سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في ظل أحداث عالمية متتالية وأزمات تلاحق منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع، وأزمات إيرانية مع العالم، وسعي العالم للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، وبخاصة النووية، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ليلمحا إلى إمكانية وجود اتفاق جديد بشأن “البرنامج النووي الإيراني” يبنى على أسس قوية ليكون بديلاً عن الاتفاق الحالي الذي يراه ترمب معيبًا، وهو من المنتظر أن يبدل ملامح الأزمة إذا ما تمَّ إبرامه؛ إذ إن الجدل مستمر حول استمرار إيران في برنامجها الصاروخي والنووي ومستقبل ذلك البرنامج، بعد التقارير التي أشارت إلى عزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، على الانسحاب من الاتفاق وفرض عقوبات إضافية على طهران.
نقاط اعتراضية
فمنذ تولي ترمب الرئاسة الأميركية، وهو يلمح إلى رفضه للاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع القوى الكبرى (5+1) إبان فترة سلفه باراك أوباما، والذي سيجد ترمب نفسه مضطرًا للتوقيع عليه في الثاني عشر من مايو المقبل، إلا أنه أكد – في يناير المنصرم – أن تلك هي المرة الأخيرة التي يمدد فيها تعليق العقوبة على إيران.(1)
ويبدو أن نظيره ماكرون، قد بدأ يحذو حذوه هو الآخر- حتى وإن كان ذلك يتخذ صورة غير واضحة – وهو ما اتضح من حديثه حول ضرورة احتواء الوجود الإيراني في المنطقة وتشديده على ضرورة أن يشمل الاتفاق الجديد – إذا ما تمَّ إبرامه – مراقبة حالية لبرنامج طهران النووي وأنشطتها الصاروخية في المستقبل البعيد، بدلاً من فترة العشر السنوات التي نصَّ عليها الاتفاق السابق. فطبقًا للاتفاق الحالي، فإن القيود على طهران ستنتهي في 2025، وهو ما يسمح لها بمواصلة أنشطتها النووية دون مراقبة؛ لذا نرى أن ما طرح حول استمرار المراقبة في المستقبل البعيد، من المحتمل أن يعزز من مراقبة الأنشطة النووية لإيران حتى بعد انتهاء العشر السنوات التي نصَّ عليها الاتفاق السابق، فضلاً عن حديث الرئيس الفرنسي حول ضرورة العمل بخطة مشتركة مع الرئيس ترمب في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة سوريا، وهو ما يلمح إلى رفضهم لتمادي التدخلات الإيرانية في شؤون جيرانها العرب وكونها رقمًا هامًا وأساسيًا يراهن عليه بشار الأسد في الأزمة السورية الدائرة، إلا أنه – وفي نفس الصدد – يرى ماكرون أنه ستكون هناك “خطورة كبيرة ” إذا ما تخلى ترمب عن الاتفاق.
ويبدو أن ترمب كان يريد أن يتضمن الاتفاق السابق، قضية اليمن وسوريا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط، وهو ما يعزز ما ذكرناه – آنفًا – حول رفضه للتدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية وإشعال طهران لمشكلات عدة في تلك المنطقة.(2)
وتمثل رؤية ترمب لكون الاتفاق السابق لم يفعل شيئًا يذكر فيما يتعلق بوقف الدعم الإيراني للجماعات المسلحة في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، نقطة اعتراضية أخرى على الاتفاق السابق، وهو ما نراه صائبًا؛ إذ إن إيران تسير بصورة واضحة في اتجاه إثارة المشكلات وتهديد الأمن العربي والدولي، فهي تدعم حزب الله اللبناني – وهو أحد اللاعبين الأساسيين – في الأزمة السورية، وتمد الحوثيين في اليمن بالأموال والأسلحة والصواريخ الباليستية التي تطلقها على الأراضي السعودية، وتسعى لإثارة القلاقل في البحرين وتهدد أمنها الداخلي.
ويرى ترمب – أيضًا – أن الاتفاق ما كان يجب إبرامه، وأن إيران ستواجه مشكلة كبرى إذا ما أرادت إطلاق برنامجها النووي مرة أخرى؛ لأنها تسبب مشكلات بالمنطقة، فالدعم الإيراني للحوثيين ولحزب الله، هو خير مثال على ذلك.(3)
ردود فعل دولية
ردود الفعل العالمية جاءت – حتى الآن – غير مؤيدة لما يبتغيه ترمب، وهو ما نستدل عليه من الزيارة المرتقبة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لواشنطن، التي من المتوقع أن تحمل محاولة لإثناء ترمب عن السير في طريق إبرام اتفاق جديد، فترمب طالما انتقد الاتفاقية التي وقعتها القوى الخمس الكبرى (ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين) مع إيران.
ومن الطبيعي، أن ترفض موسكو هي الأخرى، تعديل الاتفاق، وظهر هذا جليًا في حديث ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، أن الحديث حول البرنامج النووي لطهران يثير قلقًا لدى موسكو، إذ إن روسيا أعلنت عدم رغبتها في إدخال تعديلات على الاتفاقية، لافتة إلى أن ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة وسيضر بنظام عدم الانتشار.(4)ويبدو أن “زاخاروفا” التي دعت المشاركين في النزاع في اليمن للالتزام بالقانون الدولي والابتعاد عن الممارسات المضرة للشعب اليمني، غير مدركة لما تفعله طهران باليمن ودعمها للحوثيين وإضرارها بالشعب اليمني.
الأمر الذي نراه متوقعًا في ظل تقارب وجهات النظر الروسية والإيرانية، خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية ودعم بشار الأسد، بالإضافة إلى تضاد المصالح الروسية مع المصالح الأميركية، وسعي روسيا للظهور كقطب عالمي مواجه للولايات المتحدة، وسعي بوتين لبسط نفوذه عالميًا. ومن الجليّ – أيضًا – أن روسيا تسعى هي الأخرى، للحفاظ على مصالحها فيما يتعلق بالإنتاج النووي، إذ تمتلك روسيا – أيضًا – عدداً هائلاً من الرؤوس النووية الموجودة في العالم.
ولعل حديث كريستوفر فورد، نائب وزير الخارجية الأميركي، حول رغبة الولايات المتحدة في إيجاد اتفاق يضع المزيد من القيود على البرنامج الصاروخي لإيران، يعزز ما ذكرناه – آنفًا – حول ضرورة وجود مراقبة فعالة بدرجة كبيرة للأنشطة النووية والصاروخية لإيران حتى بعد انتهاء العشر السنوات المقرر لها في الاتفاق الحالي.(5)
المملكة العربية السعودية ربَّما تكون مؤيدة – بدرجة كبيرة – لسياسة ترمب تجاه إيران، ومؤيدة – أيضًا – لتعديل الاتفاق النووي معها وفرض عقوبات إضافية عليها، وهو ما اتضح من حديث وزير خارجيتها عادل الجبير، الأمر الذي نراه مستندًا إلى سعي إيران الواضح لزعزعة أمن المملكة ودعمها للحوثيين وإمدادهم بالصواريخ الباليستية التي يطلقونها على أراضي المملكة، وهو ما أكده حديث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو – أيضًا – حول إثارة إيران لزعزعة أمن المنطقة عن طريق ميليشياتها، وهو ما يعطي مؤشرات عدة على قرب تعديل الاتفاق.(6)
ردود فعل إيرانية
تحذيرات الرئيس الإيراني حسن روحاني، من انسحاب واشنطن من الاتفاق وتهديده بعواقب وخيمة إذا ما تمَّ ذلك، وتأكيدات وزير خارجيته محمد جواد ظريق، تنبئ باستمرار إيران في تحديها للولايات المتحدة ومضيها في استكمال برنامجها وتخصيب اليورانيوم. ويتضح ذلك – أيضًا – من حديث المرشد الأعلى علي خامنئي، ووصفه لحركات ترمب بـ”الاستكبار” و”الاستقواء”، وحديثه المتجني على الدول العربية بأنها لن تصمد بدون الولايات المتحدة، والذي ينذر بعدم احترام إيران للاتفاقيات ورغبتها الدائمة في إثارة المشكلات وافتعال الأزمات، فمن غير المتوقع صمت الرئيس ترمب إزاء تلك التصريحات.
وحديث مستشار المرشد الأعلى، علي أكبر ولايتي، حول انسحاب طهران من الاتفاق إذا ما انسحبت واشنطن منه، وقوله إن بلاده تعتقد أن استرضاء ترمب سيجعل الاتفاق لا قيمة له، ينبئ – أيضًا – بما ذكره سابقوه، بأن إبرام اتفاق نووي جديد من شأنه أن يغيِّر مسار الأزمة وبرنامج إيران جذريًا.(7)
ويبدو أن إيران لن تقبل بانسحاب الولايات المتحدة وإلغاء الاتفاق الذي وقعته مع القوى الخمس الكبرى، والذي وجدت فيه ضالتها برفع العقوبات المفروضة عليها والإفراج عن عشرات المليارات من الدولارات من أصول إيرانية التي كانت مجمدة (8)
تداعيات وسيناريوهات محتملة
انسحاب واشنطن من الاتفاق أو تعديله أو إلغائه – بالطبع – سيلقي بظلاله على العالم أجمع، وليس على إيران فحسب، وهذا ما اتضح من تأكيدات الاتحاد الأوروبي على لسان مسؤولة سياسته الخارجية التي رأت أنه من الضروري الحفاظ عليه كما هو قائم، إذ إنها ترى أن إيران قد التزمت بتعهدات الاتفاق(9)وما يراه الرئيس الأميركي غير صائب.. الأمر الذي بنذر بتوتر الأجواء بين ترمب والاتحاد الأوروبي إذا ما تمَّ إدخال تعديلات على الاتفاق أو إلغاؤه، فضلاً عن التصادم مع المصالح ووجهات النظر الروسية التي ترى – أيضًا – ضرورة عدم تعديل الاتفاق أو إبرام غيره، وهو السيناريو المحتمل الأول للمشهد.
السيناريو الآخر، يمكن أن ينمَّ عن أن تصريحات ترمب، تشير إلى مسار آخر تريد به التهديد بالانسحاب، وليس الانسحاب الفعلي وخلط الأوراق لإعاقة السلوك الإيراني ووضعه في زاوية يمكن من خلالها للغرب القيام بمحاصرته مجددًا.
السيناريو الثالث، هو أن يبقى الوضع كما هو عليه، فليست تلك المرة، هي الأولى التي يتحدث فيها الرئيس الأميركي عن تعديل أو إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، فترمب أطلق تهديدات عدة بشأن الاتفاق النووي وبرنامج إيران الصاروخي، وتصنيف الحرس الثوري كجماعة إرهابية، إلا أنه لم يتخذ قرارات مؤثرة في هذا الصدد.
وهناك سيناريو آخر مطروح في هذا الصدد، وربَّما يكون الأقرب، وهو أن يتم – بالفعل – تعديل الاتفاق وفرض مزيد من العقوبات على إيران؛ نظرًا لكونها تزعزع أمن جيرانها وتمثل خطورة على العالم ببرنامجها النووي والصاروخي، وهو ما لمّح إليه ترمب مرات عدة.
وفي الأخير، فإن تلميحات ترمب إلى إمكانية إلغاء الاتفاق النووي الحالي، وإبرام اتفاق جديد يزيد من القيود على البرنامج النووي والصاروخي لإيران، من شأنه أن يغير مسار البرنامج النووي الإيراني، وأن يثير ردود فعل دولية متباينة بين مؤيد ومعارض، ومن شأنه أن يزيد من المشاحنات بين ترمب وبعض القوى العالمية الأخرى كالاتحاد الأوروبي وروسيا.. فنحن الآن أمام سيناريوهات عدة، فإمَّا أن يتم تغيير الاتفاق وانتظار ردود فعل غير واضحة بعدُ، أو يبقى الوضع كما هو عليه.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
1- ترمب وماكرون يلمحان إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، بي بي سي.
2- ترمب: الاتفاق النووي مع إيران غير معقول وما كان ينبغي إبرامه، سبوتنيك.
3- ماكرون يعتقد أن ترمب سينسحب من الاتفاق النووي مع إيران، بي بي سي.
4- موسكو ترفض تعديل الاتفاق النووي مع إيران، روسيا اليوم.
5- الخارجية الأميركية: نسعى لوضع وثيقة ملحقة بالاتفاق النووي، روسيا اليوم.
6- الجبير: نؤيد سياسة ترمب تجاه إيران.. وبومبيو: طهران تزعزع أمن
المنطقة، سي إن إن عربية.
7- الاتفاق النووي الإيراني، سي إن إن عربية.
8- ما هي أبرز نقاط الاتفاق النووي الإيراني؟ دويتش فيله.
9- تأثير انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني على علاقاتها بالدول الكبرى، سبوتنيك. https://bit.ly/2zY8GQn
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر