مجلس التعاون.. أزمة أم فكرة انقضاء؟! | مركز سمت للدراسات

مجلس التعاون.. أزمة أم فكرة انقضاء؟!

التاريخ والوقت : الجمعة, 3 نوفمبر 2017

عساف المسعود

 

اليوم والحديث يدور عن مجلس التعاون الخليجي – المستقبل والمآلات- مما يدعونا إلى النظر في مجمل الآراء والأطراف؛ لأن وجود هذا المجلس التعاوني أو عدمه، نقطة قد تشكل منعطفًا جديدًا في الشرق الأوسط. فهذا المجلس كيان له بعده السياسي والاقتصادي، فدُوله تُعدُّ أهم الدول المنتجة للطاقة في العالم، وإرهاصات عدم التعاون تجعل من دول ومؤسسات كثيرة تعيد قراءة المشهد في المنطقة.

والحديث هُنا اليوم، ذو شجون وشائك، وهو عن دول مجلس التعاون الخليجي الأكثر تأثرًا ببقاء المجلس أو عدمه!! فمنذ أن تبلورت فكرة المجلس لدى الشيخ زايد، والشيخ جابر الصباح، في بداية الثمانينيات، تشارك قادة الدول الأخرى، أهمية وقيمة وجود هذا المجلس، في ظل الحرب بين العراق وإيران وتهديد الأخيرة للمنطقة.

واستمر المجلس يعبر عن تجمع إقليمي يتشارك أعضاؤه العوامل الاقتصادية والسياسية، وهما العاملان الفاعلان في هذا المجلس ومنطلق التأسيس، ومهما حاول البعض ترجيح العامل الاجتماعي، أو الديُمغرافي على العاملين السابقين، فإنهما يبقيان الأهم والأكثر ضمانة.
فالبحرين – اليوم – لا تزال تعاني من التدخل الإيراني في أراضيها بشكل مباشر ومحتمل، ونتذكر معًا أن هذا الوضع السياسي الحرج تشاركت همومه كلٌّ من السعودية والإمارات بمشاركة قوات درع الجزيرة لدفع التدخلات الإيرانية وغيرها عن أمن البحرين. أمَّا الكويت وعُمان، فكان لهما موقف آخر ينأى بهما عن البحرين. أمَّا عن قطر، فكان لها وجهة نظر أخرى، حيث اعتبروا أن أرض دلمون لا بُدَّ لها من ربيع عربي يغير نظامها السياسي. أمَّا عن رؤية البحرين الاقتصادية، فهي طموحة وتشمل إصلاحات هيكيلة لاقتصادياتها.
أمَّا عن أشقائنا في عُمان المتوجه بتاج الحياد والعقل، فكان لهم موقف مخالف حيال فكرة اتحاد خليجي، الذي تقدَّم به طيب الذكر الملك عبدالله؛ فتقريبًا لا تكاد تشترك عُمان في أي جانب اقتصادي وسياسي مع دول المجلس، ما عدا عدة اتفاقيات في غسيل الأموال والضرائب وخلافه. أمَّا المواقف المركزية، فلها وجهة نظر خاصة لا تتقاطع مع المجلس، فهي تتشارك عقلها وحيادها مع الجميع، فتارة في الرياض، وتارة في طهران، وهذا يدعونا لشكرها. فعُمان دولة عادلة، ويلجأ إليها العقلاء، كما يفعل الشيخ الوالد صباح الأحمد كعادته.

وهنا يأتي دور الكويت، صاحبة فكرة التأسيس التي تسعى – دائمًا – لحل خلافات الأعضاء في المجلس؛ مما جعلها في بعض الأزمات تتخذ موقفًا حياديًا متطرفًا لضمان بقاء المجلس، وهو ما يجعلنا نتساءل: هل الكويت هي المستفيد الأكبر من بقاء المجلس؟! في واقع الأمر، نعم. وقد يعود ذلك إلى عدة أسباب: السياسية منها، هو أن الكويت الدولة الوحيدة التي تعرضت لعدوان خارجي من جارتها العراق، وتعي جيدًا مدى صعوبة موقعها الجيوسياسي بين دولتين متقلبتي المزاج السياسي، العراق وإيران. وتعي جيدًا مدى التنسيق والتكامل بين دول المجلس في الشأن السياسي والاقتصادي؛ لذا هي الأكثر حرصًا على بقاء هذا المجلس، بالرغم مما يعاني من أزمات. أمَّا على صعيدها الاقتصادي، فالكويت ما زال لديها تردد في اتخاذ سياسات أو رؤية اقتصادية فعلية للخروج من دائرة الاعتماد على النفط.

السعودية المحور الاستراتيجي للمنطقة والعالم الإسلامي، كونها المحور المركزي لمسلمي العالم. فهل يؤثر عليها انقضاء المجلس كما يؤثر على الدول الأخرى؟! والجواب: هو أن كلا العاملين الاقتصادي والسياسي في ميزان السعودية، يرجح مقابل انقضاء المجلس، وتعتبر الدولة الأقل تأثرًا إذ ما حدث ذلك.

أمَّا عن قطر بتوجهها السياسي، فشكلت أزمة داخل المجلس، وخلقت نوعًا من الصدع والتفكك، كما شهدنا في الآونة الأخيرة. أمَّا على صعيدها الاقتصادي، فهي تبدو غير متضررة من انقضاء المجلس بشكل كبير، من خلال اعتقادها بتنويع استثماراتها ومخزونها من الغاز، كما تراهن على حُلفاء تعتقد أنهم استراتيجيين من حولها في المنطقة، أهمهم: تركيا وإيران.

أمَّا عن الإمارات، فقد حملت المنطقة إلى إعادة النظر في الشكل الاقتصادي للمنطقة بجو أكثر تنافسية ومشاركة من خلال مشاريعها الطموحة في دبي وأبوظبي وسعيها لمنجزات اقتصادية عالمية، وهذا جوار جيد لدول المنطقة. أمَّا على الصعيد السياسي، فهي بطرحها تتفق مع الدول البقية بنِسَب متفاوته ما عدا قطر. وقد لا يؤثر عليها انقضاء المجلس، كونها بنت جملة من العلاقات الاستراتيجية الاقتصادية مع دول الجوار، وكانت إحداها قطر بخط غاز دولفين الممتد من الإمارات إلى سلطنة عمان. وهنا نشير إلى نقطة، وهي أن قطر لم تستخدم الخط كورقة ضغط في أزمتها؛ لأنه يخدم أيضًا عُمان، ومن المكلف والصعب تغيير مساره في الوضع الحالي.

معظم دول المجلس مطلبها منطقة هادئة سياسيًا وذات ملاءة اقتصادية؛ لذلك كان الطريق هو الاجتماع تحت قبة واحدة، وهي قبة “مجلس التعاون”، وهذا لتحقيق مكتسبات على كل الصعد، وإن كانت متواضعة مقابل مكتسبات اتحادات أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي. فجميع العقلاء متمسكون ببقاء هذا المجلس، ودفعه إلى تعاون أكثر من الحالي. لكن من زاوية أخرى، يجب أن لا نخشى الحديث عن شكل منطقة الخليج في حال انقضاء هذا المجلس، ليس تشاؤمًا من المستقبل، بل لإيجاد أفكار لهيكلة وشكل آخر للمجلس يضمن استمراره، أو انقضاءه، وبحث سبل التعاون المشترك.

 

كاتب وباحث أكاديمي سعودي*

@AlmsaudAssaf

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر