سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
العين المصرية هذه الأيام تنظر بطرف إلى معركة “الكورونا” وهي تستعر في العالم، ولكنها آخذة في التراجع في مصر، ودخلت مصر حالة “المعتاد الجديد”، أو العودة إلى الحياة الطبيعية المشروطة بدرجة عالية من الاحتراز والاحتياط والمراقبة للوباء حتى لا يؤثر على المسيرة التنموية المصرية، والطرف الآخر ينظر إلى الأخطار التى تؤثر على الأمن القومي المصري سواء جاءت من الإرهاب أو تهديدات الجوار القريب، خاصة ليبيا والتدخل التركي فيها، والموقف الإثيوبي المتعنت في مفاوضات سد النهضة.
وسط هذه الحزمة من التحديات، انتصرت مصر في معركة الحفاظ على توازنها المالي عندما استخدمت حقوقها في الحصول على ٢.٧٧ مليار دولار قرضًا للتعامل مع الحالات الطارئة لكي «يضع مصر على المستوى القوي، الذي يسمح لها بالانتعاش المستدام»، حسبما جاء في بيان للصندوق عن القرض.
ولم يمضِ وقت طويل إلا وكانت مصر قد أمّنت قرضًا آخر مقداره ٥.٢ مليار دولار، وكان ذلك قبل أن تبدأ مصر أولى خطواتها للعودة إلى مسيرتها مرة أخرى، وجاءت أول مبشرات النجاح عندما زاد الاحتياطي المصري من العملات الأجنبية إلى ما يتجاوز ٣٨ مليار دولار، عاكسًا اتجاه التراجع، الذى استُخدمت أمواله في مواجهة الفيروس. وخلال أسابيع قليلة عاد الجنيه المصري إلى استعادة بعض قيمته، التي فقدها بسبب البلاء في طريق يشابه ذلك الذي كان يسير فيه قبل الجائحة.
كانت هذه إشارات أولية بأن الاقتصاد المصري يستعيد عافيته، باعتباره واحدًا من أسرع الاقتصاديات نموًا بين الدول البازغة في العالم قبل الأزمة. وبالنسبة لهذا القرض أو ذاك لم تكن هناك معركة مع الصندوق لأنه من ناحية فإن الصندوق لم يكن قد مضى عليه وقت طويل على الانتهاء من قرض ١٢ مليار دولار حصلت عليه مصر، وصاحَبه برنامج جذري للإصلاح الاقتصادي.
كان لدى مصر الشجاعة فيه لاتخاذ قرارات صعبة تجلّت آثارها الإيجابية فى زيادة قدرة مصر على التعامل مع أزمات صعبة، والارتفاع في ثقة الأوساط المالية الدولية في حسن إدارتها للأمور، وقدرتها على استرداد الانتعاش الاقتصادي مرة أخرى.
لم تكن هناك معركة مع الصندوق لأنه في القرض السابق كانت هناك ثلاث مراجعات صدرت عنها تقارير إيجابية عن الاقتصاد المصري، ومراجعة نهائية خرجت فيها مصر بأعلام خفّاقة. وكان واضحًا أن مصر، مثل غيرها من دول العالم، باتت تواجه موقفًا استثنائيًا سبّب حرجًا كبيرًا لدول أكثر غنى وتقدمًا، وأثّر على مواردها الأساسية من العملة الصعبة، سواء كانت من السياحة أو تحويلات العاملين في الخارج أو التجارة الدولية التي تمر من قناة السويس أو الصادرات المصرية إلى العالم الخارجي، وأمور أخرى غير قليلة. لم تفقد مصر اتزانها، واستمرت قدر استطاعتها وأمان مواطنيها في التنمية حتى باتت مستعدة لاستعادة الانطلاق مرة أخرى. كان الصندوق يعلم جيدًا أن مصر قبل الجائحة لم تكن ترغب في الاقتراض مرة أخرى، كانت تريد الاستماع إلى نصائح فنية، والاستفادة من دروس دول أخرى نعم، ولكنها لم تكن في حاجة إلى قروض جديدة.
المعركة التي خاضتها مصر مع ذلك كانت مع تحالف من الأعداء حاولوا التدخل لوقف قرضي البنك، مستخدمين كل أدوات الدعاية السوداء والإرهاب الفكري. ثماني جماعات “حقوقية” متعددة الجنسيات قامت بمطالبة الصندوق برفض منح مصر القروض التى كانت تسعى إليها، واستندت المطالبة إلى القائمة المعروفة من الاتهامات، مضافًا إليها ما تيسر من اتهامات “الفساد” وإعطاء القروض للقوات المسلحة المصرية. قناة الجزيرة القطرية ومجموعة قنوات الإخوان المنتشرة بين اسطنبول والدوحة ولندن أخذت الادعاءات، وراحت ترددها صباح مساء، مع القيام بعمليات التدوير المعروفة، فـ”هيومان رايتس واتش” تستند إلى مصادر الإخوان، باعتبارهم مَن يعرفون الحقيقة في مصر، ثم يعود الإخوان إلى الادعاء استنادًا إلى ما تقوله المنظمة الأميركية، على أساس أن ما يأتي من واشنطن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!.
المعزوفة كلها منسقها العام هو الإخوان، الذين باتوا فجأة من أنصار الديمقراطية والمساواة بين البشر، ومن أنصار القومية العربية، والباحثين عن الشمول والشفافية، ونصرة الفقراء. لاحظ هنا أن كل هؤلاء لم يقرأوا ولم يشيروا إلى أي من تقارير صندوق النقد الدولي السابقة، وهي كثيرة ومعلنة، ومعها تقرير البنك الدولي ومؤسسات دولية خاصة كثيرة تصدر تقارير دولية دورية عن الاقتصاد المصري. لم ينظر أي من هؤلاء فى مسيرتهم الخائبة عن الاقتصاد المصري من أول إنشاء “قناة السويس” الجديدة وحتى افتتاح قصر البارون إمبان قبل أيام. ست سنوات من التنمية المستمرة للبنية الأساسية، والحفاظ على التوازن المالي للدولة، وانخفاض معدلات البطالة والتضخم، وارتفاع قيمة الجنيه المصري، بعد هوان لسنوات طويلة. الرقم الوحيد الذي يتشدق به الجميع مصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، والذى رصد أن ٣٢٪- أى ٣٢ مليونًا- من المصريين فقراء، ولكن مع هذا الرقم الصحيح لا ترد أرقام أخرى، منها أن ١٨ مليونًا منهم يقعون في دائرة الحماية الاجتماعية، وأن هؤلاء الذين عاشوا يومًا في تضخم ٣٤٪ باتوا يعيشون فى ٧٪، والبطالة التي كانت ١٤٪ هبطت إلى ٨٪، ومعدل النمو الذي كان ١.٨٪ فى زمن الإخوان بات ٥.٦٪ قبل الجائحة مباشرة، وفي ترتيب هو الأعلى في منطقة الشرق الأوسط، والثالث بعد الصين والهند فى العالم.
لحسن الحظ أن الصندوق كان يعرف ذلك كله، ولما كان ليس من مهامه الاستماع إلى ما يقوله الإخوان وأتباعهم من الجماعات الأخرى، فإنه مضى في الطريق الذي ترسمه له قواعد العمل المؤسَّسية في التعامل مع الدول الأعضاء. ولكن ذلك ليس ما تريده الجماعة، هي تريد معاملة خاصة لمصر، ومَن يقيم فيها الادعاء هو “إيمي أوستن هولمز”، في مقال لدورية “السياسة الخارجية” الأميركية، بعنوان: “قروض صندوق النقد الدولي سوف تعمق الفساد في مصر أكثر”.
الصفة التي ذُكرت للسيدة أنها كانت زميلًا زائرًا في جامعة هارفارد، وهي الآن أستاذ مساعد في علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في القاهرة. السيدة في المقال تعدد القائمة المعروفة للإخوان وقناة الجزيرة وتوابعها، وفوقها فإنها تطلب من الصندوق معاملة خاصة لمصر بتشكيل هيئة خاصة للرقابة على إنفاق الأموال في مصر. ما ورد في المقال يعكس أولًا: جهلًا كاملًا بالكيفية التي يعمل بها الصندوق- ولو كانت هذه المعرفة متوافرة لكان منح القروض لمصر شهادة عالمية بالبراءة من كل الاتهامات التي وجّهتها- وثانيًا: جهلًا كاملًا بمصر، بل إنه في المنطقة التي تقع خلف أسوار الجامعة الأميركية ما يكفي لمعرفة إلى أين تسير مصر في الواقع وعلى الأرض، أما ما بعدها فيبدو أن السيدة لا تريد أصلًا أن تعرف شيئًا عن تطبيق “رؤية مصر ٢٠٣٠”، التي عطّلتها الجائحة قليلًا، ولكنها سوف تستأنف الانطلاق مرة أخرى. كسبت وانتصرت مصر في المعركة مع الصندوق، وخسرت “الجزيرة” و”الإخوان” والسيدة، التي لا تعرف مصر ولا الصندوق.
المصدر: المصري اليوم
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر