التجارة العالمية | مركز سمت للدراسات

ما الذي يتيقن به الخبراء الاقتصاديون عن 2021: المزيد من عدم اليقين العالمي

التاريخ والوقت : الأحد, 10 يناير 2021

فرانك كين

 

شهد العام المنصرم دوامة كبرى. ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان الخبراء يتوقعون حدوث تراجعٍ طفيفٍ في النمو الاقتصادي العالمي، واستمرار التوترات في أنماط التجارة العالمية، بالإضافة إلى لحظات عصيبة في أسواق النفط، لكنها قابلة للتفاوض حيث التزايد البطيء للطلب على مصادر الطاقة المتجددة.

لكن بدلاً من ذلك، شهد عام 2020 أكبر انكماش اقتصادي منذ ما يقرب من قرن من الزمان، بالإضافة إلى انهيارٍ قصيرٍ، لكنه دراماتيكي بالنسبة للتجارة العالمية. كما شهد العام أكبر اضطراب في سوق النفط الخام منذ 50 عامًا، لكن جائحة “كوفيد – 19″، التي استحوذت على الاتجاهات السلبية في الاقتصاد العالمي، جعلته العام الأسوأ.

وفي الشرق الأوسط، وخاصة بين الدول المُصَدِّرة للنفط، شهد النفط هو الآخر أكبر أزمة. فقد أدى الانكماش الاقتصادي وتراجع عائدات النفط إلى تفاقم الضغوط المالية التي كانت تتراكم بالفعل، مما أدى إلى أن الحكومات كان عليها أن تتعايش مع مستوى أعلى من الديون مما كانت ترغب فيه، بينما تنغمس هذه الدول في الاحتياطيات لتدفعها إلى الانكماش. إلا أنه، ولحسن الحظ، لا يزال لدى معظمها حوافز مالية جيدة. وفي ظل هذه الخلفية من عدم القدرة على التنبؤ، سيكون من التسرع القول بأي توقعات ثابتة لما سيأتي به عام 2021.

لقد كتبت “إيلين والد”: “الحقيقة أننا في ليلة رأس السنة الجديدة، نبدأ تقويمًا جديدًا وننطلق نحو المستقبل دون يقين”.

لقد كان هناك العديد من المتغيرات، لكن يتبقى المتغير الأكبر، وهو المتعلق بمسار الجائحة، وتدابير مكافحتها. ففيروس كورونا هو العامل المحدد للاقتصاد العالمي، إذ يتفق معظم المحللين على وجود علاقة خطية مباشرة بين القضاء على الوباء واستئناف النمو الاقتصادي.

وكما يذهب تقرير صادر عن شركةIHS Markit  للاستشارات، فإن هناك ضوءًا في نهاية النفق: “ففي حين أن فيروس كوفيد – 19، سيبقى معنا طوال عام 2021، فإن التطور السريع للقاحات ونشرها سيمكنان من الانتقال إلى اقتصادٍ جديدٍ بعد الجائحة. وبالتالي، فإننا نقترب من عام 2021 بمزيج من الحذر والأمل .”

ومن ناحية أخرى، يبدو أن هناك احتمالاً ضئيلاً في أن يتمكن العالم من الإعلان رسميًا عن انتهاء الوباء في عام 2021. فقد أصدرت منظمة الصحة العالمية أعلى تصنيف لها تحت عنوان: “طوارئ الصحة العامة ذات الاهتمام الدولي”، في يناير الماضي عندما كان هناك أقل من 100 حالة في جميع أنحاء العالم، كما يبدو أنه من المستحيل تقريبًا أن تعود معدلات الوفيات إلى نفس المستوى هذا العام. وفي حين تأثرت الأسواق العالمية بسبب سرعة طرحِ اللقاحات، فإن التحديات المالية واللوجستية تعني أنه سيمضي وقتٌ طويلٌ قبل أن تصل اللقاحات إلى جميع أنحاء العالم أو حتى معظمها.

وأمام هذه الخلفية، يختلف المراقبون الاقتصاديون. فصندوق النقد الدولي، وهو الدليل الأكثر قبولاً على نطاق واسع بشأن وضع الاقتصاد العالمي، يرى أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سوف ينتعش إلى 5.2% من النمو في عام 2021، وذلك بعد انهيار 4.4% خلال “الإغلاق الكبير”، لكنه يقر بأن “التوقعات تستند إلى الحالة العامة والعوامل الاقتصادية التي يصعب التنبؤ بها بطبيعة الحال”. في حين نجد خبراء آخرين يبدون تحفظًا أقل، إذ يعتقد بنك الاستثمار الأمريكي “مورجان ستانلي” أن الانتعاش سيبلغ 6.4% وذلك على مستوى العالم هذا العام.

إذ يقول “شيتان آهيا”، كبير الاقتصاديين، في البنك: “إننا نعتقد أن المستهلكين قادوا الانتعاش، ونمو الاستثمار، وهو ما يعدُّ انعكاسًا لتحمل مخاطر قطاع الشركات الخاصة، كما أنه ينطوي على ميزةٍ رئيسيةٍ لأي انتعاش ذاتي ومستدام.” ويضيف آهيا: “إنه بحلول مارس أو أبريل، من المتوقع أن تنضم جميع المناطق الجغرافية وجميع قطاعات الاقتصاد العالمي إلى الانتعاش، مع نمو مذهل للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9% في الصين، وهو ما يقود حالة الانتعاش المتوقعة”. لكن هذا الرأي المتفائل لا يتشارك فيه جميع المعلقين. فوفقًا لتقرير IHS Markit، “فإن الرياح المعاكسة للنمو القوي تشمل عمليات الإغلاق المرتبطة بكوفيد – 19 في بدايات 2021، مع استمرار الحذر من جانب المستهلكين والشركات، بشأن تناقص الدعم المالي، والديون المتزايدة سواء كانت عامة أو خاصة”.

أمَّا بالنسبة للمحرك الآخر للنمو العالمي، وهو الولايات المتحدة، فإن الإشارات تبدو أكثر إرباكًا. فصندوق النقد الدولي يتوقع أن ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة 4.3% في عام 2020 قبل أن يتعافى بنسبة 3.1% هذا العام. لكن هذه التوقعات جاءت قبل انتخابات نوفمبر المزعجة والمثيرة للانقسام، والتي لا تزال لديها القدرة على التأثير على الاقتصاد الأميركي. كما لا تزال أوروبا هي المشكلة المحتملة في عام 2021، التي أفسدها تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والارتفاع الأخير في سلالة جديدة من الفيروس. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن الانخفاض الكبير بنسبة 8.3% في عام 2020، سيتم تعويضه جزئيًا فقط بزيادة 5.2% في عام 2021.

وبالنسبة للشرق الأوسط، فقد توقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا بنسبة 4.1% تعقبها زيادة بنسبة 3% في عام 2021. وهناك من يتفاءلون بشأن وتيرة تعافي الاقتصاد السعودي، فيقول ناصر السعيدي، الخبير الاقتصادي، لصحيفة “عرب نيوز”: إنه كان على وشك تحقيق نمو بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة هذا العام، حيث يتزامن التعافي مع حالات الإغلاق الاقتصادي مع إجراءات التنويع في استراتيجية رؤية 2030 لتقليل الاعتماد على النفط.

وقد أثير نقاشٌ في المملكة في عام 2020 بشأن ما إذا كانت الحكومة قد قدَّمت حوافز مالية كافية لمكافحة آثار الجائحة الوبائية. في حين أن حجم التحفيز كان منخفضًا مقارنة بدول مجموعة العشرين الأخرى، فإن الحجة المضادة هي أن صانعي السياسة السعوديين اتخذوا مثل هذا الإجراء السريع لإبطاء انتشار الفيروس بحيث لم تكن التدخلات المالية الصارمة في البلدان الأخرى ضرورية. ويتفق السعيدي مع ذلك، ويقول: “إنهم لم يكونوا بحاجة إلى الدفعات والجرعات المساعدة بالقدر الذي تحتاجه دول مجموعة العشرين الأخرى”.

لكن الأمرَ الآخر الذي يتعذر تقييمه في عام 2021 يرتبط بما إذا كانت ظروف السوق المالية الجيدة في العام الماضي يمكن أن تستمر. حيث قضى بعضُ المتشائمين معظم العام الماضي في توقع حدوث تصحيح كبير في الأسواق المالية العالمية، التي استمرت في الارتفاع إلى مستويات جديدة حتى مع توجه الاقتصاد العالمي نحو الركود.

ويبدو أن مؤشر “ستاندرد آند بورز”، المقياس الرئيسي لحالة الأسهم العالمية، يتحدى الجاذبية، مُنهِيًا العام على تحسن بلغ 15% عند رقم قياسي جديد على الإطلاق. في حين يشير المتشككون إلى أن معظم هذه الزيادة يعود إلى حزم التحفيزِ الحكوميةِ التي وصلت إلى أكثر من 11 تريليون دولار على مستوى العالم خلال العام.

كما شدَّدُوا على أن معظمَ الزيادةِ في قيمةِ الأسهم ترجع إلى أداء عددٍ من شركات التكنولوجيا الأميركية مثل: آبل Apple، وأمازون Amazon، التي استغلت ظروف العالم في العمل عن بُعد أثناء الجائحة.

ويبدو أن هناك القليل مما يتناقض مع الحجةِ القائلةِ بأن هذه الشركات قد وصَلَت بالفعل إلى الوضع الطبيعي الجديد بعد الجائحة، وأن ارتفاع الأسهم سيستمر في عام 2021. وفي المملكة العربية السعودية، سبحت الأسواق المالية أيضًا ضد موجة الإغلاق في عام 2020. فقد شهدت واحدةً من أفضلِ سنواتها على الإطلاق، وحقَّقَت مبالغ كبيرة في الاكتتابات العامة الأولية. وعلى خلفية التعافي الاقتصادي المستمر وتحسُّن عائدات النفط، يرى معظم محللي الأسهم أن الاتجاه السعودي مستمر هذا العام، إذ من المقرر أن تتسارع وتيرة الخصخصة.

وبالنسبة للمملكة، كما هو الحال دائمًا، يعتمد الكثير على صحة أسواق الطاقة العالمية. فقد كانت هناك مؤشرات على إعادة التوازن والتعافي في النفط الخام في نهاية العام، إذ أثبت تحالف (أوبك +) فعاليته في الحد من العرض ووضع أرضية جديدة تحت الأسعار، استمرت عند 50 دولارًا للبرميل في معظم شهر ديسمبر. ويعتقد بعض المحللين أنه قد يرتفع إلى 65 دولارًا في عام 2021. وإذا أدى فيروس كورونا إلى “إعادة ضبط كبيرة”، على حد تعبير مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي “كلاوس شواب”، فإن المراقبين يأملون أن يشهد عام 2021 استمرار إعادة الترتيب الأساسي للاقتصاد العالمي، لكن بمعدلٍ أبطأ. لقد قدَّم العام المنصرم ما يكفي من الإثارة لاستمرار عقد من الزمان.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: عرب نيوز

 

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر