سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
يضرب الإسلام السياسي في أوروبا بجذوره في مرحلة الحرب العالمية، حيث نشأت علاقات بين ألمانيا بقيادة “هتلر” والتيار الديني الذي كان منخرطًا في الحركة الوطنية ضد الاستعمار البريطاني.
وكجزء من استراتيجية مواجهة دول الحلفاء لجأ “هتلر” إلى استخدام قوى الإسلام السياسي، خاصة في المناطق الغنية بالشباب المسلم، وكذلك الثروات النفطية كالشرق الأوسط ودول البلقان (ألبانيا، وكوسوفا، والهرسك)، وقد تلاقت مخططات ألمانيا ورغبات الإسلام السياسي بالتمدد خارج حدودهم الوطنية ليسفر ذلك عن العديد من التطورات كان أهمها تخصيص مسجد شهير في مدينة ميونيخ، وهي ثالث أكبر المدن الألمانية وعاصمة ولاية بافاريا؛ حيث مثل ذلك المسجد قناة تسلل من خلالها الإخوان إلى باقي المجتمع الألماني، ثم أوروبا.
ونتيجة لتوافق في الرؤى بين قوى الإسلام السياسي والرأسمالية العالمية المتمددة آنذاك، شهدت سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، حركة واضحة في تجنيد الشباب المسلمين، كما لعب دورًا في تجاوز الحدود الدينية إلى السياسية حتى أصبح فيما بعد مقرًا للتنظيم الدولي للإخوان، الذي تحول إلى قاطرة تجر كافة حركات الإسلام السياسي حيث ارتبط جميعها بمعين فكري واحد.
وفي أعقاب ثورة يوليو 1952 في مصر، وقع صدام بين “جماعة الإخوان المسلمين” وحركة “الضباط الأحرار”، حيث حاولت الجماعة استغلال الحالة العدائية بين نظام جمال عبدالناصر والقوى الغربية للتمكن من الانتشار في الأوساط الغربية، فتأسست أولى المؤسسات التابعة “للإسلام السياسي” تحت مسمى “الجمعية الإسلامية في ألمانيا” (IGD).
نشوء الإسلام السياسي في أوروبا
رغم تجذر حضور الأصوات الممثلة للإسلام السياسي في أوروبا في عمق سنوات الحرب العالمية الأولى وانتقال شباب البلقان والأتراك (المسلمين) في إطار عمليات إعادة الإعمار التي شهدتها القارة الأوروبية خلال سنوات ما بعد الحرب، فإن ثمة اتفاقًا بين الأدبيات على إرجاع الوجود المنظم Organizedلقوى الإسلام السياسي إلى جماعة الإخوان عبر سعيد رمضان، السكرتير الشخصي لمؤسس الجماعة حسن البنا، حيث هرب “رمضان” من الصدام مع النظام الحاكم في مصر، ليستقر في ميونخ لتولي إدارة المركز الإسلامي هناك، وبعدها انتقل إلى جنيف حيث قام بتأسيس مركز آخر تابع للجماعة عام 1961م.
أعقب سعيد رمضان، هجرة أعداد كبيرة من المنتمين إلى الجماعة خلال تلك المرحلة، سواء من مصر أو ممن اصطدموا بنظام البعث في سوريا، وفي تلك المرحلة ظهر يوسف ندا، وحسن العطار، العقلان الرأسماليان لجماعة الإخوان، رغم اقتصار النشاط الظاهر – آنذاك – على المظاهرات المناصرة لقضايا العالم العربي.
وخلال مرحلة الستينيات، ظهر الجيل الثاني من مهاجري الجماعة للداخل الأوروبي هربًا من الأوضاع المجتمعية والاقتصادية، لتتحول أوروبا خلال تلك المرحلة من وطن مؤقت لهم لوطن مستقر، وتتغير المفاهيم المسيطرة عليهم بالانتقال لمفهوم الشعور بالهوية الأوروبية ومحاولة إبرازها بعد فقدانها في المرحلة السابقة، والانتقال لمفهوم سياسي يعبر عنهم كجزء من المجتمع الأوروبي وهو” الأقلية المسلمة”، لينتج في خضمها بعض الواجبات والحقوق السياسية لهم.
عملت الجماعة خلال حقبة الثمانينيات على تأسيس وضع سياسي واجتماعي لأفرادها يهدف إلى توطيد وجود الجماعة في أوروبا، وتعميق العلاقة مع المؤسسات الأوروبية، وتكللت هذه المرحلة بإنشاء “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا”، عام 1989م، الذي يحوي ما يقارب 1000 جمعية ومركز إسلامي تابع للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وانبثق عن الاتحاد مؤسسات هامة، مثل: “الاتحاد الأوروبي للمرأة المسلمة”، و”منتدى الشباب الأوروبي”.
اتجاهات انتشار “الإسلام السياسي” في أوروبا
اتسم الخطاب العام لقوى الإسلام السياسي في أوروبا بازدواجية ملحوظة بين الشكل والمضمون، وهو ما نلاحظه في الخطاب الذي تبنته “جماعة الإخوان المسلمين” وهي الجماعة الأم لكافة التنظيمات المتطرفة؛ ففي حين تتبنى الجماعة رؤيةً فكريةً ومفاهيم تتنافى بالكلية مع الديمقراطية التي تنطلق من العلمانية، والعمل على توفير غطاء سياسي للعنف والإرهاب، وكذلك إصدار البيانات الصحفية المرحبة بعمليات الإرهاب في العالم العربي، نجد على الجانب الآخر الجماعة تتبنى مواقف تبدو معتدلة تعبر عنها البيانات الصادرة عن الجماعة بلغات أوروبية.
وارتبط ذلك برغبة الجماعة في الحفاظ على شبكة المؤسسات التابعة لها منذ فترة الخمسينيات التي شملت مجموعة واسعة من المساجد والجمعيات والمنظمات الإسلامية التي تنامت بشكل واضح في كافة المدن الأوروبية حتى بلغ عدد المراكز المنتشرة في ألمانيا وحدها ما يزيد على 30 مركزًا رفعت شعار رعاية شؤون الجالية المسلمة، وهو ما مكنها من الحصول على تمويلات ضخمة من جميع أنحاء العالم تحت إشراف “بنك التقوى” الذي أسسه يوسف ندا في هولندا خلال تلك المرحلة.
فعمل “المركز الإسلامي” بألمانيا بالتعاون مع بنك التقوى على تأسيس المزيد من الجمعيات والمنظمات الإسلامية تحت مظلتهما ليتسع نفوذ تلك الشبكة حتى وصلت إلى “اتحاد المنظمات الإسلامية” بباريس، وهو المنظمة المعروفة لدى المجلس الإسلامي التابع للحكومة الفرنسية. والحال نفسه في إيطاليا، حيث لاتحاد المنظمات الإسلامية، مكانة بارزة لدى الحكومة الإيطالية فيما يخص شؤون الجالية المسلمة.
ولم تكتفِ جماعة الإخوان، بانشاء منظمات تابعة لها في معظم العواصم الأوروبية، بل سعت لإنشاء فيدرالية تضم كافة المنظمات الإسلامية، والمنظمات الشبابية المسلمة. وفي 1996م، ضمت الجماعة منظمات شبابية في كل من بريطانيا، وفرنسا، والسويد إلى “المجلس العالمي للشباب المسلم”، ليتحول الأمر فيما بعد لإنشاء “منتدى المنظمات الشبابية والطلابية الأوروبية المسلمة”، ومقرها في بلجيكا، وهو منتدى يختص بشؤون المسلمين في كافة أوروبا، وقد اتسع ليضم أكثر من 40 منظمة محلية أوروبية، وشباب من 26 دولة مختلفة، ويجتمع بصفة دورية لمناقشة قضايا مسلمي العالم وأوروبا خاصة.
لم يقتصر تيار “الإسلام السياسي” في أوروبا على جماعة الإخوان، حيث توازى ذلك الحضور، لكن في إطار تنسيقي مع التيار السلفي بالقارة الأوروبية، من خلال “حركة التبليغ والدعوة الباكستانية”، التي انطلقت من خلالها الحركة السلفية إلى عدد من العواصم الأوروبية؛ حيث كانت الانطلاقة الحقيقية للسلفية بالداخل الأوروبي عبر “الجناح السلفي” لجبهة الإنقاذ الجزائرية المعارضة، وتفرعت إلى ثلاثة تيارات: أولاها، جمعية العلماء الجزائرية التي أسسها “عبدالحميد بن داس” لمقاومة الاستعمار الفرنسي. أمَّا الثاني فيضم تحت لوائه الطلبة السابقين في الجامعات والمؤسسات السلفية في المشرق والخليج العربي. بينما يضم الثالث السلفية الجهادية، التي احتوت على العناصر السلفية الجزائرية التي انضمت إلى تنظيم القاعدة لمقاومة الاحتلال السوفيتي وتأثرت بفكر عبدالله عزام وسيد قطب، وأن الجهاد محور العقيدة.
بجانب ذلك ينتشر في أوروبا “تيار صوفي” واسع برز حضوره في المشهد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة، ولا سيَّما مع انطلاق ما يعرف بـ”الربيع العربي”، وصعود “الاتجاه الصوفي” كبديل لفشل “التيارات الإسلامية” الأخرى (الإخوان، والسلفيين) في قيادة المرحلة الانتقالية في المشرق العربي، وتحول عدد منهم لتنظيمات إرهابية، حيث حمل التيار الصوفي زمام المبادرة لقيادة العالم الإسلامي ومنها انتشر داخل القارة الأوروبية، إذ افتتحت الطريقة التيجانية والقادرية أكثر من 100 مركز بفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا.
مصادر التطرف لدى “الإسلام السياسي” في أوروبا
تعددت المصادر التي تغذي النزعة المتطرفة لدى مكونات الإسلام السياسي داخل أوروبا، حيث يقف في مقدمتها انتشار الخطاب العنيف الذي روجته المنظمات الإسلامية الموجودة هناك، وبعض المساجد التي مثلت مركزًا لتنمية العداء لأوروبا ومواطنيها، وبجانب ذلك يأتي فشل المجتمع والسياسات الأوروبية في دمج المسلمين، وشعور قطاع منهم بالتمييز العنصري، وذلك المناخ السائد في أعقاب الحرب العالمية على الإرهابوبروز دور التنظيمات الإرهابية مثل “تنظيم القاعدة”.
وفي محاولة للتشديد على الهوية الإسلامية بالمجتمعات الغربية، نشأت مجتمعات موازية للجاليات والأقليات المسلمة، التي أصبح لها نظمها وتقاليدها الخاصة، مطبقةً الشريعة الإسلامية التي لا تتوافق مع الثقافة الأوروبية. وجاءت حملات تجنيد الشباب الأوروبي داخل تنظيمات متطرفة من خلال تلك المجتمعات الموازية؛ وهو ما مثل انطلاقة للتنظيمات الإرهابية، ولا سيَّما مع ظهور تنظيم “القاعدة” في أفغانستان منذ أواخر السبعينيات وطوال فترة الثمانينيات، بدعوة مقاومة الاتحاد السوفيتي، وهو ما تحول فيما بعد لمقاومة ما سمي في أدبيات الجهاد بـ”العدو البعيد”، أي المجتمع الغربي، وعليها نفذت تفجيرات 11 سبتمبر في أميركا. وتجدر الإشارة هنا إلى ضلوع بنك التقوى التابع لجماعة الإخوان في تمويل تلك التفجيرات.
ومع اتجاه تنظيم “القاعدة” نحو المجتمع الغربي برمته لتنفيذ مثل هذه التفجيرات والعمليات الإرهابية، نالت العواصم الأوروبية على فترات متفرقة، عمليات القاعدة، ومنها على سبيل المثال، تفجيرات لندن في عام 2006. ولأن مفهوم الاستقطاب هو مفهوم أصيل لدى الجماعات الإرهابية، فقد حاولت استدراج قطاع الشباب المسلم في أووربا، ولا سيَّما ممن يعانون التهميش والانطواء وعدم تقبل الهوية داخل المجتمع.
وعقب أحداث ما عرف بـ”الربيع العربي”، وصعود نجم تنظيم “داعش”، نتيجة للفراغ الأمني الشاسع الذي ساد الكثير من العواصم العربية، والحروب الأهلية، وتوغل إيران في الشؤون العربية…إلخ، كلها عوامل تجمعت لتنتج مرحلة جديدة أكثر تطورًا من التطرف والتوحش، سيطر تنظيم “داعش” فيها على مساحات جغرافية شاسعة من العراق وسوريا وصلت لأكثر من 150 ألف كم.
ومن ثَمَّ، فقد شهدنا نوعًا أكثر تطورًا من التطرف والوحشية في القتل والذبح، إنه تنظيم قادر على استخدام تكنولوجيا الاتصال وشبكات الإنترنت بكفاءة عالية، للترويج لخلافته المزعومة على الأراضي المستولى عليها، ونشر أيديولوجيته المتطرفة لتصل لأكبر عدد من الأفراد حول العالم، وهو ما منحه فرصة لاستقطاب الآلاف من الشباب الأوروبي.
وبعد توسع التنظيم داخل العراق وسوريا، وتدشين الولايات المتحدة الأميركية تحالفًا يضم أكثر من 60 دولة لمحاربته، حوّل التنظيم دفته نحو أوروبا لتنظيم عملياته الإرهابية. ولتشديد السلطات الأمنية إجراءاتها وقيودها، استحدث التنظيم آليات غير تقليدية لتنفيذ عملياته داخل أوروبا، وهي آلية “الذئاب المنفردة” التي تقوم بتوظيف أفراد من داخل الدولة نفسها بهدف تنفيذ العملية، وافتقادها للصلات التنظيمية مع التنظيم الأم، وعشوائية التنفيذ دون أي إخطار مسبق بتنفيذ التفجير، كلها عوامل تجمعت لتضيف نوعًا من صعوبة الملاحقة الأمنية والترصد لمنفذي العمليات.
إن أبرز العمليات التي قام بها تنظيم “داعش” في أوروبا، والتي اعتمدت غالبيتها على استراتيجية “الذئاب المنفردة”، راح ضحيتها قرابة الـ300 شخص، وأكثر من 1400 جريح منذ 2014؛ إذ شهدت ألمانيا أكثر من 3 تفجيرات في برلين، ووانسباخ، وفورتسبورج. وفي بلجيكا وقع هجومان أكثر شراسة في العاصمة بروكسل. ونالت فرنسا الجانب الأوفر من التفجيرات الإرهابية بداية من صحيفة “شارل أبيدو” إلى هجوم “نيس” في يوليو 2016.
ومع تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا والمناهض لحركات اللاجئين العرب بالتوازي مع الحرب الأهلية السورية، ورفع رايات خطر “أسلمة الغرب” حسب روايته، اشتدت وتيرة ما عرف بـ”الإسلاموفوبيا” في القارة الأوروبية، وهو ما هدد بالوحدة الأوروبية التي اتخذت خطوات تصاعدية نحو الاندماج في كيان سياسي منذ الإعلان عن إنشاء المجموعة الأوروبية للفحم والصلب في عام 1951. إلا أن التفجيرات الإرهابية التي حدثت على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، وأزمة اللاجئين، بالإضافة إلى أزمة اليورو، هددت بالوحدة الاندماجية الأوروبية، وبدأ الحديث عن تفككه، وهو ما وصل إلى الواقع العملي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016 (brexit).
المقاربة الأوروبية للتعامل لمواجهة الإرهاب
مثلت أحداث 11 سبتمبر 2001 نقطة محورية في الإدراك الأوروبي لضرورة الوقوف في وجه الموجة المتنامية للإرهاب، فسارع الاتحاد الأوروبي بوضع “استراتيجية مشتركة لمكافحة الإرهاب”، لكنه ترك الباب مفتوحًا لإدخال تشريعات محلية تراعي خصوصية كل بلد أوروبي؛ ما أدى إلى اختلاف آليات التنفيذ والتشريعات الموضوعة تبعًا لكل دولة.
ولكن سياسات التشدد الأوروبي تضاعفت مع تزايد العمليات الإرهابية، وأصبحت أكثر صرامة. فعلى سبيل المثال، أقرت لندن عقوبة تصل إلى سبع سنوات لأي مواطن “يعظم” من الأعمال الإرهابية، وأدخلت تلك التصعيدات الاتحاد الأوروبي في مأزق من قضايا حقوق الإنسان من ناحية التعدي على خصوصية المواطن الأوروبي التي يكفلها المجتمع الأوروبي، ومن ناحية أخرى وضع كافة المهاجرين واللاجئين تحت الشبهة. وعلى سبيل المثال، جاءت الاستراتيجية البريطانية بعنوان “كونتست 3” لتضع في أولى قائمتها الحركات الإسلامية في مقدمة الأخطار التي تواجهها المملكة المتحدة في المرحلة الراهنة، إذ لا تزال الراديكالية الدينية منبع التهديدات المتطرفة، في الوقت ذاته ما زالت تسعى تلك التنظيمات لاستقطاب الأفراد، في ظل ما تؤكده المؤشرات الرسمية من انضمام قرابة 700 شخص بريطاني إلى صفوف “داعش”، ولم يعد منهم إلا 300، وتكرار الحديث عن مخاطر عودة المقاتلين إلى بلدانهم الأوروبية عامة وبريطانيا خاصة.
الآفاق المستقبلية لتيار الإسلام السياسي في أوروبا
تتخوف العديد من الدول الأوروبية من تزايد أعداد المسلمين بها، وبروز منظمات “الإسلام السياسي” لديها، ولهذا شرعت عدد من الدول الأوروبية باتخاذ تدابير أكثر صرامة، بإغلاق المساجد، واتخاذ تدابير أكثر عدوانية تجاه ما تعتبره مغايرًا لثقافتها ومؤسساتها الحضارية.
وهو ما يفرض على الحكومات الأوروبية، ضرورة فهم الأبعاد العميقة للإسلام السياسي، الذي لا يقتصر فقط على التنظيمات العنيفة، بقدر ما يتضمن – أيضًا – منظماتمسالمةتسعى للتعايش السلمي داخل المجتمع الأوروبي، ومنها التيارات الصوفية التي لا تستخدم آلية العنف كوسيلة للتغيير أو التعبير عن آرائها.
وعلى أية حال تتراوح الآفاق المستقبلية لتيار الإسلام السياسي في أوروبا بين ثلاثة سيناريوهات يمكن الإشارة إليها كما يلي:
السيناريو الأول: (القابلية للاندماج)،التعايش السلمي والانسجام داخل المجتمع الأوروبي، والابتعاد تدريجيًا عن هويتهم الأصلية كاللغة، والانتماء العرقي، وهذا السيناريو تحقق في عدد كبير من أبناء الجيل الثاني من المسلمين داخل الأولىباعتبار أن الجيل الأول هو جيل المهاجرين.
السيناريو الثاني: (رفض الاندماج)، وينطوي على رؤية التيار الراديكالي، الذي يطرح نفسه وخلافته المزعومة بديلاً للنظام الأوروبي، ويطرح ثقافته كوسيلة وحيدة للتعايش والاندماج؛ ولذا يُبقي هذا السيناريو على انعزالية الشريحة المسلمة، وكونها تمثل مناخًا خصبًا وملاذًا آمنًا للتنظيمات الإرهابية (رفض الاندماج).
السيناريو الثالث: (التغيير المرن والمتدرج)، ويشير إلى آلية التغيير والتطبع الذي ستتكيف معه الشريحة المسلمة. ويرى هذا الرأي، أن الاندماج سيحصل مهما طال الأمد، نظرًا لطبيعة النظرية الليبرالية التي تتطوع وتتكيف على مدار عصورها باحتواء كافة المتغيرات الدخيلة عليها، والتي ستجعل من المواطنة الأوروبية فضاء سيجمع كافة مواطنيها.
إلا أن قابلية أي من هذه السيناريوهات الثلاثة تتوقف على اتساع رؤية السلطات الأوروبية لإمكانية مواجهة الإرهاب بما لا يقصر الأمر على الأبعاد الأمنية بقدر ما يتسع إلى الجوانب الاجتماعية والسياسية، بل حتى السياسات الخارجية للدول الأوروبية في المناطق التي تتصل مباشرة مع مزاعم التنظيمات المتطرفة، مثل الصراع العربي الإسرائيلي والأزمات التي تعاني منها المنطقة، مثل: سوريا والعراق وليبيا وغيرها. ففي حين يستبعد أن تتبنى التنظيمات المتطرفة نهجًا مرنًا، يتوقع أن تسعى قوى الإسلام السياسي غير المتطرفة لمخاطبة الأوروبيين لتغيير الصورة الذهنية في اتجاه اعتبارهم تيارات سلمية.
وأخيرًا، تبقى الإشارة إلى أن محاولة القضاء على الإرهاب في أوروبا، ولا سيَّما بعد تنامي موجاته الأخيرة، مرهونة بجدية الدول الأوروبية بإعادة النظر في سياساتها تجاه القضايا الداخلية المعنية بشؤون المسلمين في أوروبا، فضلاً عن ضرورة مراجعة متوازية للسياسات الأوروبية في مناطق الأزمات بالعالم الإسلامي، والسعي الجاد نحو مواجهة متزنة وحكيمة لظاهرة الإسلاموفوبيا.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر