مخاطر محدقة خلف تلال الخلل الديمغرافي.. أمثلة حية من الجوار | مركز سمت للدراسات

مخاطر محدقة خلف تلال الخلل الديمغرافي.. أمثلة حية من الجوار

التاريخ والوقت : الأربعاء, 21 أغسطس 2019

عبدالله الذبياني

 

مقدمة

تشكل التركيبة السكانية (الديمغرافيا) أحد أركان أي دولة، فكلما اختلت هذه التركيبة زادت المخاطر الاقتصادية والسياسية والأمنية على الدولة. وفي دول الخليج التي يتشكل معظمها على مساحات جغرافية صغيرة باستثناء السعودية، وفي ظل محدودية عدد سكانها ورغبتها في إسراع حركة التنمية، حدث لدى هذه الدول اختلال كبير في تركيبتها السكانية، لم تعد تقتصر مخاطره على الجوانب الاقتصادية والأمنية والثقافية كما كان يُعتقد، بل إنه ربَّما يطول المواقف السياسية لبعض الدول. وربَّما أن الخطر الأكبر الذي يطول كل هذه الأذرع هو أن الأغلبية غير المواطنة تملك بطريقة تلقائية قاعدة البيانات (New Oil)، بحكم التموضع داخل تفاصيل الدولة ومؤسساتها العامة والخاصة.

أرقام حول الديمغرافيا في المنطقة

في الكويت مثلاً نسبة الأجانب تتخطى 70 في المئة (يعني أن المواطنين 30 في المئة فقط)، وفي الإمارات وقطرترتفع إلى 89 في المئة (المواطنون 11 في المئة فقط)، في حين تنخفض هذه النسبة في السعودية إلى 25 في المئة تقريبًا، نظرًا لتعداد سكانها الكبير المتأتي من مساحتها الجغرافية.

الحديث عن المخاطر التي تنطوي على هذا الخلل ليس جديدًا، ولها دراسات وطروحات عديدة، لكننا هنا بصدد استحضار الأمثلة من واقع دول المنطقة، وفقًا للأرقام أعلاه.

حين تتحول من قيمة مضافة إلى مخاطر

حين تختل التركيبة السكانية بهذه الصورة، فإن القيمة الاقتصادية لغير المواطنين تتحول من كونها قيمة مضافة إلى مخاطر تهدد استمرار الإنتاجية والنمو، أبرزها ما يحدث آنيًا في حال ارتبك اقتصاد الدولة أو واجه تحديات أو انعكست عليه  بعض الأزمات الاقتصادية العالمية، فقد يحدث خروج جماعي أو بصورة كبيرة للعمالة الأجنبية، وهي وفق الأرقام تملك مفاتيح الإنتاجية، وقد حدث ذلك في عدد من دول المنطقة إبان أزمة الائتمان العالمية 2009، حيث سجلت وسائل الإعلام ترك عدد من الأجانب سياراتهم التي تملكوها في الإمارات بتمويل من البنوك في المطارات وغادروا، ونتج عن ذلك تعطل عدد من مرافق الاقتصاد، طال بنوكًا مما اضطرت معه حكومات تلك الدول إلى التدخل وتملك عدد من البنوك ودمجها لتخفيف الآثار وتقليص حاجتها للموظفين.

ولا تقتصر المخاطر الاقتصادية على احتمالات توقف الإنتاجية وارتباك النشاط الاقتصادي، بل ينطوي أيضًا على استنزاف أموال الدول، فمعظم الأجانب المقيمين في تلكالدوللا يندمجون في تلكالدولولا يعيدون تدوير أموالهم فيها، بل إن عوائدهم من الوظائف والاستثمار ومفاصل الاقتصاد الذي يملكون مفاتيحه يتم تحويلها إلى دولهم، مما شكل ضغطًا مستمرًا على السيولة وتدويرها في الاقتصاد.

أمَّا من الناحية الأمنية، فإن وجود هذا الخلل في التركيبة السكانية، يعني نشوء دولة داخل دولة، ربَّما لا تتعاطى مع قوانين الدولة التي تقيم فيها بصورة كبيرة، وقد يمنحها حجمها فرصة لمواجهات أمنية مع الدولة، ذلك على سبيل المثال كما حدث من بعض المقيمين في الكويت في نوفمبر عام 2009، وقد حدث هناك عدة حالات في هذا الخصوص، وهو نتاج خلو بعض الأحياء السكنية نهائيًا من المواطنين الذين لا يشكلون أكثر من 11 في المئة من السكان، كما أشرنا سلفًا.

ومثل هذا الاختلال يؤدي بالضرورة إلى قوانين داخلية تخص الكتلة غير المواطنة، مما يضعف قوانين الدولة، ويتيح فرصًا للأنشطة والتجارة غير القانونية وسط هذه التجمعات، وهذا ربَّما هو أخطر تحدٍ أمني، فمع الوقت تصبح هذه الأنشطة واسعة الانتشار يصاحبها تزايد ضعف هيمنة القوانين الحكومية. ولاحظنا كيف أن هناك دولاً أو مدنًا في المنطقة، أصبحت تشتهر عالميًا بتجارات غير شرعية، بل إنها أصبحت مركزًا لهذه التجارات وفي مأمن من القوانين.

وبغرض تقريب الصورة، نشير هنا إلى (هروب) خلية كاملة مدانة بالإرهاب في دولة مجاورة، ليس لأن الأمن متراخٍ فيها، وهو ربَّما سبب أيضًا، لكن لأن الخلية مرتبطة بأغلبية من غير المواطنين، وكان ربَّما المضي قدمًا في محاكمتها سيشكل خطرًا أمنيًا داخليًا على الدولة، والتي ربَّما رأت بعض الجهات الأمنية الاستشارية لديها أن تسهيل هروب الخلية هو الحل الوسطي الأمثل للخروج من مخاطر مقدرة.

وأيضًا، فإن هذه العمالة التي تشكل أغلبية سكان الدول، هي منجيلتقنييمكنهالتأثيرعلىالعمليةالاقتصادية، فهي تملك بشكل أوآخر البيانات (النفط الجديد)، وأسرار الدول ونقاط ضعفها اقتصاديًا وحتى أمنيًا.

الخطر الثقافي في ظل التوحد الثقافي

هذه الدول في ظل عدم تنوعها الثقافي وفي ظل ضيق عمرها الثقافي (التوحد الثقافي)، تمنح فرصة مع وجود الخلل الديمغرافي لضياع (الهيمنة الوطنية) وليس الهيمنة الحكومية التي تتقلص ويزيد معها الخطر الأمني.

يكمن خطر ذوبان الهوية الوطنية في تراجع الحس الوطني لدى المواطنين، وربَّما الولاء الوطني بدرجة كبيرة، نتيجة عدم شعوره بوجود وطن ومواطنين، ولأن الأغلبية باتت لغير المواطنين الذين ليس لديهم التزام بالولاء وليس مطلوبًا منهم ذلك، فإن عدوى الأغلبية تطال الأقلية (المواطنين)، وتتحول الدول أو المدينة إلى ما يشبه الشقق الفندقية التي لا يراعي سكانها الحفاظ عليها، لأنها ليست من أملاكهم، على سبيل القياس والمثال.

فقدان الهيمنة الوطنية يعني أيضًا عدم وجود منتج ثقافي (الثقافة بمفهومها العام) يمثل الدولة (الوطن)، كما نلاحظ في عدد من دول المنطقة، حتى إن بعض الشخصيات الإنتاجية الفنية والثقافية تكتشف لاحقًا أنها نتاج الاختلال الديمغرافي ولن تجد حرجًا (وهو حق مشروع) أن تبحث عن وطن ثانٍ متى لاحت فرص، وهو ما يعني أن تلك الدول لا يمكنها اعتبار هذا المنتج من حقها الوطني. الشواهد عديدة، لكن ربَّما بغرض تقريب الصورة استحضار مثل الروائي الراحل ناصر الظفيري الذي عاش منتجًا ثقافيًا في الكويت، ثم يختار لاحقًا الهجرة إلى كندا لأنه لم يكن كويتيًا، وبالتالي لا يمكن حساب نتاجه الثقافي على الكويت.. على سبيل المثال. (حين تضيع الهيمنة الوطنية تضيع الهوية الثقافية، لكن ذلك لا يحدث إلا في ظل وجود إشكالية في الجغرافيا وأزمة في الديمغرافيا).

هل ثمة خطر سياسي فعلاً؟

المواقف السياسية تعكس حاجة الدولة وتمثل بالدرجة الأولى ضمان سلامة نطاقها الجغرافي وسلامة شعبها. لا تتخذ الدول مواقف سياسية بينة لا تحقق هذا الهدف، إلا في حالات نادرة، وربَّما تكون تحت ضغوط خارجية، غير أن الخلل في التركيبة السكانية يؤدي – كما حالات عديدة – إلى اتخاذ الدول مواقف لا تعكس ولا تحقق سلامة جغرافيتها ولا حاجات مواطنيها، وهذه الحالة توصف بأنها (ارتباك سياسي)، حيث تجد دولاً تصطف سياسيًا في مواقع تهدد جغرافيتها وتشكل خطرًا على شعبها، لأنها راعت الأغلبية السكانية وهي ليست من المواطنين.

في ناحية السلامة الجغرافية، فإنه مع وجود قلة مواطنين مع أغلبية غير مواطنة، يعني بالضرورة وجود العنصر غير المواطن في مواقع تمس الأمن الوطني، وشهدنا في التاريخ القريب كيف أنه في ظل وجود جيش غالبيته الساحقة من غير مواطني إحدى الدول تسبب في انهيار دفاعاتها في ساعات قليلة ودخول المحتل لأرض الوطن واحتلاله دون أدنى دفاعات من الحارس الأمني الأول للدولة (الجيش).

الاختلال الهيكلي الذي يقود للارتباك السياسي ينعكس أيضًا في حالات عديدة في عدد من دول المنطقة، وعلى سبيل المثال هناك دول عديدة تعرضت لإرهاب حزب الله منذ بزوغ  مخاطر الإرهاب في المنطقة، بل إنه طال فيها قيادات عليا، وما زال يشكل خطرًا عليها، ومع ذلك ورغم تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية في معظم دول العالم، ما زالت هناك دول تتردد في تصنيفه إرهابيًا، وهو ليس مكونًا سياسيًا لديها، بل لأنه يتمتع باختراق في البنية السكانية لتلك الدول في ظل الخلل الديمغرافي الذي تعانيه، الأمر أيضًا ينطبق على جماعة الإخوان.. والحالات عديدة في هذا الجانب.

هذه العمالة التي شكلت الخلل الديمغرافي هي من دول ديمقراطية مثل الهند، بالتالي فإنها في يوم من الأيام سترفع سقف المطالب، سواءالعمالية أو السياسية، وربَّما تجد بعض الدول أنها مطالبة بحلول لبطالة أجيال هذه العمالة.

خاتمة

لا يمكن لأي دولة أن تصنع مشروعًا تنمويًا مستدامًا في ظل الخلل الديمغرافي لديها، ليس لأن المنافع المالية ستكون مهاجرة للخارج، بل إن الأقلية المواطنة لن يكون بمقدورها حماية هذا المشروع، خاصة إذا كان هذا المشروع يتعارض في بعض تفاصيله مع مصالح الأغلبية غير المواطنة. من هذا المنعطف نلحظ لماذا حققت السعودية، كونها لا تعاني من خلل سكاني، نتائج كبيرة اقتصادية واجتماعية بعد مرور عامين من انطلاق “رؤية السعودية 2030” – أيضًا على سبيل القياس.

 

إعلامي وباحث سعودي

@abdullah_athe

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر