سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
خالد أبو ظهر
هناك الكثير من الأشياء في حياتنا اليومية التي تعتمد على الفضاء، وأكثرها وضوحًا هو نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). فجميع التطبيقات القائمة على الموقع التي نستخدمها يوميًا مثل: أوبرUber، وسناب SnapK، وطلبات Talabat، وجوجل، وخرائط Google Maps، وأمازون Amazon وغيرها مما يرتبط بنظام تحديد المواقع العالمي؛ لذا فقد فتح الفضاء آفاقًا اقتصادية بقيمة 100 مليار دولار. وبخلاف ذلك، فإن أي تعطيل لهذه الخدمة يمكن أن يتسبب في خسائر فادحة، كما يعطل سلاسل التوريد والاقتصادات المختلفة.
لقد شهد العقد الماضي تحولاً في الأعمال التجارية في الفضاء. فمنذ سنوات عديدة، وخلاف أقمار الاتصالات التي مكنتنا من مشاهدة برامجنا المفضلة أو نهائيات كأس العالم مباشرةً، كان لمعظم الأعمال الفضائية عميلان: الأول هو وزارات الدفاع ووكالات الفضاء، والثاني هو وكالة ناسا للولايات المتحدة ووكالة الفضاء الأوروبية والوكالات الوطنية لأوروبا وبقية العالم. وقد تحول هذا الأمر من خلال النشاط التجاري بين ناسا، و”سبيس إكس”SpaceX ، التي أسسها “إيلون ماسك” Elon Mus، حيث بدأت وكالة ناسا في تخصيص خدمات الأعمال لشركة “سبيس إكس” في محاولة منها لخفض التكاليف. في حين كانت تلك خطوة عملية تحولية لاقتصاد الفضاء، حيث انخفضت تكلفة إرسال أي شيء إلى الفضاء من 18 ألف دولار للكيلو إلى أقل من أربعة آلاف دولار.
وقد فتح هذا الباب أمام تسليع الفضاء وتسويقه؛ حيث تتراوح فرص الأعمال الجديدة من المصانع إلى السياحة الفضائية. ويوجد حاليًا الآلاف من الشركات العاملة في قطاع الفضاء وآلاف الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض (إنها تخلق حطامًا فضائيًا، لكن هذا موضوع آخر). ومع المزيد من الأصول والمصالح الاقتصادية في الفضاء، فقد أصبحت أيضًا ميدانًا للمواجهة المحتملة. كما أنها تختلف عن المنافسة الدائرة من أجل الوصول إلى الفضاء، وهي التي كانت موجودة خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، بينما في هذه المرة يتعلق الأمر بإيجاد مساحة في الفضاء وحمايته.
لقد أدى ذلك إلى تنامي التركيز على تطوير قدرات الدفاع الفضائي بالتوازي مع خصخصة القطاع القادم بشكل أساسي من الولايات المتحدة. فقد بدأت وزارات الدفاع في جميع أنحاء العالم تأخذ على محمل الجد مخاطر تعطيل أقمار الاتصالات وغيرها من الخدمات أو الأصول في الفضاء. كما أن ذلك يتوافق مع هدفها المتجدد، الذي يتمثل في إعادة البشر إلى القمر وإنشاء بنية تحتية مستدامة حقيقية يمكنها دعم الحياة. فبحلول عام 2025، يهدف برنامج “أرتميس” الذي تقوده الولايات المتحدة، بشكل متعدد الجنسيات إلى إطلاق أول رحلة مأهولة إلى القمر منذ مهمة أبولو الأخيرة في عام 1972، لكن هذه المرة يتم الأمر بالتعاون مع الشركات والمبادرات الخاصة التي تحتاج جميعها إلى الحماية وسيادة القانون.
توجد قوانين تنظم النشاط الفضائي، وذلك من خلال تشجيع المشاركين على احترامها، لكن لا يمكن تنفيذ ذلك الأمر. فالحرب في أوكرانيا تعد الأولى التي امتدت إلى الفضاء، لأنها كشفت مدى التعاون الإيجابي الموجود في هذا الصدد. وتُظهر محطة الفضاء الدولية قوة التعاون العالمي وفوائده للبشرية من خلال الاكتشافات وفتح الفرص الاقتصادية الجديدة. كما أظهر التعاون في عمليات الإطلاق والخدمات الأخرى مدى الترابط بين قطاع الفضاء، إنها حاليًا تمثل منطقة صراع محتملة من الممكن أن تسفر عن تحول في استكشاف الفضاء.
خلال الأيام الأخيرة، اتهمت المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي روسيا بالوقوف وراء هجوم إلكتروني استهدف شبكة اتصالات عبر الأقمار الصناعية مستخدمة في أوكرانيا قبل بدء الحرب. إذ تم تعطيل الشركات والأفراد الذين يستخدمون أجهزة توجيه من إنتاج شركة “فياسات”Viasat ، وهي شركة أميركية توفر اتصالات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية ذات النطاق العريض. وفي نوفمبر من العام الماضي، اختبرت روسيا سلاحًا مضادًا للأقمار الصناعية، كما قامت عمدًا بتدمير أحد أقمارها الصناعية البائدة. وقد خلف ذلك الاصطدام مئات الآلاف من أجسام الحطام التي تشكل الآن خطرًا على طاقم محطة الفضاء الدولية والأقمار الصناعية الأخرى في مدار أرضي منخفض. وقد أجرت دول أخرى اختبارات مماثلة في رسالة واضحة عن القدرة على التعطيل؛ في حين تبادلت جميع الأطراف التهديدات، وكان رئيس وكالة الفضاء الروسية قد هدَّدَ، في وقت سابق، بالسماح لمحطة الفضاء الدولية بالنزول إلى مدار خارج عن السيطرة والوقوع في الولايات المتحدة أو أوروبا، وهو ما أدى في مجمله إلى توقف التعاون الدولي.
من ناحية أخرى، أخذ القطاع الخاص زمام المبادرة في مجال الفضاء. إذ بدأت شركة “ستارلينك” Starlink التابعة لـ”إيلون ماسك” Elon Musk في إرسال شحنات من مجموعات الأقمار الصناعية إلى أوكرانيا بعد وقت قصير من بدء الحرب. ويمكن للأوكرانيين استخدام مجموعات “ستارلينك” للاتصال مباشرة بشبكة “سبيس إكس” في المدار نفسه، حيث أطلقت الشركة حوالي ألفي قمر صناعي حتى الآن، وقد تم استخدام هذه المعدات للتكيف في ساحة المعركة. كما تقوم شركة “سبيس إكس” بسحب الإيرادات من روسيا؛ حيث اعتمد العالم على موسكو لإرسال رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية بتكلفة 70 مليون دولار لكل منهم، وهو ما يمكن لـ”سبيس إكس” في الوقت الراهن تحقيقه مقابل 50 مليون دولار.
بجانب ذلك، احتلت الشركات الخاصة مركز الصدارة في حرب المعلومات في أوكرانيا؛ حيث تمكنت شركات مراقبة الأرض من تقديم صور عالية المستوى وتحليل البيانات الذي كان يقتصر في السابق على الجيش. وكان ذلك بمثابة تغيير لقواعد اللعبة، حيث تدعم شركات مثل “بلانيت لاب” Planet Lab ، التي نرى صورها كل يوم في الأخبار، الجهود الأوكرانية طوال الوقت. وفي المستقبل، سوف يحدث الاتصال المباشر من الهاتف إلى الأقمار الصناعية المزيد من التغيير. لقد بدا من الواضح في الوقت الراهن أن الفضاء قد أصبح مجالاً للفرص الاقتصادية وتكوين الثروة، وبالتالي يتحول إلى منطقة مواجهة محتملة بعضها عسكري. ذلك أنه لسنوات عديدة، حتى أثناء الحرب الباردة، كان الفضاء محصنًا من الجغرافيا السياسية، لكننا دخلنا في العصر الحالي عصر السياسة الفلكية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Arab News
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر