بدأت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ الآن في الاختلاف في الطريقة التي يتم بها الإشراف على الأسواق المالية، في الوقت الذي تتراجع فيه الآمال أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق واسع بشأن التكافؤ الإشرافي في أعقاب “بريكست”.
حددت بريطانيا تعديلات على مجالات تشمل القواعد المتعلقة بتداول الأسهم والدخل الثابت والسلع بعد أشهر فقط من نهاية الفترة الانتقالية لـ “بريكست” في 31 كانون الأول (ديسمبر).
تغييرات القواعد الدقيقة تتجلى في الفلسفتين المتناقضتين بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حول كيفية تنظيم الأسواق.
من بين التغييرات المحتملة، تخطط المملكة المتحدة لإلغاء الحدود القصوى لحجم التداول الذي يتم في المجمعات المظلمة، والمجالات الخاصة التي يستطيع المستثمرون فيها تداول الأسهم دون الإشارة إلى خططهم لبقية السوق مقدما.
كما أنها توازن التغييرات على مقدار المعلومات التي يجب أن تقدم للجمهور قبل وبعد الانتهاء من الصفقات في سوقي الأسهم والسندات، وتخطط كذلك لإزالة القيود المفروضة على كمية عقود السلع التي يمكن للمتداولين الاحتفاظ بها.
أولوية الاتحاد الأوروبي هي تطوير سوق رأسمالية داخلية أكثر تناسقا. في المقابل، ينظر السياسيون البريطانيون إلى “بريكست” باعتباره فرصة للعودة إلى استعادة الصلاحيات والسلطات التقديرية للمنظمين والبورصات، التي ضاعت تحت طبقات من قواعد الاتحاد الأوروبي التفصيلية والتوجيهية.
يريد السياسيون البريطانيون منح الهيئات التنظيمية مساحة أكبر لكتابة السياسة الفنية قد تتمتع البورصات وأماكن التداول أيضا بقدر أكبر من الحريات من حيث مراقبة مستخدميها ومنتجاتها، وفقا للجنة اللوردات التي تستعرض مستقبل العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
قالت كاي سوينبورن نائبة رئيس الخدمات المالية في كيه بي إم جيه وهي عضو سابق في البرلمان الأوروبي: “كانت المملكة المتحدة دائما طرفا شاذا بالنسبة إلى أوروبا”.
أجرت سوينبورن مقارنة بالنظام الأمريكي: “في الولايات المتحدة، المنظمات ذاتية التنظيم تتحمل قدرا أكبر من المسؤولية بدلا من الاعتماد على الهيئة التنظيمية. الاتحاد الأوروبي لم يؤمن قط أن البنية التحتية للسوق المالية مناسبة للتنظيم الذاتي”.
تعتمد المواءمة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى حد كبير على اعتراف الاتحاد الأوروبي بمعايير المملكة المتحدة على أنها مكافئة. نظرا لأن المملكة المتحدة تتطلع إلى التباعد، فقد وافق الاتحاد الأوروبي على تصريحين مؤقتين فقط، يمنحان المؤسسات البريطانية مزيدا من الوصول المباشر إلى العملاء في دول الاتحاد.
لكن ارتباط السياسيين ورجال الأعمال بموضوع التكافؤ يتضاءل وتتضاءل قيمته مع مرور كل أسبوع. ميرياد ماكجينيس رئيسة الخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي، قال يوم الثلاثاء: “لا يمكن أن يكون لديك اختلاف وتكافؤ”.
قالت البارونة ريتا دوناجي، رئيسة لجنة في مجلس اللوردات تستعرض مستقبل العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي: “لو أنك سألتنا في أوائل الخريف لكنا قلنا إن التكافؤ مهم للغاية في كل منطقة (…) لكن الأمور تطورت. التكافؤ له مدة صلاحية قصيرة”.
وحثت البارونة المملكة المتحدة على إقامة علاقة وثيقة مع الاتحاد الأوروبي لكنها اعترفت قائلة: “الجو في الوقت الحالي يتسم بالبرود إلى حد ما، وهذا لا يساعد”.
كان رسم القواعد الأوروبية في كثير من الأحيان عملا متوازنا بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وبحسب كاريل لانو، الرئيس التنفيذي لمركز الأبحاث الأوروبي CEPS، الآن بعد أن غادرت المملكة المتحدة، عاد الاتحاد الأوروبي إلى نظامه المصرفي وستتمتع بريطانيا بمرونة أكبر بكثير من الاتحاد الأوروبي لتكييف قواعدها.
قال: “هذا يذكرني بالتغييرات بالجملة التي مررنا بها خلال الـ 30 عاما الماضية. كان لدى المملكة المتحدة لوائح تنظيمية ذاتية متنوعة للغاية قبل أن تبدأ السوق الموحدة”.
مع ذلك، حذرت البارونة دوناجي من أن النظام الجديد في المملكة المتحدة قد يترك البرلمان مع قدرة أقل على التدقيق في القواعد ومحاسبة المنظمين. “تتمتع الحكومة والجهات التنظيمية الآن بسلطة كبيرة في وضع لوائح الخدمات المالية.”
في حين أن من المرجح أن تسلك المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي طرقا منفصلة بشأن أجزاء مهمة من وضع القواعد المالية، إلا أن هناك أيضا مجالات قد تتداخل فيها.
هذا العام ستغير كل من لندن وبروكسل الأجزاء غير الناجحة من التشريعات الضخمة المتعلقة بالمصارف والأسواق، المصممة لتحسين النظام المالي بعد أزمة عام 2008، مثل “ميدفيد 2″ و”سولفانسي 2” لشركات التأمين، ولوائح المتطلبات الرأسمالية التي تغطي رأسمال البنوك.
قد يحاكي الاتحاد الأوروبي أيضا خطط المملكة المتحدة بشأن التداولات الفاشلة وكلاهما يبحث في القواعد لتعزيز المنافسة في أسواق العقود الآجلة في أوروبا. ما يسمى نظام الوصول المفتوح يسمح للمستثمرين باستخدام غرفة مقاصة من اختيارهم لكن تم تأجيل ذلك مرارا وتكرارا.
قد تكون هناك اختلافات دقيقة لكنها مهمة. في سلسلة من الإصلاحات السريعة لميدفيد 2، رفعت بروكسل سقف كمية عقود السلع التي يمكن للمتداولين الاحتفاظ بها، إلى 300 ألف عقد لكل متداول.
لكن المملكة المتحدة تتطلع إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك لأن أسواقها، التي تشمل العقود الآجلة لخام برنت، أكبر بكثير وذات طابع عالمي أكبر، وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على تفكير الحكومة.
ويوجد قيد الدراسة الآن خطط للسماح للبورصات بإدارة المتداولين الذين لديهم مراكز كبيرة.
ستقرر البورصة أيضا حدود حجم كتل التداولات التي يتم الاتفاق عليها بشكل خاص بعيدا عن السوق.