سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Camila Pintarelli, Thomas Oxley
تعد الحالات العصبية السبب العالمي الرئيسي للإعاقة، حيث تؤثر على أكثر من ثلاثة مليارات شخص في جميع أنحاء العالم. وإذا ما اقترنت بحالات الصحة العقلية واضطرابات تعاطي المخدرات، فقد تكلف الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 16 تريليون دولار بحلول عام 2030. وعلى هذه الخلفية، تمثل التقنيات العصبية “neurotechnology” وعدًا استثنائيًا. وهي تتراوح بين التطبيقات السريرية، مثل غرسات الدماغ والعمود الفقري التي تستعيد القدرة على الحركة أو أنظمة الكشف المبكر عن مرض الزهايمر، إلى الأجهزة الاستهلاكية التي تدعم نمط حياة صحي والأداء المعرفي.
وفي الوقت نفسه، فإن الابتكارات ذاتها التي تحمل إمكانات تحويلية تشكل أيضًا مخاطر على الخصوصية والهوية والاستقلالية، لأنها يمكن أن تصل إلى، وربما تؤثر على، الطبقة الأكثر خصوصية للوجود البشري.. عقولنا.
ما الذي نحتاج إلى حمايته؟
نشأت المخاوف بشأن الخصوصية، وعلى وجه الخصوص، الخصوصية العقلية بشكل كبير مع التقنيات العصبية، نظرًا لوصولها المباشر إلى البيانات العصبية والافتراض بأن معلومات ذات مغزى حول الحالة العقلية للفرد يمكن استخلاصها من تلك البيانات. ومع ذلك، في الواقع، يمكن أيضًا استخلاص استدلالات حساسة بنفس القدر حول الحالة العقلية أو الحالة الصحية من أشكال أخرى من البيانات البيومترية والفسيولوجية، وإن كان بدرجات متفاوتة من الدقة والخصوصية، على سبيل المثال:
• تقلب معدل ضربات القلب يمكن أن يشير إلى الإجهاد والحالات العاطفية.
• تتبع العين يكشف عن الانتباه والحِمل المعرفي ويمكن ربطه بسمات الشخصية.
• يمكن لأجهزة تخطيط كهربية العضل “EMG” أن تكشف عن إيماءات أو نوايا خفية للحركات البسيطة.
تعمل شركات التكنولوجيا الكبرى بالفعل على دمج أجهزة استشعار متعددة في منصات قوية. تستخدم نظارات الذكاء الاصطناعي من Meta المزودة بشريط عصبي تخطيط كهربية العضل “EMG”؛ ويدمج جهاز Vision Pro من Apple تتبع العين مع أجهزة استشعار بيومترية؛ وسجلت Apple براءة اختراع لسماعات Airpods المزودة بتقنية تخطيط كهربية الدماغ “EEG”. وبدعم من الذكاء الاصطناعي، تعمل هذه التقنيات بشكل متزايد على طمس الخط الفاصل بين البيانات العصبية وغير العصبية، بينما ترسم خريطة لحالاتنا العقلية والصحية.
وهذا يثير تساؤلًا جوهريًا لصناع السياسات.. ما الذي نحتاج إلى حمايته بالضبط، بدلاً من ما الذي نريد تنظيمه؟
التحدي التنظيمي مزدوج.. حماية الكرامة الإنسانية من خلال توفير الحماية للخصوصية والهوية والاستقلالية، وفي الوقت نفسه تمكين الابتكار الذي يمكن أن يحسن حياة الأفراد. يظهر التاريخ أن هذا التوازن صعب، ولكنه ضروري. إن التركيز الضيق جدًا “على سبيل المثال، تنظيم البيانات العصبية فقط” يهدد بخنق الابتكار، بينما يترك ثغرات للحماية. أما النهج المتساهل جدًا فيعرض المواطنين لخطر التلاعب والمراقبة وتآكل الخصوصية.
وفي ضوء ذلك، فإن المهمة النهائية للجهات التنظيمية واضحة.. حماية الأفراد والمجتمعات من الاستدلالات حول حالاتهم العقلية والصحية، بغض النظر عن مصدر البيانات، التي يمكن أن تقوض حقوقهم أو كرامتهم أو فرصهم، مع الحفاظ على الحوافز اللازمة للابتكارات الآمنة والأخلاقية.
مقاربات السياسات عبر المناطق
تجرب مناطق ومؤسسات مختلفة مقاربات متميزة تجاه تنظيمات التقنيات العصبية. وتساعدنا مقارنتها في تحديد نقاط القوة والمزالق.
مع الأخذ في الاعتبار التطور السريع للتكنولوجيا والعلوم، يجب أن يركز النقاش التنظيمي على حماية سلامة العقل البشري والخصوصية بشكل عام، بدلاً من التركيز على حماية فئة البيانات المحددة.
كما يحذر الخبراء القانونيون من أن فكرة بناء حماية الخصوصية على فئات “البيانات الحساسة” غير مستدامة. غالبًا ما تكون هذه الفئات تعسفية وغير قادرة على استيعاب حقيقة الاقتصاد القائم على الاستدلال. يمكن دمج أو تحليل أي نوع من البيانات تقريبًا، مهما كان غير ضار، للكشف عن سمات حساسة، مثل الظروف الصحية أو المعتقدات أو الآراء السياسية. ومع تطور التكنولوجيا وقدرة تحليل البيانات، ستتطور أيضًا المعلومات التي قد يتم فك شفرتها في نهاية المطاف. إن التنظيمات التي تحمي أنواعًا معينة فقط من البيانات تخاطر بأن تكون غير شاملة بما فيه الكفاية، فتحمي بعض المخاطر بينما تتجاهل مخاطر أخرى.
نحو إطار عمل محايد تكنولوجيًا
نظرًا للهدف التنظيمي النهائي، يبرز النهج المحايد تكنولوجيًا “الذي لا يعتمد على تقنية معينة” باعتباره الطريقة الأكثر فعالية لتوفير حماية شاملة ومقاومة للمستقبل، ومنع المراجحة التنظيمية، وتجنب تشويه الابتكار.
لتحقيق التوازن الصحيح، يجب أن تكون السياسة قائمة على المبادئ ولكنها عملية، ويجب عليها:
1. تبني قواعد محايدة تكنولوجيًا
يجب أن توفر التنظيمات الحماية ضد الاستدلالات الضارة، بغض النظر عن مصدر البيانات. وهذا يتجنب الوقوع في فخ التنظيم بناءً على الفئات التقنية ويضمن الأهمية للمشهد التكنولوجي المتطور.
2. ضمان التوافق العالمي
يجب على الدول تجنب المقاربات المجزأة. يمكن للتعديلات الدستورية في أميركا اللاتينية، والأجندة الرقمية للاتحاد الأوروبي، وتوصيات الـUNESCO العالمية أن تكون بمثابة لبنات بناء تكميلية نحو تحقيق التنسيق.
3. التكامل مع الأدوات العملية
بالإضافة إلى القانون الرسمي، يمكن لآليات إضافية أن تعزز الممارسات المسؤولة. على سبيل المثال، يوفر مؤشر NeuroTrust Index، الذي يتم تطويره من قبل المجلس العالمي للمستقبل المعني بالتقنيات العصبية ومختبر “ديوك للآفاق المعرفية” بجامعة ديوك، إطارًا شفافًا لقياس وتعزيز الابتكار المسؤول مع تعزيز ثقة الجمهور.
4. الموازنة بين الحماية والابتكار
يجب على صناع السياسات تجنب الحواجز المصطنعة التي تثبط البحث والاستثمار. من خلال التركيز على الأضرار والحقوق، يضمن الإطار المحايد تكنولوجيًا استفادة الناس من إمكانات التقنيات العصبية، دون المساس بالكرامة أو الحرية.
5. إرشادات التنفيذ
يتطلب النهج المحايد تكنولوجيًا إرشادات تنفيذ واضحة لتجنب حالة عدم اليقين التنظيمي. يجب أن توفر الأطر معايير محددة لتحديد متى يشكل جمع البيانات استدلالًا للحالة العقلية أو غيرها من الحالات الصحية، وأن تضع حماية متناسبة بناءً على حساسية الاستدلال وسياق الاستخدام. يضمن هذا الوضوح قدرة الشركات على الابتكار بشكل مدروس مع الحفاظ على حماية قوية للخصوصية.
بما أن التقنيات العصبية تقف على أهبة الاستعداد لمعالجة الحالات العصبية التي تؤثر على أكثر من ثلاثة مليارات شخص في جميع أنحاء العالم، يجب أن تمكّن أطر الخصوصية الابتكار الذي ينقذ الأرواح ويحسنها. إن التركيز المحايد تكنولوجيًا على الاستدلالات المتعلقة بالحالة العقلية والصحية يحمي الخصوصية والتقدم، مما يضمن وصول الحلول المبتكرة إلى المستخدمين النهائيين مع الحماية ضد تهديدات الخصوصية الناشئة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: World Economic Forum
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر