مستقبل الأمن الغذائي في النباتات | مركز سمت للدراسات

مستقبل الأمن الغذائي في النباتات

التاريخ والوقت : الخميس, 14 يوليو 2022

ثودور كاراساك 

يكتسب مفهوم الغذاء النباتي كبديل للحوم زخمًا كبيرًا في الوقت الراهن، والسبب في ذلك ليس لأن النباتيين يسيطرون على قوائم الغذاء، بل لأن ثمة حاجة إلى إيجاد طرق جديدة لتحسين وضع الأمن الغذائي وتقليل تأثيره على تغير المناخ. وبطبيعة الحال، هناك مشاكل في مثل هذه الخطوة.

في الماضي، كانت بدائل اللحوم النباتية تتسم بكونها بسيطة نسبيًا، حيث كان معظمها يتم تصنيعه من مكونات كاملة مثل الفاصوليا أو الحبوب بعيدًا عن اللحوم الحقيقية. ومع ذلك، فإن الجيل الجديد من هذه المنتجات يشمل بدائل للحوم، التي يتم تصميمها لتبدو وكأنها طعم حقيقي. أما الآن، فيمكن للمرء أن يجد بعض المأكولات النباتية، في “اللحم البقري” المفروم، وشرائح الطعام اللذيذة، وكرات اللحم، والمأكولات البحرية وغيرها في محلات البقالة.

ومع ذلك، يجب أن يكون هناك المزيد من الخيارات بخلاف الأصناف المذكورة آنفًا، لذلك هناك جهود جارية للحصول على منتجات غذائية إضافية، لا سيما أن هناك حاجة لتنوع شرائح اللحم وصدور الدجاج الخالية من اللحوم.

لقد كانت جائحة كوفيد-19 تمثل دافعًا للضغط من أجل تعزيز الأمن الغذائي من خلال البدائل النباتية. ونظرًا لأن الناس يلتزمون بأسلوب حياة أكثر صحية، فإنهم يغيرون أنظمتهم الغذائية لتشمل خيارات نباتية. وبالتالي، يؤكد البعض أن في ذلك أكثر من مجرد نقلة نوعية. فإنتاج الغذاء النباتي ينتقل إلى ما بعد مرحلة الموضة العابرة أو الهواية ليصبح جزءًا من الخيارات الغذائية في الدول الغربية؛ إذ تشهد الولايات المتحدة وأوروبا طفرة في هذا السوق. لذلك، تعتبر التداعيات الجيوستراتيجية أمرًا مهمًا حيث يغير الغرب الطريقة التي يتعامل بها مع التهديدات الرئيسية لأمن المجتمع.

علينا أن نتذكر أن الثروة الحيوانية تمثل ثالث أكبر مساهم في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وكذلك استخدامات المياه. لذا، فإن الحدَّ من تأثيرها على المناخ يُعَد أمرًا أساسيًا. فالاستثمار في البدائل النباتية للحوم يؤدي إلى تخفيضات أكبر بكثير في انبعاثات تدفئة المناخ مقارنة بالاستثمارات الخضراء الأخرى. ووفقًا لتقرير نشرته مجموعة بوسطن الاستشارية الأسبوع الماضي، فإن ذلك يمثل نتيجة مهمة ينبغي وضعها موضع التنفيذ في مجال السياسة العامة.

لقد أدى الاستثمار في تحسين وزيادة إنتاج بدائل اللحوم والألبان إلى خفض غازات الاحتباس الحراري بمقدار ثلاثة أضعاف مقارنة بالاستثمار في تقنية الأسمنت الأخضر، وسبعة أضعاف المباني الخضراء و11 ضعفًا في الانبعاث الصادرة عن السيارات.

ومن المثير للاهتمام أن إنتاج اللحوم والألبان يستخدم 83% من الأراضي الزراعية ويسبب 60% من انبعاثات الغازات المرتبطة بالاحتباس الحراري للزراعة، لكنه يوفر 18% فقط من السعرات الحرارية و37% من البروتين في النظام الغذائي اليومي. إن نقل النظم الغذائية البشرية من اللحوم إلى النباتات يعني تدميرًا أقل للغابات من أجل زراعة المراعي والأعلاف، بالإضافة إلى تقليل انبعاثات الغازات المرتبطة بالاحتباس الحراري الغنية بالميثان الذي تنتجه الماشية والأغنام.

لقد اكتشف العلماء أن تجنب اللحوم ومنتجات الألبان إنما هو الطريقة الوحيدة المثلى لتقليل التأثير البيئي لمثل هذه الصناعات. وبالتالي، سوف تزداد مخاوف الأمن الغذائي على المديين القصير والطويل، مما يعني زيادة الاعتماد على الخيارات القائمة على النباتات.

وكما ذكرنا سابقًا، فإن 18% فقط من السعرات الحرارية يأتي من الماشية، لكن 80% من الأراضي الزراعية تستخدم لحيوانات المزرعة. وفي بعض الأسواق، يتم تغذية 80% من الحبوب للماشية. وبالتالي، يمكن تحويل هذه الموارد بعيدًا عن تربية الماشية إذا تغيرت أنماط الاستهلاك. ومن المتوقع أن تصل أوروبا وأميركا الشمالية إلى “ذروة اللحوم” بحلول عام 2025، وعند هذه النقطة سوف يبدأ استهلاك اللحوم التقليدية في الانخفاض. فبحلول عام 2040، لن يأتي معظم الطعام من الحيوانات المذبوحة.

أما من الناحية السياسية، فإن إدخال المزيد من المنتجات الغذائية النباتية له تأثير سلبي. إذ يشعر هؤلاء الأفراد بشكل متزايد بأن حرياتهم، وكذلك أنماط حياتهم وأعمالهم، تتعرض للانتهاك. ففي بداية العام الجاري وفي المملكة المتحدة، تم وضع محل جزارة لافتة تسخر من النباتيين، كتب عليها: “كل يوم، تُقتل آلاف النباتات البريئة”. وقد كان ذلك ردًا على “النباتيين” الذي ينتشرون بشكل واضح، وهو ما يمثل تعهدًا لمدة 31 يومًا يقدمه الناس لكي يصبحوا نباتيين في شهر يناير من كل عام. وقد أدى ذلك بالفعل إلى اضطرابات ومشاكل كبيرة. 

هناك أيضًا صراع سياسي متزايد بشأن وضع العلامات على المنتجات النباتية من حيث المعايير والمتطلبات الصناعية. فقد كانت هناك دعاوى قضائية في ولايات أركنساس وميسيسيبي وأوكلاهوما وتكساس وويسكونسن بالولايات المتحدة، وكذلك في أستراليا والاتحاد الأوروبي؛ إذ تخشى شركات اللحوم أن يخلط الناس بين الطعام النباتي واللحوم الحقيقية، مما قد يؤثر في مبيعاتهم. وقد أصبحت اللحوم النباتية أكثر واقعية، ثم إن شركات اللحوم قد تأثرت بذلك أيضًا.

ونتيجة لمتطلبات تغير المناخ المرتبطة بالأمن الغذائي، فإن اللحوم لا تعد مصدرًا مستدامًا، وإن الشركات القائمة على النباتات تتعامل مع الصناعات الزراعية وتنتصر في هذه المعركة. لذا، فمن المرجح أن ترتفع وتيرة العنف مع زيادة زخم التحول إلى الأطعمة النباتية. إننا نشهد في الوقت الراهن إضرابات من قبل المزارعين في جميع أنحاء أوروبا الغربية مع دخول تشريعات تغير المناخ حيز التنفيذ. كما أن المهن القديمة المرتبطة باللحوم ما بين المزارع والمصانع، تشهد تغييرات هائلة.

وبشكل عام، تعد الخيارات القائمة على النباتات جزءًا مهمًا من المتطلبات الدولية المتزايدة للنظر في مستقبل الأمن الغذائي وتغير المناخ. ويعد تقديمها جزءًا مهمًا من الثورة الصناعية الرابعة؛ إذ يمكن دمج التكنولوجيا لتعزيز الخيارات النباتية في الطعام مستقبلاً. لكن أهم من ذلك كله، أن إنشاء مثل هذه الخيارات في الجنوب العالمي سيكون مهمًا بسبب تزايد عدد السكان وانخفاض توافر الغذاء.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: Arab News

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر