ما الذي سيحدث في عام 2023؟ | مركز سمت للدراسات

ما الذي سيحدث في عام 2023؟

التاريخ والوقت : الأحد, 1 يناير 2023

مالك الروقي

هذه الورقة نستكمل فيها ما كتبنا في مطلع عام 2022

عام الجمود وصعود الجموح

نغادر اليوم عام 2022 الذي قلنا عنه في الورقة السابقة التي كتبت في مثل هذا اليوم من العام الفائت، إنه عام الأمر الواقع، العام الذي دخلت فيه ملفات مختلفة منعطفات حادة غير مسبوقة .

فقد قلنا إن السيدبوتينسيضع العالم أمام الأمر الواقع بغزوه أوكرانيا، رغم أن أصوات الكتاب وتوقعات كبريات الصحف العالمية ومنها الفايننشال تايمز في توقعاتها للعام الجديد  آنذاكتتعالى بالتخفيف من خطورة المشهد، وأن الروس لن يقدموا على الغزو، وأن العالم لن يسمح لهم بذلك !

حدث الغزو ووضع العالم أمام الأمر الواقع !

ما الذي سيحدث في العالم العام المقبل؟

دعونا نتجول في ملفات السياسة العالمية بغية تحليلها ووضعها في مسارها الزمني الاستراتيجي والتكتيكي !

الملف الأوكراني :

pastedGraphic_1.png

ستدخل الأزمة الأوكرانية مرحلة خطيرة كان يخشى منها الغرب، وهي المرحلة التي يستطيع النظام الروسي بقيادة “بوتين” التكيف مع ضغوط الحرب وتبعاتها والقدرة على تجاوز عنق الزجاجة في الأزمة من خلال جعل نظامه الاقتصادي يتكيف مع الحرب والعقوبات، وهذا ما نلاحظه اليوم في عدم قدرة العقوبات الاقتصادية على إيقاف الحرب أو الإضرار بها بشكل استراتيجي.

في هذا العام سنشاهد طرح عدد كبير من المبادرات العالمية لتخفيف الأزمة، إذ سنشاهد تحركات عالمية لعزل بعض الملفات عن الحرب مثل ملفات الغذاء والطاقة، وذلك من خلال اتفاقيات ستضمن استمرار تدفق القمح الروسي والأوكراني، وتدفق الغاز والنفط وغيرها من مصالح مرتبطة بالعالم، وجعلها معزولة عن تبعات الحرب وعقوباتها. هذه المبادرات ستخفف الهوة بين روسيا وبعض الدول الغربية وتجعل دولاً مثل ألمانيا وإيطاليا أكثر تمايزًا في موقفها عن بقية الدول، وسيخلق دورًا قويًا لتركيا والسعودية وربما قطر! هذا العام سيجد الغرب أنه سيواجه أزمة طاقة أكبر في الشتاء المقبل الأكثر صعوبة من الشتاء الذي سيعيشه مطلع العام الجديد، الذي من المتوقع أن يعاني فيه من انقطاعات الكهرباء وصعوبة توفير الطاقة، لكن الشتاء الذي سيليه سيكون أصعب، وهذا سيجعل أوروبا تقدم تنازلات وحلحلة في موقفها !

pastedGraphic_2.png

بالنسبة للوضع الميداني لن يحقق الروس تقدمًا أكبر مما حصلوا عليه! وسيستمر صمود أوكرانيا الذي كان غير متوقع بالنسبة لكثير من المحللين. فالغرب والولايات المتحدة الأميركية بدرجة أولى ستستمران في دعم الأوكران من أجل الصمود! وستدخل الحرب مرحلة خطير لا يتقدم فيها أحد، وتستمر معها المناوشات وحروب الخنادق .

اليمين في أوروبا؟

pastedGraphic_3.png

هذا العام سيشهد صعودًا كبيرًا لنبرة اليمين الأوروبي، وستكون إيطاليا مهد هذا الإشعاع والمثال الأكبر الذي سيؤثر على ألمانيا ودول شرق أوروبا وكذلك في فرنسا !

هذا التغيير سيسبب أزمة للعلاقة الأميركية الأوروبية من خلال الأصوات الداعية لإيقاف الاستغلال الأميركي على حساب المصالح الوطنية الأوروبية! وسيعزز من علاقة القارة بالصين !

ومن غير المتوقع أن ترتفع هذا العام النبرة الألمانية ضد روسيا أو دول الخليج، وستقوم بتنحية ملف الحرب الأوكرانية وملف حقوق الإنسان جانبًا أمام مصالحها الوطنية، وسيرتفع صوت اليمين في البرلمان الألماني .

كيف سيكون الوضع في الولايات المتحدة الأميركية؟

pastedGraphic_4.png

هذا العام هو الإنذار الأخير لليسار الأميركي للإطاحة بالرئيس السابق “ترمب”، سنجد أن جهود الإطاحة به ومنعه من الترشح تصل لمراحل جنونية، وسيخوض اليسار مع “ترمب” صراعات قانونية في المحاكم وفي الإعلام وفي الأوساط الشعبية! وفي المقابل سيعمل الحزب الديموقراطي على حملة كبرى لدعم استمرار الرئيس “بايدن” الذي لن يجد أمامه إلا خيار الترشح والمشاركة في الانتخابات المقبلة، فهو الوحيد القادر على جمع اليسار والديموقراطيين أمام هذا المنعطف التاريخي !

سيعاني البيت الأبيض هذا العام من علاقته بالأوربيين، وربما نجد برودًا في العلاقة بين القارة وواشنطن !

الملف الإيراني؟

هذا العام سيكون مختلفًا لطهران، إذ ستضطر إلى قبول كثير من التنازلات وسيشعر النظام الإيراني أن الخيارات أمامه أقل جدًا مما كانت لديه لسنوات طويلة !

ستستمر المظاهرات في الشارع الإيراني بأشكال متقطعة، وستتخذ أسبابًا مختلفة، فقضية “مهسا آميني” ليست السبب الحقيقي لما حدث العام الفائت، بل هي الشرارة!

سيواجه النظام أزمة اقتصادية ستجعله يعيد تصرفاته في الداخل، وستخلق هذه المظاهرات في الشوارع الإيرانية جناحًا داخل النظام يطالب بالتهدئة في الداخل والخارج، وسيحاول هذا الجناح أن ينقل كثيرًا من المطالب من الشارع لداخل النظام .

سيجد النظام أنه بشكل غير مسبوق أقل قدرة على إلحاق الضرر بالسعودية الغريم الأهم الذي يواجه مشروعه في الشرق الأوسط، وأنه أقل خيارات في مواجهة الرياض. فالرياض اليوم ليست رياض الأمس، فعلاقاتها بالصين وروسيا، وقبل ذلك بالولايات المتحدة، تجعل من الرياض أكثر قدرة على الصمود وأكثر قدرة على إيقاف الانفلات الإيراني.. ومصالح الدول الثلاث تجعل من النظام الإيراني يفكر مليًا قبل الدخول مع الرياض في معارك غير محسوبة العواقب !

أمَّا ما يتعلق بالملف النووي، فسيبقى الملف معطلاً، ولن تصل طهران والغرب لاتفاق بشأنه لصعوبة ذلك على المدى القصير .

pastedGraphic_5.png

ماذا بشأن اليمن في 2023؟

هذا العام سيكون عامًا إيجابيًا في الملف اليمني، ومن المتوقع أن يحقق مجلس القيادة تقدمًا واضحًا في ملف التنمية في المناطق المحررة في عدن وحضرموت والمهرة ومأرب وغيرها! مما سيشكل ضغطًا على الحوثيين في صنعاء والمناطق التي تسيطر عليها الجماعة !

من المتوقع أن يكون المجلس أكثر قدرة عسكرية مقارنة بأي فترة ماضية منذ اندلاع عاصفة الحزم. فالمجلس سيكون له قوات أكثر تدريبًا وسيطرة بعد إصلاح منظومة القيادة والسيطرة التي من المتوقع أن تتضح ملامحها هذا العام في حال قرر الحوثيين استئناف العمليات، وهذا غير متوقع .

سيجد الحوثيون أن خيار المفاوضات هو الخيار الأكثر فائدة، وسنجد دورًا فاعلاً لمسقط في تقريب وجهات النظر ودفع المفاوضات لمناطق أكثر فائدة .

كيف ستكون السياسة السعودية هذا العام؟

هذا العام سيكون العام الأكثر وضوحًا لعلاقة الرياض مع مصالحها ودورها العربي والإسلامي. فالرياض ستدير الملف اليمني للتنمية في المناطق المحررة، وستضغط على الحوثيين للرضوخ بشأن ملف التفاوض، وستبقي العصا بيدها كخيار في حال تعنت الحوثي أو إقدامه على خطوات غير محسوبة. أمَّا في علاقتها مع طهران، فمن المتوقع أن تعود المفاوضات الإيرانية السعودية بوساطة عراقية بعد توقفها منذ اندلاع المظاهرات في إيران. هذه المفاوضات ستؤثر بشكل واضح في الملف اليمني بشكل مباشر، بينما لن تكون ذات تأثير كبير على الملف اللبناني مثلاً !

فالرياض لا تفاوض إيران فيما يبدو بملف لبنان أو سوريا، لكنها تفاوضه في ملفات أمنها القومي والعلاقات المشتركة، وما يجري على حدودها مع العراق، وفي الملف اليمني بدرجة أهم .

أمَّا الملف اللبناني، فترى الرياض – كما أعتقد – أنه ملف يخص علاقتها مع باريس لا مع طهران! إلا في حال قررت سوريا ولبنان التخلي عن إيران، هنا ستعطي الرياض دعمها، وهذه نقطة لا علاقة لها بفرنسا .

ستتحسن العلاقة بين البيت الأبيض والرياض هذا العام بشكل ملحوظ، وفي المقابل سنجد استمرارًا لعلاقة الرياض بموسكو وبكين. فالرياض استطاعت خلال العام الفائت أن تبين للعالم أن المعيار الذي يضبط علاقتها بالآخرين، هو معيار المصلحة لا غير، ولا يحق لأي دولة أن تحدد للرياض علاقاتها الخارجية، وستحرص الإدارة الأميركية على عدم إثارة أي أزمة مع الرياض لخطورة تأثير ذلك على الانتخابات المقبلة.

ولن تسمح الرياض لخصومها أو حتى حلفائها الإضرار بمصالحها، وهذا ما سينعكس على طبيعة علاقاتها، سواء العربية، أو الشرق أوسطية، أو الدولية مع الغرب أو الشرق، فالرياض باتت واضحة في هذه النقطة .

هذا العام ستقترب الرياض من بغداد بغض النظر عمن سيكون رئيس الوزراء في بغداد لأسباب كثيرة أهمها: دعم التنمية، ومساعدة العراق على تجاوز أزمته، وعزله عن منطقة الصراع كي لا يكون طرفًا فيه .

الصراع العربي الإسرائيلي

pastedGraphic_7.png

هذا العام سنشهد ارتفاعًا لوتيرة الصراع العربي الإسرائيلي بوصول الحكومة اليمينة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل بقيادة “نتنياهو”، هذا العام من المتوقع أن تهاجم إسرائيل غزة وتستمر عمليات الاستيطان، وكذلك ترتفع وتيرة الصراع في القدس والمناطق المجاورة لها. هذا العام سيشهد تغييرًا داخل السلطة الفلسطينية بحكم كبر سن الرئيس محمود عباس، وهذا ما سيجعل حركة فتح تجهز لمرحلة ما بعد عباس، وهي مرحلة خطيرة ستؤدي في نهايتها – فيما نرى – إلى بروز جناح داخل صفوف فتح مؤيد للتغير الواسع والاتجاه للمواجهة وعدم التنسيق، وهو ما سيخلق أزمة في صفوف السلطة الفلسطينية مع ازدياد الضغوط الشعبية في الضفة الغربية .

هذا العام سيشهد برودًا واضحًا لمشهد علاقات إسرائيل بالدول العربية، ولن تضيف إسرائيل دولاً جديدة لقاطرة الاتفاقيات لأسباب كثيرة من ضمنها عدم قدرة البيت الأبيض بإدارته الحالية على الإيفاء بدفع عجلة المصالحة مع الفلسطينيين، وعدم قدرة البيت الأبيض على الإيفاء بتقديم مقابل كبير لتوسيع علاقات العرب باسرائيل ومن أهمها الحلحلة السياسية في الملف الفلسطيني .

مصر والأردن؟

هذا العام سيكون عامًا صعبًا اقتصاديًا على مصر والأردن، هذه الأزمة الاقتصادية ستدفع عمليات الحوار الوطني والتنازلات السياسية، وقد تشهد تململاً في الأوساط الشعبية. وفي هذا العام ربما تؤدي القاهرة دورًا في الملف الليبي أكثر حسمًا، وستجد القاهرة نفسها مكبلة أمام الحراك الإثيوبي في ملف سد النهضة والبرود الأميركي في تقريب وجهات النظر بين القاهرة وأديس أبابا !

دول الخليج العربي ..

هذا العام سيكون إيجابيًا في المشاريع الخليجية المشتركة، فمثلاً سيرتفع فيه التنسيق بين الرياض والدوحة “سياسيًا” بشكل ملحوظ في قضايا مختلفة في العالم العربي، مما سينعكس إيجابًا على ملفات مهمة .

هذا العام ستعمل السعودية على جعل المجلس أكثر فاعلية ومصلحة لدوله من خلال الرؤية التي ربما تطلق هذا العام، وسنجد تقدمًا في مشاريع النقل كالقطار والمشاريع البينية بين دول المجلس .

لن يشهد هذا العام تغيرًا كبيرًا في الكويت أو البحرين، لكن سيكون عامًا مهمًا لعمان من خلال عدد المشاريع التي من المفترض أن تنطلق في السلطنة هذا العام وتخدم مشروعها الاقتصادي المقبل. وكذلك في الإمارات التي ستنوع هذا العام من خياراتها وستصل استثماراتها ومشاريعها لمناطق جديد كأفغانستان ودول الشرق الآسيوي. وسيشهد هذا العام ازديادًا ملحوظًا وإيجابيًا في النشاط الإماراتي الاقتصادي في إفريقيا .

السودان وتونس؟

pastedGraphic_8.png

هذا العام سيستمر الرئيس التونسي قيس سعيد في تنفيذ مشروعه دون معارضة مؤثرة على سير هذا المشروع، ومن المتوقع أن يحقق الرئيس التونسي تقدمًا في بسط نفوذه في الدولة التونسية، وهذا سيخلق حالة من الاستقرار السياسي في الجمهورية رغم اعتراض المحسوبين على النهضة وبعض المدنيين. أمَّا في السودان، فمن المفترض أن تشهد تقدمًا في تشكيل حكومة مدنية، وتقليل نشاط الجيش في المشهد السياسي من خلال تقدم الاتفاقيات التي ستضمن السلامة لقادة الجيش وتدفع العجلة للأمام.

ماذا بشأن العراق؟

هذا العام من المفترض أن يعود مقتدى الصدر للمشهد مجددًا، لكن لن يعود بوجه القائد المواجه والمقاتل من أجل مصالحه، فهذا العام سيشهد صفقات واتفاقيات بين الصدر وخصومه. ومن المفترض أن يمارس العراق دورًا في التقارب العربي الإيراني مما يخرج العراق من دائرة الصراع، ويجعل الصدر أكثر حرصًا على التفاوض والتهدئة، وسيكون نوري المالكي في قلب المشهد، وسنشهد تقاربًا بينه وبين الصدر من خلال الوسطاء وتقاسم السلطة بشكل يضمن حالة الاستقرار .

تركيا ومصالحها..

pastedGraphic_9.png

هذا العام هو الأصعب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فهو عام الانتخابات الرئاسية، إذ سيخوض الرئيس انتخابات صعبة أمام جبهة معارضة متماسكة، لكن الرئيس قام بتصفير مشاكله قبل هذه الانتخابات من خلال استعادة علاقاته بالسعودية والإمارات، وتبريد مشاكله مع مصر، وعودة علاقاته مع إسرائيل، وبدء التفاوض مع بشار الأسد، وضبط علاقاته مع روسيا وأميركا .

التفاوض بين أنقرة ودمشق سيستمر، ومن المتوقع أن يكون في أعلى مراحله قبل الانتخابات، ويريد أردوغان استغلال شعبية أمر كهذا مرتبط بإخراج السوريين اللاجئين من تركيا، إذ تعتبر هذه الورقة إحدى ‏أهم أوراق معارضة أردوغان، وفي حال لم تصل تركيا وسوريا لمصالحة شاملة وانسحاب من الأراضي السورية قبل الانتخابات، فالملف سيكون معطلاً، أو سيسير بشكل بطيء في حال فوز أردوغان بالرئاسة.

الرئيس التركي سيكون مشغولاً عن الملف الليبي، وهو ما سيعزز أوراق مصر في الملف الليبي، فالرئيس التركي يرى أن الأولوية حاليًا هي بذل كل الجهد من أجل النجاح في الانتخابات المقبلة. ومن المتوقع أن ينتصر أردوغان في هذه الانتخابات، لكن بنسبة ضعيفة مقارنة بكل انتصاراته السابقة.

صحفي ومذيع ومعد برامج

@alrougui

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر