سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Ashfaq Zaman
كُشف في مؤتمر الأطراف السابع والعشرين عن حقيقة غير مريحة، وهي أن الدول الأقل مسؤولية عن المناخ هي أيضًا الأكثر تعرضًا لتداعياته. وقد تحوَّل الحديث في المؤتمر من المناقشة حول أهداف المناخ إلى قضية تمويل المناخ والخسائر والتكيف. على الرغم من أن حماية المواطنين والاقتصادات من تغير المناخ عمل مكلف، فإن بنغلاديش أثبتت أنه يمكن بناء القدرة على الصمود في وجه المناخ بميزانية محدودة، إذا تم استكمالها بالابتكار وإشراك المجتمع.
عندما يجتمع القادة الدوليون في دبي في نوفمبر، سيتم التركيز على كيفية تسهيل انتقال عادل وأخضر. تمتلك بنغلاديش مخططًا لتعزيز قدرة الدول الضعيفة على مواجهة تغير المناخ، وذلك على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها، وتجاوز المراحل التنموية التقليدية، وتحويل اقتصادها إلى اقتصادات عالمية مزدهرة. تُعتبر بنغلاديش “نقطة الصفر”
عندما يتعلق الأمر بالضعف في مجال التأثر بالمناخ. فهي تحتل المرتبة السابعة بين 181 دولة في مؤشر مخاطر المناخ، مما يعني أنها تعاني ضررًا أكثر من العديد من الدول الأخرى في مواجهة الأحداث المناخية المتطرفة.
بالرغم من توقعات قاتمة، فإن بنغلاديش لم تكن مجرد حالة ميؤوس منها، كما وصفها كيسنجر بعد انتهاء حربها الأهلية الدموية في عام 1971. الواقع هو أن قصة بنغلاديش ليست قصة ضحايا، بل هي قصة أبطال.
معجزة بنغلاديش الاقتصادية، هي بفضل مزيج من ابتكار القطاع المدني وتماسك المجتمع والسياسة العامة المستقبلية. لقد أدى انفجار قطاع إنتاج الملابس في البلاد إلى انتشال الملايين من براثن الفقر. واليوم، لا يزال اقتصاد بنغلاديش قويًا، وهي واحدة من الدول القليلة التي حافظت على معدل نمو مرتفع حتى في أثناء جائحة كوفيد، حيث سجلت نموًا بنسبة 6.94% في عام 2021. سيكون هذا مفيدًا في مؤتمر الأطراف 28، إذ إن تطور الاقتصاد في بنغلاديش تقدم بشكل متوازٍ مع التكيف المناخي. على سبيل المثال، خلال الخمسين سنة الماضية، تم تقليل حالات الوفاة المرتبطة بالأعاصير بنسبة 100 مرة.
في النهاية، علينا أن نفهم أن بناء القدرة على الصمود في وجه المناخ وتنمية الاقتصاد أمران مترابطان. إذ إن الكوارث الطبيعية مكلفة للغاية؛ فقد تسبب إعصار سيدر في بنغلاديش عام 2007 في خسائر تقدر بنحو 1.67 مليار دولار. نظام الإنذار المبكر الطبيعي في بنغلاديش أصبح رائدًا في توفير نظام إنذار مبكر فعال، وهذا يعتبر إنجازًا مهمًا، خاصة بالنسبة للدول ذات الموارد المحدودة. تراقب إدارة الأرصاد الجوية في بنغلاديش (BMD) الظروف الجوية باستمرار. وفي عام 1970، كان لدى الدولة راداران ساحليان فقط. واليوم، تمتلك الدولة نظام إنذار مبكر قادر على إخلاء ملايين الأشخاص في غضون 24 ساعة.
تعتمد هذه القدرة على إمكانية إبلاغ المواطنين بالكوارث الطبيعية الوشيكة بسرعة. وتنشر إدارة الأرصاد الجوية تحذيرات من الأعاصير من خلال رسائل PUSH ومكبرات الصوت، بالإضافة إلى الإذاعة والتلفزيون. وتم تصميم هذه الرسائل لتكون خاصة بالموقع، ويتم ترجمتها إلى اللغات الأصلية الـ44 التي يتم التحدث بها في بنغلاديش.
الأمر نفسه ينطبق على اكتشاف الفيضانات. فمن خلال الشراكة مع Google، طوَّرت وكالة الابتكار والتحول الرقمي في بنغلاديش “Aspire to Innovate (a2i)” نظامًا للتنبؤ بالفيضانات مصممًا لتوفير تحذير مبكر يمكن الوصول إليه للأشخاص المهمشين في المناطق النائية. ونتيجة لهذه المبادرة، خلال موسم الرياح الموسمية بين 13 و31 أغسطس 2021، تم إرسال أكثر من 2.9 مليون إشعار إلى 1.5 مليون مستخدم، مما أنقذ بلا شك أرواحًا كثيرة.
تمثل هذه الوسائل نموذجًا لمظاهر التفكير الرشيق والابتكار الاقتصادي التي تعد مفتاحًا لقدرة بنغلاديش الفريدة على مواجهة تحديات المناخ. تمامًا كما تعمل شبكات التلفزيون والإذاعة كأدوات تحذير من الكوارث، تشتمل الاستراتيجية العامة لبنغلاديش على بناء المدارس الابتدائية على أساس من الخرسانة المقاومة للأعاصير، مما يجعلها ملاجئ فعالة للحماية من الأعاصير والعواصف. في حين أنه في عام 1970 كان لدى الدولة 100 ملجأ فقط، وتمتلك اليوم أكثر من 5000 ملجأ، يمكن أن تستوعب ما يقرب من 5 ملايين شخص.
وجدت الدراسات، مرارًا وتكرارًا، أن الأساليب التي تقودها المجتمعات المحلية للاستجابة للكوارث، غالبًا ما تكون الأكثر فعالية في إنقاذ الأرواح. اليوم، ليس من غير المألوف رؤية المتطوعين المحليين يرفعون أعلامًا بنظام ألوان مشفر يشير إلى شدة العاصفة، وإجراء تدريبات عملية على الإخلاء. في الواقع، يضم برنامج التأهب للأعاصير في بنغلاديش (CPP) أكثر من 76000 متطوع، نصفهم من النساء.
تثبت الأمة الآسيوية أن التعليم ونشر البيانات الفعال وإشراك المجتمع كلها ضرورية للاستعداد للكوارث، وأن هذه التدابير ممكنة بميزانية صغيرة. ومع ذلك، فإن الخيط المشترك الذي يمر عبر قدرة بنغلاديش الفريدة على الصمود في وجه المناخ، هو قوة المجتمع.
بالطبع، الاستعداد للكوارث ليس سوى جزء بسيط من مسألة القدرة على الصمود في وجه المناخ. ويؤدي استخدام أنظمة الري بالطاقة الشمسية التي تقودها المجتمعات المحلية، إلى جانب هياكل حصاد المياه الصغيرة والمنازل المقاومة للمناخ المبنية في المجتمع، دورًا في حماية 169 مليون شخص في بنغلاديش.
وبالمثل، تشكل الزراعة أكثر من 11% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وعندما تتلف المحاصيل، تدمر سبل العيش معها. لقد أدى إدخال أصناف المحاصيل الصديقة للمناخ، وتحسين أنظمة الري، وتعزيز ممارسات الزراعة المستدامة، وتسهيل الوصول إلى التمويل الأصغر، والتأمين على المحاصيل؛ إلى تخفيف حدة تأثير تغير المناخ في القطاعات الزراعية في البلاد، وسبل العيش التي تعتمد عليها.
مع تنفيذ بنغلاديش لرؤيتها لعام 2041، التي تركز بشكل كبير على التحول الرقمي، تتطلع وكالة الابتكار والتحول الرقمي إلى استكشاف مجال الزراعة الذكية. إذ يتم التركيز في هذا المجال على تقنيات إنترنت الأشياء وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار، التي ستوفر للمزارعين البيانات اللازمة لحماية محاصيلهم وتحسين إنتاجيتها في ظل التغيرات المتزايدة في المواسم الزراعية. بالطبع، يعدُّ الاستثمار أمرًا حاسمًا لتنفيذ هذه الإجراءات. ومع ذلك، فإن الناس أهم من المال والتكنولوجيا. تثبت بنغلاديش أن التماسك الاجتماعي والعمل المجتمعي هو الأساس غير المرئي الذي تحتاجه الدول المعرضة للمخاطر المناخية.
عندما يجتمع القادة في دبي في نوفمبر لحضور مؤتمر الأطراف 28، ينبغي لهم أن يستفيدوا من تجربة بنغلاديش. عندما تتفق الدول على التزامات مالية لصندوق التكيف، يجب أن يدركوا أن المجتمعات المحلية تمثل أقوى خط دفاع ضد آثار التغير المناخي. والتعقيد البيروقراطي والتنظيم المفرط فيما يتعلق بكيفية إنفاق أموال التكيف بدقة سيؤدي فقط إلى عرقلة جهود التكيف المناخي المرنة. إذا كان على القادة أن يستخلصوا شعارًا واحدًا من المعجزة الاقتصادية لبنغلاديش، فإنه سيكون: “فكر عالميًا، تصرف محليًا”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Earth.org
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر