سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
هارش بانت
تواصل الدول الغربية اعتبار شركة هواوي دليلاً على عدم وجود استراتيجية متماسكة للإدارة في بكين حتى بعد الاعتراف بالمشاكل التي أحدثه ظهور هذه الشركة.
فالصين تمثل حاليًا قوة عالمية هائلة ولا خلاف على ذلك. فقد باتت صورتها العالمية أقوى بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. إذ يزداد وضعها العسكري قوة يومًا بعد آخر، وهو ما يتحقق في الغالب على حساب جيرانها. فقد وصل صعودها الدبلوماسي إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، وهو ما يجعل من المستحيل فعليًا حل المشاكل العالمية دون المشاركة الفعالة للصين.
سياسات ترمب
إن كافة الدول التي تتجه اليوم نحو إثارة الصين، بات من المتعين عليها أن تدرك أنها أصبحت أمرًا واقعًا، وينبغي التعامل معها بطريقةٍ أو بأخرى. فلا يزال الجدل قائمًا حول ما إذا كان الشكل الحالي للنموذج الصيني يتخذ صفة الاستدامة أم لا. فالطريقة التي يتعامل بها الحزب الشيوعي الصيني مع تفشي فيروس كورونا، لا تبدو ملهمة حقًا وليست مقنعة بالثقة في استعداد الحزب وقيادته للانفتاح على العالم. ومع ذلك، وعلى الرغم من أوجه القصور التي تشوب تلك الطريقة، فقد نجحت الصين في تقديم أدلة ذات مصداقية تؤكد أنها قوة عالمية.
ومن أبرز دلالات صعود الصين، هو ذلك الخلط الذي أحدثته بين أولئك الذين يتعين عليهم الاستجابة لدورها المتنامي. فلا تزال الدول الغربية وحلفاؤها مرتبكين ومقسمين حتى مع استمرار بكين في التعدي على حلفائها.
لقد كانت أحد أهم إنجازات رئاسة دونالد ترمب هي الطريقة التي حولت بها الخطاب الغربي بشأن الصين، حيث أصبح من الممكن إجراء تقييم صارم لصعود الصين. وبالتالي، هناك إجماع متزايد بين الدول الغربية على أن النهضة الاقتصادية للصين قد تحققت بفضل الخبرات الأجنبية ورأس المال الذي تمكنت من اكتسابه من خلال فرص نقل التكنولوجيا وسرقة الملكية الفكرية واستغلال عنصر العمل.
ففي عام 2018، كشف نائب الرئيس الأميركي “مايك بينس” عن توجه إدارة ترمب بشأن الصين عندما قال: “إن الصين لا تريد سوى دفع الولايات المتحدة الأميركية من غرب المحيط الهادئ ومحاولة منعنا من تقديم المساعدة لحلفائنا، فالولايات المتحدة تريد من بكين أن تتبع سياسات تجارية حرة وعادلة ومتبادلة”، وأشار إلى استجابات السياسة الأميركية لكبح جماح الصين والتي تضمنت قواعد أكثر تشددًا في نقل التكنولوجيا وزيادة الإنفاق العسكري الأميركي واتفاقات تجارية ثنائية مع دول أخرى في الهند والمحيط الهادئ.
وفي الوقت الذي اتبعت فيه إدارة ترمب قيودًا صارمة على التجارة والتكنولوجيا فيما يتعلق بالصين، وبالتوافق مع الديمقراطيين بشأن الإنفاق العسكري المعزز من قبل الكونغرس الأميركي، فقد باتت هناك صعوبة في حصول بكين على الدعم الكامل لحلفائها في الغرب. ففي مؤتمر ميونيخ الأمني الذي عقد الأسبوع الماضي، حذَّر وزير الدفاع الأميركي “مارك إسبر” حلفاء أميركا من أن الوقت قد حان “للاستيقاظ” أمام التهديد الصيني، وأعلن وزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو” أن الغرب “يكسب” من الصراع مع الصين. لكن استجابة الحلفاء الأوروبيين كانت مخيبة للآمال. حيث يرى كثيرون في أوروبا الغربية أن نهج إدارة ترمب الأحادي الجانب للسياسة العالمية يمثل تحديًا كبيرًا كما هو في حالة الصين. وهو ما أكده الرئيس الألماني “فرانك فالتر شتاينماير” عندما قال: “إن أقرب حلفائنا، الولايات المتحدة الأميركية، في ظل الإدارة الحالية، ترفض مفهوم المجتمع الدولي ذاته”.
سؤال هواوي
رغم أن الاتحاد الأوروبي أعلن في مارس 2019 أن الصين تعدُّ “منافسًا منظمًا”، فقد كانت ثمة صعوبة في التوصل إلى توافق في الآراء حول كيفية التعامل مع صعود الصين. فألمانيا، على وجه الخصوص، كانت مترددة في اتخاذ موقف معادٍ من الصين من خلال تأييدها الصريح للسياسة الأميركية تجاه بكين. وفي رفضها للضغوط التي تمارسها واشنطن على حلفائها لحظر شركةهواوي Huawei، أكبر مورد في العالم لمعدات الاتصالات، وأكبر مزود لشبكات الجيل الخامس الجديدة G5، قررت ألمانيا عدم حظر شركة الاتصالات الصينية العملاقة من التنافس على عقود لبناء شبكات الجيل الخامس، وقد أوضح وزير الداخلية أن ألمانيا لا يمكنهابناء شبكات الجيل الخامس للهاتف المحمول من دون هواوي. وذلك على الرغم من تهديد الولايات المتحدة بأن أي دولة “تختار استخدام التعامل مع شركة هواوي، فإنها غير جدير بالثقة، كما أنها تهدد قدرتنا على تبادل المعلومات الاستخباراتية والمعلومات معها على أعلى مستوى”.
البيت المنقسم
خلال الشهر الماضي، قررت المملكة المتحدةالاستمرار في التعامل مع شركة هواوي في إطار مساعي بناء شبكات الجيل الخامس، رغم وجود بعض القيود التي تفرضها واشنطن، وهو ما يشكل تحديًا للسياسة الأميركية. وكانت بكين حذَّرت المملكة المتحدة من أنه قد يكون هناك “تداعيات كبيرة” على خطط التجارة والاستثمار الأخرى في حالة فرض حظر كامل على شركة هواوي. وقد تعرض هذا القرار لانتقادات شديدة في الولايات المتحدة من جانب “نيوت جينجريتش، الرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي، الذي وصفه بأنه “هزيمة استراتيجية” لبلاده.
وقد أدى ذلك أيضًا إلى حدوث تصدعات بين المملكة المتحدة وأستراليا، حيث قام نائب رئيس لجنة الاستخبارات الأسترالية بمقارنة قرار المملكة المتحدة بالسماح للصين ببناء بنيتها التحتية للاتصالات في إطار شبكات الجيل الخامس والسماح لروسيا ببناء تلك الشبكة. ونظرًا لأن كلاً من أستراليا والمملكة المتحدة تمثلان جزأين مما يعرف بـ”التحالف الاستخباري ذي العيون الخمسة”، فمن الممكن أن يعتبر هذا الخلاف بمثابة تمهيد لفترة عصيبة مقبلة بالنسبة للغرب في رسم سياسةٍ متماسكةٍ تجاه الصين.
إن تحدي الصين ليس بالأمر السهل، إذ يمكن أن يتكرر هذا النموذج، الذي قد تمثله الهند ذات يومٍ. في حين لا يوجد لدى الغرب استراتيجية متماسكة لإدارة التعامل مع صعود الصين حتى بعد الاعتراف بالمشاكل التي ولّدها ظهور شركة هواوي. وربَّما تكون هذه هي الإشارة الواضحة على أن الصين اليوم باتت حقًا قوةً عالمية تتمتع بقدرة غير مسبوقة على تقسيم تحالف نجح في إسقاط الاتحاد السوفييتي العظيم.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: ديلي أو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر