سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. عبدالله المدني
لم تكن إعادة انتخاب شي جين بينج زعيما للصين لفترة ثالثة مدتها خمسة أعوام في ختام أعمال المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الحاكم في بكين حدثا مفاجئا، إنما جاءت المفاجأة من صعود لي تشانج Li Qiang إلى مرتبة الرجل الثاني في الدولة والحزب. فالأخير، الذي كان إلى وقت قريب زعيما للحزب الشيوعي الصيني في شنغهاي “من تشرين الأول (أكتوبر) 2017 إلى أكتوبر 2022″، وكان قبله زعيما للحزب في جيانكسو “من حزيران (يونيو) 2016 إلى أكتوبر 2017″، وحاكما لإقليم جيجيانغ الريفي شرق الصين “من كانون الأول (ديسمبر) 2012 إلى يونيو 2016” سيصبح بهذه الصفة رئيسا للحكومة وساعدا أيمن لزعيم البلاد القوي، بل سيؤهله ذلك لقيادة الصين يوما ما “خصوصا أنه من مواليد 1959 أي أنه في الـ63″، على نحو ما حصل عدة مرات في الصين منذ رحيل المعلم ماو تسي تونج في 1976.
شكل الحدث مفاجأة لكل المراقبين ووسائل الإعلام في الداخل والخارج لأن الجميع فشل في توقع اسم لي تشانج في موقع الرجل الثاني في قيادة الصين، والشخصية البديلة للرفيق لي كه تشانج، رئيس الوزراء المطاح به مع ثلاثة آخرين في مؤتمر الحزب الأخير من ضمن السبعة الذين يشكلون اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم، إذ كانت التوقعات السائدة هي أن رئيس الوزراء المقبل سيكون وانج يانج، لكن الأخير كان من بين الأربعة الذين تم إقصاؤهم لمصلحة مجموعة جديدة أصغر سنا.
لكن ما الأسباب التي أدت إلى صعود لي تشانج؟ أو بعبارة أخرى ما العوامل التي أسهمت في اختياره من قبل سيده شين جين بينج؟
الحقيقة أن ولاء الرجل التام لسيده هو أحد هذه العوامل، حيث جرت العادة في الأنظمة الشمولية أن يسبق الولاء للقائد أي شيء آخر عند التعيينات العليا. وتشانج أثبت ولاءه منذ أن كان مساعدا لجين بينج في إدارة إقليم جيجيانغ وكاتبا لخطبه. غير أن ولاءه هذا تصحبه أيضا مؤهلات علمية وقدرات عملية من تلك التي يحتاج إليها جين بينج لتحقيق أحد أحلامه وتطلعاته ذات الصلة بمستقبل الصين، المتمثلة في تحويل البلاد إلى دولة تديرها حكومة رقمية ذكية. فالمعروف على نطاق واسع أن جين بينج يرى ضرورة أن توكل عملية تحقيق هذا الحلم إلى مؤسسات القطاع الخاص بعد أن ثبت لديه بالدليل القاطع أن مثل هذه المهمة لو أعطيت لشركات القطاع العام التابعة للدولة، فإنها ستقوى نفوذا وسلطة وتزداد فسادا.
وإذا ما أخذنا كل ذلك في الحسبان، فإن لي تشانج هو الشخص الأنسب والأقدر لتولي المهمة، لكونه من المتمرسين في مجال تكنولوجيا الأعمال ومن أشد المؤمنين بأن مستقبل الصين يكمن في الاقتصاد الرقمي، بل يرى أن لا مستقبل للصين إلا بتنمية هذا القطاع وتطويره والإنفاق عليه. هذا فضلا عن أنه صاحب سجل حافل في الابتكار المالي والاقتصادي في منطقة التجارة الحرة بشنغهاي، وكان صوت جاك ما يون رجل الأعمال الصيني الناجح ومؤسس “مجموعة علي بابا القابضة” الضخمة العاملة في مجال التجارة الإلكترونية داخل أروقة الحزب الشيوعي الصيني. من ناحية أخرى، يعد الرجل مؤهلا أكاديميا للاضطلاع بمهمته فهو خريج إدارة الأعمال، وحاصل على درجة الماجستير من “جامعة هونج كونج بوليتكنيك” التي تعد الجامعة رقم واحد على مستوى آسيا ولا ينافسها إلا المعهد الهندي للتكنولوجيا في بومباي IITB.
صحيح أن الرجل فشل، بصفته السابقة كزعيم لمدينة شنغهاي، في الحيلولة دون ظهور كوفيد – 19 مجددا في هذه المدينة الكبرى، بدليل عودة الوباء إليها فجأة خلال الأشهر القليلة الماضية، ما أحرج القيادة الصينية وأفزع العالم مجددا، خصوصا أن بكين كانت على وشك الاحتفال رسميا بانتصارها التام على الوباء “لعل فشله هذا هو ما جعل المراقبين يستبعدون صعوده ولا يتوقعونه”.
لكن الصحيح أيضا هو أن تشانج برهن عمليا أكثر من مرة على قدرات إدارية فذة خلال شغله منصب سكرتير الحزب الشيوعي في شنغهاي، ولا سيما لجهة جذب الاستثمارات الخارجية، فمثلا، على الرغم من ظروف الصين الوبائية الحرجة في أوج جائحة كورونا في 2021، نجح في زيادة الاستثمارات الأجنبية بـ32 في المائة، واستطاع قبل ذلك أن يقنع الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، صاحب شركة تسلا للمركبات الكهربائية، بالقدوم إلى الصين والاستثمار فيها. ليس هذا فقط بل قام تشانج بجهود جبارة لكي يثبت لماسك أنه استثمر أمواله في المكان الصحيح. ففي خلال عشرة أشهر من توقيع عقد المشروع المشترك مع ماسك لتصنيع الآلاف من السيارات الكهربائية سنويا، كانت استثماراته الصينية قد انتقلت بصورة مدهشة من مرحلة الإنشاء إلى مرحلة التشغيل والتفريخ.
ونخالة القول، إن كل المؤشرات تفيد بأن جين بينج وجد ضالته في معاونه القديم تشانج، ليرافقه في تحقيق كل أو بعض ما جاء في تقريره الأخير أمام المؤتمر الـ 20 للحزب الحاكم، وهو تقرير ركز فيه الزعيم الصيني على الابتكار التكنولوجي، وتطوير المواهب في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، من أجل جعل الصين اقتصادا متفوقا بحلول 2035، الأمر الذي يستوجب تحقيق معدلات نمو سنوية تراوح بين 4 و5 في المائة.
المصدر: صحيفة الاقتصادية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر