سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إيشان ثارور
قام الرئيس الأميركي دونالد، الشهر الماضي، بخطوة أذهلت حلفاءه، وربَّما مستشاريه، إذ أعلن عن قرب انسحاب القوات الأميركية من سوريا. وقد كان المراقبون يخشون أن يقع ترمب في مخالب روسيا وإيران. بينما نظر آخرون للموقف الأميركي باعتباره خيانة للأكراد في المنطقة؛ فقد استقال وزير الدفاع “جيمس ماتيس”، احتجاجًا على ذلك القرار، كما لحق به المسؤول عن الحملة الأميركية ضد “داعش” بوزارة الخارجية.
لكن الآن، لا يبدو من الواضح، أكان هذا الانخفاض التدريبي سيحدث أم لا؟ فقد بدا أن ترمب قد هاله رد الفعل العكسي في واشنطن، إذ قام بتمديد الموعد النهائي للانسحاب الذي كان محددًا بـ30 يومًا ليصبح 4 أشهر. ومنذ ذلك الحين، تأثرت الأوضاع داخل الإدارة، وتبين للصحفيين أنه لا يوجد جدول زمني محدد للانسحاب بعد؛ فقد قال ترمب، “نحن ننسحب من سوريا، لكن لن ننسحب حتى القضاء على داعش”.
وفي هذا الخضم من الفوضى يتجلى الانقسام داخل البيت الأبيض؛ إذ يحرص ترمب الذي يعاني توجهًا انعزاليًا، على تخلص الولايات المتحدة من المغامرات العسكرية باهظة التكلفة بما يوفر له الحد الأدنى من المكاسب السياسية بالداخل. وبخلاف العديد من مناصريه من الجمهوريين في واشنطن، لم يكن ترمب مهتمًا بالإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد من السلطة؛ ففي ديسمبر الماضي أعلن أن تنظيم “داعش” قد هُزِمَ، رغم وجود أدلة تثبت عكس ذلك، إذ قال إن مواصلة القتال إنَّما تقع على عاتق تركيا والدول العربية الأخرى.
ويرى كبار الصقور بواشنطن، بما فيهم الشخصيات الرئيسية بإدارة ترمب، الأمور بطريقة مختلفة. فوزير الخارجية “مايك بومبيو”، ومستشار الأمن القومي “جون بولتون”، ومبعوث ترمب الخاص إلى سوريا، الدبلوماسي السابق “جيمس جيفري”، جميعهم يرون أن التورط العسكري الأميركي في سوريا لا يهدف فقط إلى هزيمة المقاتلين الإسلاميين، لكن أيضًا مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا.
كما صرح مسؤول أميركي لصحيفة “واشنطن بوست”، أن ترمب لم يؤيد شخصيًا هذه الاستراتيجية، وقد ألمح إلى ذلك. فخلال اجتماع لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي، أشار ترمب – ضمنًا – إلى أن قيادة إيران “تستطيع أن تفعل ما تشاء في سوريا”. وفي تلك الأثناء، لم يكن كبار المسؤولين في البنتاغون مقتنعين بأن تنظيم “داعش” قد هُزِمَ بالفعل؛ فقد أعرب المسؤولون العسكريون عن تحفظات عميقة حول فكرة الانسحاب السريع في لحظة ما زال فيها المتطرفون، رغم ضعفهم الشديد، يشكلون تهديدًا قويًا. كما تواصل تركيا إصرارها على وضع حربها ضد القوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة (SDF) في مقدمة أولوياتها، إذ تعتبر أنقرة هذه القوات جزءًا من “المجموعات الإرهابية الكردية” وأولوية مقدمة على المعركة ضد “داعش”.
وخلال الفترة الأخيرة يقوم مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية بالتجول في الشرق الأوسط في محاولة لطمأنة حلفاء واشنطن بالمنطقة بأن البيت الأبيض لا تزال ملتزمة بمصالحهم الأمنية. لكن حتى الآن، لا يدركون حجم الخلاف داخل الإدارة حول ما سيحدث بعد ذلك؛ إذ يقوم “بومبيو”، الذي يدافع بقوة عن الاستراتيجية المناهضة لإيران، بزيارة ثمانية بلدان، من بينها دول مجلس التعاون الخليجي، وهي (السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وعمان) بالإضافة إلى مصر والأردن، إذ يحاول “بومبيو” تدشين جبهة موحدة على الرغم من نهج البيت الأبيض غير المتسق بشكل متزايد تجاه المنطقة.
وقد قال “بومبيو” لمجلة “نيوز ماكس” اليمينية، إن “الحملة ضد إيران ستستمر، سنفعل كل هذه الأمور، وسنقوم بذلك حينما تغادر القوات الأميركية سوريا”. وفي تلك الأثناء، كان “جون بولتون” في إسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخير، وبعد ذلك سيتوجه نحو تركيا، وسيرافقه المبعوث السوري “جيمس جيفري”، ورئيس هيئة الأركان المشتركة. وفيما يبدو متناقضًا مع ترمب، فقد صرح “بولتون” للصحافيين أنه لن يتم الانسحاب من سوريا حتى تتأكد واشنطن من هزيمة المسلحين الإسلاميين بالكامل، وأن تضمن تركيا سلامة الوحدات الكردية السورية المتحالفة مع الولايات المتحدة، والتي تعتبر إرهابية من قبل أنقرة.
وقال “بولتون” – أيضًا – إن هناك أهدافًا نسعى لتحقيقها، إذ إن الانسحاب ينبع من قرارات السياسة التي تتبناها واشنطن؛ وتشير الحقائق على الأرض إلى أن الجدول الزمني سيكون مفتوحًا إلى حدٍّ ما، وقد تبين أن المشاحنات الدبلوماسية مع تركيا، التي توعدت بعملية عسكرية ضد “وحدات حماية الشعب الكردية” عبر حدودها الجنوبية، مسألة معقدة جدًا؛ ذلك أن الضمانة الأمنية للأكراد السوريين يمكن أن تكون مجرد تعبير عن حالة جيدة، لكن يصعب الحصول عليها. ومع تضاؤل الخيارات المتاحة أمامهم، قام الفصيل الكردي المسلم بسوريا بفتح محادثات للسلام مع نظام الأسد، كما طلب الدعم العسكري من دمشق في مواجهة الهجوم التركي المحتمل.
ومن بين المتشددين من داخل إدارة ترمب، يعتقد السيناتور “ليندسي غراهام”، أن هذا الوضع يفرض ضرورة التخطيط له، إذ صرح لبرنامج “واجه الأمة” في شبكة “سي بي إس” الأميركية “أن الهدف الأساسي للولايات المتحدة أن لا يعود داعش”، مضيفًا: “أنا أحيي الرئيس لإعادة النظر فيما يقوم به، ذلك أنه ينبغي أن يأخذ في اعتباره أننا موجودون، دعونا نعمل بذكاء”. غير أن آخرين يرون أن التطورات الأخيرة جاءت في الوقت الذي تتوارد فيه المؤشرات على وجود حالة من التخبط والارتباك بداخل الإدارة الأميركية حول أجندتها الخارجية؛ فيقول “روبرت فورد”، وهو سفير أميركي سابق لدى سوريا، “لقد تجاوز بولتون السياسة، فوظيفته الأساسية هي فهم ما يريده الرئيس؛ فعندما يكون الرئيس مرتبكًا أو حذرًا بشأن أمرٍ ما ، فإن مهمة مجلس الأمن القومي تتمثل في نقل ذلك الأمر إلى مؤسسات الدولة والبنتاغون، وتحذيرهم بعدم التمادي بشأنه، لكن يبدو أن الرسالة لم تصلهم بعد”.
المصدر: واشنطن بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر