سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
يونس السيد
من دون سابق إنذار، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مراجعة حساباته، وضبط خطابه السياسي حول مجمل القضايا التي تشغل القارة الأوروبية، والعلاقة مع حلف «الناتو»، والحرب المتفجرة في أوكرانيا، وتحديداً ما يتعلق بالجانب الروسي، واضعاً نفسه في دائرة الجدل من جديد، بعد أن تخلى عن معظم أفكاره السابقة.
في خطابه الجديد الذي ألقاه في منتدى غلوبسيك الذي عقد مؤخراً في براتيسلافا، والذي كان يتمحور على مسائل الأمن الإقليمي، بدا وكأن ماكرون ينقلب على نفسه، وطرح أفكاراً تتناقض كلياً مع ما كان يطرحه في السابق، بدءاً من مطالبته «بهزيمة» روسيا، معتبراً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيقظ حلف «الناتو» في «أسوأ صدمة»، وأن السلام لن يتحقق إلا بشروط أوكرانيا، وصولاً إلى اعتبار الحلف بمنزلة «الأفق الاستراتيجي» لأوروبا.
في عام 2019 كان ماكرون قد وصف حلف «الناتو» بأنه في حالة «موت سريري»؛ حيث كان يروج آنذاك لفكرة قوة دفاع أوروبية موحدة، ويتشارك فيها مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، من أجل تحقيق «السيادة الأوروبية»، والتخلص من الهيمنة الأمريكية على القارة العجوز. وفي بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تميز ماكرون عن زملائه الأوروبيين بالدعوة إلى عدم «إذلال روسيا» وحتى تقديم ضمانات أمنية لها، وأبقى في البداية خطوط الاتصال مفتوحة مع بوتين.
اليوم يطالب ماكرون ب«هزيمة» روسيا، وبمواصلة دعم أوكرانيا التي «تحمي أوروبا»، وهي «مجهزة بمعدات عسكرية كبرى» بفضل التسليح الغربي، ويرى أن من مصلحة الغرب «تقديم ضمانات أمنية موثوقة لها في إطار متعدد الأطراف». وفي النهاية يركز ماكرون حديثه على الوحدة الأوروبية، سعياً لطمأنة دول أوروبا الشرقية التي تخشى حصول تنازلات لمصلحة روسيا من أجل إنهاء سريع للحرب في أوكرانيا.
وسط كل هذه الرؤى والأفكار، يراهن ماكرون على الهجوم الأوكراني المضاد، الذي يعتقد أنه «أمر حتمي» وأن ما على الغرب سوى تكثيفه، لإلحاق الهزيمة بروسيا، وبالتالي الوصول إلى سلام دائم بشروط الغرب نفسه، خلال الأشهر المقبلة. لكن أفكار ماكرون ورهاناته بدأت تثير الكثير من الأسئلة والجدل؛ إذ إن ما حدث خلال الأشهر ال15 الماضية، منذ بدء العملية الروسية في أوكرانيا، يسقط الكثير من هذه الحسابات، فمن ناحية لا توجد أية ضمانات لنجاح الهجوم الأوكراني المضاد، ومن المؤكد أن روسيا استعدت لهذا الهجوم بشكل جيد، ولن تسمح بهزيمتها مهما كلف الأمر. كما أن الانقسام الأوروبي أصبح حقيقة واقعة، ناهيك عن المتغيرات الهائلة التي حدثت خلال هذه الفترة في النظام العالمي، وانحسار النفوذ الغربي، والأمريكي تحديداً عن معظم مواقعه التقليدية، وظهور تحالفات جديدة بالمقابل من شأنها أن ترسم معالم النظام العالمي الجديد.
لكن اللافت هو التخبط الذي يعيشه ماكرون، والذي دفعه بعد كل هذا الحديث إلى إبداء استعداده للتوسط في إيجاد حل للمسألة الأوكرانية، وهو الأمر الذي ردت عليه موسكو بأن ماكرون هو طرف في الصراع، ولن يكون وسيطاً على الإطلاق.
المصدر: صحيفة الخليج
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر