ماذا يحدث في بوركينا فاسو؟ | مركز سمت للدراسات

ماذا يحدث في بوركينا فاسو؟

التاريخ والوقت : الأربعاء, 2 فبراير 2022

أحمد عسكر

 

تعيش بوركينا فاسو لحظة فارقة في تاريخها يسودها التوتر والاضطراب على الصعيدين السياسي والأمني، وذلك عقب تمرد عسكري لمجموعة من الجنود اندلع في 23 يناير 2022 ليتطور بشكل دراماتيكي سريع لتشهد البلاد وقوع انقلاب عسكري في البلاد أطاح بالرئيس الحالي روش مارك كابوري من السلطة خلال الساعات الماضية، وسط حالة من التخبط والضبابية حول طبيعة ودوافع هذا الانقلاب والمسئولين عنه، وخارطة الطريق بشأن المرحلة الانتقالية في البلاد في حالة استمرار الانقلاب، وهو احتمال ما زال يكتنفه الغموض حتى الآن.

ضبابية المشهد العام

حالة من الضبابية تسود المشهد العام في بوركينا فاسو بعد إعلان وسائل إعلام دولية وقوع انقلاب عسكري في البلاد صباح اليوم 24 يناير 2022، واعتقال الرئيس الحالي كابوري في إحدى القواعد العسكرية في العاصمة واجادوجو إلى جانب رئيس الوزراء ورئيس الجمعية الوطنية (البرلمان)[1]. وإن كانت وسائل إعلام محلية في البلاد قد أكدت أن كابوري ورفاقه تحت حراسة الدرك الوطني، حيث غادر الرئيس مقر إقامته أمس قبل سيطرة المتمردين عليه. إلا أن بعض العسكريين أعلنوا عبر التليفزيون الرسمي استيلاءهم على السلطة وحل الحكومة والبرلمان.

يأتي ذلك عقب اندلاع تظاهرات شعبية غاضبة خرجت يوم 22 يناير 2022 إلى الشوارع احتجاجًا على فشل الحكومة في التصدي للهجمات الإرهابية التي تشهدها البلاد على مدار السنوات السبع الماضية، حيث قام المتظاهرون بإشعال النيران في مقر الحزب الحاكم في العاصمة. وسرعان ما اندلع تمرد عسكري قام به مجموعة من الجنود دام لعدة ساعات في عدد من الوحدات العسكرية التي شهدت إطلاقًا كثيفًا للنار، بالرغم من نفي الحكومة ووزير الدفاع الجنرال بارثيليمي سيمبوري، الذي أكد أن مؤسسات الدولة لا تواجه اضطرابات وأن هناك حوادث محلية ومحدودة في بعض الثكنات العسكرية، وأن التحقيقات جارية. إلا أن المشهد العسكري قد تطور إلى تقدم المتمردين نحو مقر إقامة الرئيس الذي شهد إطلاق النار بالقرب منه، فيما تعرض موكب رئاسي بدون الرئيس لإطلاق نار كثيف أسفر عن وقوع إصابات بين عناصر الحرس الرئاسي. كما حاصرت بعض القوات العسكرية مقر التليفزيون الحكومي ربما تمهيدًا لبيان إعلامي حول تفاصيل الانقلاب. فضلًا عن اتخاذ بعض الإجراءات الاستثنائية في البلاد مثل قطع خدمات الإنترنت عن الهواتف النقالة لليوم الثاني على التوالي، وإغلاق المدارس لمدة يومين في أنحاء البلاد، وفرض حظر تجوال ليلي في البلاد.

وقد برزت بوادر هذا الانقلاب في أوائل يناير الجاري 2022 بعد نجاح الجيش في بوركينا فاسو في إحباط مؤامرة انقلابية تهدف إلى قلب نظام الحكم وزعزعة استقرار البلاد، حيث أعلن وزير الدفاع القبض على 10 جنود وخمسة مدنيين على علاقة بالمؤامرة وتقديمهم للمحاكمة العسكرية وعلى رأسهم العقيد إيمانويل زونكرانا، المتهم الرئيسي في محاولة الانقلاب الفاشل[2]، الأمر الذي عزز من التنبؤ بقرب وقوع محاولة انقلابية قد تطيح بالرئيس كابوري.

لذلك، يبدو السياق العام في بوركينا فاسو أكثر تعقيدًا وفوضويّة خاصة أنه لم يتضح بعد -حتى كتابة هذه السطور- مَنْ يسيطر على البلاد، لا سيما أنه لم يتم الإعلان عن أية تفاصيل بشأن المحاولة الانقلابية.

قراءة أوَّلية في دوافع الانقلاب

في حالة نجاح العسكريين في الإطاحة بالرئيس كابوري من السلطة، سيكون الانقلاب التاسع في تاريخ بوركينا فاسو منذ نيل الاستقلال، وهو أعلى معدل للانقلابات من بين الدول الأفريقية، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول تعقيدات العلاقة بين الأطراف الفاعلة في مسار العملية السياسية هناك على مدار العقود الماضية، ومدى حجم التدخلات من قبل المؤسسة العسكرية في السياسة هناك وتأثيراتها على موازين القوة في الداخل البوركينابي، وهي معضلة تعاني منها معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء في مرحلة ما بعد الاستقلال وتأتي ضمن إشكالية بناء الدول في قارة أفريقيا بما فيها من معضلات وأزمات متراكمة وعديدة.

ويختلف الانقلاب الحالي بطبيعة الحال عن الانقلاب الثامن الذي جرى في البلاد قبل أقل من سبع سنوات في عام 2015 والذي أجبر الرئيس السابق بليز كومباوري على التخلي عن السلطة، قبل هروبه إلى كوت ديفوار خوفًا من المحاكمة، وذلك عقب الاحتجاجات الشعبية الرافضة لمحاولات كومباوري تعديل الدستور بما يضمن استمراره في السلطة لمدد رئاسية أخرى. بينما لم تبرز بشكل جلي أسباب جوهرية حول قيام العسكريين بانقلاب ضد كابوري الذي تولى السلطة منذ عام 2015 قبل إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية في عام 2020[3]، وإن كان المشهد العام يعبر عن تذمر الرأي العام من سياسات الحكومة المتعلقة بالأساس باستراتيجية مكافحة الإرهاب الذي تصاعد نشاطه في شمال البلاد منذ عام 2015. إضافة إلى عدد من العوامل الأخرى التي تعزز حالة السخط مثل ارتفاع معدلات الفقر، وضعف المؤسسات، وغيرها.

ويمكن تلمس بعض دوافع المحاولة الانقلابية الجارية في البلاد فيما يلي:

1- تزايد حالة السخط العام: وذلك نتيجة فشل الرئيس كابوري في الوفاء بوعوده الانتخابية عقب إعادة انتخابه في عام 2020 لولاية رئاسية أخرى، لا سيما في ملف محاربة الإرهاب الذي اعتبره أولوية لحكومته، حيث واجه اتهامات عدة بالتباطؤ في التصدي لتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في البلاد، وتطور الأمر لاندلاع احتجاجات متصاعدة بسبب إخفاق حكومته في هذا الملف الشائك، وطالب المحتجون الرئيس بالتنحي.

2- هشاشة النظام الحاكم: لم يستطع كابوري طوال السنوات السبع منذ توليه السلطة إحكام السيطرة الأمنية في البلاد ضد التهديدات الأمنية، وهو ما أفضى إلى تزايد التوتر وضعف الدعم المقدم له على المستويين الشعبي والعسكري.

3- خلاف واسع داخل المؤسسة العسكرية: وذلك على خلفية إقالة الرئيس كابوري لعدد من كبار القادة العسكريين على رأسهم قائد الجيش في نوفمبر 2021[4]. فضلًا عن ارتفاع معدلات التمرد بين صفوف الجيش خلال الشهور الماضية خاصة منذ نوفمبر 2021 عقب هجوم مسلحين على وحدة عسكرية أسفر عن مقتل العشرات من رجال الأمن[5]، ووسط غياب للدعم اللوجستي والإمدادات الغذائية لها، وهو ما كشف عن خلل في إدارة الجيش وقيادته[6]، الأمر الذي دفع مجموعة من العسكريين للتمرد في سبيل إجبار السلطة على الاستجابة لمطالبهم الخاصة بتوفير إمكانات لوجستية وتكثيف التدريبات للقوات العسكرية وتشكيل قوات خاصة للدفاع عن البلاد، وإقالة بعض القيادات العسكرية ومنها قائد الأركان لضعف كفاءته، وتقديم الرعاية الصحية للمصابين وعائلات الضحايا[7].

4- محاكاة التغيير بالقوة في بعض دول الجوار: يعد الانقلاب في بوركينا فاسو هو الانقلاب الرابع الذي شهدته المنطقة خلال عام ونصف مضى، حيث شهدت بعض دولها منذ أغسطس 2020 عددًا من الانقلابات الناجحة مثل مالي التي وقع فيها انقلابان في أغسطس 2020 وفي مايو 2021، وغينيا كوناكري في سبتمبر 2021، لا سيما أن الوضع في بوركينا فاسو خلال الفترة الأخيرة يشبه إلى حد ما الوضع الأمني في مالي قبل انقلاب أغسطس 2020؛ فهناك إخفاق من قبل النظام الحاكم في مواجهة التهديدات الأمنية سريعة الانتشار والتهديد في أنحاء البلاد. وهناك جيش محبط يفتقر إلى الإمكانيات اللازمة لمواجهة التنظيمات الإرهابية، مما أدى إلى تزايد الاستياء الشعبي تجاه النظام الحاكم، وهو ما شجع بعض العسكريين في بوركينا فاسو على القيام بانقلاب عسكري في البلاد.

5- تنامي التهديدات الأمنية: يتزايد الإحباط في البلاد خلال الأشهر الأخيرة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية خاصة في شمال البلاد، حيث ارتفعت أعداد ضحايا الهجمات الإرهابية في البلاد من 500 شخص في عام 2020 إلى أكثر من 1100 شخص في عام 2021، مما يجعلها أكثر دول المنطقة عرضة للتهديدات الإرهابية منذ عام 2015 حيث يتجاوز أعداد القتلى الآلاف فضلًا عن نزوح أكثر من مليون ونصف شخص.

6- شكوك حول تورط قوى خارجية: يوحي المشهد الأوَّلي حول وقوع الانقلاب في بوركينا فاسو أن الأسباب داخلية بحتة دون تدخل خارجي؛ مما يجعل من المبكر الحديث عن دور خارجي في هذه التفاعلات الراهنة في البلاد. ومع ذلك، لا ينبغي إغفال طبيعة التنافس الدولي المتنامي في الساحل، والذي يفرض التوجس بشأن تورط أحد الأطراف الدولية في هذا الانقلاب خاصة أن الخبرة المالية ليست ببعيدة بعد اتهامات فرنسية لروسيا بالضلوع في الانقلابين الأخيرين بالبلاد، ووسط حالة التناحر بشأن التحفظ الفرنسي والأوروبي على انخراط قوات فاغنر الروسية في بعض دول المنطقة لا سيما مالي. كما لا يجب إغفال الدوريْن الصيني والأمريكي ضمن لعبة التنافس الدولي في المنطقة، في ضوء الرغبة في تأسيس نخب حاكمة جديدة موالية لتلك القوى بهدف حماية مصالحها الاستراتيجية هناك.

ختامًا، قد تشهد بوركينا فاسو بنجاح هذا الانقلاب نهاية لمرحلة القيادة المدنية للبلاد، والبدء في مرحلة انتقالية يقودها العسكريون، لا سيما في ظل حالة الثقة التي حظى بها الجيش خلال السنوات الماضية في الأوساط الشعبية خاصة بعد منعه بليز كومباوري من تعديل الدستور لتمديد بقائه في السلطة، والالتزام بالدعوة لانتخابات عامة. ومع ذلك، قد تواجه البلاد بعض الضغوط الإقليمية والدولية من أجل استعادة الوضع الدستوري هناك وإنهاء الانقلاب، الأمر الذي قد يعرضها لحزمة من العقوبات خاصة من قبل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة باسم إيكواس.

فيما يمثل الوضع المعقد الراهن في بوركينا فاسو فرصة جيدة لانقضاض التنظيمات الإرهابية نحو الداخل للتورط في المزيد من العمليات الإرهابية في شمال البلاد، الأمر الذي ينذر باتساع رقعة سيطرتها هناك، مما قد يستدعي الاستعانة بالدعم الدولي في مواجهة الإرهاب خلال الفترة المقبلة، على نحو يعني مواجهة جديدة بين فرنسا وروسيا في الساحل.

المصدر: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر