كورونا والأمن القومي الأميركي | مركز سمت للدراسات

ماذا يعني فيروس كورونا للأمن القومي الأميركي؟

التاريخ والوقت : السبت, 4 أبريل 2020

آدم جارفنكل

 

ما بين القضايا الصغرى والكبرى، لا بدَّ من تغيير العقليات والسلوكيات. لكن في أي اتجاه، لا أحد يعرف تحديدًا.لكن في هذه المرحلة المبكرة من جائحة (كوفيد – 19) المعروف باسم كورونا في الولايات المتحدة، ظهر فريقان من أصحاب الآراء المختلفة. يرى أحدهما أن الفيروس كشف بالفعل عن اضمحلال مؤسسي أميركي في جميع المجالات، وأن تجاهل الجائحة في بدايتها أدى إلى تفاقمها. وفريق آخر يتبنى خطًا حاسمًا تجاه الأزمة ويدفع في اتجاه اتخاذ إصلاحات جريئة.

وربَّما يكون المرء متشككًا في التصريحات المبهمة من كلا الجانبين، لكن السياسات  سوف تتغير بالتأكيد في العديد من جوانبها. ذلك أننا بصدد التكهن بشأن التوجهات المستقبلية لعدد من تلك السياسات، والانتقال إلى مستويات أعلى حتى لو استدعى الأمر استيراد أفكار من الخارج.

معضلة الاستعداد

تنطوي جميع الجيوش على حالة اندماج بين الجنود والعاملين في القطاع اللوجستي والإداريين والبيروقراطيين. فإذا كانت هذه الحالة الاندماجية لا يمكن أن تتشكل لممارسة التفاعلات المختلفة والتدريب مع الحلفاء، فإن الجيوش ستعاني من معضلة استعداد، ومن المتوقع أن نرى الجميع يتصرفون بعشوائية ما يسفر عن نتائج غير مناسبة أيضًا.

وجميع جيوش الدول الكبرى تواجه معضلات مماثلة، لكن الدول التي تعتمد سياساتها بشكل أكبر على التعاون بين الحلفاء ستتأثر بشكل غير متناسب.

وعلى المدى الطويل، من المرجح أن يضع مخططو السياسات الدفاعية أوضاع المشكلات الطبية الكبرى في إطار العقيدة والتخطيط بدرجة أكبر من قبل، وهو ما يرجح ولو جزئيًا زيادة الاهتمام بخطر الإرهاب البيولوجي. إذ ستحدد الثقافة السياسية واتجاهات القيادة الرشيدة أيَّ البلدان التي تبتكر أفضل الممارسات المتفوقة. فالولايات المتحدة في وضعٍ غير مُواتٍ في هذا الصدد.

قاعدة الدفاع الصناعي

إن الإرهاق الاقتصادي الناجم عن الوباء الراهن يضر بالقاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية مقارنة بغيرها من المنافسين حول العالم، وهو ما يرجع إلى أن النظام الأميركي يعتمد على السوق أكثر بكثير من الأنظمة الأخرى. ذلك أنه من الواضح أن غيرها من القوى المنافسة الأخرى مثل الصين وروسيا، تعطي الأولوية لصناعات الدفاع المملوكة للدولة في خططها الاقتصادية والإنعاش الاقتصادي. بينما نجد الأمر في الولايات المتحدة ليس بهذه البساطة.

هنا يمكن لمعظم سماسرة الدفاع الكبار الخروج من الأزمة، لكن على أولئك الذين يعملون من الباطن من الدرجة الثالثة والرابعة أن يتضامنوا فيما بينهم. (والمقصود هنا تلك الشركات التي يعمل فيها ما بين 250-1500 موظف) التي لا يمكنها العمل بمفردها. هذه الشركات يمكنها أن تقوم بأعمال سلاسل التوريد الأساسية ليس فقط لتوفير المعدات الجديدة، ولكن أيضًا لتوفير للاحتياجات المستمرة للصيانة والاستعداد؛ لكن هذه الشركات إذا تعرضت لأزمة كالإفلاس، على سبيل المثال، فسوف يتدهور النظام كله سريعًا.

وربَّما يكون هذا هو السبب في أن فشل الرئيس ترمب في تنفيذ قانون الإنتاج الدفاعي بسرعة قد ينطوي على آثار كبيرة. إذ يمكّن قانون الحكومة الفيدرالية من تقديم قروض كبيرة لشركات السمسرة من الباطن، لتمكينها من إدارة الأعمال الصغيرة، حيث تعجز تلك الشركات حتى عن تغطية رواتب شهر واحد في بعض الأحيان.

وقد يؤدي تأجيل الرئيس لهذه القرارات إلى عدد من حالات الإفلاس الوشيكة. إضافة إلى ذلك، فإنه في حين أن الشركات الصغيرة يجب أن تحظى بالأولوية بموجب القانون، فإن السلطات الأميركية غالبًا ما تمارس ضغوطًا شديدة لدرجة أنها لا تقوم بذلك بالفعل.

إن تحويل الموارد فيما بين المدى المتوسط ​​إلى الطويل، من شأنه أن يؤدي إلى تركز الانتباه على التداعيات على الأمن القومي للأمراض الوبائية الطبيعية التي هي من صنع الإنسان، وانعكاساتها على إمكانية إحداث إصلاحات إيجابية كبيرة في الولايات المتحدة، كما هو الحال في أي مكان آخر بالعالم. لكن هناك مخاطر ترافق ذلك بسبب حجم الدين القومي للولايات المتحدة وأساليب إدارة عجز الموازنة الفيدرالية السنوية، ما يجعل ميزانية الدفاع تخضع للفائض لتمويل إجراءات جديدة لإعداد الصحة العامة.

وكما هو معروف جيدًا، فقد أصبحت الميزانية الفيدرالية الأميركية هشة بشكل واضح وضعفت لديها القدرة على التحرك بين البدائل المختلفة، حيث أخذت برامج الاستحقاق المفتوحة ماليًا حصة متزايدة من الالتزامات؛ ما يجعل الإنفاق التقديري يجري بشكل غير متناسب مع متطلبات الدفاع، وبالتالي، يصبح هذا المجال هو المكان الوحيد الذي يجد السياسيون فيه إمكانية العثور على أموال لأولويات جديدة دون تضخم العجز والديون أكثر.

هنا نشير إلى إحدى نتائج الانخفاض الكبير في الاستثمار الدفاعي الأميركي، التي من المرجح أن تلعب دورًا في أن يفوز الديمقراطيون في الانتخابات المقرر إجراؤها في نوفمبر، وهو ما يرتبط بتقويض الاستراتيجية الأميركية الكبرى، التي تقوم بالفعل على توفير سلع أمنية عالمية مشتركة.وذلك من أجل التدخل في الصراعات الإقليمية وسباقات التسلح وانتشار أسلحة الدمار الشامل، مع الحفاظ على وضعها في النظام التجاري العالمي. إن مثل هذا التطور من شأنه أن يعزز توجهات السياسة الخارجية الأميركية نحو الانعزالية الفعلية، وهو ما سوف يعدُّ أخبارًا محزنة لحلفاء الولايات المتحدة وأصدقائها في جميع أنحاء العالم.

الأوبئة المصنعة

ربَّما يكون لشبح جائحة كورونا تأثير مقلق جدًا. إذ يوشك العالم أن يصل إلى فترة تزداد فيها قدرة الجهات الفاعلة “السيئة” أو “المتهورة” سواء كانت دولاً أو جماعات، على تصنيع الأوبئة. فقد أصبح من السهل على المجموعات الصغيرة ذات الميزانيات المحدودة تطوير الأسلحة الفتاكة، ووضعها تحت تصرف جماعات متطرفة.

وقد كشفت أزمةكورونا عن الأضرار الهائلة التي لحقت بالاقتصاد العالمي المصمم بشكل متذبذب الذي يتأثر بمثل هذا الوباء بشدة. أمَّا بالنسبة لبعض الجماعات الراديكالية، التي يتحرك بعضها مدفوعًا على الأرجح بتوجهات دينية غير تقليدية، فإن ما نشاهده اليوم يمكن أن يشجع على بذل جهد أكبر للحصول على سلاح حاسم بالنسبة للجماعات الضعيفة.

العواقب الثقافية

في نهاية المطاف، فإن أمن أي مجتمع على المدى الطويل يعدُّ مسألة معقدة تفوق كونها عملية عسكرية أو حتى بالنظر لجوانبها الاقتصادية. فتجربة أزمة كورونا سوف تضيف المزيد من الخوف بالمجتمع الأميركي بشكل يفوق ما شاهدناه في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكذلك القلق المصاحب من عودة الكساد العظيم، وهو ما يكشف عن الخلل الذي تعاني منه المؤسسات السياسية الأميركية التي مكنت شخصًا غير مؤهل تمامًا من أن يصبح رئيسًا.

هناك أمر آخر يرتبط بالخوف، وهو السخرية والاغتراب وتعاظم المخاطر، وكلها أمور تقوض تقاليد الأميركيين في النزعة البراجماتية.

ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بما ستؤول إليه الأمور بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد، وماذا يمكن أن يصاحبها من أعباء ثقافية لم تكن موجودة مسبقًا. لكن هناك شيئًا واحدًا واضحًا، وهو أنه إذا اعتقد عددٌ كافٍ من الأميركيين أن مجتمعهم ليس فاضلًا وموحدًا من خلال الغرض النبيل. وبالتالي، فإن هذا المجتمع لا يستحق بذل أي جهد للحفاظ على أمنه ودوره القيادي في العالم، وعليه فمن غير المتوقع أن يُحدِث أي قدر من الإنفاق الدفاعي فرقًا كبيرًا على المدى الطويل.

إن الإصلاح الجريء ممكن، ولكن حتى يكون هذا الإصلاح فعالاً حقًا، فإنه يتطلب العمل بالتنسيق مع الأطراف الأخرى. إذ لا يمكن إدارة الأوبئة العالمية بالوسائل الوطنية وحدها. ففي غياب الرغبة في التعاون بطرق جديدة وقديمة، فإن تحول الولايات المتحدة نحو الانكفاء على الداخل والتراجع الأخير عن الالتزامات والتعهدات الدولية، له تأثير لا يمكن إنكاره. وفي حال انتهت تجربةكورونا بتسريع هذا التحول إلى الداخل، فمن المؤكد أن الأجيال القادمة ستنظر إليها على أنها أزمة ذات فرص مهدرة.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مدرسة راجاراتنام للدراسات الدولية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر