سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ياوز بيدار
أظهر أردوغان ومعه حليفه في تحالفه السياسي دولت بهجلي أن لا مساحة لحسن الظن أو للأمل. لذلك أدت الخلافات بين أنقرة وموسكو وواشنطن في ما يتعلق بمستقبل سوريا إلى مواجهة سياسية ثالثة، وهذه المرة محورها الأكراد في داخل تركيا.
مع الهجوم الهائل الذي تشنه القوات السورية في محافظة إدلب هذا الشهر، بدعم من روسيا، بدأت أنقرة تجد نفسها في مواجهة موسكو وربما يعزز هذا حجج من يقولون إن عملية سوتشي ليست سوى طفل لم يولد من الأساس.
وسواء تبيّن أن سوتشي، وهي خارطة طريق لإنهاء الحرب السورية تقودها كل من روسيا وتركيا وإيران، قد ماتت في مهدها أم لا، فإن شيئا واحدا هو الأكيد، وهو أن إدلب بدأت تتحول إلى أرض معركة بين المصالح التركية من جانب والمصالح السورية والروسية من جانب آخر.
هكذا إذا يمكن القول إن الرئيس رجب طيب أردوغان لا يقف في مواجهة الولايات المتحدة وحدها في ما يتعلق بالقضية السورية، بل في مواجهة روسيا أيضا، هو مأزق ثنائي إذا. وأيا كانت وجهته في هذه اللحظة من الزمن، فإن الرئيس التركي لن يقوى إلا على التلاعب في محاولة لكسب الوقت، لا أكثر.
يدرك أردوغان أن الأميركيين سيفرضون عليه إرادتهم في النهاية في ما يتعلق بما يطلق عليها “المنطقة الآمنة” في شمالي سوريا، وبصفة خاصة ما يتعلق بحماية حلفائها المحليين من تركيا. وهؤلاء الحلفاء هم ببساطة قوات سوريا الديمقراطية.
ستظل قوات سوريا الديمقراطية قوة رادعة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وتقدم إيران. وتثبت هذه القوة أيضا أنها ورقة مساومة تملكها واشنطن حين يصبح الوقت ملائما لإعادة رسم خارطة الإدارة في سوريا.
وفي الوقت نفسه، ربما يدرك أردوغان أن الروس، بحكم العادة، لم يضعوا أبدا ثقة في تركيا، خاصة في سنوات حكمه التي يعتقدون أنها مليئة بالخداع وتهدف لتغيير النظام في سوريا لصالح مقاتلين سنة من المتشددين.
ولعل موسكو قد أجرت حساباتها وخلصت إلى أن أي مواجهة بين أنقرة وواشنطن بشأن “منطقة عازلة” من شأنها جعل الأميركيين أكثر عرضة للمشكلات وتحت رحمتها. ولتكسب أرضا أفضل في مستقبل سوريا، تشن روسيا هجوما أخيرا في قلب إدلب، غير عابئة تماما بالأزمة الإنسانية الجديدة التي تتسبب فيها.
ورغم كل شيء، وبعد الجدل الذي أثير بسبب شراء تركيا لصفقة منظومة الصواريخ الروسية إس- 400 في يوليو الماضي، والتي تسببت في شروخ في التحالف بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، لم يعد لدى أنقرة ما تخسره. لقد أصبح بوتين يرى الفوز حتميا له ولحليفه في دمشق.
لكن ماذا عن الوضع في أنقرة؟
يقول مراقبون مقربون من الجيش التركي إن الأميركيين هم الطرف الحقيقي الذي يتولى وضع جدول الأعمال في ما يتعلق بالمنطقة الحرة المقترحة لشمال شرق سوريا حيث يغلب الأكراد. وبعض الجنرالات الأتراك غير سعداء لأنهم يرون تلك المبادرة ضمانة لتوفير الحماية لوحدات حماية الشعب الكردية ولسيطرتها على المنطقة. وحتى الآن، فإن الأمر لا يسفر إلا عن المزيد من التوتر في العاصمة التركية.
إن هذا الصخب الحاصل في أنقرة يؤكد وجود خلاف في الرؤى بين معسكر أردوغان، الذي لا يزال يؤيد الجيش السوري الحر الذي يسيطر عليه الجهاديون في مواجهة جيش الأسد، وفريق آخر يتشكل من حزب الشعب الجمهوري وهو أكبر الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد وحزب الوطن الأم وهو حزب صغير قوامه مجموعة من القوميين المتشددين لكنهم يملكون نفوذا قويا في صفوف قوات الأمن التركية.
ويطالب هذا الحزب بحوار مفتوح ومباشر داخل نظام الأسد مع الإبقاء على القوات التركية داخل سوريا. إن الخلافات السياسية حقيقية وجادة وربما تقود في نهاية المطاف إلى صدام أخير على من يستتب له في النهاية حكم تركيا. ربما يكون الأمر بطيئا، فهي عملية تستغرق وقتا، أو ربما يحدث العكس تماما.
الكثير من الأشياء تتوقف بشكل مباشر على سرعة تطور الأشياء على المسرح السوري والمدى الذي يمكن أن تصل إليه. على السطح، هناك بكل تأكيد البعد الكردي، الذي يسبب لأنقرة الكثير من القلق.
النخبة السياسية التركية، المحاصرة في دائرة في غاية الشراسة منذ عشرات السنوات، عادت مرة أخرى إلى الوضع المفضل بالنسبة لها، بينما تستعر المعركة ضد الأكراد المهيمنين في المنطقة.
أظهر قرار أردوغان الأسبوع الماضي بعزل ثلاثة من رؤساء البلديات الأكراد المنتخبين أن الحلفين اللذين تنافسا بشراسة بالغة في الانتخابات المحلية في وقت سابق هذا العام، وهما تحالف أردوغان مع حزب الحركة القومية في مواجهة الحزب الصالح، الذي شكله قياديون منشقون عن حزب الحركة القومية، ليسا على خلاف كبير حين يتعلق الأمر بالقضية الكردية. لقد بدا وكأن المعارضة أقرب للدولة القمعية منها إلى محاولة إنقاذ ما أمكن من الديمقراطية.
ولعل أردوغان يدرك شيئا وهو أنه قادر على توسيع نطاق سلطاته والسيطرة على مفاصل الدولة طالما ظل بوسعه الحفاظ على المعارضة العلمانية من القوميين في صفه.
يدرك الرئيس التركي جيدا أن بوسعه القيام بهذا من خلال مواصلة القضاء على حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد.
وعلى أي حال، فإن عزل ثلاثة رؤساء بلديات في جنوب شرق تركيا في وقت سابق هذا الشهر (وهم منتخبون بنسبة تتجاوز 53 بالمئة في الانتخابات المحلية)، يمثل ضربة لخيارات الناخبين ولا يؤدي فقط إلى الإطاحة بأي فرص لإعادة عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني إلى مسارها، بل وإلى إضعاف موقف “المتفائلين” الذين يرون أن استئناف عملية السلام تلك مسألة وقت لا أكثر.
لقد أظهر أردوغان ومعه حليفه في تحالفه السياسي دولت بهجلي أن لا مساحة لحسن الظن أو للأمل. لذلك أدت الخلافات بين أنقرة وموسكو وواشنطن في ما يتعلق بمستقبل سوريا إلى مواجهة سياسية ثالثة، وهذه المرة محورها الأكراد في داخل تركيا.
المصدر: صحيفة العرب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر