لُغز الطاقةِ في جنوب إفريقيا | مركز سمت للدراسات

لُغز الطاقةِ في جنوب إفريقيا

التاريخ والوقت : الإثنين, 22 أبريل 2019

كلاوس كوتزي

 

تواجه جنوب إفريقيا أزمة طاقة، فقد كانت الشركة الوطنية العامة للطاقة “إسكوم” التي كانت ذات يوم تبدو متميزة، على وشك الانهيار بسبب “سنوات من الفساد وعدم الكفاءة والتدخل السياسي”. لكن تحت رئاسة “جاكوب زوما”، تحولت “إسكوم” من جني الأرباح بأكثر من مليار راند في عام 2008، إلى خسارة بلغت 2.3 مليار راند في العام المالي الماضي، وهي الأزمة التي أسفرت فقط عن تباطؤ في الاقتصاد الذي يعاني من التوتر فعلاً.

وقد أدى ذلك إلى أن وجد الرئيس الحالي “سيريل رامافوسا” نفسه في وضعٍ حرجٍ؛ ذلك أنه لمعالجة مشاكل جنوب إفريقيا التي لا تعد ولا تحصى، بات من المتعين على “رامافوسا” أن يعمل على تطهير حكومته وتبسيطها. فعليه أن يصلح حال حزبه المكتظ بأنصار “زوما” المشكوك في كفاءتهم وولائهم. ولمواجهة ذلك الوضع، فقد أحاط “رامافوسا” نفسه بمجموعة من المستشارين والوزراء الذين اكتسبوا خبرة في قضايا الطاقة. لقد كان “رامافوسا”، نقابيًا حازمًا، ثم تحول إلى رجل أعمال، وأصبح في الوقت الراهن في وضع جيد لقيادة جنوب إفريقيا نحو نظام الطاقة. كما تمثل الأزمة أيضًا فرصة للتوسع في قطاع الطاقة البديلة.

الانتقال من الفحم إلى الطاقة النظيفة

لا تزال جنوب إفريقيا تعتمد إلى حد بعيد على الفحم لإنتاج الطاقة. إذ تقوم شركة “إسكوم”Eskomبتوليد 90٪ من الكهرباء من مخزون “غير نظيف” بشكل متزايد يتم الحصول عليه من المناجم بعيدًا عن محطات الطاقة القديمة. وفي الأسابيع الأخيرة، عانت البلاد من انقطاع التيار الكهربائي،  الذي يُعرف محليًا باسم “تساقط الأحمال”. وعلى الرغم من تصريح “زوما” عام 2016 الذي قال فيه “لن ننزلق أبدًا من جديد”، تفاقمت المشاكل. وقد حدث تساقط الأحمال خلال عطلة نهاية الأسبوع وفي الصيف، حيث يكون الطلب منخفضًا.

وقد اعترف وزير المشاريع العامة “برافين جوردان”، أخيرًا، بأن شركة “إسكوم” تواجه حاليًا مشكلات هائلة ذات طبيعة هيكلية وتشغيلية ومالية. ولمواجهة هذه المخاوف، أعلن الرئيس “رامافوسا” عن تغيير استراتيجي في نموذج أعمال “إسكوم”، إذ سيتم إعادة تقسيمها إلى ثلاثة كيانات منفصلة، هي التوليد والنقل والتوزيع.

وتشكل عملية إعادة هيكلة “إسكوم” جزءًا من خطة الموارد المتكاملة الجديدة التي تتبناها الحكومة. فوفقًا لمسودة هذه الخطة، ستتبع الحكومة “مزيجًا متنوعًا من الطاقة” وستقوم بتصدير 42٪ من احتياجاتها من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. إلا أن النقابات العمالية تعارض بقوة الاقتراح بتخفيض الاعتماد على الفحم على نطاق واسع. رغم أن الحكومة تعهدت “بمرحلة انتقالية عادلة”، لكن النقابات تشعر بالقلق إزاء احتمال فقدان الوظائف بشكل كبير في بلد يعاني بالفعل من البطالة.

وفي حين أن هذه المخاوف المتعلقة بالعمل مشروعة حتمًا، فإن جنوب إفريقيا لديها حاجة كبيرة – ومكاسب محتملة – من استثمارات جديدة في مجال الطاقة المتجددة. علاوة على ذلك، حققت برامج المشتريات المتجددة نجاحًا كبيرًا. وقد قوبل برنامج مشتريات منتج الطاقة المستقل للطاقة المتجددة بترحيب كبير. وتمَّ تقديم ذلك البرنامج عام 2011، باعتباره أحد أكثر برامج إنتاج الطاقة المتجددة نجاحًا في العالم. وتبدو جاذبية مصادر الطاقة المتجددة واضحة، فهي لا توفر فقط فرصة لمستقبل أنظف، لكن من المتوقع أيضًا أن تصبح أرخص بمرور الوقت، خاصة مع تحسين قدرات التخزين.

الحاجة إلى القيادة

إن خطة الموارد المتكاملة والبرامج المتجددة وحدها ليست كافية؛ فهناك حاجة أيضًا للقيادة والعزم والتنفيذ. ذلك أن رسائل الإدارة السياسية كانت غير واضحة في هذا الإطار. ويبدو أنها ترضي جميع الأطراف؛ إذ تعهد وزير الموارد المعدنية “جويدي مانتشي” بأن يتم الانتقال من الفحم مع تحذير العاملين والمستثمرين بصناعة الفحم والتنبه في الوقت الذي يُتوقع فيه اتخاذ مواقف واسعة النطاق وإجراءات معينة من جانب الأحزاب العاملة في الحملات الانتخابية في الأسابيع التي تسبق الانتخابات العامة في 8 مايو المقبل، وبالتالي يتعين أن يعمل الحزب الحاكم على ضمان وصول الحكومة الجديدة إلى الساحة.

ومع احتمال أن يحافظ المؤتمر الوطني الإفريقي مع “رامافوسا” على أغلبيته بعد الانتخابات، فإن الرئيس يبدي قيادة واضحة من خلال “خطة التنمية الوطنية”، وهي الوثيقة الاستراتيجية التي تمَّ إعدادها أثناء فترة حكم “زوما”. وفي بيان أخير، التزمت الرئاسة بمتابعة أهداف الطاقة المتجددة في خطة التنمية. فقد أشار بشكل استراتيجي إلى الطاقة باعتبارها “عامل تمكينٍ رئيسيًا في مسار جنوب إفريقيا نحو النمو الاجتماعي والاقتصادي والتنمية”.

ولا شك أن جنوب إفريقيا تواجه أزمة طاقة، لكنها تمثل أيضًا فرصًا واضحة في المستقبل. إذ يبدي الرئيس إشارات على أنه سيقوم فعلاً بالعمل على تحقيق هذه الغاية، وتنفيذ البرامج الاستراتيجية على النحو المفصل في خطة التنمية.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: أوراسيا ريفيو

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر