سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ثابت أمين عواد
بعد 10 سنوات من المراوغة والمناورة، تمكنت خلالها إثيوبيا من إنشاء “سد النهضة” واستكمال المرحلة الأولى لملئه من مياه النيل بواقع 4.5 مليار متر مكعب من المياه، وهي بصدد المرحلة الثانية، تتبعها مرحلة ثالثة ورابعة، لكي يصل مخزون المياه التي يحتجزها السد إلى 74 مليار متر مكعب مياه، وهي تعادل الحصة السنوية لدولتي المصب “مصر والسودان”..
المخاطر الناتجة عن إقامة هذا السد، سييء السمعة، كارثية، بدءًا من موقعه الذي أُنشأ عليه في منطقة ركامية لا تصلح لإقامة إنشاءات ضخمة كالسد، فضلا عن أنها هضبة تنشط فيها الزلازل، كما أن الأرض التي أُنشأ عليها هي أرض سودانية في الأساس، أراضي “بني شنقول” أو “بينيشانغول” المنطقة الحدودية مع إثيوبيا، وانتهاء بمستشاري ومهندسي السد الذين أرشدوا الإثيوبيين بإمكانية بناء سد يحقق لهم الرفاهية ورغد العيش..
وهكذا أُنشأ السد “بليل” دون دراسات علمية كافية، على أرض مغتصبة، لا تصلح لإقامة السد..
ولأن الطبيعة لا تكذب، فقد ظهرت مبكرًا نذر هذه المخاطر، وكأنه بيان عملي أثبتته الأحداث عند الملء الأول، فقد حدث انهيار جزئي لجسم السد عند الملء الأول في يوليو 2020، وأدت المياه الناتجة عن هذا الانهيار – كما سجلها منسوب النيل في السودان ووصوله لأعلى مستوى منذ بدء الرصد عام 1902 – إلى حدوث فيضانات اجتاحت 16 ولاية من ولايات السودان الـ 18، وخلفت وراءها قائمة من الضحايا بوفاة أكثر من 100 مواطن وتشريد 600 ألف، وتدمير أكثر من 100 ألف منزل على ضفتي النيل الأزرق والنيل الرئيسي، من “الروصيرص“ وحتى مدينة عطبرة بالسودان..
المدهش أن إثيوبيا، وهي ليست في حاجة إلى السد وبالتالي إلى هذه المياه الضخمة، ولا للملء الأول، أو حتي الثاني، كانت ومازالت، تتبع سياسة فرض الأمر الواقع، ولن نضيف جديدًا إذا أكدنا أن هذا مايطبقه، بامتياز الصهاينة في فلسطين المحتلة، وهم أول المستشارين لإثيوبيا في هذا الملف، وبالقطع أول المستفيدين من الكوارث المتوقعة، بمعنى، دع المفاوضات تتحدث ويعلو ضجيجها، وتستمر جولاتها بلا نهاية، في الوقت الوقت الذي تنفذ فيه خططها في صمت، وهو ما حدث في مرحلة ملء السد الأولى بواقع 4.5 مليار متر مكعب من المياه..
بعد مرحلة المراوغة، صعدت إثيوبيا من أسلوب تعاملها مع مصر والسودان، لتبدأ مرحلة الرفض المطلق والحق المطلق في المياه، فقد أعلنت، الأسبوع الماضي، أن حصتها من مياه النيل تبلغ 86% من إجمالي مياه نهر النيل، أي أن حصة مصر والسودان لن تزيد على 14% من مياه النهر..
يحدث هذا بعد أن اقترحت السودان – بهدف الخروج من المأزق الراهن – تشكيل آلية رباعية “الأمم المتحدة – الولايات المتحدة – الاتحاد الأوروبي – الاتحاد الإفريقي” للوساطة، إلا أن إثيوبيا رفضت..
يضاف إلى المخاطر المباشرة، هناك مخاطر غير مباشرة، مثل المؤثرات السلبية للتغيرات المناخية، حيث كشفت دراسة في دورية بحوث الموارد المائية 2010، والتي يصدرها “الاتحاد الجيوفيزيقي الأمريكي” حول تأثير السد على توليد الطاقة الكهربائية لمصر والنقص السنوي في تدفق المياه، لتثبت أن توليد الطاقة الكهرومائية من السد العالي وخزان أسوان ستنخفض إلى 600 ميجاوات و سيزداد الانخفاض إلى 1200 ميجاوات مع التغيرات المناخية، مع زيادة العجز المائي المتدفق من دول المنابع إلى مصر إلى 9 مليار متر مكعب من المياه وسيزداد هذا النقص إلى 12 مليار متر مكعب مع التغير في المناخ نتيجة احتفاظ هذا السد بالمياه..
وخلال السنوات العشر الماضية التي أُنشأ فيها السد، كانت مصر والسودان تقدمان سياسة حسن الجوار.. فلم تتركا بابًا إلا وطرقتاه، ولا أسلوبًا إلا واتبعتاه، ولا طريقًا إلا وسارتا فيه حتى نهايته.
واليوم وبعد استنفاد إثيوبيا كافة الحيل والمراوغات حول هذا الملف، وأمام الرفض الإثيوبي المطلق لكل سبل التعاون، ورفضها المواثيق الدولية، فإن إستراتيجية دولتي المصب “مصر والسودان” تخطو خطوات دقيقة وواعية.. فقد اعلنتا، بعد توحيد الصف المصري والسوداني، أن سياسة الأمر الواقع الإثيوبية في ملف سد النهضة أمر مرفوض، ولن تنتظر الدولتان حتى الملء الثاني، فقد بدأتا عمليًا التعامل مع الواقع، لتتوقف السودان عن ملء سد الروصيرص، وكذلك فعلت مصر وأوقفت تخزين المياه في بحيرة ناصر.
والحل هو في التمسك بالاتفاقيات أساسًا لحفظ الحقوق، والتصرف حيال ما يحدث على الهضبة الإثيوبية، بمساعدة السودان في استعادة منطقة شنقول السودانية التي يقام عليها السد وإعادتها إلى السودان بالوسائل المناسبة، وهو ما اقترحه خبير السدود الدولي الدكتور أحمد الشناوي، لـ”سبوتنك”، موضحًا أن هناك اتفاقية بين بريطانيا وإثيوبيا، الموقعة في 15 مايو 1902م، ووقعتها بريطانيا بالنيابة عن السودان، ومنحت خلالها بريطانيا، المسيطرة على دول الحوض، منطقة شنقول السودانية إلى إثيوبيا، وأهم ما فيها المادة الثالثة التي تنص على: “أن الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني يعد بألا يبني أو يسمح ببناء أي أعمال على النيل الأزرق وبحيرة تانا أو السوباط”..
إعادة منطقة بني شنقول إلى السودان.. هذا هو المتاح والممكن قبل الوصول إلى دائرة المستحيل.. وما عدا ذلك يدخل في دائرة التفاصيل، وهي الخطوة الأولى والأهم لحماية 50 مليون سوداني من الهلاك، وراءهم حياة 100 مليون مصري..
هذا المسار لايأتي من فراغ، فالمواثيق الدولية تثبت ذلك، فضلا عن ان أهالي بني شنقول يرفضون مشروع سد النهضة؛ باعتباره يقف أمام عودتهم إلى الوطن الأصلي السودان، أو حصولهم على الاستقلال الذاتي عن إثيوبيا.. أي أن مؤازرة السودان في استعادة منطقة بني شنقول إليه هو الحل، اليوم قبل الغد..
المصدر: صحيفة الأهرام
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر