سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
براشانت ويكار
في غضون شهرٍ واحدٍ، صدَّقت ماليزيا على “نظام روما الأساسي” الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، ثم انسحبت فيما بعد من المعاهدة التي تحكمها. وهو ما يكشف عن كيف تمكنت الملكية الماليزية من الضغط على حكومة “باكاتان هارابان”، فضلاً عن التحديات التي لا تزال الحكومة تواجهها خلال عام واحد.
ففي 5 أبريل 2019، أعلنت الحكومة الماليزية انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية (ICC). وقبل شهر واحد فقط، كانت “كوالا لامبور” انضمت إلى “نظام روما الأساسي”، وهو يمثل المعاهدة التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية وتحكمها. تلك هي المرة الثانية التي تتراجع فيها حكومة “باكاتان هارابان” فجأة عن تعهد بشأن اتفاقية دولية.
وفي سبتمبر 2018، أعلن رئيس الوزراء “مهاتير محمد” عن نية حكومته التصديق على جميع صكوك الأمم المتحدة الأساسية المتبقية، بما في ذلك الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (ICERD)، المتعلقة بحماية حقوق الإنسان. وفي نوفمبر 2018، وبعد رد فعلٍ عنيفٍ من مسلمي الملايو المحافظين في المعارضة والمجتمع المدني، تراجعت الحكومة عن هذا الإعلان. وقد واجهت ملكية “جوهور” تهمة الضغط على الحكومة للانسحاب من “نظام روما الأساسي” من خلال الادعاء بأن المعاهدة قوضت المؤسسات الملكية ككل.
نظام روما الأساسي
يغطي “نظام روما الأساسي” أربع جرائم كبرى هي: الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم العدوان، وجرائم الحرب. لقد زعم ولي العهد الأمير “تونكو إسماعيل إدريس” والمعروف باسم TMJ، أن التصديق على “نظام روما الأساسي” سيسمح لأولئك الذين يعارضون الملكية بتدبير جرائم حرب من أجل القبض على السلاطين.
وبالنظر إلى أن أفراد العائلة المالكة لديهم سلطة رمزية وليس سلطة تنفيذية، فإن مخاوف “تونكو إدريس” لا تبدو مبررة. بل وأكثر من ذلك، أن المحكمة الجنائية الدولية هي “محكمة الملاذ الأخير”.
ونشير إلى أن الإجراءات القانونية لا تبدأ إلا بعد استنفاد كافة السبل المحلية.
وقد خرجت الحكومة لدحض هذه المزاعم، ففي 27 أبريل 2019، أوضح المدعي العام “تومي توماس” أنه بموجب نظام الملكية الدستورية الذي تتبعه ماليزيا، فإن الحكومة، وليس الملك، ستحاسب على القرارات المتعلقة بالحرب. وبالإشارة إلى الجرائم الأربع، يقول “توماس” إنهم بعيدون جدًا عن “واقع” ماليزيا المسالمة.
وبناءً على ذلك، يمكن أن يكون السبب الأكثر منطقية وراء المخاوف تجاه “نظام روما الأساسي” هو أن الدول التي أصبحت طرفًا في المعاهدة يُتوقع أن تصدر لاحقًا مشاريع قوانين محلية تتوافق مع المبادئ القانونية لـ”نظام روما الأساسي”. ذلك أن المبدأ الأساسي للمعاهدة ينص على أنه لا يمكن لأي فرد أن يكون محصنًا من المحاكمة.
ذلك أن حصانة الملوك، كما يقول “توماس”، فُقِدَت منذ التعديلات الدستورية خلال فترة “مهاتير” الأولى كرئيس للوزراء منذ ثلاثة عقود. ومع ذلك، يقول البعض إن هذا أمر قابل للنقاش إلى حد ما. وقد تكون التعديلات الدستورية التي أجريت عام 1993 أدت إلى كبح العديد من الحصانات. ومع ذلك، تنص المواد من 181 إلى 183 من الدستور الماليزي صراحة على أنه لا يمكن توجيه الاتهامات إلا ضد أحد الملكين (الملك أو السلطان) من خلال محكمة خاصة على الجرائم التي ارتكبها بصفته الشخصية.
لذلك، فإن الملك أو السلطان الذي يعمل بصفته الرسمية لا يزال يتمتع بالحصانة من الملاحقة القضائية. وبالنسبة لمنتقديها، فإن التصديق على “نظام روما الأساسي” يمكن أن يوفر للحكومة فرصةً لإزالة الحصانات بالكامل. فحقيقة أن فترة “مهاتير” الأولى كرئيس للوزراء شهدت المواجهة بين العائلة المالكة والحكومة وكانت بمثابة سابقة كافية للمنتقدين للاعتقاد أنه ربَّما يحاول تقليص النفوذ والسلطة الملكية.
فمنذ أن أعلن “مهاتير” على مضضٍ عن نيته الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، بدا أن المعارضة لـ”نظام روما الأساسي” اكتسبت حياة جديدة بين أوساط معينة. وصرَّح أعضاء البرلمان من “المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة المعارضة” (UMNO) أنه في الوقت الذي درست فيه حكومة “باريسان ناسيونال” (BN) السابقة احتمالات التصديق على “نظام روما الأساسي” منذ عام 2011، حذَّر المدعي العام – آنذاك – من أن القيام بذلك قد يتعارض مع الدستور الاتحادي وأن مجلس الحكام سيحتاج إلى استشارة.
وقد أشار “توماس” إلى أن إدارة “نجيب” قرَّرت أنه على ماليزيا الانضمام إلى “نظام روما الأساسي”، لكنها ببساطة لم تتبعه. لذلك، فقد ادعى أن الحكومة كانت تواصل القرارات السياسية التي اتخذتها الحكومة السابقة. وردَّ رئيس الوزراء السابق نجيب عبدالرزاق بالقول إن الحكومة كان ينبغي أن تدرس سبب الامتناع في النهاية عن التصديق على المعاهدة.
أمَّا فيما يتعلق برد فعل المجتمع المدني، فقد جاء في الرابع من 4 مايو 2019، حيث نظم ائتلاف من المنظمات غير الحكومية الإسلامية، وهو “جيراكان بيمبيلا”، تظاهرة للاحتجاج على “نظام روما الأساسي”. وبناءً على تقديراتهم التي يمكن تصديقها، حضر ما بين ألف إلى عشرة آلاف مشارك. وقد كان معظمهم أعضاء في منظمات غير حكومية مرتبطة بـ”الأمة”، بالإضافة إلى أعضاء من حركة المعارضة الشعبية وأعضاء من الحزب الإسلامي المعارض في ماليزيا Parti Islam Se-Malaysia PAS.
وقد وصف المنتقدون الذين يشملون مؤيدي الملكية والمعارضة السياسية وبعض المنظمات غير الحكومية الإسلامية، “نظام روما الأساسي” بأنه هجوم، ليس فقط ضد الملوك، بل ضد حقوق الملايو المسلمين. ولتعزيز هذه الرواية، استخدمت حركةالمجتمع المدنيمسيرة 4 مايو لربط “نظام روما الأساسي” بوفاة رجل الإنقاذ، محمد أديب محمد قاسم، وعززت الحجة القائلة إن الحكومة قد قوضت باستمرار حقوق الملايو المسلمين.
ولم يكن الاحتجاج الأخير هو حجم التظاهرة المناهضة للمعاهدة الدولية للقضاء على التمييز العنصري، وهو ما يعود بشكل جزئي إلى أن الحجج المضادة من الأوساط الأخرى من المجتمع المدنيالتي تبرر نظام “روما الأساسي”، ربَّما ساعدت في تبديد المخاوف. وعلى الرغم من ذلك، سلمت الحكومة المعارضة عن غير قصد المبادرة مرة أخرى، وانتقدت سياساتها تجاه حقوق الإنسان.
أمَّا بالنسبة للمراقبين، فمن الواضح أن الادعاءات القائلة بأن الحكومة قد قوضت حقوق الملايو المسلمين كانت بدوافع سياسية لكنها اكتسبت قوة في بعض الأوساط. ومن المحتمل أن نستمع إلى خطاب مماثل في الأشهر المقبلة، خاصة أن الأمر يبدو فعالاً في إجبار الحكومة على التراجع عن جدول أعمال الإصلاح. ومع ذلك، يتعين على معارضي الحكومة أن يدركوا عدم السماح للخطاب بالخروج عن السيطرة.
وفي الماضي، ربَّما كانت الحكومة متحمسةً جدًا في التصديق على “نظام روما الأساسي”. ذلك أنه سيبدو من الحكمة أن تشارك الحكومة مع مختلف أصحاب المصلحة قبل متابعة السياسات التي ربَّما تكون مثيرة للخلاف.
وفي الوقت نفسه، قد تعني المشاورات أيضًا أن عملية وضع السياسات ستكون بطيئةً، بل إنها ربَّما تكون رهينة لقضايا أخرى. إذ لا يوجد حلٌ سهلٌ، لكن هناك شيء واحد مؤكد هو أن الحكومة لا تستطيع تحمل الكثير من حلقات التراجع دون فقدان مصداقيته.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر