويضع قيودًا على صواريخها الباليستية ويغير سلوكها الإقليمي[3].

ففي البداية، نجد أنه في 14 ديسمبر من عام 2017 ، أعلنت “نيكي هيلي”، مندوبة أميركا في الأمم المتحدة، في مؤتمر صحفي، أن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك أدلة حول امتلاك إيران صواريخ باليستية تمنحها للحوثيين بهدف ضرب المملكة العربية السعودية، إلى جانب نشاطها في الملف النووي وإيوائها للإرهاب. وأعلنت “هيلي” أن بلادها تعتزم تشكيل تحالف دولي للتصدي للممارسات الإيرانية، ونفوذها المستمر في المنطقة[4].

كذلك، نجد أن الاستراتيجية الأميركية لمواجهة إيران، تقوم على 7 محاور أبرزها المحور الاقتصادي[5]، في إطار استراتيجية جديدة أكثر حزمًا للتعامل مع إيران، وكان ترمب قد رفض، أكتوبر الماضي، التصديق على الاتفاق النووي مع طهران، ومنح الكونجرس 60 يومًا “مهلة” لفرض عقوبات على طهران، غير أن تلك المهلة ما إن انتهت، حتى أعادت الكرة من جديد إلى ملعب البيت الأبيض، وأصبح الأمر برمته أمام ترمب من جديد، ليحدد ما ينبغي فعله إزاء طهران، وهو ما تمَّ ترجمته – بالفعل – في 8 مايو 2018 وإعلانه الانسحاب من اتفاق البرنامج النووي الإيراني، الذي جاء مدفوعًا بجُملة من الحركات، منها:

1- الرغبة الأميركية في استعادة دورها والانخراط في أحداث المنطقة، وإن كان ينقصها غياب أجندة سياسية متفق عليها في ظل الانقسام الواضح ما بين مسؤولي إدارة ترمب على طريقة التناول بملفات الإقليم.

بالمقابل، تمتلك طهران الأجندة الواضحة التي تعرف بـ”الاستراتيجية الإيرانية العشرينية – إيران: 2025″. وهي تعتبر “أهم وثيقة قومية وطنية بعد الدستور الإيراني”، تنص على الخصوصية الدولية لطهران وسعيها للتحول من قوة صاعدة إلى قوة دولية بما ينعكس على الإقليم 2025؛ إذ استغلت انكفاء أوباما لتعزيز خريطتها في كل من العراق وسوريا، كما استفادت من تفادي الصدام المباشر مع الولايات المتحدة، والغرب عامة، بتبنيها ما بات يعرف بنهج الحروب بالوكالة في المنطقة، من خلال إنشاء وتسليح ميليشيات (كميليشيات الحشد الشعبي) تشاركها الأجندة السياسية.

 2- طبيعة المرحلة السياسية التي يشهدها الشرق الأوسط، بعد ما يعرف بـ”ثورات الربيع العربي”، والخلل البنيوي الذي أصاب ثوابت الدولة الوطنية وتنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية “داعش”، بما أحدث تخلخلاً في موازين القوى الإقليمية والدولية، تسعى الولايات المتحدة لاستغلالها وتوجيه بوصلة “النسق الدولي” نحو “الأحادية القطبية”.

3- التجاذبات السياسية بفواعل النسق الدولي حول تسوية أزمات الإقليم، فالأولوية لدى واشنطن هي القضاء على “داعش”. فضلاً عن محاصرة التمدد الإيراني بسوريا لصالح حلفاء الإقليم، وهو ما يتفق وأجندات العديد من الفواعل الدولية والأوروبية.

السياقات الداعمة لواقع التحالف[6]

ينطلق التحليل الداعم لدعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتشكيل تحالف دولي ضد إيران، من تأكيده على أن واشنطن عضو فعال في منطقة الشرق الأوسط، وأن لها القدرة على تشكيل تحالفات لمواجهة أي عدو لها ولحلفائها في المنطقة، مُستندًا في ذلك على عدد من السياقات، أهمها:

– السياق الداخلي: فقد تزامن الإعلان عن الرغبة في هيكلة تحالف دولي ضد إيران، مع ما يمكن تسميته بأنه “سِنِمَّارُإيران في واشنطن”، فهذا السِّنِمَّارُالذي قد يمتد شهورًا بدأ بإعلان ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، في خطوة كان كثير من المراقبين يستبعدونها حتى قبل أيام من إعلانها، تلاها ثلاث جولات من العقوبات فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على إيران، استهدفت أولها 4 أشخاص إيرانيين على علاقة بالحرس الثوري وحزب الله، من بينهم محافظ المصرف المركزي الإيراني، ولي الله سيف، واستهدفت آخرها وأهمها، قادة حزب الله اللبناني، بمن فيهم أمينه العام حسن نصر الله، ومجلس شورى الحزب، بسبب دعمهما للإرهاب وإطالة المعاناة في سوريا، وتغذية العنف في اليمن والعراق، وتعريض لبنان وشعبه للخطر، وزعزعة استقرار المنطقة كلها، بالإضافة إلى فرض “مركز استهداف تمويل الإرهاب”، الذي أنشئ في مايو 2017 كمبادرة أميركية – خليجية، عقوبات على قيادات “حزب الله”، وذلك بالتزامن مع ما أعلنته إسرائيل من أنها ضربت “معظم البنى التحتية العسكرية لإيران” داخل سوريا، في أكبر هجوم لها على سوريا منذ اندلاع الثورة فيها، وذلك ردًا على ما قالت إسرائيل إنه قصف قوات إيرانية لمواقعها في مرتفعات الجولان المحتلة.

 

– السياق الإقليمي: تصاعد النشاط الإيران نحو تطوير ترسانتها العسكرية “النووية والكيميائية” في الأراضي السورية، لا سيَّما في بانياس “طرطوس” ومصياف “حماة”، حيث تمثل تلك التحركات شقين: الأول، الالتفاف الفعلي حول الاتفاق، وإن كان واقع الاتفاق لا يتطرق إلى آلية الحيلولة دون تطوير إيران أسلحتها الكيميائية، أو النووية خارج حدودها. بينما الثاني، إثارة تخوف الحليف الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة “إسرائيل”، فضلاً عن تخوف السعودية مع استمرار استخدام الحوثيين المواليين لإيران الأسلحة الباليستية ذات القدرة على حمل أنواع مختلفة من الرؤوس الحربية الكيميائية والنووية، مما يهدد أمنها القومي ومجالها الحيوي.

 

– السياق الدولي: تقويض الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، الذي بدأ يتعاظم استنادًا للأدوار السياسية بمختلف أزمات الإقليم العربي، فضلاً عن المحدد الاقتصادي والتقرب من نظام طهران، الذي تمَّ ترجمته بإبرام الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي وإيران “اتفاقية مؤقتة” حول إنشاء منطقة تجارة حرة بين الطرفين لمدة ثلاث سنوات، وذلك خلال منتدى أستانا الاقتصادي، بما يدفع بالجانب الأميركي إلى التحرك السريع لإغراق الأجندة الاقتصادية لطهران بمزيد من العقوبات؛ وهو ما ينقلنا إلى القول بسيطرة “النظرية القطبية” على بعض شخصيات الإدارة الأميركية، كجيمس ماتيس، ومايك بومبيو، وجون بولتون، التي تتسم بالنزعة القطبية الأحادية على الساحة الدولية، إذ إن من أهم مقولات تلك النظرية أنها تحاول بذل جهود حثيثة واتخاذ إجراءات احترازية للحيلولة دون صعود قوة إقليمية أو عُظمى يمكن أن تنافس القوة الأميركية.

 

ازدواجية السياسات بين طهران وبيونج يانج   

لعل نظريات “الجيو- بولتيكس”، أو الجغرافيا السياسية، هي من أكثر النظريات تفسيرًا لتحركات ترمب في تناول “الملف النووى” ما بين التفاوض والتصعيد بين بيونج يانج وطهران، وذلك لعدد من الأسباب، منها:

– اقتراب المدى الصاروخي: فالمسافة بين جزيرة غوام الأميركية وكوريا الشمالية 2112 ميلًا، وتبعد هاواي عن كوريا الشمالية مسافة 4700 ميل، وتقع كوريا الشمالية في نطاق البوارج الأميركية ما يزيد من جدية الأزمة. أمَّا المسافة بين الولايات المتحدة وإيران، فبعيدة جدًا مما يهمش القضية ويسمح باستخدامها كورقة تفاوض مرحلي.

 

– عدم اكتمال البرنامج النووي: فالبرنامج النووي الإيراني غير مُكتمل من حيث امتلاك السلاح النووي مقارنة بالنظام الكوري الشمالي، بالإضافة إلى عقلانية النظام الإيراني الذي يمكن أن يُرتدع حرصًا على أمن شعبه واستقرار اقتصاده المفتوح مع الدول الأخرى، مقارنة بالنظام الكوري الشمالي الذي يفتقد العقلانية ولا يكترث لأمن شعبه.

 

– اختلاف أجندات الحلفاء: ففي الوقت الذي يرغب فيه الحلفاء في محيط كوريا الشمالية التفاوض، مثل: كوريا الجنوبية واليابان، نجد بالمقابل أن الحلفاء في محيط إيران يتجهون نحو التصعيد المباشر، مثل: “إسرائيل” ودول الخليج، والدفع بتأسيس سياسات ردع ضد إيران.

 

مسارات مُحتملة  

يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في طريقه نحو إنهاء مرحلة التوافق والالتقاء بين واشنطن وطهران، التي بدأت في عام 2014، والتي كانت ركيزتها الاتفاق النووي الذي أزاح العزلة الدولية عن طهران، ليؤسس لمرحلة جديدة قوامها الغموض، قد تتخذ في تحركاتها أحد المسارين:

– مسار التصعيد النسبي: وهو التصعيد الذي تتباين مساراته ما بين استخدام القوة الناعمة عن طريق توسيع نطاق العقوبات التي قد تشمل النفوذ التجاري والأمني والتمويلي والتكنولوجي، ليس في منطقة الشرق الأوسط، بل في المناطق الأخرى كأميركا اللاتينية وإفريقيا، وكذلك المزج بالقوة الصلبة عبر إرسال قوات ردعية في المناطق القريبة من إيران والسيطرة على الطرق التجارية المحيطة بها، وتضييق الخناق على الفعاليات التجارية والاقتصادية خاصتها، وقد يشمل هذا التصعيد استهداف أوسع للنفوذ الإيراني في الدول المنتشرة فيها، كسوريا واليمن والعراق ولبنان.

– مسار الدفع باتجاه إعادة التفاوض: حيث قد نجد أنه فور الإعلان عن التحالف الدولي ضد إيران، وبيان أعداد الدول المُنضمة لذلك التحالف، قد يدفع ذلك بإيران نحو الإيقاف التدريجي لأنشطتها، التي يعتقد الجانب الأميركي أنها انتهكت الاتفاق، وذلك خشية تقويض تحركاتها الاستراتيجية والدفع بها نحو العزلة الدولية من جديد، مما يزيد من الضغوط في ظل “الاضطراب المؤسسي” بالداخل الإيراني استنادًا إلى التظاهرات الأخيرة في طهران.

 كذلك، فإن تصريح ترمب بضرورة وقف تخصيب إيران نشاطها النووي بالكامل لما بعد عام 2030، دليل على الهدف الأميركي من قرار الانسحاب من الاتفاق. كما أن رفض الدول الأوروبية القرار الأميركي، قد يلعب دورًا في دفع الولايات المتحدة لخوض مفاوضات جديدة بشأن الاتفاق بعد تحقيق النقاط التي ترنو إليها، وفي مقدمتها محاصرة إيران “بالشرعية الدولية” لوقف تخصيب برنامجها النووي، وتقويض أذرعها في مناطق نفوذ الحلفاء ودوائر أمنهم بالشرق الأوسط.

 

 وحدة الدراسات السياسية*

 

المراجع

[1] إيران: الاتفاق النووي في حالة موت سريري، الحياة اللندنية. 

[2] بومبيو: إيران ستواجه أقسى عقوبات في التاريخ، شبكة سكاي نيوز عربية. 

[3] استراتيجية أميركية بشأن إيران، قناة الحرة. https://arbne.ws/2IChfCK

[4] معلومات متباينة حول اتفاق جديد يشمل الصواريخ، جريدة الشرق اﻷوسط.

[5] بومبيو يعلن استراتيجية جديدة للتصدي ﻹيران، العربية.نت.

[6] روسيا وإيران ترفضان أي تعديل على الاتفاق النووي، شبكة يورو نيوز.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر