تعامل إيمانويل ماكرون مع جائحة كوفيد- 19 جعله في وضع قوي للفوز بولاية ثانية كرئيس لفرنسا – لكن المؤيدين قلقون من أنه سيفقد تقدمه مع وصول الإصابات بالمتحور أوميكرون إلى ذروتها ومن ثم يضجر الجمهور من أزمة عمرها عامان.
قال أحد رجال الصناعة الفرنسيين الذي دعم ماكرون في 2017 ويريده أن يفوز مرة أخرى في انتخابات نيسان (أبريل)، “لقد وصلنا إلى نقطة التحول حيث سئم الناس من القيود الآن. قد تأخذ الأمور منحى سيئا بالنسبة إليه. إنهم يعتقدون أن الوضع لم يعد يستدعي القيود”.
مع استعداد ماكرون لإعلان نفسه رسميا مرشحا لإعادة انتخابه، تكافح حكومته للحد من ضغط شديد على المستشفيات من مرضى كوفيد، بينما يستجيب لمطالب شعبية بتخفيف القيود المفروضة للسيطرة على انتشار الفيروس.
أعلن رئيس الوزراء، جان كاستكس، الأسبوع الماضي أن بعض قيود كوفيد سيتم تخفيفها الشهر المقبل، على الرغم من أن الإصابات المؤكدة الجديدة تصل إلى أكثر من 400 ألف في اليوم، وفقا لبيانات وزارة الصحة.
حتى وقت قريب، أيد الناخبون على نطاق واسع طريقة تعامل ماكرون مع الوباء. أدت حالة الطوارئ المتعلقة بفيروس كورونا في أوائل 2020، إلى جانب احتجاجات حركة “السترات الصفراء” المناهضة للحكومة، اهتزاز رئاسته. بعد خطوات خاطئة مبكرة بشأن توافر الأقنعة والاختبارات، تم الثناء على الرئيس لبرنامج المساعدات المالية للعمال والشركات وقراره إبقاء المدارس مفتوحة بعد الموجة الأولى.
رهانه الصيف الماضي على دفع عمليات التطعيم عبر “تصريح صحي”، مع دليل على التطعيم أو اختبار كوفيد- 19 سلبي للوصول إلى الأماكن العامة، أتى ثماره أيضا. لقد شجع ملايين على قبول اللقاح، ما أدى إلى إنقاذ أربعة آلاف شخص وستة مليارات يورو على صعيد النشاط الاقتصادي، وفقا لدراسة أجراها باحثون في مركز بروجل للدراسات في بروكسل والمجلس الفرنسي للتحليل الاقتصادي.
منذ ذلك الحين حولت الحكومة التصريح إلى “تصريح لقاح”، مع عدم قبول اختبار سلبي. وبعد إعلان ماكرون هذا الشهر أنه يريد “إثارة غضب غير الملقحين”، تلقى مليون شخص آخر الجرعة الأولى من اللقاح. لكن هذا التعليق الاستفزازي المتعمد دفع النقاد إلى إحياء الاتهامات بأن ماكرون متعجرف ورافض لمخاوف الناس العاديين.
أدت الفوضى التي أحدثها أوميكرون في النظام المدرسي الفرنسي إلى زيادة السخط العام، حيث اشتكى المعلمون وأولياء الأمور من القواعد المعقدة للاختبارات والعزلة. في الوقت الذي قدم فيه ماكرون رؤيته لمستقبل الاتحاد الأوروبي في خطاب ألقاه في ستراسبورغ الأسبوع الماضي، كانت حكومته تحاول تهدئة الغضب، وتوزع أقنعة طبية وتيسر نظام الاختبار والحجر الصحي.
احتجاج نقابات المعلمين الخميس، الذي جاء في أعقاب إضراب في الأسبوع السابق، شهد حشودا في نحو 80 ألف موقع على مستوى البلاد. واضطر جان ميشيل بلانكير، وزير التعليم، إلى الاعتذار عن قضاء عطلة في إيبيزا في أواخر كانون الأول (ديسمبر) – على الرغم من أنه لم يخالف القواعد – بعد أن قال النقاد إن أفعاله كانت دليلا على تعامل الحكومة الفوضوي مع بروتوكولات السلامة المدرسية مع عودة التلاميذ في كانون الثاني (يناير).
أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إيفوب أخيرا أن ثقة الجمهور في قدرة الحكومة على محاربة الوباء تراجعت تسع نقاط مئوية إلى 41 في المائة منذ أوائل كانون الأول (ديسمبر). وتراجعت شعبية ماكرون بشكل عام أربع نقاط منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، مع 40 في المائة لديهم نظرة إيجابية لسجله، وفقا لاستطلاع أجرته “إبسوس” في 12 كانون الثاني (يناير).
قال المحلل السياسي، كلوي مورين، “كانت العودة إلى الدراسة بعد عطلة عيد الميلاد عبارة عن فوضى وأغضبت كثيرا من الناس – كل هذا إضافة إلى الإرهاق العام الناشئ عن الأزمة الصحية”.
لكن المحللين يقولون إن التأثير السياسي لأوميكرون يصعب التنبؤ به. لا تزال حالات العدوى ودخول المستشفيات في ارتفاع، لكن حالات دخول العناية المركزة اليومية انخفضت 6 في المائة تقريبا الأسبوع الماضي مقارنة بالأسبوع السابق.
قال مورين، “في معسكر ماكرون، يأملون في غضون ثلاثة أسابيع أو نحو ذلك، أن تنتهي الموجة الحالية ويكون الناس في حالة مزاجية أفضل، ومع حلول الربيع ينسون كل هذا. لكن من الممكن أيضا أن يكون هناك تطور آخر أو متحول آخر يدمر الأشياء مرة أخرى”.
قال فينسينت مارتيجني، أستاذ السياسة في جامعة نيس، إن فرص ماكرون “تعتمد على كيفية تفاعل الناس مع أوميكرون وما إذا كانت الحكومة تغير البروتوكولات للتعامل مع الوباء. إذا استمروا في سياسات تقييدية للغاية، فقد يؤثر فيهم ذلك في النهاية”.
جذب أوميكرون الانتباه أيضا بعيدا عن قضايا مثل الهجرة والجريمة التي هيمنت على النقاش منذ الصيف الماضي. كافحت فاليري بيكريس، المرشحة الرئاسية عن حزب الجمهوريين المحافظ، والمرشحان اليمينيان المتطرفان، مارين لوبان وإريك زيمور، لإعادة الأجندة مرة أخرى إلى منطقتهم المفضلة.
وفقا لاستطلاعات “إيفوب” الأخيرة، يحصل ماكرون على نحو 25 في المائة من نيات التصويت في الجولة الأولى، مقارنة بـ18 في المائة للوبان، و16 في المائة لبيكريس، و11.5 في المائة لزمور.
لكن حتى إذا فشل كوفيد في تقويض ميزة ماكرون في الأسابيع المقبلة، فإنه يواجه رياحا معاكسة أخرى. القضية التي أثارت احتجاجات السترات الصفراء في 2018 – تكلفة وقود المركبات – عادت لتطارد الحكومة حيث أدى ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع تكلفة الوقود إلى أعلى مستوى منذ أكثر من عقد. في غضون ذلك، أدى نقص الغاز في جميع أنحاء أوروبا إلى زيادة تكلفة تدفئة المنازل.
استجاب ماكرون لمخاوف الناخبين بالإعلان عن إنفاق إضافي على إنفاذ القانون ووضع حد للزيادة في فواتير الكهرباء المنزلية هذا العام عند 4 في المائة.
كما أنه يحاول إبقاء بيكريس – التي تظهر من خلال استطلاعات الرأي على أنها أخطر منافسيه إذا وصل كلاهما إلى الجولة الثانية – في حالة من عدم التوازن من خلال تسليط الضوء على الاختلافات بين مؤيديها.
ترك التقلب حتى المراقبين السياسيين المخضرمين حذرين بشأن فرص ماكرون. قال مورين، “إنه متقدم في استطلاعات الرأي، لكن ليس منيعا”.