مستقبل الطاقة النووية | مركز سمت للدراسات

مستقبل الطاقة النووية

التاريخ والوقت : السبت, 4 يناير 2025

أحمد مصطفى

في ظل رئاستها للدورة الحالية للاتحاد الأوروبي تعمل المجر على الدفع باتجاه تبني دول الاتحاد استراتيجية للتحول إلى توليد الكهرباء من محطات تعمل بالطاقة النووية وتوجيه الاستثمارات نحو ذلك الهدف على حساب مصادر الطاقة المتجددة، كانت فرنسا سبّاقة وأعادت الاهتمام الأوروبي بالطاقة النووية مؤخراً مع تشريع اعتبارها أحد مصادر الطاقة النظيفة.

منذ بداية حرب أوكرانيا وفرض العقوبات على روسيا، أصبحت أوروبا في وضع صعب بالنسبة لتلبية احتياجاتها من النفط والغاز اللازمين لتوليد الطاقة، إذ كانت أوروبا تعتمد على استيراد نحو نصف احتياجاتها من روسيا، ومع توالي العقوبات وحظر الاستيراد من روسيا والضغط الأمريكي للتخلي عن واردات الطاقة منها، أصبحت أوروبا تعتمد على استيراد معظم النفط والغاز الطبيعي المسال من مصادر أخرى، وهو أعلى سعراً من الغاز عبر الأنابيب الذي كانت تشتريه من روسيا، وتأتي الولايات المتحدة في مقدمة الدول المصدرة للغاز المسال إلى أوروبا، وفي العام المنصرم راكمت شركات الطاقة الأمريكية الكبرى عشرات المليارات من الدولارات من الأرباح الإضافية ثمن منتجات الطاقة المصدرة إلى أوروبا.

وقد جهت دول أوروبا أغلب الاستثمارات الجديدة في مجال الطاقة نحو مصادر الطاقة المتجددة من الرياح والشمس وغيرها، في سياق تأمين مصادر الطاقة في ظل الأوضاع الجديدة، حتى فرنسا، التي تُعد الأولى أوروبياً في استخدام محطات الطاقة النووية وتولد أكثر من نصف الكهرباء منها، لم تستثمر كثيراً في محطات جديدة من هذا النوع.

ومع تطوير دول في آسيا وأمريكا الشمالية لنوع جديد من مفاعلات الطاقة النووية لمحطات توليد الكهرباء «مفاعلات النموذج الصغير»، تسعى أوروبا الآن للحاق بركب الطاقة النووية الذي تخلفت عنه في العقدين السابقين، من ناحية لتوفير مصادر طاقة جديدة خاصة وأن المصادر المتجددة لا توفر قدراً كبيراً من احتياجات الطاقة الأوروبية رغم الاستثمارات الهائلة فيها في السنوات الأخيرة، ومن ناحية أخرى لمواصلة السعي نحو تحقيق أهداف مكافحة التغيرات الماخية بالتحول في مجال الطاقة بعيداً عن الوقود الأحفوري المسبب للانبعاثات الكربونية.

من شأن التوجه الأوروبي الجديد أن يعزز توجهاً عالمياً نحو توليد الطاقة من محطات تعمل بالوقود النووي، خاصة مع تطوير دول مثل كوريا والصين والولايات المتحدة للمفاعلات الصغيرة، صحيح أن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة الأخرى لن يتوقف، لكن الطاقة النووية تُعد أكثر فعالية لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الكهرباء.

وقد بدأت دول في المنطقة تبني هذا التوجه، في مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي لديها الآن أربع محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية وكذلك مصر التي على الطريق وأيضاً السعودية وغيرها، مع التوسع في توليد الطاقة من محطات نووية يزيد الطلب على الوقود النووي، وتحديداً خام اليورانيوم وأيضاً على صناعة معالجته وتخصيبه.

هنا تبرز أهمية دول مثل كازاخستان، التي لديها أكبر احتياطي من الوقود النووي في العالم تقريباً، إلى جانب دول إفريقية مثل النيجر وغيرها. كما أن السعودية فيها احتياطيات غير مستغلة من اليورانيوم أيضاً.

تظل روسيا حتى الآن من أكبر الدول التي تعمل على معالجة وتخصيب اليورانيوم، أي تنقية الخام المستخرج بالتعدين إلى ما تسمى «الكعكة» الصفراء وتخصيب اليورانيوم حتى يصل إلى النظائر التي تستخدم في محطات توليد الطاقة، ورغم وجود مناجم لليورانيوم في الولايات المتحدة مثلاً، إلا أنها ما زالت تعتمد على استيراد قضبان الوقود النهائية من روسيا مثلها مثل كثير من الدول.

في إطار تغيير سلاسل الإمداد العالمي، في الطاقة وغيرها، تعمل الولايات المتحدة حالياً على تطوير صناعة تنقية وتخصيب اليورانيوم مثلما تفعل الصين وغيرها من الدول. كل ذلك يؤدي إلى توسع قطاعات جديدة تزيد من النشاط الاقتصادي ويرفد الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً -طبعاً- عن تأمين احتياجات الطاقة العالمية من مصادر نووية نظيفة.

لذا نجد شركات التعدين الكبرى التي تعمل في مجال التعدين واستخراج اليورانيوم، مثل الشركات الكندية والأسترالية والفرنسية، تضع حالياً خططاً للتوسع والاستثمار أكثر في المواقع التي تعمل بها واستكشاف مواقع جديدة في البلدان التي يثبت وجود احتياطيات من اليورانيوم فيها. على سبيل المثال، هناك احتياطيات كبيرة محتملة من اليورانيوم في أفغانستان، إلا أن عدم استقرار السلطة السياسية فيها يعيق حتى الآن الاستثمار في استخراجها والاستفادة منها. وسبق أن أبدت الصين اهتماماً باليورانيوم في أفغانستان لكن لم يحدث تقدم كبير حتى الآن.

ربما لم يستقر في أذهان العامة بالنسبة للطاقة النووية غير استخدامها في إنتاج أسلحة دمار هائل، لكن التوسع في استخدام الوقود النووي لإنتاج الطاقة من محطات التوليد كفيل في مدى قصير أن يغير من تلك الصورة الذهنية عن الطاقة النووية، ولعل حاجة العالم لمزيد من الكهرباء، لتلبية المتطلبات الهائلة لمراكز تشغيل البيانات الكبرى مثل تلك الخاصة بالذكاء الاصطناعي وحتى لتعدين العملات المشفرة، تزيد من الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

يتوقع أن تشهد السنوات المقبلة حتى منتصف هذا القرن مزيداً من محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية، في أوروبا وغيرها من أنحاء العالم، وهكذا تتوسع قاعدة المعرفة والمهارة التقنية في التعامل معها بما يحقق السلامة والأمن، وذلك على عكس الفكرة التقليدية عن أن اليورانيوم والمفاعلات النووية هي للاستخدام العسكري المدمر فحسب.

المصدر: الخليج

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر