لمحة عامة عن لائحة الاتحاد الأوروبي الجديدة بشأن التصدي للمحتوى الإرهابي على الإنترنت | مركز سمت للدراسات

لمحة عامة عن لائحة الاتحاد الأوروبي الجديدة بشأن التصدي للمحتوى الإرهابي على الإنترنت

التاريخ والوقت : الأحد, 23 مايو 2021

ماتيو روسو

 

في خضم الجائحة العالمية الحالية، ينفِّذ الاتحادُ الأوروبي تدابير متنوعة، ترمي إلى مكافحة التهديدات الإرهابية، بجميع أشكالها. ورغم أن الاتحاد الأوروبي يبدو وكأنه قد اجتاز ودوله المرحلة الأكثر خطورة، من حيث انتشار الهجمات الإرهابية الدموية، وتواترها، فإنه لم يتوقف منذ عام 2015 عن مراقبة استغلال الجماعات الإرهابية لأحدث التقنيات. وبناء على ذلك، وفي أعقاب الهجمات التي وقعت في باريس ودرسدن وكونفلانس سانت أونوريين ونيس وفيينا في نوفمبر 2020، اتفق وزراء داخلية الاتحاد على مواصلة تعزيز جهودهم المشتركة لمكافحة الإرهاب. وأسفرت الإرادة السياسية المشتركة عن توصل المجلس الأوروبي إلى لائحةٍ جديدة بعد شهرٍ واحد.

في السنواتِ الأخيرة، ركَّزت استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب على ما يلي:

  1. تعزيز تبادل المعلومات.
  2. تعزيز عمليات التفتيش على الحدود الخارجية.
  3. منع التطرف عبر الإنترنت.
  4. تجريم تمويل الإرهاب.
  5. تعزيز التعاون مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ورغم النجاح العام في مجابهةِ التهديدات الإرهابية، فلا يزال يتعين اتخاذ خطوات عدة لمنع التطرف عبر الإنترنت. ومع ذلك، وكما أكدت ذلك جمعيات حقوق الإنسان والصحفيين، يجب التوفيق بين منع التطرف عبر الإنترنت، والحاجة إلى ضمان احترام الحقوق الأساسية، مثل حرية التعبير والمعتقدات. وبناء على هذه الفرضيات، يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على اللائحة الخاصة بالتصدي لنشر المحتوى الإرهابي على الإنترنت التي اعتمدها المجلس الأوروبي في 16 مارس 2021 وتحليل مزاياها ومثالبها.

أجندة 2020 لمكافحة الإرهاب

من أجل فهم نطاق أحدث لوائح المجلس الأوروبي، من الأهمية بمكان الإشارة بإيجاز إلى الإطار القانوني العام الذي أعدت فيه. الواقع هو أن الاتحاد الأوروبي كان يؤكد خلال العام الماضي على الحاجة إلى تعزيز التعاون بين الدول، فيما يتعلق بالتصدي الفعّال للتهديد الإرهابي. وعمومًا، تقع المسؤولية الرسمية لوضع سياسات وقوانين عامة لمكافحة الإرهاب على عاتق رؤساء الدول الأعضاء الذين وضعوا مبادئ توجيهية من خلال المجلس الأوروبي. ومن ناحيةٍ أخرى، تقدم مفوضية الاتحاد الأوروبي مقترحات بشأن القوانين والسياسات يناقشها المجلس والبرلمان الأوروبيين.

وفي الوقتِ نفسه، أسندت إلى المفوضية مهمة ضمان الإنفاذ، والامتثال للوائح. وبالنظر إلى تصاعد التهديدات الإرهابية، قدمت المفوضية أجندة جديدة لمكافحة الإرهاب ضمن الاستراتيجية الأمنية للاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2020. تهدف هذه الأجندة إلى تعزيز التنسيق والتعاون على نطاقٍ أوسع بين الدول الأعضاء، والمؤسسات الأوروبية، والمجتمع المدني، في مكافحة الإرهاب. ومن خلال نهج براجماتي، تحدد الأجندة سلسلة من الإجراءات الملموسة التي يتعين اتخاذها على المستوى الوطني، وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، من خلال تحديد أربع ركائز عمل رئيسة؛ هي:

  1. الترقب.
  2. المنع.
  3. الحماية.
  4. الاستجابة.

ولا يزال الترقب حاسمًا للتنبؤ بخطر التهديدات المحتملة، وتقييمها. وبالفعل، فإن الركيزة الأولى تشدد على الحاجة إلى تعزيز قدرة الكشف المبكر من خلال التعاون المستمر بين أجهزة الاستخبارات الوطنية، ومركز الاستخبارات، وتقدير الموقف التابع للاتحاد الأوروبي. وفيما يتعلق بمنع التهديدات الإرهابية، اقترحت المفوضية اعتماد قانون الخدمات الرقمية للتعجيل بإزالة المحتوى غير القانوني على الإنترنت إلى جانب تنفيذ بروتوكول الاتحاد الأوروبي بشأن التعامل مع الأزمات.

وفي هذا السياق، سلّطتِ المفوضية الضوءَ على الحاجة الملحّة للتدخل في مجالي إعادة التأهيل وإعادة الإدماج، لا سيما فيما يتعلق بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب وأفراد أسرهم. ويجب دعم هذه العمليات جميعها من خلال البحوث المستمرة التي يجريها “مركز المعرفة” بشأن منع التطرف.

من الناحية العملياتية، دعتِ المفوضية الدول الأعضاء إلى ضمان حماية الأماكن العامة، والبنى التحتية الحيوية، مع تحديد الأهداف الحساسة. وبصورة قاطعة، تهدف الأجندة الأوروبية إلى تحسين التعاون في مجال الشرطة التنفيذية/ العملياتية على الصعيد الأوروبي، والحثّ على توفير حماية أفضل لضحايا الأعمال الإرهابية، من خلال تدابير الجبر والتعويض. وفي هذا السياق، اعتمد المجلس الأوروبي في مارس 2021 لائحة تختص بالتصدي لنشر المحتوى الإرهابي على الإنترنت، على أن تُعتمد من البرلمان الأوروبي في نهاية أبريل.

التصدي للمحتوى المتطرف عبر الإنترنت

وفقًا لتقرير الاتحاد الأوروبي بشأن حالة واتجاهات الإرهاب لعام 2020، لعبت شبكات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المراسلة، دورًا محوريًا في التخطيط والتنفيذ للهجمات الإرهابية التي وقعت في السنوات القليلة الماضية.

كما أن تقنيات التشفير جعلت من المستحيل عمليًا على السلطات تتبع الاتصالات عبر الإنترنت، ما أعطى غطاء للإرهابيين للتخطيط لعملياتهم بحرية.

وعلاوة على ذلك، فمن الحقائق الثابتة أن الإنترنت يسهّل عملية التطرف ويسرّعها في بعض الأحيان، ويعمل كـ “غرفة صدى”. ومع ذلك، فإن التطرف عملية معقدة تنطوي على عوامل اجتماعية ونفسية وانتهازية.

في الوقت الراهن، يتعين على البرلمان الأوروبي أن يقرر ما إذا كان سيوافق على نص اللائحة، في ظلِّ المخاوف التي أعربت عنها جمعيات حقوق الإنسان والصحفيين. وتدعو اللائحة الدول الأعضاء، وأي سلطة مختصة، إلى إصدار أوامر الحذف لأي مقدم خدمات يستضيف محتوى متطرف.

كما يجب على منصات الإنترنت تعطيل المحتوى أو إزالته في غضون ساعة واحدة من الطلب. وبناء على ذلك، سيكون مقدمو الخدمات هم المسؤولون عن تقييم مدى التهديد وطبيعته، وبالتالي يقررون ما إذا كانت المفردات أو التعبيرات المخالفة تندرج تحت الخطاب القانوني أو غير القانوني.

وبشكل أكثر تحديدًا، سيكون لأي سلطة مختصة في دولة عضو سلطة إنفاذ ولايتها القضائية في أي دولة عضو أخرى، ومن ثم تأمر بحذف المحتوى في غضون ساعة واحدة. وستتحقق الدولة العضو المستضيفة لمقدم الخدمة فيما إذا كان مثل هذا الأمر ينتهك الحقوق الأساسية “بشكل خطير أو واضح”. وفي حين قد يسمح هذا البند بتفسيراتٍ فضفاضة؛ ومع ذلك، تشير لائحة الاتحاد الأوروبي إلى واجب عام على مقدمي الخدمات يتمثل في احترام حرية التعبير والمعلومات إلى جانب توفير سبل انتصاف قضائية للمستخدمين ومقدمي الخدمات.

من ناحيةٍ أخرى، قد يؤدي قرار إسناد الخوارزميات وأدوات الإشراف الآلي على المحتوى -بهدف حذف المحتوى بسرعة- إلى انتهاك حرية التعبير. وليس من الواضح تمامًا ما إذا كان بإمكان تلك النظم الآلية التفريق بين الدعاية والمحتوى الساخر أو التعليمي. وقد أشارت منظمات دولية غير حكومية مثل “هيومن رايتس ووتش” إلى أن عدم وجود رقابة قضائية أولية على تدابير حذف المحتوى يشكّل خطرًا حقيقيًا على حرية التعبير والتجمع والدين، وبالتالي، فإنه يتعارض مع ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي.

خوارزميات التعلم الآلي

في الوقت الحاضر، أصبح استخدام خوارزميات التعلم الآلي لتتبع المحتوى الإرهابي وكشفه واسع الانتشار. ويُعزى ذلك إلى أنه سيكون من المستحيل تقريبًا على السلطات القضائية اكتشاف جميع بصمات الإرهابيين الرقمية يدويًا. ولذلك، تعكف الوكالات الحكومية، وكذلك العلماء والباحثين، على دراسة كيفية استخدام خوارزميات التعلم الآلي لكشف اللغة المتطرفة وقياس محددات الدعاية. ومن ناحية أخرى، تُثار في جميع أنحاء العالم مخاوف بشأن انتهاك الخصوصية الشخصية وحرية التعبير.

وقد أظهرت الدراسات كيف أن محركات البحث -من خلال توجيه الاستفسارات وتنقيحها- تساعد المستخدمين على التنقل في المحتوى، والعثور في نهاية المطاف على المعلومات التي يبحثون عنها. وعلاوة على ذلك، فإن الخوارزميات الكامنة وراء برمجيات التوصية ]فرع من أنظمة تصفية المعلومات التي تهدف إلى توقع إعجاب المستخدم بمنتج معين[ تجلب مجموعة من الصفحات ذات الصلة، ما قد يعزِّز في النهاية المواقف المتطرفة.

هذا، وتتمتع منصات التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” بالقدرة على تصفية قرابة 98% من المحتوى الضار على منصتها، بفضل خوارزميات التعلم الآلي. ومع ذلك، فلا تزال هناك أوجه قصور، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالسياقات المع

قدة وترجمة اللغات. لهذا السبب، أصبحت أحدث الابتكارات القائمة على التعلم الآلي مثل معالجة اللغة الطبيعية (NLP) مفيدة جدًا في إدارة المحتوى الذي ينشئه المستخدم، وفي تحسين الإشراف على المحتوى. ويمكن أن تحلل أنظمة معالجة اللغات الطبيعية اللغة من حيث تركيبتها السياقية والبنيوية، ما يجعلها قادرة على التمييز بين حرية التعبير والدعاية الإرهابية.

الخلاصة

أضحى عالم الإنترنت يتغلغل في وجودنا كله، عبر العديد من الجوانب. ويبحث الفلاسفة وعلماء الذكاء الاصطناعي وعلماء الاجتماع عن حلول، ويسعون لاستكشاف طبيعة التحديات الوجودية والأخلاقية الرئيسة في عصرنا، مؤكدين أن الخط الفاصل بين العالم الافتراضي والواقعي أصبح ضبابيًا. ولهذا الغرض، صاغ فيلسوف المعلومات الإيطالي لوتشيانو فلوريدي، مصطلح “الحياة على الإنترنت” (onlife) لوصف بُعدٍ هجين جديد، حيث تتداخل فيه الحياة الواقعية مع المجال الرقمي/الحياة الافتراضية. وفي إطار هذا التداخل المترابط والمعقد بين الطبقات التواصلية، ليس من السهل إيجاد حل مشترك يمكن أن يوفق بين جميع الحالات.

لا شك أن لائحة الاتحاد الأوروبي الجديدة بشأن التصدي لنشر المحتوى الإرهابي على الإنترنت هي محاولة قيّمة لمكافحة التطرف عبر الإنترنت، وإن كانت تعرّضت لانتقاداتٍ عادلة من قبل نشطاء حقوق الإنسان. ومن المؤكد أن أنظمة التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي قد تساعد البشر في عمليات التقييم التي يقومون بها؛ ولكنها لا يمكن، في الوقت الحاضر، أن تحل محلها تمامًا. وفي الوقت نفسه، يتعين على مؤسسات الاتحاد الأوروبي حماية سلامة مواطنيها مع ضمان الاحترام الكامل لحقوقهم الأساسية. وفي إطار هذا التوازن الدقيق للحقوق، يتعين على كل جهة فاعلة أن تواصل مهمتها على أمل أن تتمكن هذه العملية الجدلية التشاركية، التي تُسمى الديمقراطية، من إيجاد حلٍّ مشترك ومُرضٍ في نهاية المطاف.

المصدر: كيو بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر