ماذا يمكن أن يحمل العام الجديد للشرق الأوسط؟ | مركز سمت للدراسات

ماذا يمكن أن يحمل العام الجديد للشرق الأوسط؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 25 ديسمبر 2017

 استشراف لخريطة الصراعات الممتدة ومحركات السلوك لعام 2018

شهدت منطقة  الشرق الأوسط عددًا من التحولات السياسية التي استهدفت إحلال أنظمة استبدادية شمولية بأخرى أكثر ديموقراطية؛ طمح فاعلوها بتحقيق تبعات تنموية بمجالات مختلفة، اقتصادية كانت أو اجتماعية، في ظل ما طالعته بتلك الفترة من موجات انتقالية وحالات عدم استقرار وإخفاقات متباينة بالمجالات الاقتصادية ومعدلات الاستثمار، فضلاً عن الضعف الداخلي والتدهور الأمني والتراجع المجتمعي الملاحظ على الساحة العربية بصفة عامة.

إضافة إلى محددات الإحلال النظامي، هناك مشاهدات عامة تجتاح المنطقة شرقًا ما بين توترات طائفية، وبروز فواعل عبر قومية مسلحة ذات أجندات مهيكلة وبرامج محددة ودرجات متفاوتة لدوائر النفوذ وحجم التأثير بالتزامن مع بروز عدد من القضايا الأمنية ذات التأثير البيني المتعدد داخليًا وخارجيًا، خاصة عندما تتقاطع مع مختلف المحددات البيئية والإنسانية وفقًا لمظلة صانعي القرار.

تباعًا لذلك، سعى عدد من الباحثين بالندوات والدوريات الأكاديمية العربية والأجنبية المختلفة، لاستشراف سيناريوهات مختلفة لمستقبل الشرق الأوسط في عام 2018،  وذلك من خلال طرح رؤى مستقبلية لعدد من القضايا بالمنطقة التي من أبرزها ما تمَّ تناوله حول المخاوف الطائفية، وإشكالية التحرك الإيراني بالإقليم، ومحددات التأثير الفعال للفاعلين عبر القوميين كحالة “داعش” و”حزب الله” بلبنان. إضافة إلى الارتكاز حول مستقبل الصراعات الإقليمية الممتدة في سوريا وليبيا واليمن ومختلف القضايا الأمنية والبيئية والإنسانية.

 أزمات ممتدة بالإقليم لعام 2018    

بيد أن عالمنا العربي يواجه المزيد والمزيد من القضايا المتشابكة والمتعالقة التي تضرب جميعها في ثوابت الدولة الوطنية. وعلى الرغم من التقدم الحذر في بعض ملفات الإقليم نحو مراجعة خطوات دعم الاستقرار، فإن العديد من الخبراء والأكاديميين رجحوا استمرار التدهور الأمني والسياسي بخريطة الإقليم الشرق أوسطي، وهو ما اتفق عليه الأغلبية، سواء العرب أو الأجانب بمختلف مراكز الفكر، خاصة أن استشراف واقع الإقليم العربي، لا يتم إلا بفهم العلاقة الجدلية بين الجانبين المحلي والإقليمي والدولي، فضلاً عن العلاقات المتداخلة في العالم العربي سياسيًا واستراتيجيًا ما بين الداخل والخارج، وعلى ذلك هناك ثلاث نقاط نظرية، كما عبر عنها الدكتور فوّاز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، تسمح بإمكانية استشراف حالة الشرق الأوسط سياسيًا في العام المقبل، حيث[1]):

 

 

  • تعاني بعض الدول العربية أزمات هيكلة بنيوية وحوكمة وفشل عملية التنمية، فضلاً عن أزمة السلطة التي شكلت أزمة ثقة مع المواطن، ما خلق فراغًا دستوريًا وأمنيًا في المنطقة، حيث حاولت بعض المجموعات والتنظيمات التكفيرية المسلحة، ملء هذا الفراغ.
  • هناك خلل في منظومة العمل الجماعي العربي المشترك، الذي صنع فراغًا استراتيجيًا، استغلته بعض الدول غير العربية، مثل إيران وتركيا وإسرائيل إلى درجة أكبر محاولةً ملأه.
  • الانكفاء الأميركي في العقد الأخير خلق فراغًا دوليًا تحاول القيادة الروسية استثماره بطريقة بارعة.

ومن ثَمَّ، نجد أن هناك عددًا من الملفات السياسية الممتدة بمستقبل الشرق الأوسط، التي سيتم ترحيلها لعام 2018، وفي مقدمتها حالة الدولة القومية وما يتعلق بالنزاعات في كلٍّ من: اليمن وسوريا والعراق وليبيا، والملف الروسي الأميركي، والفلسطيني- الإسرائيلي، وخريطة الإرهاب ومستقبل الفاعلين العابرين للقومية “داعش”، فضلاً عن التحولات المتناقضة ما بين: السنة والشيعة، الديمقراطية والسلطوية؛ الإسرائيليين والفلسطينيين، إيران مقابل السعودية، أزمة اللاجئين وملف تدويل الإرهاب، وهو ما يمكن توضيحه وفقًا لتنبوءات مراكز الأبحاث بالنقاط التالية:

  • الملف اليمني:

على الرغم من دخول الصراع اليمني في مرحلة جديدة، فإنه يمكن أن تغير مجراه في السنتين القادمتين. لكن في عام 2018، يبدو أن المشهد اليمني سيشهد تصعيدًا خطرًا أكثر تفرقة وتجزئة، وأبعد ما يكون عن الحل السياسي، وأن التغييرات التي ستحدث سياسيًا وميدانيًا في الساحة اليمنية، تحول النزاع السياسي الأيديولوجي إلى نزاع قبلي، يمكن أن يسبب حروبًا قبلية يقودها الثأر والعصبية، فضلاً عن انخراط أكثر لإيران في النزاع اليمني، وسيكون الوضع في اليمن في العام المقبل، وضعًا متفجرًا للغاية[2]).)

بالمقابل، هناك إمكانية للحل في ظل الكثير من الشواهد التي تشير إلى إمكانية التوصل إلى حل ونهاية لهذا النزاع الطويل في نهاية عام 2018، فنجد أن الشرعية في اليمن استطاعت أن تفرض سلطتها على ثلاثة أرباع اليمن، والمعركة الحاسمة ستكون على مدينتين فقط، هما صنعاء وميناء الحديدة، وفي حال تحريرهما ستتغير خريطة الصراع بشكل جذري، وذلك قياسًا على الوضع في أفغانستان، حيث انحصر وجود طالبان في المناطق الجبلية النائية، بعيدًا عن المدن الرئيسية.

 

 

  • الملفات السياسية العراقية والليبية:

يبدو أن عام 2018 سيشهد العودة إلى صناديق الاقتراع في البلدان الرئيسية بالشرق الأوسط ، فنجد الانتخابات الرئاسية المصرية في مارس المقبل، والانتخابات البرلمانية في لبنان في مايو 2018. وكذلك، الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية التي من المقرر مبدئيًا إجراؤها في منتصف 2018، والانتخابات البرلمانية العراقية في مايو2018.

بالنظر إلى العراق، نجده متجهًا في العام المقبل إلى استقرار نسبي، خاصة مع الانتصار السياسي الذي حققه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بفوزه على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وإحباط استفتاء استقلال كردستان.(([3]  لكن الشواهد العامة في ظل تنامي الأذرع الإيرانية بالداخل العراقي، تنبئ بأن الحكومة العراقية لن تستطيع التعامل مع الأزمات السياسية والاجتماعية والإيديولوجية، كما أن عليها إعادة هيكلة الدولة العراقية وصياغتها على أسس جامعة وموحدة، وليس على أسس فيدرالية فئوية طائفية.

أمَّا ليبيا، فقد نشهد في عام 2018 مواجهة مثيره للاهتمام في سباق الرئاسة بين الحرس القديم الجنرال خليفة حفتر، الذي خدم في الجيش الليبي قبل انشقاقه، وسيف الإسلام، ابن الحاكم السابق في ليبيا معمر القذافي. خاصة أن حفتر يسعى لأن يفوز بالرئاسة الحالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من قبل الأمم المتحدة، ومن رئيس الوزراء فايز السراجف، الذي من المرجح أن يحافظ على منصبه في تلك الحالة. ومن ثَمَّ، لنا أن ننتظر إذا ما كانت ليبيا مستعدة لتأمين وتنظيم انتخابات على مستوى البلاد، وكذلك إذا ما كان المنافسون على رئاسة الحكومة يستطيعون ضبط النفس والتغلب على حالة “عدم الثقة” في العمل معًا.

  • مستقبل الحرب في سوريا:

ليس من المُعتقد أننا من الممكن أن نشهد اختراقًا في الملف السوري، فهناك “مراوحة سياسية”، فروسيا تحدد قواعد اللعبة، لا سيَّما أن هناك إجماعًا ضمنيًا على أن الأسد سوف يبقى في السلطة للمرحلة المقبلة في ظل تمدد الأذرع الإيرانية بالداخل السوري.

بالمقابل، فقد كشف استطلاع رأي أجراه مركز “بيو” للأبحاث([4]) أن عددًا قليلاً ممن شملهم الاستطلاع في كلٍّ من: (إسرائيل والأردن ولبنان وتونس وتركيا)، يحدوهم التفاؤل بأن الحرب السورية ستنتهي خلال العام المقبل، على الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أنها لن تستمر إلى ما بعد السنوات الخمس المقبلة.

وخلُصَ إلى أن 26٪ من شعوب المنطقة يرون أن الحرب في سوريا ستنتهي خلال العام المقبل، في حين يرى 32٪ أنها ستنتهي في السنوات الخمس المقبلة، ويعتقد 29٪ أنها ستستمر لأكثر من خمس سنوات.

  • الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي:

من غير المُرجح أن نشهد أي تغييرات جذرية في الملف الفلسطيني “الإسرائيلي”، خاصة أن القيادة الإسرائيلية الحالية والمدعومة من اليمين المتشدد في الولايات المتحدة الأميركية، تحاول تغيير قواعد اللعبة، كما أنها لم تعد تقبل بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

إضافة إلى ذلك، فرؤية الرئيس الأميركي والقيادة الجديدة، التي تمثلت في قرار اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، أسقطت كل المجالات الاستراتيجية لحوارات السلام التي أطلقها منذ دخوله البيت الأبيض. فهذا القرار يفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية، وينذر بتصاعد التوترات بالمنطقة العربية في حال لم يتم العُدول عن ذلك القرار، ودعم القرارات الأممية في إعادة تفسير ازدواجية القرار الترامبي([5]).

 

 

  • النفوذ الروسي الأميركي في المنطقة:

يبدو أن روسيا أصبحت رقمًا صعبًا في الساحة العربية والدولية، فهي اللاعب الأهم في الملف السوري، وتحدد قواعد اللعبة، ولا يبدو أن القيادة الأميركية ستحاول في المبادرة لقيادة المنطقة العربية، وسيبقى الانكفاء الأميركي كما هو عليه([6])، بالإضافة لذلك، يبدو أن الرئيس الأميركي يغرد خارج السرب بقيادته الاستراتيجية، مما يزيد الضرر بركائز القوة الأميركية الرخوة، ليس في المنطقة العربية فقط، لكن في العالم. ولعل قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، جزء لا يتجزأ من هذا التخبّط والانكفاء، بما يعزز من فكرة أن هنالك فجوة وانقسامًا مؤسسيًا بين الخطاب والفعل السياسي الأميركي.

  • الأزمة الخليجية:

من المرجح أننا لن نشهد اختراقًا في ملف الأزمة مع قطر، خاصة أن كل الأطراف غير مستعدة لتقديم تنازلات خلال العام المقبل، فالقيادة القطرية مستمرة في التحدي، فهي تعتمد على تركيا وإيران لمحاولة التعاون، كما أن استراتيجية قطر أصبحت واضحة، فهي تعتمد على الاستثمار في الدبلوماسية وبالصفقات العسكرية والمالية مع الدول الغريبة.

لذا، نجد أنه منذ بداية الأزمة الخليجية، كان التساؤل الرئيسي يتمثل في: هل تريد قطر أن تخرج من حاضنتها الاجتماعية والثقافية؟ وهو ما ظهرت إجابته في تحركات قطر بالمضي والاعتماد على قوى إقليمية غير عربية وقوى غربية. كما أن احتمالية انفراج الأزمة القطرية الخليجية في ظل التصرفات الحالية ضئيل للغاية، وقد يتراوح ما بين 30% و40%[7]).)

  • خريطة الإرهاب بالإقليم:

على الرغم من تفكيك تنظيم داعش، فإن ذلك لا يعني نهاية الإرهاب، فمن المرجح أن نشهد تغييرًا في استراتيجيات التنظيمات التكفيرية المسلحة وخريطة الإرهاب، وسنشهد هجمات استراتيجية في ظل تنامي ظاهرة “العائدين” و”الترانزيت الجهادي”، ومحاولاتهم نشر عدم الاستقرار في المنطقة وضرب عصب الاقتصاد.

ومن ثَمَّ،  فإن خريطة الإرهاب في العام المقبل، مُرجح أن تكون في مثلث (مصر وليبيا والسودان). فالعام المقبل، سيكون مصيريًا لمصر؛ لأن الجماعات التكفيرية نشطة في شمال سيناء، وحتى إذا كانت مصر تستطيع صياغة استراتيجية ميدانية عسكرية أكثر نجاحًا، فالأهم من هذه الاستراتيجية العسكرية، تجفيف المنابع البشرية والتسليحية والتنظيمية للجماعات التكفيرية المسلحة، وهو بالفعل ما تقوم به مصر في هذه الأثناء، وذلك في مقابل احتمالية استمرار ضعف ليبيا وهشاشة السودان في مواجهة مخاطر تلك التنظيمات الإرهابية والتكفيرية.

تأسيسًا على ما سبق.. فإن الاستشراف لمنطقة” الشرق الأوسط” يتشابك داخليًا وخارجيًا، وفقًا لخريطة ضمنية تتضمن تغييرات متلاحقة لفواعل الإقليم في ظل تصاعد أحداث العنف المصاحبة للتنظيمات التكفيرية وتلك العابرة للقومية، فضلاً عن إعادة تشكيل الأجندات الخارجية لقطبي النسق الدولي الروسي والأميركي.

وحدة الدراسات السياسية *

المراجع

[1] – فوّاز جرجس: أزمات المنطقة تُرحّل إلى 2018، مركز الخليج للدراسات ،13/12/2017 .

http://www.alkhaleej.ae

[2] – The Arab Strategy Forum , http://www.arabstrategyforum.org/

[3] – Joe Macaron , The Middle East in 2018: Five issues to watch, 20 Dec 2017, https://www.aljazeera.com/indepth

Publics See Russia, Turkey and U.S. All Playing Larger Roles in Region:Most do not expect Syrian war to end in 2018, DECEMBER 11, 2017, http://www.pewglobal.org

[5]–  The U.S. Has Recognized Jerusalem as Israel’s Capital, What Happens Next?, Carnegie Middle East Center, http://carnegie-mec.org1

[6] – “What Putin Really Wants”: The Atlantic’s January, February Issue , DEC 11, 2017

https://www.theatlantic.com

[7] –  The Arab Strategy Forum , http://www.arabstrategyforum.org/

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر