سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جود بلانشيت وريان هاس
يحلل الباحثان: جود بلانشيت، أستاذ كرسي الدراسات الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وريان هاس، الباحث المتخصص في دراسة تايوان في معهد بروكينغز ومدير وحدة دراسة الصين وتايوان في مجلس الأمن القومي الأميركي من 2013- 2017، أوضاع جزيرة تايوان والسياسة الأميركية في التعاطي معها. ويشير التحليل المعمق إلى أن محاولة الحفاظ على درجة من السلام والاستقرار في تايوان ظلت لمدة 70 عاماً هدفاً نجحت الصين والولايات المتحدة من تحقيقه؛ لكن مؤخراً أصبح هناك ما يشبه الإجماع في دوائر السياسة الأميركية على أن هذا السلام قد لا يستمر لفترة أطول. تأتي هذه التوقعات وفقاً للباحثَين انطلاقاً من أن العديد من المحللين وصناع السياسة ينصحون الولايات المتحدة بالاستعداد للحرب مع الصين في مضيق تايوان. هناك أسباب منطقية وجيهة تدفع الولايات المتحدة إلى التركيز على الدفاع عن تايوان؛ منها أن الجيش الأميركي ملزم بموجب قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979 بالحفاظ على أمن تايوان من أي عمل عدواني، كما أن لدى واشنطن أيضاً أسباباً استراتيجية واقتصادية قوية للوقوف بحزم نيابة عن الجزيرة، فتايوان دولة ديمقراطية رائدة في قلب آسيا تقع في قلب سلاسل التوريد العالمية، وأمنها مصلحة أساسية للولايات المتحدة؛ لكن المعضلة تكمن في أن الاعتماد على حلول عسكرية في حالة تايوان في الحقيقة يصعِّد من التهديدات على المصالح الأميركية وعلى مصالح حلفائها وتايوان نفسها.
كيف نقيِّم السياسة الأميركية في هذا الملف؟
يرى الباحثان أن المقياس الوحيد الذي يجب تقييم سياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان على أساسه هو ما إذا كانت تساعد في الحفاظ على السلام والاستقرار في المضيق أم لا، وليس ما إذا كانت هذه السياسات ستقود إلى حل الأزمة التايوانية بشكل نهائي أم تبقي تايوان بشكل دائم في معسكر الولايات المتحدة. ومن ثمَّ تؤدي بلورة هذا المقياس إلى وضوح الهدف الحقيقي: إقناع القادة في بكين وتايبيه بأن الوقت في صالحهم؛ ما يعني تهدئة حدة الصراع.
على مدى عقود نجحت الولايات المتحدة في إرساء السلم بفضل ثلاثة عوامل؛ أولاً: حافظت الولايات المتحدة على تقدم عسكري كبير على الصين، الأمر الذي لم يشجع بكين على استخدام القوة التقليدية لتغيير الأوضاع في المضيق، ثانياً: ركزت الصين في المقام الأول على تنميتها الاقتصادية واندماجها في الاقتصاد العالمي؛ مما سمح لقضية تايوان بالبقاء في خلفية المشهد، ثالثاً: تعاملت الولايات المتحدة ببراعة مع التحديات التي تواجه الاستقرار عبر المضيق؛ سواء نشأت في تايبيه أو بكين، وبالتالي قمع أي جمر يمكن أن يشعل صراعاً.
لكن خلال العقد الماضي تطورت هذه العوامل الثلاثة بشكل كبير، وربما يكون التغيير الأكثر وضوحاً هو أن الجيش الصيني قد وسَّع قدراته بشكل كبير؛ بسبب عقود من الاستثمارات والإصلاحات المتزايدة، وبات لدى بكين ثقة في أنه في حالة نشوب صراع يمكن أن تلحق ضرراً خطيراً بقوات الولايات المتحدة وتايوان. من جانب آخر، أصبحت بكين الآن أكثر استعداداً من أي وقت مضى للاشتباك مع الولايات المتحدة في السعي نحو تحقيق طموحاتها الأوسع.
يجب على الولايات المتحدة تجنب استفزاز الصين
يؤكد الباحثان أنه لا يوجد دليل قاطع على أن الصين تعمل وَفق جدول زمني محدد للاستيلاء على تايوان، والقلق المتزايد في واشنطن مدفوع أساساً بالقدرات العسكرية الصينية المتنامية فقط. ويدفع التركيز على سيناريوهات الغزو صانعي السياسة الأميركيين إلى تطوير حلول للتهديدات الخاطئة على المدى القريب. يفضل مسؤولو الدفاع الاستعداد للحصار والغزوات؛ لأن مثل هذه السيناريوهات تتماشى بشكل أفضل مع القدرات الأميركية، وهي الأسهل في تصورها والتخطيط لها. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن القادة الصينيين اختاروا في الماضي خيارات أخرى غير الاحتلال العسكري لتحقيق أهدافهم؛ مثل بناء جزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي.
على الرغم من أن التهديد العسكري ضد تايوان حقيقي؛ فإنه ليس التحدي الوحيد أو الأقرب في الحدوث الذي تواجهه الجزيرة. وقد يؤدي التركيز الضيق على التعامل العسكري إلى إمكانية وقوع الولايات المتحدة في خطأين جسيمَين: الأول، الإفراط في التعويض بطرق تؤدي إلى تصعيد التوترات أكثر من الردع. وثانياً، إغفال المشكلات الاستراتيجية الأوسع التي من المرجح أن تواجهها.
خطأ آخر هو افتراض أن الصراع أمر لا مفر منه. من خلال القيام بذلك، تلزم الولايات المتحدة وتايوان نفسيهما بالاستعداد بكل طريقة ممكنة للصراع الوشيك؛ مما يعجِّل بالنتائج ذاتها التي يسعيان إلى منعها. إذا استفزت الولايات المتحدة الصين من خلال تمركز أفراد عسكريين بشكل دائم في تايوان أو تقديم التزام رسمي آخر بالدفاع المتبادل مع تايبيه، فقد يشعر القادة الصينيون بثقل الضغط القومي ويتخذون إجراءات جذرية يمكن أن تدمر الجزيرة.
هل يمكن أن تفكر الصين في غزو تايوان؟
يرى الكاتبان أن أي نزاع حول تايوان سيكون كارثياً على مستقبل الصين، وسوف يعرض للخطر وصول بكين إلى التمويل والبيانات والأسواق العالمية؛ وهو أمر مدمر بالنسبة إلى بلد يعتمد على واردات النفط والمواد الغذائية وأشباه الموصلات. وحتى لو افترضنا أن بكين قد تنجح في غزو تايوان والسيطرة عليها، فإن الصين ستواجه مشكلات لا حصر لها. سيكون الاقتصاد التايواني في حالة يرثى لها؛ بما في ذلك صناعة أشباه الموصلات التي لا تقدر بثمن على مستوى العالم، ومن المرجح أن تواجه بكين انتكاسة دبلوماسية وعقوبات غير مسبوقة. وقد يؤدي الصراع إلى إعاقة أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاماً في العالم، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد الصيني القائم على التصدير. هذه الحقائق تمنع الصين من التفكير في الغزو؛ فلأكثر من 70 عاماً خلصت بكين إلى أن تكلفة الغزو لا تزال مرتفعة للغاية، وهذا ما يفسر سبب اعتماد الصين إلى حد كبير بدلاً من ذلك على الحوافز الاقتصادية.
ما الذي يجب على الولايات المتحدة القيام به؟
وفقاً لذلك، يجب أن تدعم الإجراءات الأميركية تايوان بشكل هادف؛ تشمل الأمثلة على هذه الجهود تعميق التنسيق بين الولايات المتحدة وتايوان بشأن مرونة سلاسل التوريد، وتنويع تجارة تايوان من خلال التفاوض على اتفاقية التجارة الثنائية، وتعزيز إتاحة المزيد من الأسلحة الدفاعية لتايوان، ودعم جهود تايوان في مجال الابتكارات في التقنيات الناشئة؛ مثل الحوسبة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. كل هذه الجهود من شأنها أن تعزز قدرة تايوان على توفير الازدهار لشعبها دون أن تتحدى علناً بكين.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تدعم سياستها بموقف عسكري موثوق به في المحيطَين الهندي والهادئ، مع التركيز بشكل أكبر على أنظمة الأسلحة الصغيرة والمنتشرة في المنطقة وإجراء استثمارات أكبر في أنظمة الصواريخ بعيدة المدى والمضادة للسفن. يمكن لمثل هذه الاستثمارات أن تعزز قدرة الولايات المتحدة على حرمان الصين من الفرص لتأمين مكاسب عسكرية سريعة في تايوان.
كما يتعين على الولايات المتحدة أن تقاوم النظر إلى مشكلة تايوان على أنها صراع بين الاستبداد والديمقراطية؛ فلا ينبع التحدي المتزايد للحفاظ على السلام في مضيق تايوان من طبيعة النظام السياسي في الصين. إن تأطير التوترات على أنها صراع أيديولوجي يهدد بوضع الصين في الزاوية أيضاً؛ لأنه يغذي مخاوف بكين من أن الولايات المتحدة ستقف في معارضة دائمة لأي نوع من الحلول لمشكلة تايوان. وهذا بدوره قد يقود بكين إلى استنتاج أن خيارها الوحيد هو استغلال قوتها العسكرية لتجاوز معارضة الولايات المتحدة ودمج الجزيرة بالقوة، حتى بتكلفة اقتصادية وسياسية كبيرة.
يجب على الولايات المتحدة أن تكون حازمة وثابتة في إعلانها أنها ستقبل أي حل للتوترات عبر المضيق يتم التوصل إليه سلمياً وفقاً لوجهات نظر شعب تايوان. إذا أرادت بكين إيجاد طريق سلمي للتوحيد، فيجب إقناع شعب تايوان بذلك. تقف العلاقات الأميركية- الصينية حالياً على حافة الأزمة، فقد انتقلت التوترات الثنائية من التجارة إلى التكنولوجيا وصولاً إلى التهديد بالمواجهة العسكرية المباشرة. من المؤكد وفقاً للباحثَين، أن تهديدات بكين لتايوان هي السبب الأساسي للتوترات عبر المضيق، لكن هذه الحقيقة من جانب آخر تؤكد أهمية أن تتصرف الولايات المتحدة ببصيرة ومرونة وبراعة؛ فقد تؤدي المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة والصين إلى الدمار لأجيال.
سوف يُقاس النجاح بعدد الأيام التي سيستمر فيها شعب تايوان في العيش بأمان ورخاء ويتمتع بالاستقلال السياسي. يجب أن تكون الأهداف الأساسية للجهود الأميركية الحفاظ على السلام والاستقرار وتعزيز ثقة تايوان في مستقبلها، وإثبات المصداقية لبكين أن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لفرض مواجهة عنيفة. يتطلب تحقيق هذه الأهداف إطالة الجداول الزمنية، وهنا يكون فن الحكم الرشيد للأوضاع الأكثر أهمية مقارنةً بالقوة العسكرية، وبه يمكن توفير أفضل طريق للسلام والاستقرار في مضيق تايوان.
المصدر: ترجمة كيو بوست لمقال فورين أفيرز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر