سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كريستين رو
تدريب الموظفين على التخلص من تحيزاتهم اللاواعية مفيد نظريا، لكن هذه البرامج تثير الكثير من الجدل أيضا.
توفر شركات ومؤسسات كبيرة مثل “ستاربكس” و”غوغل” و”سيفورا” و”بابا جونز” برامج تدريب خاصة لموظفيها بهدف مساعدتهم على التخلص من تحيزاتهم اللاواعية. لكن في المقابل، يقرر جهاز الخدمة المدنية في المملكة المتحدة التوقف عن تنظيم مثل هذه البرامج، في حين يتعرض حزب العمال البريطاني لانتقادات بسبب جلساته التدريبية القصيرة التي لا تتعدى مدتها 20 دقيقة.
ويهدف تدريب التحيز اللاواعي، إلى وضع الأشخاص في مواجهة مفاهيمهم المسبقة غير الواعية، وتوعيتهم بتأثير هذه المفاهيم على تصرفاتهم ومواقفهم تجاه الآخرين والقرارات التي يتخذونها، كما يقدم الوسائل لضبط أنماط التفكير التلقائية، والتخلص من السلوكيات التمييزية.
لكن رغم حسن النية، فهناك أدلة متضاربة على نجاح برامج تدريب التحيز اللاواعي. وما لم تكن هذه الدورات التدريبية مصممة بعناية فقد تصبح مجرد التزامات مثيرة للضجر. والمثير للجدل هنا، أن بعض المنظمات البارزة أسقطت هذه البرامج من جدول أعمالها. لكن من المهم أن نسأل: ما هو البديل لتدريب التحيز اللاواعي، إن وجد؟
ما هو تدريب التحيز اللاواعي؟
يشير التحيز اللاواعي إلى وجود تحيزات عميقة الجذور، نتشربها جميعنا بدرجة أو أخرى، من دون أن نعي ذلك، بسبب وجودنا ضمن مجتمعات تفتقر إلى المساواة، ويسود فيها عدم التكافؤ على نحو كبير.
ويمكن أن يؤدي التحيز اللاواعي أو التحيز الضمني، كما يعرف أيضا، إلى افتراضات مسبقة من قبيل أن من يعمل في مجال التمريض يجب أن يكون امرأة، وأن من يعمل في مجال الهندسة يجب أن يكون رجلاً، أو أن المرأة الآسيوية لن تكون قائدة جيدة، أو أن الرجل الأسود سيكون منافسا عدوانيا. ويمكن أن يوجد التحيز اللاواعي حتى لدى الأشخاص الذين يعتقدون حقا أنهم ملتزمون بالمساواة، ويكون تحديد ذلك واستئصاله أصعب من التمييز الواضح.
لكن هذا لا يعني أن تأثيرات التحيز اللاواعي غير مهمة. إذ يمكن أن يؤثر التحيز الكامن تحت السطح على الصحة والحياة بطرق دراماتيكية. على سبيل المثال، يعتقد كثير من العاملين في المجال الطبي في الولايات المتحدة أن المرضى السود أقل عرضة للإحساس بالألم، وأقل امتثالا للنصائح الطبية من المرضى أصحاب البشرة البيضاء.
كما أن الأحكام السريعة التي يتخذها ضباط الشرطة مشحونة للغاية بالتحيزالضمني. وتشير بعض الأبحاث إلى أن الشرطة الأمريكية تعتبر بشكل غريزي أن أصحاب البشرة الداكنة أكثر إجراما.
كما توجد أمثلة كثيرة على التحيز اللاواعي في مرحلة اختبار الأشخاص للتوظيف. فقد ينجذب مديرو التوظيف إلى المرشحين الذين يشبهونهم، كما قد يفترضون أن المرشحين الذكور أكثر كفاءة، أو يقرأون اسما يشي بأن حامله “أسود اللون” في أحد الطلبات، ويربطون بشكل غريزي هذا الشخص بالعدوانية.
وبعد انطلاق حملة “حياة السود مهمة” التي صعّدت المطالبة بإصلاحات لتعزيز المساواة في المجتمعات، بدأت منظمات عديدة في تبني تدريب التحيز اللاواعي بهدف توعية المشاركين بتحيزاتهم الضمنية، لكن بطريقة تخلو من توجيه اللوم إليهم.
ويمكن أن يتخذ التدريب أشكالا عديدة، وقد يكون شخصيا أو عبر الإنترنت. ويمكن أن يتضمن إخضاعك لاختبار متعلق بالمشاعر الضمنية، تُعرض فيه أمامك سلسلة من الصور، ويتعين عليك إصدار أحكام سريعة عليها، مثل، “أسود”، “أبيض”، “جيد”، “سيء”. وقد تحضر عرضا تعريفيا بكيفية تأثير التحيزات على الأشخاص من المجموعات الموصومة، ومدى انتشار هذه التحيزات في كل مكان. ويمكن أن يُطلب منك أن تلعب دور مدير توظيف، لتلمس مدى اختلاف تقييمك للمرشحين الوهميين من المجموعات المختلفة. كما يمكن أن تشارك في ورش عمل تقترح استراتيجيات للتغلب على التحيز.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح تدريب التحيز اللاواعي – إلى جانب أشكال تدريب أخرى تحض على التنوع وتقبل الاختلاف – صناعة ضخمة. وبحسب تقديرات شركة “ماكينزي” الأمريكية للاستشارات الإدارية عام 2017، فإن ما تنفقه الولايات المتحدة سنويا على تدريب قبول التنوع يبلغ حوالي ثمانية مليارات دولار (5.8 مليار جنيه إسترليني).
لماذا ترفضه بعض المنظمات؟
وفقا لفاطمة تريش، أخصائية علم النفس الاجتماعي والتنظيمي التي تعمل في شركة “ديلتا ألفا بسي” لاستشارات التنوع في المملكة المتحدة، شهد هذا النوع من التدريب رواجا سريعا، أعقبه تراجع سريع مثل صعوده. وفي عام 2020، عندما كانت المنظمات تسعى جاهدة للقيام بمسؤولياتها في مناهضة العنصرية، كان هناك اتجاه واضح في بعض أماكن العمل إلى تجنب تنظيم دورات تدريبية للتخلص من التحيز اللاواعي.
كما ألغى جهاز الخدمة المدنية في المملكة المتحدة تدريب التحيز اللاواعي في أواخر عام 2020، وحث مؤسسات القطاع العام الأخرى على أن تحذو حذوه. واعتمد بيان الإلغاء على بحث أجرته شركة “ندج يونيت” (شركة أبحاث خاصة بالسلوك تقدم المشورة للحكومة البريطانية ومنظمات أخرى) وخلص إلى أن تأثير تدريب التحيز الضمني ضئيل على السلوكيات أو المواقف على المدى البعيد. وعلى سبيل المثال، لم يكن للتدريب بخصوص حضور المرأة في الإدارة آثار إيجابية تذكر.
وواجهت الشركات الخاصة أيضا تحديات بسبب هذه القضية، وأحد الأمثلة على ذلك ما جرى لشركة “كي بي إم جي”، وهي إحدى الشركات الكبيرة التي تقدم لموظفيها تدريب التحيز اللاواعي منذ عام 2014. ففي اجتماع مفتوح للجمهور عبر الإنترنت في فبراير/شباط الماضي، وصف بيل مايكل، رئيس شركة “كي بي إم جي” في المملكة المتحدة، مفهوم التحيز اللاواعي بأنه “هراء كامل مطلق”.
وأضاف “لم يحصل أي تحسن على الإطلاق بعد أي تدريب من تدريبات التحيز اللاواعي”. وأدت تعليقاته (بخصوص تدريب التعاطي مع انتشار كورونا وتدريب التحيز) إلى احتجاج من قبل الموظفين وغيرهم، وقد اعتذر مايكل بعدها واستقال من منصبه.
وقد يكون الموظفون غير منتبهين إطلاقا وشبه نائمين خلال الجلسة التدريبية، التي تبدو مجرد عنصر في قائمة البنود الهادفة إلى تحسين صورة الشركة. كما يمكن لأسلوب التدريب القائم على أن جلسة واحدة سريعة تفي بالغرض، أن تكون له عواقب سيئة، وأن يخلق انطباعا كاذبا بأن التخلص من التحيز ممكن بمنتهى السرعة وبشكل كامل، ليعود بعدها الشخص إلى عمله كالمعتاد.
وعلاوة على ذلك، وبرغم حسن النية التي قد تكون الدافع وراء هذا النوع من التدريب، تشير أبحاث عديدة إلى أن التأثير محدود، سواء على تغيير المعتقدات على المدى الطويل، أو تحسين تمثيل الأقليات في العمل. وفي أسوأ الحالات، يمكن أن يأتي التدريب بنتائج عكسية مثل أن يجعل المشاركين يشعرون أنه لا داعي للقلق بشأن تحيزهم الضمني بعد أن خضعوا للتدريب، أو أن يتعلموا خلاله أن هذا النوع من التحيز لا يمكن القضاء عليه أبدا.
ما هو السبيل للسير إلى الأمام؟
تعرضت الحكومة البريطانية لانتقادات بسبب إيقافها برنامج التنوع رغم غياب البديل، في الوقت الذي يقول فيه جهاز الخدمة المدنية إن استراتيجيته الجديدة، التي تركز على التغيير السلوكي بدلاً من تدريب التحيز، لم تجهز بعد.
وهناك عدة عوامل ترتبط ببرامج الدمج الأكثر فعالية، ويتوجب على الذين يصوغون الاستراتيجية الجديدة أن يأخذوها في الاعتبار.
وأحد هذه العوامل هو أهمية وضوح أهداف برنامج الدمج، وتحديدها بدقة. فإذا كان تدريب التحيز اللاواعي مصمما فقط للحث على رفع مستوى الوعي، فقد يكون مفيدا بالفعل. وفي الواقع، فإن رفع الوعي هو غالبا الإنجاز الأكثر شيوعا.
لكن الأصعب بكثير هو تحقيق تغيير على مستوى السلوك. فإذا أرادت إحدى الشركات زيادة تمثيل الأقليات في الإدارة العليا، فمن المرجح أن الاعتماد على تدريب التحيز وحده سيكون مصيره الفشل، كما سيقدم للموظفين تجربة سيئة عن مبادرات التنوع.
ولكي يكون التغيير ملموسا، ينبغي أن يكون التدريب جزءا من عملية متكاملة، وأن تكون المنظمات على استعداد للاستثمار في عملية طويلة المدى، بدلا من محاولة إصلاح الوضع في زمن قصير ومن خلال جلسة تدريبية واحدة. فلا يمكن لجلسة تدريب تستغرق 30 أو 60 دقيقة أن تغير الانحياز المجحف الذي تشربه المرء خلال حياة كاملة.
الأمر الآخر هو أن جلسة تدريب روتينية سريعة من شأنها أيضا أن توصل للموظفين رسالة مفادها أن المؤسسة في الحقيقة لا تأخذ القضاء على التحيز على محمل الجد.
في الوقت نفسه، لا تعتبر جلسات التدريب الطويلة كافية أيضا. فمفتاح النجاح هنا هو الاستمرارية، وأن يكون التدريب جزءا من تغيير هيكلي أكبر. ووفقا لتشيستر سبيل، الباحث في الإدارة في جامعة روتجرز، فليس من الضروري أن يكون الحل مكلفا، ويقول: “لا أعتقد أن القضية هي إنفاق مبالغ ضخمة من الدولارات، وإنما أن يكون الأمر مستمرا، وشيئا تعتبره الشركة جزءا من منهجها وأسلوب عملها”.
ولكي تتغير الممارسات التي تعيق حصول الأقليات على فرص متكافئة، هناك حاجة إلى مزيد من الخطوات الملموسة. ويمكن أن يشمل ذلك إصلاح عمليات التوظيف نفسها (على سبيل المثال، إعادة صياغة لغة إعلانات التوظيف التي تتضمن سمات ذكورية نمطية).
وبرغم كون الفكرة في غاية الوضوح، فلا بد من التأكيد هنا على أن التنوع يولد المزيد من التنوع، وأن التحدث إلى مجموعات متنوعة من الناس يقلل من التحيز سواء بالنسبة لضباط الشرطة أو موظفي المكاتب.
المصدر: BBC Arabic
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر