سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ميرفت محمد
ما تزال وسائل الإعلام -خاصة العراقية- تشعرنا أن استعادة مدينة الموصل التي سيطر عليها “تنظيم داعش” منذ يونيو/حزيران 2014 قاب قوسين أو أدنى، فهي لا تكف عن الإيحاء بالأدلة على قرب انتهاء المعركة لصالح القوات العراقية وميليشا الحشد الشعبي والتحالف الدولي، تلك المعركة التي انطلقت ضد بضعة آلاف من مقاتلي (داعش) منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول.
في الحقيقة، يرى كل متابع لهذه المعركة أن التنظيم الذي يقاتل بضراوة وعنف متمسك بالقتال حتى الموت والشهادة، في آخر وأكبر معقل له في العراق و في ظل رجاحة ميزان القوى لصالح 50 ألف مقاتل عراقي يشاركون في المعركة، فهؤلاء هم من يستخدمون مكبر الصوت في المسجد لدعوة الجيش للاستسلام، ودعوة المدنيين العراقيين لرؤية خسائر الجيش العراقي و”المرتدين” في المستشفيات.
وبالطبع يعود ذلك في دافعه الرئيس إلى الانطلاق من العقلية الإسلامية السلفية-الجهادية التي تجعل الخيار واحدًا دائمًا وهو الموت أو الشهادة، ولذلك كان توجه التنظيم نحو العمليات الانتحارية التي أطالت عمر المعركة منطلقًا من هذه العقلية، إذ يتمسك (الداعشيون) بنهج عدم الاستسلام، البعض أرجع هذا النهج إلى الرسالة الصوتية لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي التي قالت القوات الأمريكية أنها وجدتها في هاتف عنصر من التنظيم قتل في المعركة، البغدادي كعادته قال : “إياكم والضعف عن جهاد عدوكم ودفعه ….ثمن بقائكم في أرضكم بعزّكم أهون بألف مرة من ثمن انسحابكم عنها بذلّكم”، ودعاهم أيضًا إلى “تحويل ليل الكافرين نهاراً.. خربوا ديارهم.. واجعلوا دماءهم أنهارا”.
إني أعتقد أن رسالة البغدادي ليست الدليل الوحيد على قناعة المقاتل الداعشي بأن الاستسلام يعني تلقائيًا هو الموت، فكل الخيارات تصب في خانة التأكيد على أنه لا سبيل أمامه في التراجع عن القتال حتى الرمق الأخير، هؤلاء مصرون على البقاء في القتال حتى تفتيت أجسادهم مع أجساد غيرهم من عناصر الجيش العراقي المسلم، وهم لن يستجيبوا لما قاله رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عندما خيرهم قائلًا “لا خيار أمامهم. أما أن يستسلموا أو أن يموتوا”، فهم يدركون جيدًا أن الموت ينتظرهم في حالة الاستسلام والتراجع عن قتال القوات العراقية، فسواء استسلموا أو استمروا في القتال سيقتلون لا محالة.
هنا سبب آخر، يرسخ قناعة عدم الاستسلام لدي عناصر التنظيم، هناك عقاب ينتظر المقاتل من التنظيم نفسه، فالاستسلام للعدو لدى (داعش) عقوبته القتل، يُقتل كل من يهرب من المعركة، أو يفكر بالانسحاب أو الاستسلام، وسبق وأن قتل التنظيم عناصر حاولت الفرار من المعركة، وشهدت الموصل نفسها كما قال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان “قتل التنظيم 50 من مقاتليه بقاعدة الغزلاني العسكرية في الموصل لاتهامهم بالفرار”.
إذًا، نهج الاستسلام لدي عناصر التنظيم غير وارد بالمطلق، وهو ما يضعنا أمام تساؤل: كيف يمكن لنا إعادة العناصر التي قد تفيق من جريمة القتال تحت راية الإسلام وتقتل المسلمين أنفسهم؟ كيف يمكن حثها على الكف عن القتال دون أن يكون المقابل هو موتها؟ لربما لا يمنعني الاستعراض السابق من الحديث عن أهمية وجود آلية ما، يكون هدفها تحقيق دفع لعناصر تنظيم الدولة وغيرهم من التنظيمات المتطرفة نحو الاستسلام والتراجع الذي يضمن لهذه العناصر فرصة للعودة والاندماج في المجتمع، أو حتى قبول عقاب قانوني مناسب يحثهم على التفكير بالأمر الصواب تجاه مجتمعهم.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر